ملحمة تاريخية سطرها المصريون لحفر المجري الثاني لقناة السويس ثمانية أيام (من الخميس 4 الي 15 سبتمبر 2014) سوف تسجل في التاريخ، بتوفير 64 مليار جنيه لتمويل حفر المجري الثاني من قناة السويس وخلال هذه الأيام الثمانية صنع المصريون بأموالهم مشروعاً وملحمة تاريخية، تحسب للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي اطلق شرارتها في يوم 5 أغسطس 2014 ليبدأ بعدها مرحلة من الدراسات والتشاورات ويقترح محافظ البنك المركزي هشام رامز صورة أفضل للتمويل تتمثل في الشهادات، ويوافق الرئيس ويطلب قصرها علي المصريين فقط، وأن يحقق المصري أعلي عائد، ويبدأ رامز في اجتماعات متواصلة مع أربعة بنوك هي: الاهلي ومصر والقاهرة وقناة السويس، يدرسون فيها كل التفاصيل ويعدون قانون تمكين هيئة قناة السويس من جمع الاموال، وفي أيام معدودة يجمع المصريون ما تحتاجه القناة بحس وطني كنت شاهداً ومتابعاً له، فقد تبنت الوفد القضية وأعطت لها مساحات في الصفحة الأول والأولي مكرر بما يشير الي مدي دعم الحزب والجريدة لمشروع تنمية قناة السويس. ملحمة تاريخية، يجب أن نسجلها للتاريخ، والباحثين في صفحات الجرائد بعد مئات السنين. ويجب أن نلقي نظرة علي التاريخ لكي نري المستقبل، التي نعرضها باختصار لضيق المساحة. المجري الأول للقناة طريق رأس الرجاء الصالح الذي اكتشفه البرتغاليون 1488 م كان السبب الرئيسي في انهيار دولة المماليك بمصر عام 1517م بسبب تحول التجارة عن مصر، قضي علي سيطرة الايطاليين علي التجارة، وهو ما دفعهم إلي مطالبة المماليك بحفر قناة بين البحر الاحمر والبحر المتوسط إلا أن البرتغاليين هددوا المماليك بالاتفاق مع الأحباش علي تحويل مجري مياه النيل عن مصر إلي البحر الأحمر، وجاء نابليون إلي مصر 1798 م وأمر علماءه بدراسة إمكانية شق القناة، واشار العلماء إلي وجود اختلاف في مستوي البحرين، واقترحوا مشروع آخر، ولكن خسارة فرنسا لأسطولها في معركة أبي قير سنة 1798م عجل بخروج الفرنسيين من مصر و لم يكتب للمشروع التنفيذ.و عاد الفرنسيون لاقتراح المشروع علي محمد علي سنة 1833م ، ولكن قال محمد علي قولته الشهيرة «لا أريد بوسفوراً في مصر» خوفا من تدخل القوي الدولية في شئون مصر، إلي أن جاء دليسبس، وصدر الفرمان في 30 نوفمبر 1854م وكانت أهم شروطه: أن تكون مدة الامتياز 99 عاما من يوم افتتاح القنال وتوزع 10% من أرباح الشركة علي الأعضاء المؤسسين وأن تترك الحكومة المصرية الأراضي غير المزروعة و الصالحة للزراعة للشركة للانتفاع بها و ريها من مياه الترعة الحلوة بدون ضرائب لمدة عشر سنوات و بضريبة العشر لمدة 89 سنة و بضريبة المثل بعد ذلك. وللشركة امتياز استخراج المواد الخام اللازمة للمشروع من المناجم و المحاجر الحكومية دون ضرائب، و كذلك إعفاء الشركة من الرسوم الجمركية علي جميع الآلات و المواد التي تستوردها. وأن تأخذ الحكومة المصرية 15% سنويا من صافي أرباح الشركة وغيرها من الشروط. واعتمد سعيد باشا قانون الشركة في 5 يناير 1856م، في نفس اليوم أصدر فرمانا مفصلا للفرمان الأول 1854م و في 15 نوفمبر 1858م صدر الاكتتاب العام في شركة قناة السويس واستمر 15 يوما حتي 30 نوفمبر. طرح في الاكتتاب أربعمائة ألف سهم بواقع 500 فرنك للسهم الواحد. وكانت نتيجة الاكتتاب: 207111 سهما لفرنسيين، 177642 سهما لمصر، الباقي لمساهمين من اسبانيا وإيطاليا والدولة العثمانية وهولاندا وروسيا. وبذلك تكون فرنسا لها الأغلبية في مجلس الإدارة وإدارة القناة. وكانت مصر تمتلك حوالي 44 % من أسهم شركة القناة و 15% من أرباحها ولكنها خسرت كل شىء كيف؟ لعبت انجلترا دوراً في خسائر مصر حيث أقنعت الباب العالي بأن المشروع ينتقص من سيادة مصر، فأرسل الباب العالي إلي الخديو اسماعيل يأمره باستعادة الأراضي الزائدة على حاجة المشروع ترعة المياه الحلوة وحذف تعهد الحكومة بتوريد الأنفار المصريين للعمل في المشروع و إلا فلن يصدق علي فرمان الامتياز. وهو ما أدي إلي دفع ملايين كتسويات لتقبل الشركة التنازل عن الأراضي الزائدة و ترعة المياه الحلوة وخفض العمالة المصرية المتفق عليها من 20 ألف عامل إلي 6 آلاف عامل فقط، وخسرت مصر أموالاً طائلة لاستعادة ما كان سعيد باشا قد منحه مجانا للشركة، وإنفاق مبلغ مليون ونصف جنيه علي حفل افتتاح القناة في 17 نوفمبر 1869م. وفي 1875 مرت بمصر أزمة مالية طاحنة اضطر معها الخديو اسماعيل إلي بيع حصة مصر من أسهم القناة للحكومة الإنجليزية بمبلغ مائة مليون فرنك في 25 نوفمبر 1875م. وبذلك حلت الحكومة الإنجليزية محل المصرية في ملكية شركة قناة السويس. وبسبب ديون نادي باريس قامت مصر ببيع حصتها في الارباح، لتخسر مصر كل شىء بعد 6 سنوات فقط من افتتاح القناة. وكان للحركة الوطنية دور كبير في رفض الاقتراح الذي قدم للحكومة المصرية عام 1910 لمدة امتياز شركة قناة السويس الذي كان مقرراً له أن ينتهي في نوفمبر 1968 لمدة 40 سنة أي ينتهي عام 2008، خاصة بعد ملاحظة تزايد حركة التجارة، كتب محمد طلعت حرب كتاباً لتبصير الناس بعواقب مد الامتياز، خلص إلي القول أن السهم الذي باعتها مصر ب 560 فرنكا للسهم الواحد أصبح سعره بعد ثلاثين سنة فقط 5010 فرنكات للسهم، وحصتها من أرباح القناة التي باعتها ب 22 مليون فرنك أصبحت فيمتها 300 مليون فرنك. وإزاء الضغط الشعبي تم رفض الطلب وبقي الامتياز قائما بشروطه حتي جاء التأميم 1956م قبل نهاية الامتياز ب 12 سنة. وتناول كتاب تناول طلعت حرب في كتابه الذي صدر 1911 تحت عنوان علاج مصر الاقتصادي ومشروع بنك للمصريين، وكان تأسيس بنك مصر معزوفة وطنية عزفها كل فئات الشعب، فلانت معها إرادة الحكام ورضخ لها الاحتلال. بعد ثورة 1919 بدأ الحديث يتزايد عن بنك لتحقيق الاستقلالية للاقتصاد وفي 5 أبريل 1920 م، صدر المرسوم السلطاني من سلطان مصر أحمد فؤاد، بتأسيس شركة مساهمة تدعي بنك مصر من مساهمين كلهم مصريون هم: أحمد مدحت يكن باشا، يوسف أصلان قطاوي باشا وهو من كبار الأعيان اليهود المصريين، ومحمد طلعت حرب بك، وعبد العظيم المصري بك، وعبد الحميد السيوفي بك، والطبيب فؤاد سلطان بك، واسكندر مسيحة افندي، وعباس بيسوني الخطيب افندي. وفي 10 مايو 1920م بدأت رحلة بنك مصر في تمصير الاقتصاد المصري. وقبل أن تأتي ثورة 23 يوليو 1952 قام مجموعة من المستثمرين الوطنيين معظمهم من الوفديين بتأسيس بنك القاهرة في 8 مايو 1952 كشركة مساهمة مصرية، بموجب المرسوم الملكي وبلغ رأس مال البنك عند تأسيسه 500 ألف جنيه مقسمة إلى 125 ألف سهم (31250 سهما اسمي و93750 سهما لحامله) بقيمة 4 جنيهات للسهم الواحد. تم تشكيل أول مجلس إدارة للبنك، وضم 12 عضواً. وعيّن المؤسسون عبد الشافي عبد المتعال باشا رئيساً لأول مجلس إدارة للبنك. تم افتتاح المركز الرئيسي للبنك في 47 شارع قصر النيل بالقاهرة يوم 15/5/1952. وشكل مجلس الادارة من وعبد المجيد بدر باشا، وعبد القوي احمد باشا، واحمد علي علوية باشا، عبد الحميد سراج الدين بك ودولة جميل مردم بك وموريس دوس بك وعبد المجيد الرماني بك ومحمد سيد ياسين بك، وشوكت حماد بك المدير العام. وكان قراراً صائباً عندما تم ادخال بنك قناة السويس، فربما يكون البنك الوحيد الذي جاء في المادة الثانية من قرار وزير الاقتصاد رقم 55 لسنة 1978 بالترخيص بتأسيس بنك قناة السويس ومن ضمن أغراضه «تمويل وتأسيس والمشاركة في مشروعات التنمية وخاصة في منطقة قناة السويس والمناطق الحرة». واليوم ملحمة تاريخية جديدة يقوم بها المصريون، ونفذتها البنوك بحرفية عالية، يطلب الرئيس أن يكون تمويل وحفر القناة من المصريين فقط، ولتبدأ مصر في حفر المجري الثاني لقناة السويس.