سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    "ارتفع 140جنيه".. سعر الذهب بختام تعاملات الأمس    "فيتش" تغير نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر الائتماني إلى إيجابية    إسكان البرلمان تعلن موعد تقديم طلبات التصالح في مخالفات البناء    شهيد وعدد من الإصابات جراء قصف شقة سكنية بحي الجنينة شرق رفح الفلسطينية    مفاجآت في تشكيل الأهلي المتوقع أمام الجونة    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    حار نهاراً معتدل ليلاً.. حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    آمال ماهر تغني بحضور 5000 مشاهد بأول حفلاتها بالسعودية    «من الأقل إلى الأكثر حظا».. توقعات الأبراج اليوم السبت 4 مايو 2024    فوبيا وأزمة نفسية.. هيثم نبيل يكشف سبب ابتعاده عن الغناء السنوات الماضية    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    محمد سلماوي يوقع كتابه «الأعمال السردية الكاملة» في جناح مصر بمعرض أبو ظبي    المتحدة تنعى الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    التموين تشن حملات لضبط الأسعار في القليوبية    لندن تتوقع بدء عمليات ترحيل اللاجئين إلى رواندا في يوليو المقبل    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    بركات: شخصية زد لم تظهر أمام المقاولون.. ومعجب بهذا اللاعب    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    سيول وفيضانات تغمر ولاية أمريكية، ومسؤولون: الوضع "مهدد للحياة" (فيديو)    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    مراقبون: صحوات (اتحاد القبائل العربية) تشكيل مسلح يخرق الدستور    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    سيدات سلة الأهلي| فريدة وائل: حققنا كأس مصر عن جدارة    ملف يلا كورة.. اكتمال مجموعة مصر في باريس.. غيابات القطبين.. وتأزم موقف شيكابالا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    "والديه كلمة السر".. كشف لغز العثور على جثة شاب مدفونًا بجوار منزله بالبحيرة    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    أمن القليوبية يضبط «القط» قاتل فتاة شبرا الخيمة    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    حسين هريدي ل«الشاهد»: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    تصريح دخول وأبشر .. تحذير من السعودية قبل موسم الحج 2024 | تفاصيل    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالحكيم عامر كان مخولاً بصلاحيات رئيس الجمهورية في سوريا
"عامر" شماعة "عبدالناصر" (3) عبدالناصر لم يستمع إلى كل النصائح التى طالبت بالتمهل فى إقامة الوحدة
نشر في الوفد يوم 17 - 09 - 2014

الوحدة السورية قصفت عمر التنمية فى مصر عقوداً طويلة
سنوات الوحدة في سوريا كانت قحطاً وجدباً وقلة في المحاصيل الزراعية
محمود رياض: سوريا لديها قيامتان.. القيامة الكبرى عندما يخسرون ليرة واحدة.. والصغرى هى قيامتنا جميعاً كمسلمين
«عبدالناصر»: لن يجوع فرد في سوريا وفي مصر رغيف عيش
«السراج» ل«صلاح نصر»: سأقطع رجل أي نشاط مخابراتى من عندكم لدينا
القرارات الاشتراكية التى أصر «ناصر» علي تطبيقها كانت الفتيل المفجر للانفصال
«عامر» كان يرفض الاقتراب أو الاعتراض على تصرفات رجاله ويعتبرها مساساً بشخصه ويمس كرامته
«السراج» حاز على جميع السلطات في سوريا «وزارة الداخلية والمخابرات والمباحث والأمن العام والاتحاد القومى والمؤسسات الاقتصادية والإعلامية»
المشير عامر و«أمين شاكر» رفع كلٌ منهما السلاح في وجه الآخر عندما احتدم النقاش حول تصرفات رجال المشير في سوريا
حزب البعث اتخذ الوحدة مع مصر سلماً للوصول إلى حكم سوريا
يعتقد الكثيرون أن سياسات المشير «عامر» كانت السبب الرئيسى، بل الأوحد في فشل الوحدة بين مصر وسوريا، وغيرهم يعتقد أنها وحدة كانت غير مدروسة دراسة وافية متخصصة، وهذا غير حقيقى وعار تماماً من الصحة، لأن موضوع الوحدة خضع لدراسات ومناقشات جادة وحقيقية من جميع الجهات والمؤسسات، كالمخابرات العامة والقوات المسلحة ومصلحة الاستعلامات والخارجية والاتحاد الاشتراكي ومجلس الأمة، فقد تم تشكيل «لجنة العمل اليومية» برئاسة «علي صبرى» وأعضاء اللجنة السفيرين «مراد غالب» و«حسن ذو الفقار» والدكتور «عبدالقادر حاتم» من مصلحة الاستعلامات و«أمين هويدى» من المخابرات العامة، وكان «سامي شرف» سكرتير اللجنة.. ثم إن السفارة المصرية ومكتب الملحق العسكري، والملحق الإعلامى والثقافى في سوريا كان لديهم الكثير من المعلومات من خلال الدراسات والأبحاث عن الوحدة المرتقبة بين مصر وسوريا.. وكل هذه الجهات أعلنت رأيها من خلال التقارير والمعلومات التي رفعت إلي الرئيس «عبدالناصر» وإن كانت كل هذه الجهات خاصة المخابرات العامة والقوات المسلحة والخارجية عدا مجلس الأمة كانوا قد طالبوا بالتريث وزيادة التمهل وعدم القفز بالعلاقات إلي مستوي الوحدة الكاملة.. هذا بخلاف اللقاء الذي تم في سوريا بين «أمين هويدى» و«شعراوى جمعة» وبين «أبو المكارم عبدالحى» من تنظيم الضباط الأحرار، ولكنه كان يتبع جماعة الإخوان، وعندما تآمروا علي «عبدالناصر» ترك «أبو المكارم» مصر وفضل أن يعيش في المنفى واختار «سوريا».. وفي لقائه ب«شعراوى وهويدى» شرح الموقف في سوريا وحذر من التسرع في إتمام الوحدة واصفاً أن سوريا بها (5) ملايين زعيم ومن الصعب قيادتهم لأنهم ليسوا مثل الشعب المصرى الذي يسهل قيادته وطلب منهم أن يرفعوا هذه المعلومات إلى «عبدالناصر» وبالفعل أخيراً «ناصر» لم يوافق وحذر من خطورة «أبو المكارم».
وهنا يبرز تساؤل ربما يلح على الكثيرين، رغم كل التحذيرات والإنذارات والنصائح التي طالبت الرئيس «ناصر» بالتريث في إقامة الوحدة، فلماذا لم يستجب «عبدالناصر» إلي هذه النداءات؟! والإجابة متي استمع «عبدالناصر» إلي نصائح مستشاريه، وهو سيد قراره الزعيم الملهم وإصدار القرارات من اختصاصاته، إذن إنه القرار الفردى الذي اتخذه بالموافقة والإسراع في إتمام الوحدة الاندماجية الشاملة، ولا يهم أية تقارير مهما كانت أهميتها وخطورتها طالما يوجد «شماعة» جاهزة تسمي «عبدالحكيم عامر» سيعلق عليها أخطاء الفشل إذا تحقق وكان أمراً محتوماً!! وهذا لم يغضب «عامر» بل يوافق ويتحمل الهجوم والأخطاء السياسية(!!) ثم سارت خطوات الوحدة في طريقين أساسيين سياسي وعسكرى.
وحدة الكارثة والقحط
بعد نجاح ثورة يوليو واستتباب الأمور ل«عبدالناصر» ونجاحه في صراعاته مع «محمد نجيب» والأحزاب السياسية والاستعمار وجماعة الإخوان.. اعتقد الجميع أن «عبدالناصر» تفرغ لمشاريع التنمية في مصر وللإصلاح في الداخل، وأن التنمية ستنطلق بأقصى سرعة في مصر، ولكن فجأة حدث ما غير التاريخ وهو الوحدة مع سوريا.. فهذه الوحدة أضرت مصر ضرراً كبيراً جداً، لأن «عبدالناصر» أتيحت له فرص لم تتح لزعيم من قبله من فرص تحقيق تنمية وتقدم لأنه قام بتشكيل أول وزارة تخطيط في 1956 وكانت وزارة تكنوقراط بها «عزيز صدقى» و«سيد مرعى» و«د. مصطفى خليل» ووضعت خطة للتنمية (3) سنوات وأصبحت طائرة التنمية علي وشك الإقلاع، فقامت الوحدة التي قصفت عمر التنمية في مصر لأنها حولت د. عبدالناصر من رئيس مصرى، همومه وآماله هي هموم وآمال المواطن المصرى إلي زعيم عربي همومه اتسعت لتشمل هموم الوطن العربى، قبل أن يقف وطنه مصر علي قدميه وقبل أن يعد وطنه الإعداد الجيد لتحمل هذه الهموم الكبيرة مع أن مصر في هذا الوقت كانت أغني دولة في المنطقة العربية ولكن ثرواتها ضاعت في المغامرات والعنتريات غير المحسوبة، وشاءت الأقدار أن تكون سنوات الوحدة بالنسبة إلي سوريا سنوات قحط وقلة في الأمطار، ولأن الزراعة في سوريا كانت تعتمد علي الأمطار، فهذا القحط أوجد ضائقة معيشية علي مستوي الشعب جميعاً بسبب ندرة الأمطار خلال سنوات الوحدة!!
وفي اجتماع المؤتمر العام للاتحاد القومى في القاهرة في يونية 1960، وفي لجنة الزراعة قال أحد أعضاء الوفد السورى ل«جمال عبدالناصر»: سيادة الرئيس نحن سنعود إلي سوريا، وهي تعاني من القحط ومن قلة المحاصيل الزراعية، فماذا ستقول للشعب السورى ونحن عائدون من عند «عبدالناصر»؟ فانتحى «عبدالناصر» ب«سيد مرعي» وزير الزراعة حينها وبعض أعضاء اللجنة.. ثم خرج علي الجميع وخاطب الذي سأله قائلاً: قل لمن يسألك عن ذلك في سوريا لن يجوع فرد في سوريا وفي مصر رغيف عيش، ولن يعطش فرد في سوريا وفي النيل قطرة ماء!!.. وقد ترجم «عبدالناصر» هذا القول بالفعل وتدفقت الإعانات الحكومية دائمة التدفق علي المحتاجين من أبناء الشعب السورى.
ناصر وطريقه السياسي نحو الوحدة
والكثيرون كانوا يعرفون ماذا تعني سوريا ل«عبدالناصر»، فقد كانت الهدف والأمل الذي يداعب أحلامه وطموحاته، إذن كانت توجد بوادر لمفهوم الوحدة قبل 1958 عندما طلب «عبدالناصر» الانضمام والاتفاق مع سوريا بشكل أو بآخر ودعا «أديب الشيشكلى» الرئيس السورى إلي مصر واستقبل استقبالاً رسمياً وكبيراً.. ثم سمى «عبدالناصر» التنظيم السياسي الوحيد في مصر والذي كان يدعم الثورة ب«هيئة التحرير» علي غرار «منطمة التحرير» التي أسماها «الشيشكلى» في سوريا، وعندما سقط «الشيشكلى» في الحكم تم تشكيل مجلس عسكرى سوري أواخر 1954، وأرسل «عبدالناصر» «صلاح سالم» إلي سوريا واجتمع بالسياسيين والحزبيين والصحفيين ثم ب«عدنان المالكي» من الضباط الوطنيين الكبار في سوريا، وبالضباط الشباب الذين شكلوا المجلس العسكرى فيما بعد، وخطب فيهم «صلاح سالم» وتحدث عن قوة مصر وسلاح مصر وإمكانيات مصر البشرية والاقتصادية والحضارية.
وبعد انتهاء العدوان الثلاثى على مصر تحسنت الأمور وزاد التقارب بين مصر يوماً بعد آخر، وفي 1957 تم الاتفاق الاقتصادى بين مصر وسوريا وكل هذه الاتفاقيات كانت تمهيداً لقيام الوحدة.
ثم تلاقى البلدان في إيجابية من خلال الدفاع المشترك والاتفاقيات الثقافية... إلخ، ثم اشتراك بعثة من مجلس النواب السورى في احتفالات 23 يوليو 1957 وافتتاح مجلس الأمة المصرى. وعند لقائهم بالرئيس «عبدالناصر» قال لهم: تستطيعون أن تعلنوا علي لسانى رسمياً أن الحكومة المصرية مستعدة للدخول مع الجانب السورى في مباحثات لتحقيق الاتحاد فوراً.
وبدأ الرئيس «عبدالناصر» في استقباله لوفود الغرف التجارية في 30 نوفمبر 1957 ومناقشة موضوع الوحدة العربية معهم ثم استقباله ل«صلاح البيطار» لإجراء مباحثات الوحدة بين مصر وسوريا في يناير 1958 وإتمام إعداد الصيغة النهائية الكاملة لمشروع الوحدة.
والحدث الأهم كان وصول الرئيس السورى «شكرى القوتلى» إلي مصر علي رأس وفد سورى وإعلان الوحدة بالأحرف الأولى فى مساء السبت أول فبراير 1958.
ثم جاء إلى القاهرة (12) ضابطاً من المجلس العسكرى السورى من أصل (24) ضابطاً هم كامل عدد المجلس العسكرى بقيادة «عفيفى البزرى» وقدموا إلى «عبدالناصر» مذكرة موقعة من المجلس العسكرى بالكامل ومن «شكرى القوتلى» الرئيس السورى و«صبرى العسلي» رئيس الوزراء و«أكرم الحورانى» رئيس المجلس النيابى وتم مناقشة هذه المذكرة بمجلس قيادة الثورة، ووافق عليها السياسيون، وقال «عبدالناصر» طالما وافق عليها السياسيون فعلى بركة الله!!
وبالفعل تم إجراء عملية الاستفتاء الشعبى في مصر وسوريا وإعلان النتيجة في 22 فبراير 1958 وأجمع الشعب في الإقليميين علي الوحدة وانتخاب الرئيس.. ثم صدر قرار جمهورى في 6 مارس 1958 بتأليف وزارة الجمهورية العربية المتحدة.
عامر وطريقه العسكرى
أمر المشير «عامر» بإرسال بعثة عسكرية مصرية في 9 /10 /1957 إلي سوريا مُشّكلة من السادة الضباط «منير عبدالرحيم» و«نوال سعيد» و«محمد سعد سليم» و«محمد نيازى» و«أمير الناظر» و«طه المجدوب» و«يوسف عفيفى» و«فؤاد صالح» و«محمد أبو الفتح محرم» للعمل في القيادة السورية ومختلف وحدات الجيش السورى بجانب القادة العسكريين السوريين وكلف المشير هذه البعثة بجانب مهامها العسكرية بتقصى الحقائق لمعرفة مدي استجابة الجيش السورى والشعب السورى للاتحاد مع مصر من خلال معايشتهم الواقعية في جميع أنحاء سوريا.. وقبل سفر البعثة أمر المشير «عامر» أعضاء البعثة بمقابلة «محمود رياض» سفير مصر في سوريا قائلاً: «ستقابلوه حتي يلقى عليكم بعض التعليمات والتلقينات، وبالفعل ذهبت البعثة إلي وزارة الخارجية لمقابلة «رياض»، فقال لهم: «لن أتحدث كثيراً معكم، لكني سأنصحكم بأن سوريا لديها «قيامتان»، القيامة الكبرى يوم أن يخسروا «ليرة» واحدة، والقيامة الصغرى هي قيامتنا جميعاً كمسلمين، وهذا ما نفذ بالفعل عند صدور القرارات الاشتراكية التي رفضها السوريون».
وسافرت البعثة العسكرية إلي سوريا وكانت تتم لقاءات دورية بين البعثة وبين الفريق «محسن أبو النور» في القيادة المشتركة في دمشق للاستماع إلي جميع الآراء، التي كانت دون استثناء توصي بالتمهل والتريث في قيام الوحدة بين مصر وسوريا للأسباب التالية:
- أن حزب البعث كان يعمل جاهداً للسيطرة علي الحكم في سوريا.
- استغلال حزب البعث الثورة المصرية وتطلعاتها والعمل علي قيام الوحدة للوصول إلى أهدافهم المستترة.
- اتخاذ حزب البعث السوري من الوحدة المصرية السورية سلماً للصعود عليه إلي الحكم البعثى في سوريا والتخلص من منافسيه من الأحزاب السورية الأخرى.
مؤامرات حزب البعث
أظهر حزب البعث أنه يؤمن بالوحدة عكس الحقيقية تماماً، وقد حدث أن فاتح كل من «ميشيل عفلق» و«صلاح البيطار» الرئيس «عبدالناصر» بتكوين لجنة سرية تحكم الوحدة مكونة من ثلاثة من كل إقليم على أن يكون الثلاثة السوريون هم الثلاثة الكبار في حزب البعث شريطة أن يظل «أكرم الحورانى» في القاهرة لخطورته، ولكن الرئيس رفض هذه الفكرة لأنه كان يريد أن تكون الوحدة حقيقية بغرض نبيل.. بعد ضم أكثر الضباط البعثيين نشاطاً سياسياً وحزبياً في الجيش إلي وزارة الوحدة ليكونوا مسئولين أمام الرأي العام ولضمان استقرار الوحدة ذاتها، ولكن نواياهم التي سبق إعلانها تحولت إلي أداة لتحقيق أهدافهم البعثية، ثم أن «عبدالحميد السراج» وقيادات البعث كانوا حريصين علي إبقاء حزبى «الشعب» و«الوطن» بعيدين عن «عبدالناصر» وعن الحكم في سوريا، مما خلق شعوراً من الفتور نحو الوحدة وأثار هذا انطباعاً عاماً بأن الوحدة تعتمد علي حزب البعث وأعلن الكثيرون انتقادهم لهذا من اليوم الأول للوحدة، وأصبح المجلس التنفيذى ذو التوليفة البعثية يتبع سياسة لا تراعي مصالح عموم الشعب، بل تستهدف تحقيق مكاسب حزبية بغرض الوصول لسيطرة حزب البعث علي الإقليم السورى بكامله، وبدأ الشعب يتذمر ويعلن مخاوفه، وهذا لم يرض «عبدالناصر» فأصبح الصدام بينه وبين البعث حتمية خاصة بعدما أعاد الضباط البعثيون نشاطهم في الجيش، بعد أن كان الحزب قد سبق وحل نفسه قبل قيام الوحدة، وعليه انسحب البعثيون من الحكم بعد أن تأكدوا أن «عبدالناصر» لن يمكنهم من حكم سوريا وانتقل البعث إلي المعارضة وأصبح خصماً لدوداً ل«عبدالناصر» وأصبح شغلهم الشاغل هو الانفكاك من سطوة «عبدالناصر» حتي لو كان علي حساب الوحدة، وانسحب أيضاً الوزراء العسكريون مثل «أمين الناقورى» و«أحمد عبدالكريم» وقد شاركا في أول وزارة تشكلت عقب الانفصال.
دور السراج في الانفصال
عمل «السراج» علي تحقيق هدفه بأن يصل في وقت ليكون هو المفوض الرسمي من «عبدالناصر» لحكم سوريا.. وجاءته الفرصة من وجهة نظره عند انسحاب البعث من الحكم، فقام «عبدالناصر» بتشكيل مجلس تنفيذى من بعض الوزراء العسكريين غير الحزبيين أمثال «أكرم ديرى» و«جادو عز الدين» و«أحمد جنيدى» و«جمال الصوفى» ووزراء تكنوقراط منهم «وجيه السمان» و«يوسف مزاحم» و«محمد العالم»، وهذا المجلس لم يكن متجانساً ولا متعاوناً وكان يرأسه «عبدالحميد السراج» الذي كان يحوز علي جميع السلطات الفعلية، فقد كان وزير الداخلية ورئيس المخابرات والمباحث والأمن العام، والمؤسسة الاقتصادية والإعلام، وأميناً عاماً للاتحاد القومي والذي كان يستكمل باقي تشكيلاته.. و«السراج» لم يخف نواياه عندما قال: «سأقطع رجل أي نشاط من عندكم عندنا» هذا ما قاله أثناء غداء عمل أقامه «صلاح نصر» له بمناسبة وجوده في القاهرة.. وأصبح الحكم في سوريا حكماً بوليسياً خانقاً وشديد الوطأة من «السراج» ومكتبه.
وجاء وفد إلي القاهرة في أغسطس 1960 مكوناً من «أكرم ديرى» و«طعمة العودة الله» و«جادو عز الدين» و«جمال الصوفى» و«أحمد جنيدي» ومعهم «السراج» لمقابلة «عبدالناصر» في «اسطفانيوس» بالإسكندرية، حيث اشتد الخلاف بين أعضاء المجلس التنفيذى وبين رئيسه ليحل «عبدالناصر» هذا الخلاف، واستمر اللقاء بينهم (3) أيام ولم يتم الاتفاق علي شىء.. فقال «عبدالناصر» الحل لديه وسيصدره في المساء وكان ينوى عزل «السراج» ثم افتعل «السراج» إصابته بأزمة صحية كاذبة وحينها تم الإعلان عن مقتل «هزاع المجالى» رئيس وزراء الأردن، وكان ضد الوحدة هو والأردن وبالطبع الاتهام سوف يوجه إلي الوحدويين وعلي رأسهم «عبدالناصر» وكان من الطبيعي أن من قام بهذه العملية هو مخابرات الإقليم الشمالى، وإذا عزل «عبدالناصر» «السراج» فسوف يكون هو الذي قتل «المجالى» وحينها أسقط في يد «عبدالناصر» فأصدر قراراً بجعل «السراج» رئيسًا تنفيذياً للإقليم الشمالى (رئيس وزراء) واجتمع مع الوفد المرافق عضواً عضواً وأمرهم بأن يطيعوا «السراج» بل يتعاونوا معه!!
وفي التشكيل الجديد للحكومة المركزية تم تعيين «السراج» نائباً لرئيس الجمهورية للشئون الداخلية، ولكن «السراج» بدأ يخلق المتاعب ل«عبدالناصر» لأنه اعتبر وجوده في القاهرة هو إبعاد له وليس ترقية، فاستقال احتجاجاً علي ذلك وتم قبول الاستقالة، فعاد إلي سوريا يؤلب الاتحاد القومى ضد «عبدالناصر» ويروج الشائعات التي تؤجج النار في الصدور وتثير النعرات الإقليمية، وتعاون مع «أكرم الحورانى» الذي رأس البعثيين المنشقين علي «عبدالناصر».
صراع «عامر» و«السراج»
لم يكن المشير «عامر» متفرغاً تفرغاً كاملاً لإدارة شئون الوحدة مع سوريا، حيث كان مخولاً بصلاحيات رئيس الجمهورية ليشرف علي أمور الحكم، ويعمل علي إزالة أسباب الشكوى التي لم تعد خافتة، بل أصبحت مسموعة، مع أن «عبدالناصر» كان مانح السلطة الحقيقية في يد «السراج» الذي خلق مشكلات لم تكن في الحسبان ل«عبدالناصر» بمحاولة إثارة المشير «عامر» من خلال مكاتب وأجهزة «السراج» حيث بدأت تتعالى أصوات الشكوى من سلوك أجهزته لأن «السراج» اعتبر نفسه الأقدر على إدارة الحكم في سوريا كونه الأعلم بمشاكلها، ولهذا لم يتعاون مع المشير، بل كان علي النقيض، إذ كان همه هو وأجهزته إشاعة عدم الرضا من وجود المشير في سوريا، ومن ثم تنمية النعرة الإقليمية بترويج حكايات وقصص تتناول تواجد العناصر المصرية في سوريا، ويجرح في سلوكهم عموماً ساعياً لجعل المشير غير قادر علي تنفيذ المهمة الموكلة إليه، ويسد أمامه كل سبل النجاح.
وعندما شعر «عبدالناصر» بتطلعات «السراج» في أن يحكم سوريا في ظل «ناصر» وتأكد من عدم التعاون المتعمد وسلوكه غير المقبول تجاه المشير، خاصة أن معظم مجلس الوزراء السورى، وبالأخص العسكريين هم زملاء ل«السراج» وتسود بينهم روح التعاون ضد المشير، فقام «عبدالناصر» بسحب «عبدالحكيم عامر» من سوريا دون أن يلغي مهمته، وأتاح ل«السراج» الفرصة كاملة لإدارة أمور الحكم، عسى أن يعالج الخلل في الأوضاع الداخلية، ولكن الأمور زادت تعقيداً لكن تعيين «السراج» رئيسًا للوزراء قوبل بعدم الارتياح لأن صورته كانت غير مقبولة لدي الشعب السورى لاقتران اسمه بالتعذيبات التي كانت تقوم بها أجهزته الأمنية وزادت الفجوة وأصبح عاجزاً عن تحسين الأوضاع داخل سوريا.
فشل الوحدة
أسباب فشل الوحدة كثيرة ومتعددة ومع هذا الكثير من هذه الأسباب بعيد عن المشير وإن كان يتحمل جزءاً من أسباب الفشل، بداية الاعتماد علي الحكم البوليسى عن طريق «عبدالحميد السراج» في سوريا وتعيين بعض الرجعيين النشطين في الاتحاد القومى السوري وعدم الدراية الشاملة للأحوال الاجتماعية والاقتصادية للشعب السورى الذي يتميز بطبيعة «التاجر» واختلافها البين عن طبيعة الشعب المصرى، وتعيين بعض القادة العسكريين والضباط المصريين ممن ظنوا في أنفسهم أنهم خبراء أو أوصياء علي الجيش السورى.. ومخالفة كثير من الضباط المصريين قواعد الضبط والربط والتقاليد العسكرية حتي وإن كان الضباط السوريون يتظاهرون بها، وعلي سبيل المثال: استهتار بعض الضباط المصريين والتوجه بسياراتهم الخاصة إلي ميادين الرماية دون السيارات العسكرية، ووقوف القادة المصريين بجانب الضابط المصري علي حساب السوريين عند حدوث كثير من المشكلات بين المصريين والسوريين، جعل كثيراً من الضباط المصريين في التحدث في الأمور السياسية البسيطة، وغيرها بالمقارنة مع زملائهم السوريين ذوي النضج ولباقة الحديث مما دفع المصريين لعدم التلاحم معهم والهروب من المواجهة إلي الانعزالية وحياة اللهو.
عدم اكتراث وتجاهل القادة العسكريين المصريين المعنيين بقيادة الجيش السوري لتقارير الضباط المصريين والتحذير من وقوع انقلاب عسكري في سوريا رغم تحديد بعض الأسماء من المدبرين له.
محاولة تطبيق القوانين الاشتراكية ولوائح الجمارك التي تتنافى مع طبيعة الشعب السورى التي تربط مصالحهم التجارية مع لبنان.. وعدم الاستجابة لمطالب الضباط السوريين رغم اقتناع المشير «عامر» بها ولكن رفض «عبدالناصر» لها فكانت الفتيل المفجر للانفصال.. وتعيين بعض المسئولين المصريين في النواحي القيادية في سوريا وهم غير ملمين بطباع السوريين، وأسلوب إدارتهم مما ولد الغيرة والحقد لدي السوريين تجاه المصريين.
تجاوزات المدنيين المصريين
كانت تحدث بعض التجاوزات من الأفراد المدنيين الذين لهم صلة قرابة بضباط الجيش المصريين مثلاً: السيدة زوجة الضباط «أحمد زكى» رئيس شعبة التدريب العسكرى كانت تم دعوتها إلي حفلة في المساء هي وزوجها.. فذهبت إلي محل الكوافير من أشهر المحلات السورية في تسريحات الشعر، فوجدت المحل مزدحماً بالسيدات اللاتي جئن للحصول علي ذات الخدمة فأرادت أن تتقدمهن وتتخطاهن في الدور فرفض صاحب المحل وطالبها بالالتزام بدورها فهاجت وهددته وتوعدته لأنها زوجة «أحمد زكى» وشكت إلي زوجها الذي قام بالقبض علي الرجل ووضعه فى السجن(!!) وهذا الرجل كان يتعامل مع علية القوم، فاتصلوا بالمشير «عامر» في القاهرة يشكون له ما حدث للرجل فأمر «أحمد زكى» بخروج الرجل من السجن وبالفعل تم الخروج وفي المساء ذهب «أحمد زكي» وزوجته إلي الحفل فوجدوا (الحلاق) يجلس علي الترابيزة التي بجوارهم مع النسوة اللاتى كن في المحل فتركا «زكى» وزوجته الحفل وانصرفا.
بطانة عامر
من الأخطاء التي تم تضخيمها وتحميلها إلي المشير «عامر» في سوريا هي قيامه بتعيين اللواء «أنور القاضى» قائداً للجيش الأول في سوريا، و«عبدالمحسن أبو النور» نائب لقائد الجيش الأول السورى (وإن لم يكن من رجال المشير). وأحمد زكي عبدالحميد، كاتماً للأسرار، و«أحمد فؤاد» مساعد كاتم الأسرار.. وهؤلاء كانوا جميعاً مصريين مما تسببب في حساسيات لدي كبار الضباط السوريين الذين أخذوا ينظروا إلي الجيش المصرى هناك علي أنه جيش احتلال، وربما لو اقتنع «عامر» باختيار بعض الضباط السوريين مكان هؤلاء المصريين لكان قضى علي شائعات كثيرة رددها أعضاء الوحدة مدعين أن وجود حاكم عسكرى مصرى في سوريا معناه أنها وقعت تحت حكم الفراعنة.
ولكن «عامر» كان يرفض الاقتراب أو الاعتراض علي تصرفات رجاله الذين يختارهم للعمل معه ويعتبر هذا مساساً به شخصياً بل يمس كرامته، كما حدث واحتدم النقاش بينه وبين «أمين شاكر» أحد الضباط الأحرار وأول مدير لمكتب «عبدالناصر» عندما أصبح رئيساً للجمهورية في قصر الضيافة بدمشق قبل الانفصال بشهرين عندما اعترض «أمين» على تعيين العدد الأكبر للضباط المصريين في القيادات العليا إلي الدرجة التي رفع كلا من المشير و«أمين» السلاح في وجه الآخر!!.. ولكن المشير لم يكن يتحرج أو يتبرم في أن يحمل أخطاء القيادة السياسية أو نتائج أخطاء رجاله الذين يدافع عنهم ويحميهم ولا يفرط فيهم أبداً.
تحطيم الحلم
صدرت القرارات الاشتراكية في فترة غير مناسبة بالنسبة لسوريا حيث كان الحكم مضعضعاً بحكم الجو الذي ساد العلاقة غير السلمية وغير الودية التي كانت تحكم تصرفات أعضائه ولكن «عبدالناصر» أصر علي تطبيقها، فأثارت حفيظة العاملين في المجال التجارى والصناعى وانضموا إلي المعارضة ضد الوحدة، وكانت هذه القرارات بمثابة القشة التي حطمت أحلام وآمال الوحدة التي قيل عنها لا يغلبها غالب(!!).
ووقف «عبدالناصر» يخطب في مجلس الأمة الذي لم يعارض التسرع في الوحدة قائلاً: لقد أصدرت أوامري إلي كتائب الصاعقة لمحاربة أعداء الوحدة.. والأعضاء الموقرين يهللون ويصفقون ويهتفون بحياة الزعيم.. وبعدما صمتوا يكمل الزعيم: ولكنني ولحقن الدماء أصدرت أوامرى بعودة هذه القوات.. ويعيد الأعضاء الموقرين التهليل والتصفيق والهتاف بحياة الزعيم مرة أخرى، دون أن يدروا ماذا يدور حولهم أو لماذا تصدر القرارات وكيف يتم تطبيقها؟
مثلهم مثل باقي الشعب.. ولماذا يعرفون أو يفهمون، ألا يكفيهم أن يقودهم «عبدالناصر» الذي يصدر القرارات مهما كانت صحيحة أو خاطئة، ولديه قائد جيش ونائبه علي استعداد لحمل كل أوزار «عبدالناصر».

المصادر
لقاءات شخصية مع:
أ. صلاح منتصر
جادو عز الدين
وزير شئون رئاسة الجمهورية العربية المتحدة
جاسم علوان
سكرتير المجلس العسكرى السورى الذي صدق علي قرار الوحدة مع مصر
فريق يوسف عفيفى
أحد الضباط الأحرار
لواء بدر حميد بدر
أحد تنظيم الضباط الأحرار
كتاب: (50 عاماً من العواصف)
ل«اللواء أمين هويدى وزير الدفاع ورئيس المخابرات الأسبق».
كتاب: أخطاء الثورة الوحدة مع سوريا وتأميم الصحافة ل«أمين شاكر» أحد تنظيم الضباط الأحرار5


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.