«رامز عاوز يسمع».. عنوان حملة أطلقها هذا الشاب الذى ما أن تراه حتى تصيبك الدهشة، فهو يتحدث بطلاقة شديدة وما أن ترد عليه حتى يشير إليك بأن تكتب ما تريد قوله.. لأنه أصم!! رامز عباس فنان وشاعر «أصم ناطق» أبكى رئيس الجمهورية السابق المستشار عدلى منصور عندما تحدث فى لقاء معه عن شهداء الثورة، ورغم أن عمره لا يتجاوز الخامسة والعشرين إلا أنه يحمل على عاتقه هموم الملايين من ذوى الاحتياجات الخاصة ويؤكد أن عالم الصم والبكم زاخر بالخبرات الإنسانية الجديرة بتسليط الضوء عليها.. وهو يحاول من خلال نشاطه فى هذا المجال أن يكون صوتهم رغم أنه لا يسمع.. وبأنشطته الفنية المتعددة فى مجال الشعر والتمثيل والإخراج السينمائى يصنع لنفسه عالماً مبهراً. عندما حدثنى تليفونياً لأول مرة ليعرفنى بنفسه بدأت فى الترحيب به إلا أننى وجدته يواصل حديثه مردداً «أنا مابسمعشى أرجوكى ردى على مكالمتى برسالة مكتوبة» بصعوبة انتبهت لهذه الحالة التى تعد غريبة فى دنيا الصم والبكم.. فرامز طليق اللسان تستطيع القول بأنه «فصيح» ومتحدث لبق جداً.. لكن التواصل معه يلزم أمراً من اثنين إما أن تحدثه بلغة الإشارة أو تكتب ما تريد قوله.. وكان لابد أن أسأله فى بداية حديثى معه عن هذه الحالة وسببها فأجابنى: لم أولد أصماً بل ضعيف السمع وزادت المشكلة عندما وصلت للمرحلة الإعدادية واضطررت لاستعمال السماعة وعندما أردت الالتحاق بالمدرسة الثانوية العامة المدرسة اعترضت وألحقونى قسراً ورغماً عنى بالثانوى الصناعى وهذه هى الشهادة الوحيدة المتاحة عندهم فى مثل حالتى فأنا محروم من دخول التعليم الثانوى العام. ألم يكن هناك علاج لحالتك حتى لا تتفاقم؟ - كان ممكن أزرع قوقعة لكنها وقتها كانت ب250 ألف جنيه يعنى «مبلغ وهمى» واستمرت مشكلة التعليم معى وبالتالى حرمت من دخول الجامعة إلا أننى أصررت والتحقت بجامعة خاصة وبالتحديد كلية الحقوق وأنا الآن بالسنة الثانية لكن المصروفات مرتفعة جداً وأنا وغيرى لا نستطيع تسديدها. وهنا بدأت تظهر علامات الحزن على وجه الشاب الذى يحاول مداراة أحزانه بابتسامة وروح دعابة لا تفارقه. قال: أنا لست يائساً، بل أعمل قدر استطاعتى لأعلم الجميع أننى قادر على العطاء وأعمل أيضاً على توصيل صوتنا للمجتمع فأطلقت قناة «المثقف اليوم» الإلكترونية وأنا مؤسس تيار العقيدة المصرية ومنسق اتحاد مصر للجمعيات والأشخاص ذوى الإعاقة وتحمل شعاراً مفاده «أن النيل المقدس والحضارة المقدسة تتطلب أن نكون جميعاً يداً واحدة» كما شاركت فى تأسيس قناة «صوتنا» بهدف تسليط الضوء على عالم الصم والبكم وعلى أكثر من 5 ملايين مصرى يعيشون فى هذا الوطن، ومع ذلك نعيش خارج حدود الإنسانية ونعانى تجاهل الدولة والمجتمع. سألت رامز «كتابة» عن إبداعاته المتعددة وعلمت أنه ينظم الشعر ويتمتع بحساسية شديدة مرهفة ويعبر فيها عن قضيته قائلاً مشتاق أشوقك.. وأدوب فى الملامح الطيبة وأرسم جوايا حلم عن أوقات تكونى منى قريبة.. وكمان أمل عن يوم سعيد وضحكتك هى الأساس. الشعر ليس وحده وسيلة «رامز» فى الإبداع فهو حاصل على شهادة تقدير من جمعية السينمائيين المستقلة كمساعد مخرج عن فيلم «إنسان» لإسلام بلال الذى استعان برامز فى رسم تفاصيل عالم الصم. قال «رامز»: أشارك الآن فى مسرحية «ولاد آدم» تأليف وإخراج محمد الشرقاوى، كما أننى أكتب مسرحيات ومقالات. رغم أن رامز عباس يتكلم ولا يسمع إلا أنك لا تجد صعوبة فى التواصل معه، خاصة إذا ما أردته أن يتحدث عن همومه وقضيته التى يمارس ويبدع من أجلها فتجده يقول أنا إنسان موجود ومش من حقك تقصينى علشان حاجة نقصانى، وقد كتبت مسرحية بهذا المعنى اسمها «أنا المصرى». ما أهم المشكلات التى يعانى منها الصم فى مصر؟ - عدم وجود مراكز مجهزة للتخاطب والأطفال الصم بشكل خاص يعانون من هذه المشكلة وهناك أولياء أمور فقراء لا يقدرون على جلسات التخاطب فالحصة الواحدة تتكلف 80 جنيهاً فى المتوسط، ولذا نواجه مشكلة فى تأهيل المعاق كما نواجه مشكلة فى تأهيل المجتمع نفسه للتعامل مع الصم وهناك مشكلة التعليم «الاتصال والتواصل» والدولة تريدنى أن أعمل بمفردى، لا يوجد أى دعم من الدولة أو دافع للنجاح رغم أن نجاحى عائده سيعم على المجتمع كله كما أننى أطلب أن تعاملنى الدولة كبنى آدم وتتركنى أعمل وأبرز مواهبى فى الشعر والكتابة والعمل السياسى كما لابد وأن توفر لى فرصة عمل ونسبة ال5٪ غير كافية وهذا يستدعى أن يتعلم الناس كيف يتعاملون معى وذلك يتطلب تعميم وجود مترجم إشارات فى كل مكان وخاصة فى وسائل الإعلام التى لا تعمم وجود مترجم، والأهم من ذلك لابد من محو أمية الصم ويتطلب ذلك أن تتعاون مؤسسات الدولة لإزالة معوقات تعليم الصم فأنا كأصم محموم من الجامعة واتحاد جمعيات متحدى الإعاقة يتبنى مبادرتى الخاصة فى هذه القضية ونحن فى الاتحاد نتواصل مع دول أخرى مثل الدنمارك والسويد وغيرهما لتسليط الضوء على قضايانا والاستفادة من الخبرات الدولية فى هذا المجال كما نعمل على خلق نوع من الثقة بين المجتمع وذوى الإعاقة، وأركز فى معركتى على محو أمية الصم لأن الأمية تحرمنا من حقوقنا السياسية ولا نعرف كيف نختار وعلى سبيل المثال فإن مترجم الإشارة ظهر فى بعض القنوات فقط لترجمة لقاءات الرئيس السيسى وكان من المفترض أن تستمر ليكون الأصم متواصلاً مع المجتمع بشكل جيد كما أننا خارج المشاركة السياسية وخارج أى تحالفات فى الانتخابات وذلك يعد إقصاء بشكل غير مباشر. ويشير رامز عباس إلى أهمية دعم وتوفر زراعة القواقع لمساعدة الحالات المحتاجة إليها، سألت رامز عن الموقف الذى أبكى الرئيس السابق عدلى منصور فقال: كنت حاضراً أحد لقاءات سيادة الرئيس السابق مع ثلاثة معاقين آخرين واستمر اللقاء ل6 ساعات وأصررت على أن أقول كلمتى وطلبت فيها الوقوف حداداً على شهداء الثورة.. كما أننى طالبت المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء بتمكين الشباب فى هذه المرحلة وأبدى ترحيباً وقال إن الفرصة الذهبية التى جاءت لذوى الاحتياجات بعد عناء طويل وسنوات خلت خلالها الدساتير من حقوقهم حتى القوانين التى كانت موجودة لم تكن تلبى طموحاتهم وقال نحن أول من خطط ليكون لذوى الاحتياجات الخاصة ممثلون فى البرلمان «ليس عطفاً أو رحمة» وإنما بالقانون.