أكثر ما كنت أخشاه من رفع أسعار الوقود والسجائر هو ثورة جياع لأن الوقود يدخل في تكلفة كل ما ينتج ويباع في مصر، بدءاً من سعر كيلو اللحم الذي زاد عشرة جنيهات مرة واحدة، انتهاء بحزمة الجرجير التي تضاعف سعرها وصارت الحزمة بجنيه كامل! ولكن المدهش - وهو أمر جدير بالتحية والاحترام لهذا الشعب - أن رفع سعر الوقود والسجائر مر دون مشاكل تذكر، باستثناء بعض المظاهرات القليلة لأصحاب التاكسي الذين تم مراضاتهم سريعاً برفع البنديرة، ويبدو أن المصريين كانوا علي وعي بأن ما حدث كان لابد من حدوثه منذ سنوات، وتأخيره لكل هذه السنين كاد أن يدمر الاقتصاد المصري الذي تعرض لضربات قاتلة خلال سنوات الثورة، وبالرغم من أن وسائل الإعلام لم تمهد لزيادة أسعار المحروقات والسجائر وكذلك الكهرباء، والدوافع التي أدت بالحكومة إلي رفع أسعارها، إلا أن شعبية السيسي ومصارحة الجماهير لا شك كان لها تأثير كبير علي قبول الجماهير للأمر الواقع. وهي ميزة دون شك، ولكن استخدام شعبية السيسي وحب الجماهير لن يبرر مثل هذه الأمور كل مرة، فالناس قد تحتمل المزيد من الشقاء والغلاء لفترة، ولكنها لن تحتمل ذلك للأبد، خاصة الطبقات الفقيرة المطحونة التي عانت وتعاني منذ سنوات بعيدة. ولكن كعادة البعض، فقد استغلوا رفع أسعار السلع التي لها علاقة بالنقل واستهلاك الوقود ليرفعوا أسعار خدماتهم التي لا علاقة لها لا بالنقل ولا باستهلاك الوقود، فهم جاهزون لرفع الأسعار بسبب ودون سبب وأسوأ ما في الأمر أن الشرطة والجهات المسئولة غير قادرة علي ضبط الأسواق ومواجهة الاستغلال والمستغلين وهو ما اعترف به السيسي شخصياً.. الذي قال إنه يعتمد علي ضمير التجار في عدم رفع الأسعار.. وهو ما اختلف معه بنسبة مائة في المائة! ورفع الأسعار بمثل تلك الطريقة العشوائية وعلي طريقة الأواني المستطرقة سيؤدي بلا شك إلي نوع من التضخم وارتفاع الأسعار وفقدان النقود لقيمتها الشرائية.. مما قد ينتهي بكارثة اقتصادية في النهاية. ولست أظن أن مشروعات الجيش من مجمعات استهلاكية أو غيرها يمكن أن تؤدي إلي خدمات حقيقية للمواطنين وتحارب الغلاء، فما أقل تلك المجمعات الاستهلاكية التي يكاد يقتصر وجودها علي القاهرة والجيزة والإسكندرية، في حين أن الغالبية العظمي لفقراء مصر يتركزون في الصعيد. وما أظن أن ما قامت به الحكومة من زيادة المعاشات خاصة معاش الضمان الاجتماعي يمكن أن يجعل صاحبه يلاحق انفلات الأسعار المجنون، والحل في رأيي هو زيادة الإنتاج وزيادة فرص الاستثمار لزيادة دخل الفرد، وكذلك خلق فرص عمل جديدة لملايين العاطلين حتي لا يتحولوا إلي عالة وقنابل موقوتة. لقد أثبت الشعب المصري وعيه بظروف البلد الاقتصادية ولذلك تقبل رفع الأسعار دون تذمر كبير وفي المقابل أعلنت الدولة تطبيق الحد الأعلي للأجور دون استثناءات، وهو أمر محمود دون شك، ولكن الأهم منه في رأيي هو أن تمارس الحكومة علي نفسها نوعاً من التقشف الحاد، وتبتعد عن مظاهر البهرجة والإنفاق البذخي، فلا يمكن أن تطالب الجماهير بربط الحزام وتحمل ارتفاع الأسعار وقسوة الحياة، ثم يري حكومته تنفق المليارات في شكل حفلات يقيمها السادة الوزراء، أو أن يخدم معالي الوزير عشر سيارات تحت أمره وأسرته، أو أن تخصص له مبالغ طائلة ينفق منها ما يشاء دون حسيب أو رقيب. فعلي الحكومة التي قامت بما لم تجرؤ حكومة أخري منذ عام 1977 علي اتخاذه من المساس بالدعم، أقول علي الحكومة أن تثبت أنها تشارك هذا الشعب معاناته ومشاكله، وإلا فإنها ستكون أول من يدفع الثمن!