رفض الكثيرون قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي برفع الدعم جزئيا عن الوقود والمواد البترولية والكهرباء، في حين رأي البعض الآخر القرار مهما لإنقاذ مصر من أزمة اقتصادية طاحنة لا يمكن مواجهتها أو حلها عبر مسكنات وقتية، أو بالاعتماد فقط علي المعونات والمساعدات الخارجية. ولكن ما لم يختلف المعارضون والمؤيدون عليه أن قرار السيسي كان جريئاً وتم اتخاذه في توقيت حساس تعاني فيه البلاد من حالة "غليان ثوري" منذ 3 سنوات، بالإضافة إلي أن القرار يمكن أن يصطدم بشعبية أي رئيس ويحطمها كليا. "عبد الناصر مؤسس الدعم" يعتبر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أول من طبق منظومة الدعم في مصر والتي شملت المواد الغذائية والوقود، كما أحدث عبد الناصر طفرة في النظام الاجتماعي حيث ألزم الأغنياء بدفع ضرائب تفوق الفقراء في محاولة منه للتقريب بين الطبقتين كما ظهرت بطاقات التموين وتحول النظام الغذائى إلى المجمعات الاستهلاكية. ونال هذا النظام ترحابا كبيرا من غالبية الشعب المصري لأنه كان يهدف لتحقيق عدالة اجتماعية، حيث أعرب عبد الناصر عن غضبه من الأوضاع المادية المتردية التي يعاني منها عمال التراحيل والفلاحين، وأكد أن الأغنياء يحصلون علي عرق الفقراء، متسائلا في أحد الخطابات الشهيرة: هل هذه عدالة اجتماعية أم ظلم اجتماعي؟. ولم يفكر عبد الناصر في المساس بالدعم وإن كان يطالب المواطنين دائما بضرورة ترشيد استهلاكهم من المواد الغذائية، داعيا إياهم بتقليل شرب الشاي والقهوة حتي لا تهددهم أمريكا بقطع المعونة. شاهد الفيديو.. "السادات وانتفاضة الخبز" أما الرئيس الراحل أنور السادات فقد حاول بعد حرب أكتوبر 1973 الخروج من الأزمة المالية التى تعرضت لها مصر وإحداث نهضة اقتصادية، فلم يجد أمامه سوى تحرير الأسعار بإطلاق منظومة الدعم النقدي واللجوء الى الرأسمالية وتحويل الاقتصاد إلى القطاع الخاص. وفى يومى 18، و19 يناير 1977 بدأت "انتفاضة الخبز" أو "انتفاضة الحرامية" كما أطلقت عليها السلطة الحاكمة وقتها من خلال التجمعات العمالية بالعديد من المصانع والشركات احتجاجاً على رفع أسعار العديد من السلع الغذائية والأساسية مرددين هتافات ضد الجوع والفقر بعدما تم رفع أسعار الخبز والسكر والشاى والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى. وزاد الأمر سوءا بانضمام طلاب الجامعات لمظاهرات العمال، حيث هاجموا في فورة غضبهم أقسام الشرطة والمنشآت العامة، وتم إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول، والقبض علي الآلاف بتهم ارتكابهم أعمال العنف والانتماء لتنظيم شيوعي. واعتبر السادات أن المتظاهرين فئة قليلة لا يحركها إلا الحقد، مشيرا إلى أنه دعاهم لمواجهة وحل تلك الأزمة والجلوس معه إلا أنهم رفضوا وأصروا علي إتلاف الممتلكات. وفى نهاية المطاف أجبرت تلك الانتفاضة الرئيس الراحل أنور السادات على التراجع عن تلك القرارات الاقتصادية. شاهد الفيديو.. "شعار مبارك..لا مساس بالدعم" "لا مساس بالدعم" يعد الشعار الأبرز لحقبة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي حاول طوال الثلاثين عاما التي قضاها في حكم مصر تجنب الحديث عن رفع الدعم خشية فقدان الهدوء والاستقرار بالشارع المصري الذي خسرهما في النهاية. وكان مبارك يؤكد أن رفع أسعار الطاقة سيؤدي لرفع أسعار كافة المنتجات بشكل جنوني وهو ما لا يمكن أن يتحمله المواطن المصري، كما أنه كان يراهن علي صمت الطبقات الفقيرة التي رضيت بأقل القليل خلال حكمه ورفع الدعم عنها سيكون له عواقب وخيمة. وبعهد مبارك كان ربع إجمالي الإنفاق الحكومي يتوجه لدعم الطاقة والغذاء، إلا أنه في عام 2008 وافق مجلس الشعب المصري على مشروع قرار تقدم به الحزب الوطني بزيادة في أسعار الوقود والسجائر ورسوم تراخيص السيارات، والغاز الطبيعي لتغطية تكلفة زيادة الأجور "30%" التي قررها مبارك للموظفين بالحكومة والقطاع العام. وأكدت حكومة الحزب الوطني وقتها أنها ستوفر من وراء رفع أسعار الوقود نحو 19 مليارا و669 مليونا و800 ألف جنيه سيتم توجيهها لتدبير موارد إضافية لتمويل علاوة مبارك للعاملين في الدولة بنسبة 30%،، وتعزيز دعم المواد البترولية، وزيادة مقررات السلع في البطاقات التموينية، والزيادة في المعاشات المدنية والعسكرية بمبلغ 600 مليون جنيه. وزاد سعر البنزين "90" وقتها بنسبة 35% ليصل إلى 1.75 جنيه مصري، كما ارتفع سعر السجائر الأجنبية بما يصل إلى 20% مقارنة مع زيادة تبلغ نحو 10% على أسعار السجائر المحلية، وتم زيادة أسعار الغاز الطبيعي للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة من 36 قرشا للمتر المكعب إلى 57 قرشا بنسبة 85%. شاهد الفيديو.. "مرسي.. وحلم قرض الصندوق الدولي" لم يكن لدي الرئيس المعزول محمد مرسي الذي لم يستمر حكمه سوي عام واحد أي مشاريع حقيقية لإنقاذ الاقتصاد المصري كما كانت تنقصه الجرأة في اتخاذ القرارات، حيث اتخذ قرارا برفع أسعار بعض المواد الغذائية والسجائر والخمور، ثم تراجع عنه بعد ساعات بعدما أثار عاصفة من الغضب داخل الشارع المصري. وكان مرسي يسعى للحصول علي قرض بنحو 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي والذي كان يتطلب حزمة من القرارات والإصلاحات الاقتصادية التي تشمل رفع الدعم عن الطاقة وبعض المواد الغذائية. ولم تمهل ثورة 30 يونيو مرسي لتطبيق منظومة الوقود الجديدة والتي كان سيتم من خلالها خفض الدعم عن المنتجات البترولية، التى تقضى بتوفير ما يقرب من 113٫2 مليار جنيه، وتشمل منح كوبونات لمستحقى الدعم للحصول على أسطوانات الغاز بسعر 5 جنيهات للأسطوانة، كما سيتم الحصول علي البنزين من خلال كوبانات لمنع تهريبه مع رفع أسعاره ليصل بنزين 90 إلى ما بين 2٫70 إلى 3 جنيهات للتر بدلاً من سعره 1٫85 جنيه. شاهد الفيديو.. "جراءة السيسي في مواجهة الدعم" "أنا عارف إنتوا واخدين علي خاطركم مني" بهذه الكلمات بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي خطابه أمس في محاولة منه لتهدئة الشارع المصري بعد قراره برفع الدعم جزئيا عن الوقود. ويعتبر عبد الفتاح السيسي أول رئيس مصري يجرؤ علي اتخاذ هذا القرار ولا يتراجع عنه من أجل سد عجز الموازنة العامة وتقليل الدين العام. وكان المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء كان قد أصدر قرارا برفع أسعار الوقود بنسبة تقترب من الضعف، في إطار مشروع إصلاح يستهدف إنقاذ الاقتصاد. وطبقا للزيادة فسيرتفع سعر بنزين سعر 92 أوكتين من 1.85 جنيه إلى 2.60 جنيه للتر بزيادة 40 بالمائة، كما سيرتفع سعر بنزين 80 أوكتين من 0.90 قرشا حاليا إلى 1.60 جنيه للتر، بزيادة 78 بالمائة. كما ارتفع سعر بنزين 80 بنحو 70 قرشًا ليصل إلى 160 قرشًا للتر، كما زاد سعر لتر السولار بنفس القيمة ليصل سعره إلى 180 قرشًا للتر، في حين ارتفع سعر بنزين 92 بقيمة 75 قرشًا ليصل إلى 260 قرشًا، وزاد سعر لتر بنزين 95 بنحو 40 قرشا للتر، ليصل سعره إلى 6.25 جنيه. كما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قراراً آخر بإلغاء القرار الذي سبق أن أصدره الرئيس المعزول محمد مرسى، بفرض ضريبة على عدد كبير من السلع، واكتفى بالإبقاء على الضرائب على السجائر المحلية والمستوردة والمشروبات الروحية والكحولية. شاهد الفيديو..