المتابع للوضع علي المسرح العربي، سوف يندهش من سرعة الأحداث وسخونتها من كل مكان، أي حد يصعب معه حصر أعداد القتلي والخسائر الهائلة في المنشآت والبنية الأساسية التي أدت إلي تهجير وتشريد الملايين.. ومن المؤكد أن كل ما يحدث في الدول العربية سوف يترك أثرا سلبياً علي الشعوب العربية لعشرات السنين، وربما ينتهي بتمزيق بعض الدول إلي دويلات صغيرة لا يمكن أن تلتأم جروحها. الجديد في الوضع العربي هو مأساة العراق التي لم تقف عند حد الدمار والقتل اليومي وإنما مهددة بالتقسيم الطائفي الذي غرست بذوره الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما احتلته تحت مزاعم نشر الديمقراطية ثم حولته لأشلاء طائفية وأرض خصبة لجذب جماعات الإرهاب والتطرف من شتي بقاع الأرض وأصبح تنظيم ما يسمي بداعش يسيطر علي أجزاء منه.. هذه الدولة التي كانت تمثل القوة الثانية في العالم العربي بعد مصر، تحولت علي أيدي الأمريكان إلي أشلاء يعبث بها الفرس والأكراد وجماعات الإرهاب وساعدهم في ذلك ما يقومون علي حكم العراق نفسها بتنفيذهم السيناريو الأمريكي في ترسيخ الفتنة الطائفية والتطهير العرقي!! من الواضح أن ثروات العالم العربي كانت وبالا علي شعوبه، وبخاصة الثروة النفطية التي جعلت الغرب يفكر منذ تفجير هذه الثروة في كيفية استرداد دولاراته التي يدفعها للعرب إلا بقتلهم من خلال تغذية الصراعات بين الدول أو داخل الدولة الواحدة كما حدث في الحرب الإيرانية - العراقية التي استمرت ثماني سنوات.. ثم الحرب العراقية - الكويتية التي استنزفت ثروات الدولتين وذهبت إلي الخزانة الأمريكية وشركات السلاح، ثم انتهت بتدمير العراق تماما. وقبل أن يلتقط العرب أنفاسهم ويعيدون حساباتهم تفجرت ثورات الربيع العربي التي تهدف إلي تمزيق مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن وتنتهي بالسعودية ودول الخليج.. ورغم أن المخطط قد نجح إلي حد كبير في ليبيا وسوريا واليمن وأصبحت الفوضي الخلاقة هي السائدة لتدمير كل شىء وتحتاج عشرات السنين لإعادة البناء والاستقرار.. إلا أن الأمر قد اختلف في مصر بسبب وطنية وقوة قواتها المسلحة، وأيضا بسبب وعي المصريين الذين أدركوا السيناريو مبكرا وأيقنوا أن جماعة الإخوان ما هي إلا الوجه الآخر للمالكي في العراق وكل الجماعات العميلة للغرب.. وجاء الرد قويا وأسرع مما يتخيل الغرب عندما خرج كل المصريين في 30 يونية لإعلان سقوط الإخوان وسقوط المخطط الأمريكي في مصر. الآن وبعدأن تكشفت الصورة بجلاء وعادت الدولة المصرية للاستقرار، لم يعد هناك شك في أن كل ما يحدث في الدول العربية من تدمير ممنهج هو صناعة أمريكية كل هدفها تحويل المنطقة إلي أشلاء ودويلات صغيرة قائمة علي بقايا ركام من الماضي.. وإذا كان الوعي المصري قد عطل استكمال تنفيذ هذا السيناريو فإن الأمر أصبح يحتاج إلي سرعة تحرك ومبادرة مصرية سعودية للحفاظ علي البقية الباقية من العالم العربي، وهذا لن يتأتي في ظل سياسة رد الفعل فقط وإنما يحتاج إلي خطوات استباقية لمواجهة عنصرية وعبث الغرب بالعرب.