أصاب الفيلسوف الإنجليزي «فرنسيس بيكون» كبد الحقيقة حين قال: «المال عنصر كاشف وليس عنصراً خالقاً». وقد أراد الفيلسوف بعبارته هذه أن يبين لنا أن المال لا يخلق في الإنسان طبعا لم يكن موجوداً من قبل، بل هو عنصر يكشف عن معدن الإنسان. فالنذل مثلاً هو نذل سواء في فقره أو بعد أن يثري، غير أن نذالته لم تكن لتبين إلا بعد أن أثري. وما قاله الفيلسوف يصدق كل الصدق علي بعض مصامي الدماء الذين يعرفون بالمستثمرين في مصر، إذ راحوا في خسة منقطعة النظير، وبكل صلف وعنجهية من نسوا تاريخهم الأسود مع الشعب المصري وصفحتهم الملوثة بالجرائم ضده.. يزمجرون ويتوعدون ويهددون الشعب والحكومة معاً بسحب استثمار اتهم من مصر. رافضين قانون الضريبة علي الأرباح الرأسمالية في البورصة بنسبة 10٪!! مستغلين في ذلك آلة الإعلام من صحف وقنوات فضائية يمتلكونها.. تلك القنوات المسخرة لخدمتهم وصحفهم الممولة لتجميل صورتهم القبيحة. وراحوا يصورون الأمر علي غير حقيقته.. بقولهم إن الضريبة.. «جباية».. هكذا!!.. وأنها ستعمل علي تطفيش المستثمر. ذلك في الوقت الذي أصدرت فيه الحكومة فرماناً علي الفقراء برفع سعر شرائح الكهرباء والغاز وتحمله الفقراء والمعدمون صابرين تقديراً منهم للظرف الذي يمر به الوطن والضائقة الاقتصادية التي طال أمدها، فلم نجد قناة واحدة من تلك القنوات أو صحيفة من صحفهم تطالب الحكومة بالرجع في قرارها لأن الفقراء ما عادوا يتحملون كل هذه الأعباء كل هذه الأعباء المضافة علي أعبائهم التي تحملوها طيلة العقود الثلاثة الماضية.. بل وجدنا العكس كانوا في خطابهم الإعلامي يحضون الناس علي التحلي بالصبر ليعبر الوطن أزمته الاقتصادية ويخرج من محنته في هذا الظرف العصيب!!، وكان أولي بهم أن ينتصحوا هم بهذه النصيحة.. «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم» صدق الله العظيم.. وقاموا بتجسيد الأمر علي أنه إضرار بمصالح صغار المستثمرين الذين هم بطبيعة الحال لا يملكون ولا بقية الشعب قنوات تدافع عنهم.. غير أنهم أبرزوهم في الصورة حتي يتم إعفاء كبار المستثمرين من الضريبة.. ويعلم الله أنهم كذبة.. فلوا ذهبوا إلي أي بلد آخر غير مصر لدفعوا نصف أرباحهم ضرائب.. لذلك فكل تهديداتهم جوفاء إذ إنهم يمسكون في هذا البلد بأيديهم وأسنانهم لأن مصر بالنسبة لهم بمثابة ساحة مباحة وكنز ينهلون منه المليارات دون أن يدفعوا مليما واحداً لهذا الشعب. وبدلاً من أن تأتي منهم المبادرة من تلقاء أنفسهم دون قانون يفرض عليهم ويدفعون نسبة 10٪ كواجب عليهم كمستثمرين وطنيين مصريين وكمساهمة ضئيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية ولتخفيف الأعباء عن كاهل الفقراء حباً وكرامة ففعلوا العكس، وأسفروا عن وجوههم الحقيقية وأنهم لا يملكون حساً وطنياً ولا عندهم انتماء ولا يتمتعون بثقافة المشاركة، إن دينهم وديدنهم ومعبدهم هو المال فحسب!! فهل بعد ذلك يمكن أن يقال إننا تجنينا عليهم حين وصفناهم في أول مقالنا بمصاصي الدماء.. فلننشط إذن ذاكرة المصريين ونستعرض في إيجاز بعض من مخازيهم وجرائمهم التي ارتكبوها ضد هذا الشعب الكريم. أو لم يكن من المستثمرين أول وآخر من استثمروا دماء شهداء حرب أكتوبر المجيدة والتي تحقق فيها النصر المبين بفضل الله وتوفيقه وبفضل ضباط وجنود مصر البواسل في الجيش السياسي، وأثروا من وراء ذلك علي حساب الشعب الفقير.. أو لم يقوموا باستيراد الأغذية الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي.. أو لم يدخلوا في بطون إخوانهم في الوطن لحم الحمير والقطط والكلاب!! أليس من المستثمرين من استورد شحنات القمح المخلوط بعلف البهائم والقمح المسرطن للمصريين ولم يعرف حتي اليوم أسماء من كانوا وراء استيراد هذه الشحنات. أو لم يدخلوا عام 1986 شحنات ألبان مشعة للأطفال حتي أوجدوا جيلاً بأكمله مصاباً بالسرطان!! أو ليس هم أصحاب المصانع التي تقوم بدفن مخلفاتها الكيماوية في مياه النيل وقتلوا ومازالوا آلاف المصريين بالفشل الكلوي!! أو ليس هم الذين أدخلوا المبيدات المسرطنة إلي مصر. أو ليس منهم أصحاب العبارات التالفة والتي راح ضحيتها آلاف الغرقي في قاع البحر!! أو ليسوا هم الذين كانوا ومازالو يمارسون سياسة الاحتكار حتي بلغ بهم الإجرام حداً أن احتكروا الدواء!! فلم يعد المصري الذي تنهشه الأمراض الفتاكة يجد الدواء، وإن عثر عليه لا يقدر علي ثمنه الباهظ في ظل انعدام مظلة التأمين الصحي والذي لابد من تحقيقه في القريب العاجل. أو ليسوا هم الذين يتلاعبون بخناصرهم باقتصاد مصر وتحرير الأسعار الذي قصم ظهر المصريين ومنظومة اقتصاديات السوق والعرض والطلب والتي ينبغي علي الحكومة الجديدة ان تضع حداً لهذه الجريمة، خاصة وأن التجربة أثبتت طوال العقود الثلاثة الماضية فشلها الذريع وما عادت تناسب الشعب الفقير المعدم!!.. والآن يعودون ليمارسوا من جديد الضغوط علي الحكومة بشتي الوسائل حتي قامت الحكومة الحالية بتعديل القانون مرتين، وأخشي ما أخشاه أن يتم إعفاء هؤلاء الذين يتمتعون بالثراء الفاحش من الضريبة وبطبيعة الحال ستحول الحكومة الدفة ناحية الفقراء ليتحملوا وحدهم عبء سد عجز الموازنة!! إني أنصح الحكومة التي سيتم تشكيلها قريباً.. بأن أقول لها.. إن الحكومة التي تخشي بأس الأغنياء ولا تبالي غضب الفقراء!! هي حكومة مكتوب لها الفشل مسبقاً!! فالشعب نفد صبره وفاض به الكيل وما عاد يحتمل أي أعباء جديدة كائناً ما كان المبرر وتحت أي مسمي.