لم يجدوا في الورد عيبا فقالوا إنه أحمر الخدين! هذا المثل الشعبي ينطبق بشكل دقيق علي الاعتراضات التي أطلقها البعض علي قانون الضرائب الجديد! سنوات طوال ورجال الاعمال ورجال المهن الحرة يطالبون ويلحون في الطلب من أجل تخفيض سعر الضريبة لأنهم يرونه سعرا مغالي فيه يفرض أعباء كبيرة عليهم لا قبل لهم بها، ويحرص بعضهم، ان لم يكن الكثير منهم، علي التهرب من أداء الضريبة للدولة، ويشجع بعض العاملين في الضرائب علي التلاعب والتورط في المساعدة علي التهرب من الضرائب. وسنوات طوال ورجال الأعمال ورجال المهن الحرة يشكون من الطريقة التي تتعامل بها معهم مصلحة الضرائب، وهي الطريقة التي تجعلهم دائما مدانين حتي تثبت براءتهم، أو متهربين من دفع الضريبة حتي يثبت العكس وهو التزامهم بدفع الضريبة المستحقة عليهم فهي لا تعترف بمستنداتهم أو السجلات التي يحتفظون بها والدفاتر التي يسجلون فيها نتائج أعمالهم، وتنتهج في التعامل معهم أسلوب الربط الجزافي الضرائب الذي يهتم أساسا بفرض أكبر ضريبة ممكنة من الضرائب المستحقة علي رجال الأعمال ورجال المهن الحرة بغض النظر عن الحجم الفعلي للنشاط والحجم الفعلي للأرباح التي حققوها. وها هو قانون الضرائب الجديد الذي تحمس له وكافح من أجل اصداره الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية يلبي كل ما كان يطالب به رجال الأعمال والمستثمرون ورجال المهن الحرة، قد خفض الحد الأقصي للضريبة إلي النصف ورفع حد الاعفاء الضريبي، وأقر لأول مرة باعتماد الاقرار الضريبي الذي يقدمه الممول باعتبار الممول - أي ممول - صادقاً حتي يثبت العكس، وألغي بذلك التقدير الجزافي للضرائب، ليصيغ بذلك العلاقة بين الممول ومصلحة الضرائب علي نحو جديد وسوي لتقدم علي نحو متبادل الثقة، وبذلك استجاب لكل مطالب رجال الأعمال والمستثمرين التي ظلوا سنوات طويلة يلحون عليها. وبينما كان من المفروض أن يستقبل هؤلاء القانون الجديد للضرائب بشكل طيب وترحاب فقد فوجئنا ببعضهم يستقبله بطريقة مغايرة تماما.. وبدلا من أن يعتبروا القانون الجديد قد جاء لينصفهم ويساندهم ويدعم أعمالهم وانشطتهم، اعتبروه علي العكس تماما جاء ليسلب منهم المزايا التي كانوا يتمتعون بها في القانون القديم للضرائب الذي كان لا يعجبهم ويهاجمونه ليل نهار، واعتبروا القانون الجديد جاء ليهددهم، وبالتالي يعطل أعمالهم وأنشطتهم كل ذلك لأن القانون الجديد أعاد النظر في أمر ظل موضع انتقاد دائم طوال السنوات الماضية هو أمر الاعفاءات الضريبية التي كانت تمنح لبعض الأعمال بشكل عشوائي وثبت انها كانت تستخدم وسيلة للتهرب من أداء الضرائب المستحقة حينما كان عدد من رجال الأعمال يصنعون أنشطتهم وأعمالهم قرب انتهاء سنوات الاعفاء الضريبي علي الورق فقط ليستأنفوا العمل فيها تحت لافتات جديدة للفوز بفترة اعفاء ضريبي جديد. وهكذا نسي هؤلاء المزايا الهائلة والضخمة التي يقدمها لهم قانون الضرائب الجديد وتوقفوا فقط عند مسألة الغاء الاعفاءات الضريبية ليشنوا هجوما مكثفا علي القانون الجديد، وهو مازال مشروعا يخضع للمناقشة في مجلسي الشعب والشوري، ثم حتي بعد اقراره يطالبون بقانون منصف وعادل فقط، وانما يطالبون بقانون يلغي تماما الضرائب عليهم ويعفيهم إلي الأبد من دفع الضرائب فهم يريدون ان يعملوا ويوظفوا أموالهم وأموال البنوك، ليحققوا أضخم الأرباح دون أن يطالبهم أحد بدفع أية ضريبة! فهل هذا مقبول أو مستساغ أو معقول؟ لقد اثبتت التجربة أن وسيلة الاعفاءات الضريبية لم تحقق ما كنا نرجوه ونبتغيه من تشجيع للمستثمرين وزيادة في الاستثمارات، بل في ظل هذه الاعفاءات التي منحناها بسخاء تراجعت الاستثمارات وعانينا من عزوف المستثمرين سواء المستثمرين المصريين أو العرب أو الاجانب. وعالميا لا يعد الاعفاء من الضرائب وسيلة ناجعة لجذب المستثمرين وزيادة الاستثمارات، بل ان هذه الاعفاءات تحتل المرتبة السابعة وربما الثامنة في دوافع قرار أي رجل أعمال للدخول في استثمارات ومشروعات جديدة فضلا عن أن هذه الاعفاءات الضريبية كانت تستخدم في بلادنا علي وجه التحديد كوسيلة للتهرب من دفع الضرائب لذلك ليس مفهوما أو مبررا أن يغضب البعض لالغائها في ظل قانون جديد يمنحهم مزايا ضريبية ضخمة وهائلة ويصحح العلاقات غير السوية بينهم وبين مصلحة الضرائب، اللهم إلا اذا كان المطلوب هو قانون ايعفيهم إلي الأبد من دفع الضرائب! كما أن القانون الجديد للضرائب يتعامل بطريقة سوية مع الممولين ويفترض فيهم الصدق ويعتمد دفاترهم وسجلاتهم واقراراتهم الضريبية ويحصل منهم الضريبة التي يحددونها هم دون مغالاة أو تقدير جزافي، لذلك هو يتوقع منهم ان يكونوا بالفعل صادقين من الدول ومصلحة الضرائب فاذا ثبت بالفحص الدوري العشوائي ان هناك من يكذب منهم ويتهرب من دفع الضريبة يجب معاقبته بعقوبات تردع غيره وتكون مانعة إلي حد كبير لظاهرة التهرب الضريبي، وهذا ما انتهجه القانون الجديد بتحديد عقوبة الحبس لمن يثبت تهربه من دفع الضرائب بشكل معتمد.. ولذلك ليس مفهوما أيضا ان يثير ذلك غضب بعض رجال الأعمال اللهم إلا اذا كانوا ينوون الاستمرار في التهرب من دفع الضرائب المستحقة عليهم. إن التهرب من دفع الضريبة يعد في أغني الدول الرأسمالية جريمة نكراء تستحق أشد العقوبات وينال مرتكبها تجريسا يحقر من شأنه وسط مجتمعه.. لذلك ليس من المفهوم أن يطالب البعض بالغاء عقوبة الحبس للمتهرب من الضرائب، بعد كل المزايا الهائلة التي منحها قانون الضرائب للممولين والعلاقة الجديدة التي تقوم علي الثقة في الممول التي أقرها القانون. حقا لم يجدوا في قانون الضرائب الجديد عيبا فقالوا له يا أحمر الخدين!