" أيها الصارخون، واإسلاماه واإسلاماه.. وفروا صراخكم، فالإسلام بخير، والخطر كله على الإسلام إنما يأتي منكم" .. كلمات وجهها فرج فودة قبل سنوات قليلة من اغتياله عبر كتابه "قبل السقوط" .. وكأنها الكلمة التى قتلت صاحبها كالبيت الذي قتل المتنبي. لم يكن فرج فودة الكاتب والمفكر المصري يعلم أن آراءه وحوارته الفكرية ستمثل طلقة تودي بحياته، علي يد اللاعبون علي وتر الشريعة وأصحاب التأويل الخاطئ لأصول الدين.. لم يعلم فرج فودة أن فلسلفته الفكرية وإيمانه بفصل الدين عن الدولة مثلت إنذرات خفية لواقع مرير عايشه الشعب المصري بعد 20 عاماً من وفاته، علي يد التيار الإسلامي والأفكار المتطرفة التى عصفت بالبلاد بمباركة نظام المعزول. اليوم تحل الذكري ال22 لوفاة الرجل الذي ثأرت له ثورة يونيو بعدما أثبتت الأيام صدق كلماته بأن "الدولة الدينية مدخل كبير للفتنة لتمزيق الوطن".. فقد ولد فودة الذي طالما طالب بفصل الدين عن الدولة، في 20 أغسطس 1945، ببلدة الزرقا بمحافظة دمياط، وتخرج في كلية الزراعة، حصل على ماجستير العلوم الزراعية، ودكتوراة الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس. رأى فرج فودة انتصار التحالف الإسلامي ونجاح الإخوان المسلمين في "الحصول على الشرعية بالتحايل خطرا حقيقيا على الدولة، لا يقل عن إرهاب الجماعات الإسلامية في السبعينيات الذي انتهى بإسقاط رأس الدولة".. وكان فودة يرى أن الدولة المدنية لا شأن لها بالدين. ووقفت جبهة علماء الأزهر في مواجهة تطلع فودة لتأسيس حزب سياسي، في حملة شنتها عليه مطالبة لجنة شؤون الأحزاب برفض تأسيس الحزب، وأصدرت بيانا تكفيرياً نشر بجريدة النور، تفتي بكفر "فودة"، ووجوب قتله، وعقب إصدار البيان نفذ عدد من شباب الجماعة الإسلامية عملية الاغتيال، ونجح سائق فرج فودة وأمين شرطة متواجد بالمكان في القبض عليهم. ففي 8 يونيو قبيل أيام من عيد الأضحى، انتظر شابان من الجماعة الإسلامية، بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة حيث مكتب فرج فودة، وفي الساعة السادسة والنصف مساء، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديقه، وفي أثناء توجههم لركوب سيارة فرج فودة، انطلق أحدهم بالدراجة البخارية والآخر أطلق الرصاص من رشاش آلي فأصاب فرج فودة إصابات بالغة في الكبد والأمعاء، بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلقا هاربين. حملت سيارة إسعاف فودة إلى المستشفى، حيث قال وهو يحتضر "يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطنى".. وبالتحقيق مع عبد الشافي رمضان، أحد المتهمين بقتل فودة، أعلن أنه قتله بسبب فتوى الدكتور عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية بقتل المرتد في عام 1986، فلما سئل من أي كتبه أجاب "أنا لا أقرأ ولا أكتب"!. واعتبر البعض المناظرة الشهيرة بين فودة و نائب المرشد العام مأمون الهضيبى، كانت السبب الرئيسى فى صدور فتوى قتل واغتيال فرج فودة، والتى ربط بين العمليات الإرهابية واستقلال بعض الإمارات الإسلامية فى عهد السادات، وبين تغول التيار الدينى النابع من جماعة الإخوان ، ومحاولة تمكين الفكر الدينى لمحو ثقافة المجتمع المصرى. ومن هنا انتهت حياة رجل سبق عقله وزمانه.. رجل تحدث بلسان المستقبل وتجرأ علي كل الأبواب المحرمة.. فاغتالوه ولكن لم يغتالوا فكره.. لتظل كلماته صامدة في وجه كل فكرة متطرفة.