لماذا يحتدم الجدل بين القوى السياسية قبل كل انتخابات برلمانية حول النظام الذى ستجرى به الانتخابات؟ لأن النظام الانتخابى هو الآلية التى تؤدى إلى تحويل الأصوات إلى مقاعد برلمانية، ويتحكم النظام الانتخابى فى ملامح المشهد السياسى الذى يعقب إجراء الانتخابات، ويؤدى اما إلى اثراء الحياة السياسية والحزبية أو إلى جمودها، وقد يسمح النظام الانتخابى بإنعاش المعارضة السياسية أو يجعل فوزها فى الانتخابات عسيرًا، وقد يؤدى إلى الاستقرار السياسى، أو يقود إلى تشكيل حكومات ضعيفة وغير مستقرة ولا يكتب لها البقاء، وهو ما يدفع إلى التأكيد على أن نجاح الانتخابات يعتبر وسيلة لنقل السلطة سلميًا، وفشلها يؤدى إلى اختلالات اجتماعية وسياسية حادة. وقد عرف العالم عددًا كبيرًا من النظم الانتخابية، تقع غالبيتها فى ثلاثة تصنيفات أساسية هى نظام الأغلبية ونظام التمثيل النسبى والنظم المختلطة. وعملية انتقاء النظام الانتخابى هى مسألة سياسية وليست فنية تخضع للمصالح السياسية، واختيار النظام الانتخابى المطلوب فى إجراء الانتخابات البرلمانية فى حالة مصر لابد من اخضاعه لمبدأين أساسيين الأول يتعلق بطبيعة الظرف التاريخى الذى تمر به البلاد والذى يفرض اختيار نظام انتخابى يضمن تمثيلًا حقيقيًا لكل القوى والأطياف السياسية الفاعلة فى المجتمع، ويضمن تمثيل المرأة والأقباط والشباب والعمال والفلاحين والمصريين فى الخارج، ويراعى ظروف المجتمع من ارتفاع نسبة الأمية وزيادة حدة الفقر والتى يمكن أن تستغل أسوأ استغلال من جانب بعض المرشحين، والمبدأ الثانى يتعلق بالمعايير العامة لاختيار الأنظمة الانتخابية ويمكن حصرها فى عدالة التمثيل الجغرافى ويعنى حصول كل منطقة سواء كانت بلدة أو مدينة أو محافظة، أو دائرة انتخابية على ممثلين لها فى البرلمان، والتمثيل الأيديولوجى من خلال ممثلين عن الأحزاب السياسية أو مستقلين أو خليط منهما، وجعل الانتخابات فى متناول الجميع عن طريق سهولة الاقتراع، وسهولة الوصول إلى أماكنه، وتوفير المحفزات لتحقيق المصلحة العامة عن طريق اعتبار النظم الانتخابية أداة لإدارة العلاقات السياسية، ودفع الأحزاب السياسية إلى التوجه نحو قواعد أوسع من المؤيدين. من الأفضل فى ضوء الظرف التاريخى الذى تمر به الأمة المصرية ترجيح نظام الانتخاب المختلط استنادًا إلى دوائر انتخابية أحادية التمثيل بالتوازى مع نظام القائمة النسبية المفتوحة، هذا النظام يتيح للناخب حرية اختيار مرشحيه مباشرة وفقًا للنظام الفردى، ويفتح الطريق أمام الأحزاب السياسية لتقديم مرشحيها وفوز مرشحين لها فى البرلمان وفقًا لنظام القائمة النسبية مع مراعاة أن تتضمن قوائم الأحزاب وضع الفئات المنصوص عليها فى الدستور. إن دراسة النظم الانتخابية تشكل إحدى الأولويات المتقدمة فى المشهد المصرى الراهن لتطبيق النظام الأمثل لانتخاب أول مجلس نواب بعد تعديل الدستور وإدارة العملية الانتخابية هى المحك الأساسى لتقييم مدى نجاح عملية التحول الديمقراطى، لكونها آلية عملية لتحقيق التداول السلمى للسلطة الذى نص عليه الدستور الذى جعل النظام السياسى المصرى قائمًا علي التعددية السياسية والحزبية والفصل بين السلطات والتوازن بينها والتداول السلمى للسلطة. كما أهتم الدستور بالحياة الحزبية عندما جعل الحزب الحائز على الأكثرية أو الائتلاف يشكل منه رئيس الوزراء، ولن يحدث ذلك إلا بنظام يضمن تمثيل الأحزاب بشكل مناسب.