سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كنا شباباً فى عمر الزهور وفضلنا الالتحاق بالكليات العسكرية عقب هزيمة يونيه للثأر وإعادة الكرامة الوفد تحاور العميد أركان حرب محمد عبدالقادر قائد إحدى سرايا المدفعية الثقيلة فى النصر العظيم
وللشباب: افخروا بقواتكم المسلحة الباسلة التى كانت دائماً على العهد وافخروا بقادتها الذين كانت لهم بطولات ما زالت بعد 47 عاما تدرس فى أعلى المعاهد العسكرية حول العالم أطالب كل مصرى يحمل فى داخله حباً لهذا البلد بأن يكون عوناً على تقدمها وازدهارها الوفد: وقد حلت الذكرى السابعة والأربعون لحرب أكتوبر.. ما الذى فى جعبتكم اليوم للحديث عن ذلك النصر العظيم؟ عبدالقادر: ها قد هلت نسائم النصر، وفاحت روائح أكتوبر العطرة. فى العيد السابع والأربعين لنصر أكتوبر العظيم. فما إن يقترب شهر أكتوبر المجيد حتى تتحرك المشاعر، وتدور الذاكرة مستحضرة أياماً عظيمة وذكريات مليئة بالزهو والفخر والعزة والكبرياء، تلك هى أيام نصر أكتوبر العظيم. فيا لها من أيام عاشها كل مصرى وطنى شريف. صغيرا كان أم كبيرا، مسلما كان أم مسيحيا، ذكرا كان أم أنثى، عاشوها جميعا فى شهر هو من أحب شهور العام إلى الله، شهر رمضان المعظم داعين رب العالمين مبتهلين له أن ينصر جيش مصر وأن يعيده إليهم سالما غانما مجبور الخاطر ماحيا ذل الاحتلال الذى جثم على صدر البلاد ستة أعوام كاملة، محققا نصرا عزيزا على عدو شرس تسلح بأحدث الأسلحة واعتنق العدوان عقيدة، والتوسع منهاجا له. لا تردعه مبادئ ولا أخلاق ولا استنكار مجتمع دولى ما دام مالكا للقوة فى عالم لا يعترف سوى بالقوة. وليكن احتفالنا هذا مختلفا، فمجريات الحرب، وأحداثها تم تناولها من الكثيرين ممن عاشوها ومارسوها -وإن بقى الكثير لم يتم التطرق له- ولكننى لتعم الفائدة أرى تناولها من حيث محورين رئيسيين هما: مدى تأثيرها فى الشباب، ومدى تأثيرها فى مخططات التنمية التى تعيشها البلاد على كافة ربوعها دون استثناء. فهما قضيتان جديرتان بالتوقف أمامهما. وتحل هذه الأيام علينا –نحن العسكريين المشاركين فى تلك الحرب وفى تحقيق ذلك النصر- فنتذكر لا شعورياً وقت أن كنا شبابا فى عمر الزهور وكيف أننا قد فضلنا الالتحاق بالكليات العسكرية عقب هزيمة يونيه عام سبعة وستين، بدلا من الالتحاق بالكليات المدنية والتى يبدأ فيها الشباب تفتحه وإحساسه بالحياة، غير عابئين بما سيكون من قتل لمشاعر وأحاسيس وأحلام الشباب والتى تنمو فى هذه السن وذلك فى سبيل واجب وطنى لم يمله علينا أحد وإنما استشعره كل منا بذاته فقد كان الوطن محتلا والجرح عميق، وكان لا بد من ان يكون هناك من يزيل ذلك الكابوس عن الأرض والعرض، ومن يكون ذلك سوى شباب هذه الأمة وقوتها الضاربة. وبدون إمعان فى التفكير اندفع عشرات الآلاف من شباب الحاصلين على الثانوية العامة إلى الالتحاق بالكليات العسكرية واضعين نصب أعينهم أرضهم المحتلة والحرب المنتظرة لتحريرها. ومن عجب أن يكون أعلى رقم تقدم للكلية الحربية فى تاريخها، فى هذه الدفعة يزيد على اثنين وعشرين ألفا، بينما المطلوبون للقبول بالكليات العسكرية مجتمعة لا يزيد على ألف وخمسمائة طالب. هؤلاء هم المصريون، وهذا هو الشعور الوطنى فى أجلى معانيه. فلم يكن هناك من يدفع هؤلاء أو يطالبهم أو يلزمهم بالالتحاق بالكليات العسكرية، فى وقت معلوم فيه للجميع أن الأرض محتلة، وأنه لا بد أن تكون هناك حرب لاستردادها وأن لذلك ثمنا من الأرواح سيدفع، وإنما هو إحساسهم بنداء وطنهم فلبوا النداء على الفور دون تلكؤ أو تأخير. ومرت أيام تتلوها أيام بين حرب استنزاف شرسة سعى فيها كل من طرفى الحرب لتكسير عظام الآخر، إلا أنها كانت فرصة لنا لنمارس عن قرب طقوس الحرب، وإدارة المعارك صغيرة كانت أم كبيرة، لا يهم، وإنما المهم هو اكتساب فنون الحرب والقتال العملية، والتى ما كانت لتحدث إلا من خلال تلك المعارك اليومية فى فترة حرب الاستنزاف والتى استغلتها قواتنا المسلحة خير استغلال فى اعداد الجنود والضباط إعدادا ميدانيا جيدا ليوم القتال الأكبر. وجاء اليوم الذى انتظرناه، وتم تخطيطه ليكون فى شهر سبق أن أعز الله فيه المسلمين قديما، شهر رمضان المعظم. ولم يأت ذلك اعتباطا، وإنما من خلال تخطيط محكم تم تغليفه بعناية بخطة خداع استراتيجى أعدت بدقة، حتى إن العدو، ومن خلفه أعتى دول العالم، وأعنى الولاياتالمتحدةالأمريكية، بما لديها من أجهزة استخبارات ووسائل استطلاع وتجسس، فشل فى كشف نوايا الجيش المصرى لعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف وتحرير جزء من سيناء يتيح للقيادة السياسية الجلوس بعزة وكرامة على مائدة المفاوضات لتملى شروطها، وهو ما كان مستحيلا مجرد تصوره. وللأمانة والتاريخ، فإن هذا النصر الذى تحقق فى السادس من أكتوبر، لم يأت من فراغ، ولكن سبقه إعداد وتجهيز وتدريب خلال السنوات الست السابقة عليه. بتناغم تام بين كافة أجهزة الدولة، ومن جهة أخرى بين كافة أفرع القوات المسلحة المصرية بصورة تعكس كيف أنه تم إعادة بناء القوات المسلحة على أسس سليمة وبحنكة عالية. فقد قامت أفرع القوات المسلحة كل فى تخصصه بملحمة رائعة، فكان الاتفاق على شراء أسلحة جديدة حديثة تقترب فى كفاءتها من السلاح الإسرائيلى والذى كانت الترسانة الأمريكية مفتوحة على مصراعيها لتوريده لهم، وهو ما لم يكن متاحا للجيش المصرى. كما عمدت هيئة تدريب القوات المسلحة وإدارات الأسلحة إلى وضع خطط وبرامج التدريب القاسية والعنيفة لتأهيل القوات المسلحة علميا وبدنيا وفنيا، بينما وضعت ادارات التسليح برامجا لرفع المستوى الفنى للأسلحة وتأهيلها، ثم جاء دور هيئة العمليات فى تشكيل الصورة بوضع برامج للمناورات بالجنود والذخيرة الحية لإكساب كل ضابط وجندى مهارات الحرب، والتى انتهت بعد تلك السنوات الست إلى أن يتقن كل جندى وضابط دوره فى العمليات بمنتهى الكفاءة والحنكة والحرفية، وهو ما قادنا إلى ذلك النصر بعد إخلاص النية وبعد التوجيهات الحكيمة من الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة بطل الحرب والسلام المرحوم الشهيد الرئيس محمد انور السادات. ويأتى قبل ذلك كله إرادة رب العالمين الذى قال فى محكم التنزيل « وما النصر إلا من عند الله» صدق الله العظيم. ولعل فى تكامل أدوار كل مؤسسات الدولة من جهة وأدوار أفرع القوات المسلحة المختلفة، من جهة أخرى درس عبقرى ونموذج عظيم لما يجرى حالياً، وما يجب أن يجرى على أرض الواقع لتحقيق أفضل استفادة من خطط التنمية الجارية على قدم وساق وتشمل كافة ربوع البلاد. فما أشبه اليوم بالبارحة، فمصر تخوض اليوم حرب تنمية تقودها القيادة السياسية بحكمة وحنكة منقطعة النظير، سعيا للحاق بركب التقدم والازدهار الذى ألى الرئيس عبدالفتاح السيسى على نفسه أن يأخذها إليه. وها نحن نشهد بأنفسنا كيف أن كل أجهزة الدولة ووزاراتها المشاركة فى إحدى عمليات التنمية تتواجد عند افتتاح المشروع مبينة دورها فى ذلك العمل. فقط أطالب كل مصرى يحمل فى داخله حبا لهذا البلد أن يكون عونا على تقدمها وازدهارها، أو على الأقل ألا يكون عائقا فى سبيل ذلك التقدم المنشود. فقد صار لكل دوره فى تنمية هذا الوطن، بقى أن يتقدم ليشارك بإيجابية، ولتكن سهرات المقاهى والتكاسل فى العمل وتكبير المخ وتلقى الرشاوى واستمراء الحرام، ضربا من الماضى غير قابل للرجوع إليه أو التفكير فيه. فمصر اليوم تختلف عن مصر الأمس وهى تحتاج بشدة لسواعد ابنائها كما كانت سواعد أجدادهم جاهزة عندما احتاجتها. وإلى كل مصرى ومصرية عاصروا تلك الملحمة أو قرأوا عنها أو سمعوا عنها أقول: افخروا بقواتكم المسلحة الباسلة التى كانت عند عهد الشعب بها. وافخروا بقادتها الذين كانت لهم بطولات ما زالت بعد مرور سبعة وأربعين عاما تدرس فى أعلى المعاهد العسكرية حول العالم. وافخروا قبل هؤلاء وهؤلاء بشهدائها الذين ضحوا بحياتهم لا لشىء سوى لتحرير الأرض والمحافظة على العرض، ما كانوا يأملون فى أكثر من ذلك. ترحموا عليهم اليوم، وافخروا بأنكم أبناؤهم وأحفادهم، واذكروا أنكم لم تكونوا لتحيوا تلك الحياة الآمنة المستقرة الراغدة إلا بسبب تضحياتهم بأرواحهم. ثم أسمعونا دعواتكم لمن كان منهم على قيد الحياة. أنا هنا لم أتحدث عما دار فى حرب أكتوبر، فهى أعمال تحتاج إلى مجلدات وكتب كثيرة، ولكننى تطرقت إلى النتائج فقط، وإلى دور الشباب الهام فى بناء مصر الحديثة فهو المسئول عن رفاهية أبنائه وأحفاده كما كنا مسئولين. والتاريخ لا يرحم.