عندما يصبح الوطن في خطر، لابد أن ترتعش الأيدي، وتعي العقول، ويشعر كل مواطن بالخوف على بلده، ويعلى كل شخص مصلحة الكل على ذاتيته، ورؤيته الضيقة في تحقيق هدفه وحده دون أن ينظر بعين ثاقبة لما حوله من أخطار قد تعسف بما يفكر به، وفى تلك الحالة يكون دور النخب العاقلة والرشيدة الدور الأكبر في توجيه الناس، وإرشادهم إلى الطريق الصحيح، إلا أنه دائما ما يكون في المحن دروساً وعبر، وكشف عن حقائق ما كان يمكن معرفتها إلا في ظلها، وتنكشف الأغطية من على النفوس، ويظهر معادن أصحاب الكلام والشعارات، وتكون النهاية فرز لما هو متحدث، حتى تكون الحقيقة أمامنا جمعياً واضحة. فعندما قامت الثورة، وغاب الأمن وانتشرت البلطجة، وشعر كل مواطن بالخوف على حياته وأسرته، كانت لحظات عصيبة تمنى كل مصري انتهائها، إلا المستفيدين بالطبع من استمرار الفوضى، فهناك وبلا شك من في كل حدث مرير يوجد من يحاول الاستفادة منه، من أصحاب النفوس المريضة، حتى في أوقات الحروب، تنتشر أصحاب المنافع، فيزيد البلطجية وتنتشر تجار السلاح، ويزيد الاحتكار والجشع، وتنتهك القيم من المخربين، فتلك سنن الحياة، ولسنا في مدينة أفلاطون أو الحياة المثالية التي يمكن لكل شخص أن يعلى القيم والأصول والأعراف والدين في كل ظرف أو حدث، إلا انه عندما يتعلق الأمر بأمن الوطن، فالكل مسؤول، ويصبح الأمر جلل، فلن ينجى أحداً اذا عم الخراب، وانهدمت الدولة وسادت الفوضى، ولن يحقق أي من أصحاب المصالح الشخصية شيئاً، فبعد مرور عامين من الثورة نرى أن الحشد الجماهيري لكل تيار اصبح الفكرة والقوة التي بطريقها يعبر عن تواجده، وربما هذه من أساليب الديمقراطية، ويسعى إلى الحصول على مكاسبه السياسية في وطن مريض، كان على كل تيار يسعى إلى شفاءه أولاً، ثم يجنى مكتسباته التي يريدها بالطريقة التي متفق عليها بين الجميع، فاذا شذ طرفاً أو تياراً عن تلك القاعدة، يصبح منبوذاً، لأنه سعى إلى نفسه، ولم يسعى إلى وطنه، إلا أنه للإنصاف يجب التفريق بين نوعين من الحشد، في ظل غياب الكثيرين في التفكير ومحاولتهم فهم أي من الحشد الأقرب إلى تحقيق المصلحة العامة ويحقق تماسك وبناء الوطن، وإن اختلفت الرؤى حول هذا، فلابد من الرجوع إلى الأسس التي يمكنها الفصل في ذلك، أهمها أننا بعد حدوث ثورة عظيمة لم يتحقق أي من مطالبها، وليس ذلك تقصيراً ممن أنتجه الثورة من رئيس منتخب، ومن تأييد له، أو حكومة معينة، وإنما لعدم وجود القواعد التي تبنى عليها الدول من دستور ومجلس نواب يعبر عن المواطنين، فكانت هناك مقاومة شديدة من الأشخاص الذين ينشطون في أوقات الفوضى وعدم وجود أركان الدولة، لتكون فرصة لهم في الوصول إلى السلطة أو جنى الأموال من أي جهة لتحقيق هدفها، في ظل غياب دقيق أو عدم القدرة على المحاسبة، وان يصل الأمر إلى حشد هؤلاء المناهضين لبناء أركان الدولة، في صورة استخدم فيها البلطجة أحياناً، والإعلام الكاذب، وأموال فاسدة، وجهات تخطط للضرر بالوطن، في أحيان أخرى، في صورة للوصول إلى انهم قوة في الشارع ولهم رأى يفرضونه بالقوة، أو بأسلوبهم الغير متعارف عليه، فان هذا نوعاً من الحشد الغير مبرر، والذى لا يعلى أي نوعاً من الوطنية، ويعتبر سعياً للفوضى وإرباك الدولة حتى تتاح لهم فرصتهم، وكان مبرراً للطرف الآخر، والذى يمثل المواطنين العاديين الذين يرغبون في استقرار الوطن، إلى بيان قوتهم الحقيقة في حشد مقابل لذلك، حتى تكون الصورة مكتملة، وترى الأعين حالتها كاملة ثم تحكم على ما ترى، فهل رأت الأعين حقيقة المشهد؟ فهل يعقل في أي دولة أن يحاصر من له رأى مخالف لقرارات الرئيس قصر رئاسة الدولة؟، فأي دولة حدث هذا؟ الم يعلم هؤلاء أن الاعتداء على رئيس الدولة المنتخب من الشعب يعتبر بمثابة دق طبول الحرب، وهذا ليس بعيداً عن الواقع، فلينظر هؤلاء إلى الدول التي حدثت فيها أحداث مشابه، وإن كان هؤلاء يريدونها فوضى، واكثر، فإن رئيس الدولة هو رمز الدولة وهيبتها، والاعتداء عليه أو محاصرته ليس اعتداء على شخصه، بقدر ما هو اعتداء على من اختاروه، فاذا كان من اختاروه الأغلبية، فيصبح هؤلاء ناقوس خطر، يريدون الخراب للوطن، فان كان لهم رائياً، فهناك طرق عديدة للتعبير عن ذلك، دون إحداث فتنة، فهل هؤلاء أو من ورائهم يسعون لإحداث فتنة بين الشعب؟ فلا يمكن للثوار على الباطل أو الساعين منهم لإقامة دولة العدل، أو المعارضين الشرفاء، أو من لهم رأى قوى يعتبرونه الرأي الصواب وانهم على حق يريدون أن يصل للرئيس أن يفعلون ذلك ، والإجابة بالطبع متروكة لكم؟ إن المشهد السياسي الحالي في مصر، واضح، ولا يحتاج لتفسيرات كثيرة، وأن ما حدث هو نهاية لما كان متوقع، الأنفاس الأخيرة للنظام السابق، ومن اجتمع معهم، من وجوه معارضة بناها النظام السابق، والتف حولها واحتضنها إعلام وأموال وقضاه، وأشخاص مستفيدين ومخططات المعادين للثورة في الداخل والخارج، هذا واضحاً لكل نفس طيبة سوية، ومهما بلغ الإعلام والأقلام المسمومة من تغيير تلك الحقيقة، لن يصل إلى تحويل الحق إلى باطل، أو أن يضع على أعين الناس وقلوبهم ما يمكنهم عدم رؤية الحقيقة، انتهت قوة الحشد بنهاية الثورة، وأن الديمقراطية واختيار الشعب اصبح في المقدمة، ولا يمكن تبرير أي أساليب للقفز على ذلك، ويبقى الحوار، لمن ارد لمصر أن تكون قوية، لكل المصريين، نداء من مصري لا ينتمى لأى حزب أو تيار سياسي ويحب وطنه، " أوقفوا حشدكم جمعياً فإن مصر في خطر" . الكاتب الصحفي والمحلل السياسي والاقتصادي