لا أخفى عليكم فقد كتبت فى محاولة جماعة الإخوان لتقييد الحريات وتكميم الأفواة عدة مقالات، بدأت فيها بعد قيام الثورة مباشرة، لدرجة أننى أشعر بالملل وعندما اجلس للكتابة فى هذه القضية مرة أخرى لا أجد ما أكتبه، فقد قلت كل ماعندى، ولكى لا تشعروا انتم أيضا بهذا الملل أحكى لكم قصة المادة (رقم 13) التى تعطل وتصادر وتغلق الصحف، هذه المادة تمت صياغتها فى عهد حكومة الحاج شرف أول رئيس حكومة تتبع الإخوان، وظل حتى إضافة الجماعة فى المادة (رقم 48) من مسودة الدستور التى قام الغريانى بسلقها أول أمس فى حكومة الحاج قنديل التى جاء بها الحاج مرسى رضى الله عليهم جميعا، كيف؟، أحكى لكم. بعد الثورة اعتقدنا أن الملايين التى خرجت تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية لن تغلق صحيفة ولن تدفع بالصحفيين والكتاب إلى السجون ولن تعطل فضائية، وأن هذه الملايين والقوى السياسية سوف تسعى لكتابة دستور نفخر به بين جميع الأمم، ستكون أهم سماته حرية العقيدة وحرية الاعتقاد وحرية التعبير، الإخوة فيه للوطن قبل الإخوة فى الدين، لكن للأسف خابت كل توقعاتنا وطموحاتنا، دفعت جماعة الإخوان بالحاج عصام شرف رئيسا لحكومة الثورة، وبدأت خطة أخونة البلاد من الصحافة، فقامت الجماعة بتحرير وثيقة مبادىء سياسية وقع عليها أربعون حزبا وحركة، تضمنت هذه الوثيقة مادة للصحافة، وهى المادة رقم 13، نصت فيها على ثلاثة عقوبات فى غاية الخطورة وهى التعطيل والمصادرة وفرض الرقابة على الصحف، بعد أيام من صدورها انتقلت الوثيقة إلى مجلس الوزراء، وصدرت منه تحت مسمى وثيقة السلمى(نسبة إلى د.على السلمى نائب رئيس الوزراء) وقد أضاف فيها المجلس العسكرى أو د.السلمى مادتين للمجلس العسكرى رفضتها القوى السياسية، وللأسف لم ينتبهوا للمادة رقم 13، فنبهنا في هذا الموضع وفى مقالات نشرناها فى مجلة المصور ، واتصلت أيامها بالعديد من الزملاء الصحفيين مثل الكاتب يحيى قلاش، وطالبته بان ينبه الزملاء فى النقابة للمادة، وأن يدفعهم بحكم قربه وصداقته لهم من رفضها فى مقالاتهم وفى لقاءاتهم الفضائية، كما اتصلت بالعديد من الكتاب منهم الشاعر الكبير فاروق جويدة والكاتب الكبير صلاح عيسى، واتصلت كذلك ببعض الإعلاميين، منهم خيرى رمضان، وبالشاعر عبدالرحمن القرضاوى، وبلميس الحديدى وبجابر القرموطى لكى ينبهوا للمادة( 13)، وكان يومها خيرى رمضان عائدا لتوه من أداء فريضة الحج، أيام وأعاد د.السلمى وثيقة الإخوان(التى قام بالتعديل فيها) إلى الدرج. بعد انتخاب مجلس الشعب وركوب الإخوان البلد بمشاركة التيار السلفى، اصبحت الصحافة والفضائيات على رأس الأجندة، يوميا نسمع انتقادات ومحاولات تشويه وتخوين وتشكيك فى سمعة ونوايا الصحفيين والإعلاميين، وكنا نقف ونتصدى ونؤكد: إلا حرية الصحافة، لا لتكميم الأفواة، وكانوا يهدءوا الأوضاع فترة ويشعلونها فترات أخرى إلى أن بدأت قصة كتابة الدستور، وفى قاعة الشورى كنا نسمع عن حكايات ومطالب لتقييد الحريات ولتكميم الأفواه، وكنا نتصدى لها بالكتابة ونكرر ما سبق وأكدنا عليه فى كل مرة: لا لتقييد الصحافة، لا لتكميم الأفواه، وكان بعض التابعين للتيار الإسلامي يخرجون لطمأنة الصحفيين، أمثال د.محمد محسوب وغيره، وكنا نسمع كذبا طوال الفترة الماضية أنهم حذفوا المادة الخاصة بتقييد الصحافة، أو أنهم قاموا بإدخال تعديلات عليها. بعضنا كان يصدق وبعضنا كان متربصا والبعض الأخر متوجسا، والمؤسف ان الغريانى ومحسوب والبتاجى قد دفعوا بالمسودة الأولى من الدستور، كانت تخلوا بالفعل من مادة (رقم 13)، لكن بعد أن تأزمت الأمور بين الإسلاميين والقوى الوطنية، وبعد أن تأكدنا ان التوافق مجرد كذبة من الإسلاميين وتوابعهم، انفردت جماعة الإخوان بسلق الدستور فى ليلة وضحاها، ونشرت المسودة التى وافقوا على موادها، وقد فوجئنا للأسف ان المادة (رقم 48) فى مسودة دستور الجماعة تتضمن نص المادة (رقم 13) من وثيقة الجماعة التى سميت وثيقة السلمى، وقد نصت المادة على فرض العقوبات الثلاث التى لم تشهدها الصحافة المصرية منذ إنشاءها، وهى: الوقف والإغلاق والمصادرة"، وهذه العقوبات فى مجملها تأخذ بالمثل العسكرى الشاذ: السيئة تعم والحسنة تخص، بمعنى أن العقوبة تقع على جميع العاملين فى الجريدة، عمال، فنيين، موظفين، صحفيين، مالك الجريدة، وبالطبع مالك الجريدة أمام الخسائر المادية التى سيتكبدها من المصادرة أو الإيقاف أو الإغلاق، سيأخذ بالمثل الشعبى الذى اخترعه أحد بائعي اللبن: اللى اتلسع من الشوربة ينفخ فى الزبادى.