أحمد موسى: زيارة الرئيس السيسي لمركز قيادة الدولة الإستراتيجي «رسالة مهمة»    النفط يسجل مكاسب أسبوعية وسط مخاوف الإمدادات بالشرق الأوسط    رصف الطرق الحيوية بمدينة البلينا جنوب سوهاج    «الفرصة الأخيرة اليوم».. طريقة حساب فاتورة الغاز لشهر «أبريل 2024»    انطلاق مسيرة ضخمة تضامنا مع غزة من أمام مبنى البرلمان البريطاني    إدخال 4000 شاحنة مساعدات لغزة من معبر رفح منذ أول أبريل    الزمالك يفوز على طلائع الجيش ويتأهل لنهائي كأس مصر للطائرة رجال    لمكافحة الفساد.. ختام فعاليات ورش عمل سفراء ضد الفساد بجنوب سيناء    مسعود يتابع الاختبار الشفوي لطلبة التمريض بالشرقية    أسستها السويسرية إيفلين بوريه، قصة مدرسة الفخار بقرية تونس في الفيوم (فيديو)    وسط حشد جماهيري كبير.. أحمد سعد يشعل أجواء حفله بولاية هيوستن الأمريكية|صور    مدبولى يشارك فى المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض نيابة عن الرئيس السيسى    حزب "المصريين" يُكرم هيئة الإسعاف في البحر الأحمر لجهودهم الاستثنائية    تعرف على أفضل 10 مطربين عرب بالقرن ال 21 .. أبرزهم الهضبة ونانسي والفلسطيني محمد عساف (صور وتفاصيل)    توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز.. مفاجأة ل«زيزو» وتحذير ل«فتوح»    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    طارق يحيى مازحا: سيد عبد الحفيظ كان بيخبي الكور    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    بعد جريمة طفل شبرا الخيمة.. خبير بأمن معلومات يحذر من ال"دارك ويب"    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    الرضيعة الضحية .. تفاصيل جديدة في جريمة مدينة نصر    كيفية التعامل مع الضغوط الحياتية.. لقاء تثقيفي في ملتقى أهل مصر بمطروح    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    مدير «تحلية مياه العريش»: المحطة ستنتج 300 ألف متر مكعب يوميا    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قطاع الأمن الاقتصادي يواصل حملات ضبط المخالفات والظواهر السلبية المؤثرة على مرافق مترو الأنفاق والسكة الحديد    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    أبو الغيط من بغداد: جريمة الإبادة في غزة ألقت عبئا ثقيلا لا يمكن تحمله    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابنة‮ يوسف صديق : السادات بكي أمامي
نشر في الوفد يوم 31 - 03 - 2011

كان معروفاً‮ عن الرئيس السادات أنه صبور كتوم،‮ لا‮ يعرف البكاء،‮ إليه سبيلاً‮ ولا‮ يسمح للأحزان بأن تقترب من قلبه،‮
وقيل أنه كان قادراً‮ علي تحمل الهزات الاجتماعية العنيفة حتي لو تجاوزت قوتها‮ »‬100‮« ريختر‮.‬
ولكن‮.. الرئيس القوي الصلب الصبور إنهار أمام طفلة لم تتجاوز عمرها‮ »‬15‮« عاماً‮ وبكي بحرقة وبصوت عال لفترة طويلة‮.‬
وبسبب‮ غزارة دموعه اضطر الرئيس لخلع نظارته ووضع‮ يديه علي عينيه لعله‮ يتمكن من وقف دمعها الذي‮ يسيل علي خديه‮!‬
هذا المشهد حدث بالفعل وكان سببه رجلاً‮ تمر اليوم الذكرة ال‮»‬36‮« لرحيله عن الدنيا‮.. رجل اسمه‮ يوسف صديق‮..‬
‮»‬مش معقول‮« عبارة ستكررها بشكل لا إرادي كلما قرأت ورقة من أوراق‮ »‬يوسف صديق‮«.. فحياته سلسلة متصلة من مشاهد اللامعقول‮.‬
‮* عائلته تعرضت لمذبحة في السودان فقتلوا جميعاً‮ ما عدا طفلين‮.. أحدهما هو والد‮ يوسف صديق‮!‬
‮* التحق بالجيش فحقق بطولات رائعة في حرب‮ 1948‮ ولكن قادته حرموه من ترقية‮ يستحقها وحاول الحرس الحديدي للملك فاروق اغتياله‮!‬
‮* يوم‮ 23‮ يوليو‮ 1952‮ كان صدره‮ ينزف دماً‮ ولكنه تمكن بحالته تلك من القبض علي كبار قادة جيش جلالة الملك‮!‬
‮* وحده كان سبب نجاح ثورة‮ 1952.‬‮. ووحده أنقذ كل الضباط الأحرار من حبل المشنقة ولكن نفس الضباط اعتقلوه ثم حددوا إقامته في منزله ومحواً‮ اسمه بين أسماء الضباط الأحرار‮!‬
‮* ذات‮ يوم طلب السادات لقاء أصغر بنات‮ يوسف صديق وكانت وقتها تلميذة بالصف الأول الاعدادي،‮ ولكن الصغيرة اعتذرت عن لقاء الرئيس لانشغالها بالامتحانات الشهرية التي تجريها المدرسة‮!. وعندما علم الرئيس السادات بالواقعة ضحك بصوت عال وقال‮ »‬يوسف صديق‮« »‬مامتش‮«!‬
‮* وتبقي مفاجأة المفاجآت فيما قاله‮ يوسف صديق عام‮ 1954‮ عن الفساد والثورة وبناء مصر الحديثة‮.. فلقد كان الرجل‮ يتكلم وكأنه‮ يتحدث الي ثوار‮ 25‮ يناير‮ 2011.‬‮. ولهذا تقول ابنته‮ »‬ليلي‮« إن‮ يوسف صديق هوأسعد الناس بثورة‮ »‬25‮ يناير‮« رغم انه رحل عن الدنيا في مثل هذا اليوم من‮ 36‮ عاماً‮!.‬
يوسف منصور‮ يوسف صديق الأزهري‮. هذا هو اسمه‮.. أما وصفه ورسمه فكان أشبه بالمارد الجرانيتي الذي‮ يمتلك عقلاً‮ ثائراً‮ وقلباً‮ شاعراً‮.‬
‮ المشهد الأول‮: الدم‮ يغطي وجه العائلة‮..‬
الجد‮ »‬يوسف صديق الأزهري‮« ضابط كبيراً‮ بالجيش المصري،‮ التحق بالخدمة العسكرية في السودان،‮ عندما كانت مصر والسودان دولة واحدة‮.‬
كفاءته قادته لأن‮ يصبح حاكماً‮ لإقليم كردفان،‮ ولكن القدر لم‮ يمهله طويلاً‮ انفجرت الثورة المهدية،‮ وهاجم الثوار منزل الحاكم فقتلوه وكل أفراد أسرته،‮ ولم‮ ينج من المذبحة‮ غير طفلين صغيرين في سن الصبا‮ »‬منصور‮« و»أحمد‮«.‬
وفيما‮ يشبه رحلة الأهوال تمكن الصبيان من الهروب الي‮ مصر واستقرا في زاوية المصلوب مركز الواسطي ببني سويف‮.‬
وعندما بلغ‮ »‬منصور‮« مبلغ‮ الرجال التحق بالجيش المصري في السودان وأصبح ضابطاً‮ ولأنه ثائر رفض تحكم الإنجليز في الجيش المصري فاصطدم بالقادة الإنجليز الذين مارسوا عليه اضطهاداً‮ قاسياً‮ قابله هو بالصمود والتحدي فلم‮ يجد الإنجليز طريقة للانتقام منه الا باضطهاد كل ضباط وجنود الفرقة التي كان‮ يقودها‮!‬
تزوج منصور من شقيقة ضابط ثائر مثله وهو الضابط محمد توفيق الذي كان ضابطاً‮ بالجيش المصري في السودان وشارك في حروب إخماد الثورة المهدية واسترداد كردفان وبسبب كثرة مصادماته مع رؤسائه الإنجليز استقال‮ »‬محمد توفيق‮« من الجيش‮.‬
ورث‮ يوسف الثورة عن أبيه ثم شرب الثورية من خاله‮ »‬محمد توفيق‮« بعد ان انتقل ليصبح في رعايته بسبب وفاة والده بعد عام واحد من ميلاد الطفل‮ يوسف عام‮ 1910.‬
‮ المشهد الثاني‮: علي خطي العائلة
علي خطي جده ووالده وخاله سار‮ يوسف ففي عام‮ 1930‮ ينهي دراسته الثانوية ويصر علي الانضمام الي المدرسة الحربية‮.. تخرج سنة‮ 1933‮ ملازماً‮ ثانياً‮ بالجيش المصري بالسلوم ثم بمرسي مطروح إلي أن عين مدرساً‮ بالكلية الحربية متخصصاً‮ في مادة التاريخ العسكري إلتحق بكلية أركان حرب وتخرج فيها عام‮ 1946.‬‮.‬
وعندما اشتعلت حرب‮ 1948‮ كان في طليعة القوات التي دخلت فلسطين وكانت كتيبته هي أكثر الوحدات المصرية توغلاً‮ في الأراضي الفلسطينية وتمكنت من الوصول إلي بلده أشدود علي مقربة من‮ »‬تل أبيب‮« واستطاعت الاحتفاظ بهذا الموقع حتي نهاية الحرب وانسحاب الجيش المصري الي‮ غزة‮.‬
ولأن ثورية‮ يوسف صديق لم تكن تخفي علي أحد عاقبه قادته بأني أخروا ترقيته،‮ وحاول الحرس الحديدي للملك فاروق اغتياله للتخلص منه الي الأبد،‮ ولكن جمال عبدالناصر عرف بتلك المحاولة فحذر‮ »‬يوسف صديق‮« وعرض عليه الانضمام للضباط الأحرار،‮ كان هذا في بدايات عام‮ 1951.‬
‮ المشهد الثالث‮: الرئة تنذف دماً
في عام‮ 1950‮ أصيب‮ يوسف صديق بنزيف مفاجئ في رئته اليسري،‮ وعلي الفور تم نقله بالطائرة من الخرطوم حيث كان ضابطاً‮ بالجيش بالسودان آنذاك‮. وتم علاج النزيف‮..‬
وكان العلاج‮ يحتاج الي النوم بدون حركة أو كلام لمدة‮ »‬3‮ أسابيع‮«.‬
وفي صيف‮ 1951‮ عاود النزيف‮ يوسف صديق فتم علاجه بنفس الأسلوب السابق‮.‬
وكانت الزيارة الثالثة للنزيف‮ يوم‮ 20‮ يوليو‮ 1952.‬
وفي تلك الليلة توجه جمال عبدالناصر وعبدالحليم عامر الي منزله فوجداه‮ غارقاً‮ بالدماء،ولهذا طلبا منه ان‮ يلتزم الراحة لمدة‮ »‬3‮ أسابيع‮« مع تكليف شخص آخر ليقوم بدوره في الثورة الا ان‮ »‬صديق‮« رفض وتوجه لأحد الأطباء طالباً‮ اعطاءه حقنة توقف النزيف لمدة‮ »‬24‮ ساعة‮«.. وقد كان‮.
‬‮ المشهد الرابع أطول ليلة في تاريخ مصر‮.‬
الثانية عشرة من منتصف ليل‮ يوم‮ »‬23‮ يوليو‮ 1952‮« كانت هي ساعة الصفر لانطلاق الثورة ولكن جمال عبدالناصر اتخذ قراراً‮ بتأجيل الموعد لمدة ساعة أي لتكون الساعة الواحدة من صباح‮ »‬23‮ يوليو‮«.. وتم ابلاغ‮ الموعد الجديد لكل الضباط الأحرار ما عدا‮ يوسف صديق ولهذا بدأ تنفيذ الجزء الخاص به من الخطة قبل الموعد المحدد بساعة كاملة‮.‬
يروي‮ يوسف صديق في مذكراته التي تحمل عنوان‮ »‬أوراق‮ يوسف صديق‮« شعوره في ليلة الثورة فيقول‮ »‬كنت في هذه الليلة علي طريق الله‮.. خرجت بضباطي وجنودي لا أبغي الا وجه الله‮.. خرجت ثائراً‮ علي الظلم والفساد‮.. لا أبغي منصباً‮ ولا جاهاً‮ لنفسي وإنما أعرض نفسي للخطر في سبيل تخليص بلادي مما كانت تئن تحت وطأته‮.. كنت أسير في ظلمات‮.. ظلام الليل وظلام الجهل بما‮ يجري‮.. فلقد تحركت بقوتي التي تضم‮ »‬60‮« ضابطاً‮ وجندياً‮ من المعسكرات الهايكستب فقابلت في طريقي قائد فرقة المشاه العسكرية فاعتقلته،‮ وأخذته أسيراً‮ ثم قابلت القائد الثاني المساعد فاعتقلته‮.‬
ويواصل‮ يوسف صديق‮ »‬فعلت كل ذلك دون أن أجد أي تحرك من جانب باقي الضباط الأحرار حتي بدا الأمر وكأنني وحدي‮ الذي تحركت وشعرت بأن شيئاً‮ ما حال دون تحرك باقي قوات الضباط الأحرار ورغم ذلك واصلت تنفيذ الخطة وانطلقت الي قيادة الجيش وقبل أن أصلها بمسافة قصيرة سمعت مشادة كلامية وسط جنودي فأسرعت الي مصدر الصوت فوجدت بعض ضباطي وجنودي‮ يحيطون برجلين‮ يرتديان ثياباً‮ مدنية‮ »‬قمصان بيضا وبنطلونات‮« فلما اقتربت لأتبين الوجوه حيث كنا في منتصف الليل‮.. رأيت عجباً‮.. قد كان الرجلان هما جمال عبدالناصر وعبد الحكيم عامر‮.‬
وساعتها قال لي جمال أن أمر الحركة قد انكشف للملك الذي كان‮ يصطاف في الاسكندرية وأنه تم الاتصال بالقيادة في القاهرة وان هذه القيادة مجتمعة في مقرها لاتخاذ اجراء مضاد‮..‬
وعندها أخبرته ‮ يقول‮ يوسف صديق بأنني كنت قد قررت احتلال القيادة وأنني سأقوم بذلك فوراً‮.. وتوجهت فوراً‮ الي مركز القيادة فوزعت ضباطي وجنودي علي مداخلها ومخارجها واقتحمت مبني القيادة بصحبة‮ »‬10‮« جنود وصعدت مباشرة الي‮ غرفة القائد فوجدت بابها مغلقاً‮ فأطلقت النار علي الباب حتي انفتح وداخل الغرفة وجدت‮ »‬4‮« مناديل بيضاء تطل من وراء برفان ولم‮ يكن الأربعة سوي الفريق حسن فريد قائد الجيش ومعه الأميرالي حمدي هيبة وضابط آخر من هيئة الأحكام العسكرية برتبة عقيد ورابع لا أعرفه‮.‬
وهكذا سقطت قيادة جيش جلالة الملك في‮ يد‮ يوسف صديق‮.. وهكذا شاءت الأقدار أن تنجح ثورة‮ 1952.‬
‮ محمد نجيب وجمال عبدالناصر‮ يتحدثان في مؤلفه الذي‮ يحمل عنوان كلمتي للتاريخ‮ يقول اللواء محمد نجيب في صباح‮ يوم‮ »‬23‮ يوليو‮ 1952‮« توجهت الي مقر قيادة الجيش بكوبري القبة وهناك تلقاني بعض ضباط الثورة ودخلت مركز قيادة الجيش فوجدت ضباط الثورة‮ يصفقون وقوفاً‮ للبكباشي‮ يوسف صديق الذي كانت قواته القادمة من هايكستب هي أول قوات تحتل القيادة وتعتقل اللواء حسن فريد وتنقله الي معسكر الاعتقال في الكلية الحربية‮.‬
وفي خطابه الشهير عام‮ 1962‮ في ذكري الثورة اعترف جمال عبدالناصر بأنه لولا‮ يوسف صديق لفشلت الثورة وأعدم الضباط الأحرار‮.. وقال بالحرف الواحد‮ »‬لولا خروج كتيبة‮ يوسف صديق من معسكر هايكستب قبل ساعة الصفر بساعة واحدة لكانت الثورة قد فشلت‮.‬
‮ المشهد الخامس‮: نتائج عكس المقدمات‮
ما فعله‮ يوسف صديق في ثورة‮ يوليو كان كفيلاً‮ بأن‮ يرفعه كل الضباط الأحرار علي الأعناق ولكن ما حدث كان العكس تماماً‮.. اعتقلوه داخل السجن الحربي لمدة عام‮ ثم أبعدوه عن مصر ولما عاد اليها حددوا إقامته في قريته زاوية المصلوب،‮ وبعد فترة انتقل من بني سويف للقاهرة فحددوا اقامته في منزله بالقاهرة‮.. ومحوا اسمه من قائمة الضباط الأحرار‮.‬
لماذا كل ذلك؟‮..‬لأنه بعد الثورة دعا الي تطبيق الديمقراطية وطالب الجيش بأن‮ يعود لثكناته ويترك حكم مصر للأحزاب السياسية والبرلمان وبالطبع رفض الضباط الأحرار ما قاله فقدم استقلته من مجلس قيادة الثورة فما كان من الثوار الا ان فتحوا عليه باب جهنم‮..‬اعتقالات وتحديد إقامته في منزله‮..‬وشطب اسمه من قائمة الضباط الأحرار‮.‬
‮ المشهد السادس‮: الوصية
لأنه وطني من طراز خاص،‮ لم‮ يزده اضطهاد الضباط الأحرار له إلا عشقاً‮ في مصر وايماناً‮ بالديمقراطية،‮ ولأن قلبه قلب شاعر راح‮ يتغزل في مصر والديمقراطية باشعار نظمها في عشرات القصائد‮.‬
ومع مطلع السبعينيات اشتد به المرض فسافر الي الخارج للعلاج عدة مرات‮..‬وفي‮ 31‮ مارس‮ 1975‮ كان‮ يتلقي العلاج في أحد مستشفيات لندن،‮ وفجأة طلب من زوجته ورقة وقلماً‮ وراح‮ يكتب وصيته وبعد دقائق فاضت روحه الي بارئها‮.‬
المشهد السابع‮: عندما بكي السادات
كانت وصية‮ يوسف صديق أشبه بخطاب مفتوح الي رئيس مصر آنذاك انور السادات‮..‬ففي‮ ثلاث ورقات من القطع المتوسط أوصي‮ »‬يوسف صديق‮« الرئيس السادات بمصر وشعبها وفقرائها وأوصاه بالديمقراطية وأوصاه أيضاً‮ ببناته الصغار‮.‬
وبسبب حزن الأسرة علي الأب والسند نسي الجميع توصيل الوصية للرئيس السادات‮.. وبعد عامين من رحيل‮ يوسف صديق‮.. وفي أحد أيام شتاء عام‮ 1977‮ فوجئت أسرة‮ يوسف صديق‮..‬باتصال تليفوني من فوزي عبدالحافظ السكرتير الخاص للرئيس السادات‮..‬
‮»‬الرئيس عايز‮ يشوفكوا‮«.. كانت تلك هي الرسالة التي أبلغها فوزي عبدالحافظ تليفونياً‮ لأسرة‮ يوسف صديق وعندها تذكرت الأسرة الوصية التي كتبها‮ »‬يوسف‮« للرئيس السادات‮.‬
وفي الموعد المحدد ذهبت زوجة‮ يوسف صديق وابنتها‮ »‬ليلي‮« للقاء الرئيس السادات ومعهما الوصية‮.‬
كان اللقاء في‮ فيلا الرئيس بميت أبوالكوم‮.. علي باب الفيلا كان الرئيس بنفسه‮ ينتظر‮ أسرة‮ يوسف صديق‮.‬
تروي ليلي‮ يوسف صديق مادار في هذا اللقاء فتقول‮ »‬استقبلنا الرئيس السادات بنفسه ورحب بنا كثيراً‮ وراح‮ يسأل عن جميع أفراد الأسرة وبشكل خاص عن شقيقتي الصغري‮ »‬سحر‮« فقالت والدتي»سحر‮ ياريس مقدرتش تيجي‮«.. فقال الرئيس السادات باهتمام‮: ليه فيه حاجة ولا إيه؟
فقال والدتي بصراحة‮ ياريس هي بتقول ان عندها بكره امتحان؟‮.. فقال الرئيس السادات امتحان إيه؟‮..‬
فقالت والدتي:امتحان شهر في المدرسة‮.. وما أن سمع الرئيس السادات رد والدتي حتي ضحك طويلاً‮ وقال‮ »‬يعني امتحان الشهر أحسن من مقابلة رئيس الدولة‮«.‬
وتضيف‮ »‬ليلي‮« حاولت أمي أن تقول للرئيس السادات ان سحر تلميذة بالصف الأول الاعدادي وبالتالي فهي كطفلة لا تدرك قيمة لقاء رئيس الدولة،‮ ولكن الرئيس السادات الذي ظل‮ يضحك بصوت عال قال‮ »‬أنا مش زعلان‮.. أنا فرحان جداً‮ بها‮.. صحيح‮ »‬يوسف صديق‮« »‬مامتش‮«.‬
وبعدها نظر الي‮ الرئيس السادات ووجه حديثه لي قائلاً‮ »‬وانت‮ ياليلي في سنة إيه؟‮.. فقلت في سنة ثالثة اعدادي‮«.. فقال وهو‮ يضحك‮ »‬ومفيش عندك امتحان انت كمان‮« وعاد للضحك مرة أخري‮..
وبعدها قال‮ »‬ياليلي انت واخواتك ومصر كلها تفتخر بيوسف صديق الله‮ يرحمه دا كان راجل وطني الي أقصي مدي كان رجلاً‮ عظيماً‮.‬
وفي هذه الأثناء تذكرت أمي وصية والدي فقالت‮ ياريس‮ »‬يوسف الله‮ يرحمه كاتب وصية لحضرتك‮«.‬
وأعطت الوصية للرئيس السادات،‮ الذي ارتدي نظارته وراح‮ يقرؤها وبعد أن انتهي‮ من قراءتها،‮ انفجر في‮ نوبة بكاء حتي ان نظارته سقطت من شدة البكاء‮«.. وظل‮ يبكي بصوت عال لعدة دقائق وبعدها سكت وقال‮ »‬الله‮ يرحمك‮ يايوسف بتوصيني علي مصر وانت بتسيب الدنيا واللي فيها‮..‬وظل‮ يتمتم الله‮ يرحمه‮.. الله‮ يرحمه‮.. الله‮ يرحمه‮.‬
‮ المشهد الثامن‮: يوسف صديق‮ يتحدث لثوار‮ 25‮ يناير‮.‬
36‮ عاماً‮ باليوم والساعة والثانية‮ مرت علي رحيل‮ يوسف صديق‮.. والمفاجأة ان من‮ يقرأ كلماته ويطالع أفكاره وروءاه سيختلط عليه الأمر ويعتقد ان الرجل مازال حياً‮ بيننا،‮ فما قاله قبل اكثر من نصف قرن مازال‮ يصلح كخارطة طريق لكل ثوار‮.‬
في رسالته التي بعث بها الي الرئيس محمد نجيب في‮ 24‮ مارس‮ 1954‮ وكان‮ »‬نجيب‮« انذاك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس مجلس الوزراء والحاكم العام لمصر‮.. يقول‮ يوسف صديق‮ »‬ان حال البلاد الآن أشبه بحال المريض‮.. ويحاول كل مخلص من أبنائها ان‮ يهتدي الي العلاج الناجح وان‮ يهدي اليه الآخرين،‮ فاذا طال‮ الجدل في هذا الموقف دون الوصول الي العلاج تعرضت حياة المريض الي خطر محقق ليس أخطر منه الا ان‮ يجرعه السم بدل الدواء‮.. ولا‮ يمكن الوصول الي العلاج الا بعد التأكد من معرفة الداء‮.‬
ويضيف‮ »‬ان علاج الموقف‮ يكون بتأليف وزارة ائتلافية تمثل كافة التيارات السياسية المختلفة تشرف علي اجراءات انتخابات للبرلمان في أسرع فرصة حتي تختار البلاد حكامها الشرعيين ويعود الجيش الي ثكناته ليستعد للقيام بواجبه في تحقيق أهداف الشعب‮.‬
انتهي الحل الذي طرحه‮ يوسف صديق لانقاذ البلاد عام‮ 1954‮ من الأزمة التي كانت تعيشها صحيح أن هذا الحل لم‮ يأخذ به الضباط الأحرار بل انهم فعلوا عكسه وسيطروا وحدهم علي مقاليد الحكم وكانت النتيجة هي ما انتهت اليه مصر حالياً‮.. والواضح ان الحل الذي طرحه‮ يوسف صديق قبل‮ »‬57‮« عاماً‮ مازال صالحاً‮ لانقاذ مصر من أزمتها الراهنة‮.‬
‮ المشهد العاشر‮: أكثر الناس سعادة
من أكثر الناس سعادة الآن؟‮.. إجابة هذا السؤال في رأسي‮ »‬ليلي‮ يوسف صديق‮« مفاجأة‮.. »‬ليلي‮« تقول ان والدها‮ يوسف صديق هو اكثر الناس سعادة الآن‮.‬
‮ سألتها‮: لماذا؟
‮ قالت‮: لأن ثورة‮ 25يناير كانت بمثابة تكريم شعبي له كما انها حققت حلمه الذي أفني عمره كله محاولاً‮ تحقيقه‮.‬
‮ كيف؟
‮ ليلي‮ يوسف صديق‮: كان والدي مؤمناً‮ بالديمقراطية ومؤمنا بحق المصريين في أن‮ يحكموا انفسهم بأنفسم وان‮ ينعموا بالحرية والعدالة الاجتماعية وهذا بالضبط مانادت به ثورة‮ »‬25‮ يناير‮« فكأن هذه الثورة جاءت لتحقق ما نادي به‮ يوسف صديق منذ أكثر من نصف قرن ولهذا أشعر أن والدي رحمه الله هو أكثر الناس سعادة بهذه الثورة‮.‬
‮ هل أفهم من كلامك انك شاركت فيها؟
‮ ليلي‮ يوسف صديق‮: من أول‮ يوم حتي آخر‮ يوم وشارك فيها معي ابنتي هانيا وابني أدهم‮.. وكنا متحمسين جداً‮ للثورة‮.‬
ولم‮ يرهبنا الرصاص المطاطي أو القنابل المسيلة للدموع‮.. وعندما انتصرت الثورة شعرنا جميعاً‮ أن مصر رجعت لنا تاني‮.‬
واليوم في ذكري وفاة والدي ال‮»‬36‮« سأذهب الي قبره لأهنئه بأن حلمه تحقق والشعب المصري فرض الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقق حلمه‮.. وسأقول لله أن الجيش رد الجميل للشعب‮.‬
‮ أي جميل تقصدين؟‮
‮‬ليلي‮ يوسف صديق‮: عام‮ 1952‮ قام الجيش بالثورة والشعب سانده وكان هذا جميلاً‮ كبيراً‮ من الشعب المصري الآن الجيش المصري رد الجميل فالشعب ثار والجيش سانده‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.