إحدي أكثر الجمل السياسية وقاحة تلك التي يتفوه بها البعض في معرض دفاعهم عن الحقبة الناصرية حتي يقولون لمحدثهم (لولا عبدالناصر ما كنتش اتعلمت!!)، (لولا عبدالناصر كان زمانك أجير في الأرض!!)، (عبدالناصر أعطاكم الخمسة فدادين وعلم أولادكم بالمجان وجايين تقولوا عليه كذا وكذا).. إلي آخر هذه البذاءات السياسية، أو كما قال سفيه في إحدي الفضائيات يعرض برئيس البلاد المنتخب (لولا عبدالناصر كان زمانك تجر البقرة في القرية)، ونسي أن الرجل لم يصل في مكانته العلمية إلي ما وصل إليه إلا بفضل الله أولا ثم باجتهاده وكده وسهر الليالي الذي كان سيمكنه من المجانية حتي قبل ثورة يوليو بمراحل!!، لكنه الجهل إذا اقترن بسوء الأدب.. فماذا تظنهما ينتجان؟! أرسل لي أحد الأصدقاء الأعزاء الناصريين كاريكاتيرًا نشر في احدي الجرائد يظهر ثلاث صور، الأولي رجل يقول (عبدالناصر اعطاني خمسة فدادين لأطعم الواد محمد، وفي الصورة الثانية يقول الرجل: عبدالناصر علم محمد بالمجان، وفي الصورة الثالثة الرئيس حكمة الموضوع: عندما تكون مستفيدا وحصلت علي خمسة فدادين وتعلم ابنك مجاناً، فعليك أن تضع في فمك حذاء وتسكت عن المظالم والتعذيب وتوليه عديمي الكفاءة للمناصب، والأوضاع التي أدت لكارثة 1967. إن ثورة يوليو هي نتاج حركة وطنية كبيرة وقديمة، وعبدالناصر وحده ما كان ليفعل شيئا لولا أنه وجد المؤمنين بمبادئ تلك الحركة الوطنية فكونوا تنظيم الضباط الأحرار، فبأي منطق ينسب فضل توزيع الأرض علي الفلاحين له وحده، وبأي منطق يطالبون أن يكون هذا حصانة له ضد النقد، وبأي منطق يعيرون الناس به؟!!، ولقد كان الإصلاح الزراعي مشروعا قدم للمجلس النيابي قبل الثورة بسنوات، بل وأظهرت الوثائق أن الولاياتالمتحدة نصحت به الملك قبل الثورة بثمان سنوات في محادثة جرت بين روزفلت رئيس الولاياتالمتحدة والملك فاروق!!، فهو مشروع معروف في الدوائر الداخلية والخارجية، ولم يكن من اختراع الثورة، وان كان لها فضل تنفيذه ننكر هذا طبعاً، ولعبدالناصر الفضل في هذا، لكنه فضل إعادة الحقوق لصاحبها، واسأل المنانين: هل عندما وزع عبدالناصر تلك الأرض كان ذلك حق الفلاحين أم اعطاهم مالا يستحقون؟!!، ان كان حق الفلاحين فلم تمنون علي الناس بما هو حقهم؟!، وان كانوا لا يستحقون فلقد نال جزاءه، إذ أعطي ما لا يملك لمن لا يستحق. وأما عن المن بمجانية التعليم فهو أعجب، فمجانية التعليم الابتدائي قررت عام 1942 في وزارة الوفد، وقبلها كانت هناك مدارس خيرية ومدارس منخفضة التكاليف ثم أكملت مجانية التعليم قبل الجامعي أيضا علي يد الوفد عام 1950، وتأخرت مجانية التعليم الجامعي حتي أعلنها عبدالناصر في العيد العاشر للثورة عام 1962 فأي الانجازين أكبر، الذي أنشأ مبدأ مجانية التعليم أم الذي أكمله، الذي ابتدأه رغم وجود معارضه من القصر والأحزاب المنافسة، أم الذي أكمله وتحت يده خزائن مصر ولا راده لأمره من البشر!!، الذي كلما جاء للحكم نفذ مرحلة علي الفور أم الذي أبطأ عشر سنوات، هلا قرأتم أولاً قبل أن تمنوا علي أبناء مصر بأموالها!!. ثم هب أننا نفترض جدلاً بأنها عطية من عبدالناصر وحده، وأنه أعطانيها من أمواله، هل يعصمه هذا من النقد؟!، خاصة أن تلك الأخطاء عاني منها الشعب وهي ملك لتاريخ مصر!!، عبدالناصر زعيم وحاكم شهد عهده انجازات كبيرة وأخطاء كبيرة، ويجب ألا تحول انجازات عهده دون نقده ونقد حكمه، ورحم الله ابن القيم، وكان شيخه ابن تيمية صاحب فضل عليه أي فضل، فقال يوماً يخالف إمامه: شيخ الإسلام حبيب إلي، والحق أحب إلي منه!!، وعندما يقول أحدهم: وما أدراكم ما الستينيات فهي جملة متأدبة جداً، قالها السادات من قبل وهو شاهد من أهلها: بقدر ما كانت الثورة عظيمة في انجازاتها في الخمسينيات بقدر ما كانت عظيمة في اخطائها في الستينيات!!، وحق مصر في أعناقنا أكبر من حق عبدالناصر بآلاف المرات، ولا يحق لمن يؤمن بأن الله هو الرازق والخالق أن يكتم حقا يعلمه لأنه يدين بإحسان لمخلوق ما، ونحن مأمورون بنص القرآن أن نقول الحق ولو علي الوالدين والأقربين، أيكون هؤلاء غير محصنين وتكون لعبدالناصر وعهده الحصانة دوناً علي العالمين؟!.. ما لكم كيف تحكمون!!