في مقال سابق قلت إن العمليات العسكرية في سيناء لها هدف استراتيجي وبعد قومي مهم، وانتهيت إلي أن هذه العمليات، ليس الهدف منها فقط القضاء علي الإرهابيين أو بؤر الإجرام فيها فهذا هو الظاهر المعلن أما الباطن الخفي فيتمثل في البعد القومي لأمتنا المصرية، وخلصت إلي أن اسرائيل ستكون حزينة جداً لقيام مصر بهذه الخطوة الأكثر من رائعة، فقد كانت تل أبيب تتخذ من أرض سيناء ذريعة للتطاول وترعي هي بنفسها العمليات الإرهابية وتضج بالشكوي من حالة الفلتان الأمني بها، وكانت تتخذ أيضاً من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية شعاراً لكل ما يحلو لها علي اعتبار أن مصر ستلتزم- ببنود الاتفاقية ولن تقوم بأية عمليات للقضاء علي بؤر الإرهاب هذه.. وكان الرئيس السابق حسني مبارك يقف أمام هذه المحاولة، أعني شكوي اسرائيل من الإرهاب، وقيود معاهدة كامب ديفيد، موقف المسترضي لإسرائيل، بل كانت هذه النظرية الإسرائيلية الصهيونية تجعله في «حيص بيص» إن جاز هذا التعبير.. أما مصر بعد الثورة فقد كشفت هذه الألاعيب الصهيونية، وتصرفت علي أرض سيناء المصرية بكل حسم وحزم ولم تبال بأي شيء سوي المصلحة العليا للبلاد.. وهذا ما وصفته في مقال سابق أيضاً بأنه الحكمة المصرية من العمليات العسكرية وقد تكللت هذه الحكمة بنتائج طيبة وايجابية، أولاها: القضاء علي الإرهاب في أرض الفيروز وثانيتها تحقيق الهدف الاستراتيجي من العملية «نسر» وهو تحقيق وسلامة البعد الأمني القومي لمصر، وثالثتها: كشف نظرية المؤامرة الاسرائيلية والفخ الذي نصبته اسرائيل للرئيس السابق، ورابعتها: اصابة اسرائيل بالعكننة وتخييب آمالها في أية مطامع، وخامستها كشف وطنية الجيش المصري الحارس الأمين علي أمن مصر والمصريين. هذا كله أصاب اسرائيل بالهستيريا والتي تمت ترجمتها في تصريحات بنيامين نيتناهو رئيس الوزراء عندما طالب مصر بضرورة سحب دباباتها من سيناء فوراً، لقد اكتشفت اسرائيل أن مصر الثورة غير مصر النظام السابق، ورأت اصرارا مصريا قوياً علي اتخاذ كل ما من شأنه مصلحة البلاد العليا والحكمة المصرية هنا تجلت في أروع صورها في مواجهة غطرسة اسرائيلية بشعة كانت تغذي الإرهاب في سيناء، وبعد كل عملية تجأر بالشكوي من هذا الارهاب، وعلي قناعة كاملة بأن النظام السابق لن يجرؤ علي القيام بأية عمليات عسكرية لتطهير هذه البؤر من الإرهاب.. وهذا الفخ الإسرائيلي لم ينطل علي مصر بعد الثورة، وتعاملت معه بحكمة بالغة وتفكير سوي وإرادة حديدية، كشفت للعالم كله فخاً اسرائيلياً مر لعقود طويلة علي النظام السابق!!! لكنه لم يمر علي مصر الحديثة الديمقراطية. وجاء الرد المصري علي تصريحات نيتنياهو سريعا علي لسان أحد أعضاء المجلس العسكري عندما أكد أن مصر ملتزمة حتي الآن بمعاهدة السلام، وتتمسك أيضا بحماية حدودها حتي لو تطلب الأمر تعديل هذه الاتفاقية.. ما أروع هذا الرد وما أجمل الحكمة المصرية في هذا الصدد.. فحماية حدود مصر وأمنها القومي أهم من أية معاهدة، مصلحة مصر تعلو علي كل شيء، فإذا كانت اتفاقية السلام المزعومة تهدد حدود البلاد وتهدد أمنها القومي وتهدد سلامة المصريين وتنشر الإرهاب الذي تتغني عليه اسرائيل، فلعنة الله علي هذه الاتفاقية المشئومة التي كبلت مصر كثيرا حتي انتشر الإرهاب في سيناء برعاية اسرائيلية. أتمني علي الله أن تستمر مصر في موقفها الثابت وألا ترضخ لأية ضغوط خاصة من الولاياتالمتحدة التي تلقت بالفعل الطلب الاسرائيلي بسحب الدبابات المصرية من سيناء.. فمن حق مصر أن تتمسك بحماية حدودها وتحفظ أمنها القومي حتي لو تطلب هذا الأمر تعديل الاتفاقية أو حتي الغاءها،.. مصر لن تخسر في حالة الثبات علي موقفها الرائع، والخاسر هو اسرائيل التيتتذرع بالمعاهدة وتنفذ كل ما يحلو لها.. فليس لاسرائيل عهد ولا وعد ويكفي ما فعلته من زرع ورعاية الإرهاب في سيناء.. ولدي قناعة أن مصر لن تغير موقفها. لأن أي تغيير في الموقف المصري يعني المزيد من الطلبات الاسرائيلية.. ولا أعتقد أن الحكمة المصرية بعد الثورة ترضي بأي ذل أو مهانة جديدة للمصريين.