ما يحدث في المجتمع الغربي والمتقدم اليوم من انتحارات فردية وجماعية تصل إلي الملايين سنويا، يؤكد الفراغ الروحي والديني الذي تعيشه هذه المجتمعات البعيدة عن الدين الحق، حيث تبيح هذه المجتمعات الانتحار وتوفر كل وسائله للبائسين والمكتئبين، وما أكثرهم في الغرب اليوم، والمنتحر هو شخص غير سعيد بكل المقاييس، ولو أحس يوما بطعم السعادة ما أقبل علي الانتحار. فلماذا ينتشر الانتحار في هذه المجتمعات المتقدمة؟ ولماذا لم تحقق وسائل الحياة الحديثة السعادة للباحثين عنها؟ أسئلة تطرح نفسها اليوم بعد أن تطورت أنماط الحياة، وأصبح الإنسان في مقدوره أن يغزو الكواكب الأخري، ويجعل من العالم كله قرية صغيرة، يعلم من في أقصاها ما يحدث في أدناها بالصوت والصورة عبر شاشات التلفزيون والقنوات الفضائية والأقمار الصناعية وشبكة الانترنت. ومما لا شك فيه أن المشاكل الأسرية وعدم الاستقرار العائلي من الأسباب الأساسية لفقدان السعادة لدي ملايين البشر في دول العالم المختلفة، وفي أغلب الأحوال نجد أن صغائر الأمور هي التي تفسد السعادة الأسرية والزوجية، وقد حدد الرسول – صلي الله عليه وسلم – أسباب السعادة للمسلم في الدنيا، فقال: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء وأربع من الشقاء: الجار السوء ، والمرأة السوء، والمسكن الضيق»، فالمرأة الصالحة من اهم مسببات السعادة للبيت المسلم ، ولذلك جاءت في مقدمة أسباب السعادة في التوجيهات النبوية، ففي حديث آخر يقول – صلي الله عليه وسلم – «أربع من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء» وقال: «سعادة لابن آدم ثلاث، وشقاوة لابن آدم ثلاث فمن سعادة ابن آدم: الزوجة الصالحة، والمركب الصالح، والمسكن الواسع، وشقوة لابن آدم ثلاث: المسكن السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء». ولا يمكن للمال أبداً أن يحقق السعادة للمرء، بل الأمن النفسي والصحة الجسدية والعافية، وهذا ما أكد عليه الرسول – صلي الله عليه وسلم – بقوله: «من أصبح آمنا في سربه معافا في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». السعادة – كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي -: «شيء ينبع من داخل الإنسان.. ولا يستورد من خارجه، وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية.. والقلب الإنساني.. فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها.. وغذاؤها.. وهواؤها»، ويقول أديب مصر مصطفي لطفي المنفلوطي، رحمه الله: «حسبك من السعادة في الدنيا: ضمير نقي.. ونفس هادئة.. وقلب شريف». وتجارب الحياة – كما يقول الدكتور أحمد أمين – تدلنا علي أن الإيمان بالله مورد من أعذب موارد السعادة ومناهلها، وإن أكبر سبب لشقاء الأسر وجود أبناء وبنات فيها لا يرعون الله في تصرفاتهم، وإنما يرعون أهواءهم وملذاتهم، وإذا فشا الدين في أسرة، فشت فيها السعادة.. ويقول الدكتور كامل يعقوب: «والحقيقة التي لامستها في حياتي – كطبيب – أن أوفر الناس حظا من هدوء النفس هم أكثر نصيباً من قوة الإيمان.. وأشدهم تعلقا بأهداب الدين». ويقول الدكتور مصطفي السباعي: «زر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الخلق، وزر المستشفي مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض، وزر الحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة، وزر المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل، وزر القبر كل آن لتعرف فضل الله عليك في نعمة الحياة». وهكذا فإن السعادة لن يجدها الانسان أياً كان هذا الإنسان غنياً كان أو فقيراً، غفيراً أو وزيراً، حاكماً أو محكوماً إلا في القرب من الله سبحانه والتصالح معه والرضا بقدرة والالتزام بمنهجه وفطرته التي فطر الناس عليها والاعتراف بنعمه الكثيرة علي الناس، ثم شكر هذه النعم، وجعل الآخرة أكبر هم للإنسان حتي يجمع الله عليه شمله وتأتيه الدنيا وهي راغمة، فتتحقق سعادته في الدنيا والآخرة.