بمنتهى الدقة التي تقترب من اليقين، يستطيع الخبراء والمتخصصون في علوم البحار أن يحددوا قوة اندفاع الأمواج وأن يتنبأوا بالزلازل البحرية قبل وقوعها وأن يحددوا مراكزها التي من الممكن أن تنطلق منها، لكن المحللين السياسيين لا يستطيعون التنبؤ بحركة الأمواج في بحار السياسة، لأنها أمواج تتحرك وفقا لأهواء البشر، وتبعا لأمزجتهم المتقلبة ومصالحهم المتناقضة والمتعارضة، وربما لهذا السبب ما زال صوت أبي العلاء المعري يتردد في زماننا، رغم أن صاحبه العبقري يرقد في تراب معرة النعمان منذ أكثر من ألف سنة، بعد أن أوضح للجميع كيف تتحرك أمواج السياسة في زمانه وفي كل زمان : يسوسون الأمور بغير عقل وينفذ أمرهم فيقال: ساسة فأف من الحياة .. وأف مني ومن زمن رياسته خساسة يعرف البحارة جميعا من الربابنة إلى أصغر بحار أن رسو مراكبهم وسفنهم في ميناء ما ليس رسوا أبديا، بقدر ما هو رسو مؤقت ، وأنهم سيغادرون هذا الميناء إلى سواه من الموانئ الأخرى القريبة أو البعيدة، وما يعرفه البحارة يعرفه كذلك الساسة في العالم المتقدم، أما في عالمنا المتخلف فإن من يحكمون ويتحكمون في البلاد وفي العباد لا يعرفون أو لا يريدون أن يعرفوا أن كراسيهم التي يجلسون عليها هي مجرد موانئ مؤقتة، وأن عليهم أن يغادروها في اللحظة المناسبة، وكأن كل هؤلاء الذين يحكمون ويتحكمون يريدون أن يقتدوا بسليمان الحكيم الذي ظل جالسا على كرسي العرش، دون أن يتنبه أحد أنه قد مات إلا بعد أن نخر السوس خشب الكرسي، فمال الجسد وسقط سليمان على الأرض! لم يعرف حسني مبارك – رئيس مصر السابق أن كرسي الحكم ليس سوى ميناء مؤقت، فظل يحكم ويتحكم طيلة ثلاثين سنة، إلى أن اضطر – كارها- أن يعلن عن تنحيه أو تخليه عن هذا الكرسي، وبعد رحلة شاقة ومؤلمة من حالة الثورة إلى جحيم الفوضى جرت انتخابات الرئاسة المصرية، التي أسفرت عن تقارب كفتي الميزان ما بين أحمد شفيق ومحمد مرسي، وتحول تقارب كفتي الميزان إلى ترقب مشوب بالقلق، إلى أن تم حسم الأمر لصالح الثاني، وها هو مرسي يرسو في ميناء الرئاسة المصرية، وكل ما أتمناه، وكل ما أطالبه به أن يعرف جيدا أن كرسي الرئاسة هو مجرد ميناء مؤقت، وهو ما يعرفه البحارة وما يعرفه الساسة في العالم المتقدم نقلا عن صحيفةالشرق القطرية