انفض المولد الرئاسي.. وماذا بعد؟ سؤال يعلو جباه أغلب المصريين الذين أرهقتهم المناورات السياسية والمظاهرات الفئوية و«طاحونة» المليونيات التي جابت البلاد بطولها وعرضها، ناهيك عن انسحاب رجال الأمن من الشارع لصالح البلطجية، وسيطرة «الشبيحة» على المشهد الأمني في البلاد.. ماذا بعد كل ذلك؟ هل يتفرغ الرئيس الجديد لتصفية الحسابات ويتفنن «البديل» في الانتقام؟ وهل ستمتلئ الميادين من جديد بأنصار الرئيس «الموازي»، ونطالب بجولة جديدة من الانتخابات «الدوارة» ويدفع الشعب فاتورة المغامرة والفقراء ثمن طول الانتظار؟ أغلب الظن أننا سنعيش مرحلة انتقالية صعبة «يشوش» فيها صوت الرئيس الموازي على صوت الرئيس المنتخب أيا كان انتماؤه، وتجاربنا القريبة تشهد علينا، ففي أعقاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة أعلن شباب الثورة عن انتهائهم من تشكيل برلمان شباب الثورة من 57 حركة شبابية وحزبا سياسيا، من 100 عضو يمثلون جميع التيارات السياسية والفكرية. وتباينت نظرة أعضائه لمبررات وجوده، فبينما اعتبره البعض ليس بديلا عن البرلمان الحالى، رأى آخرون أنه لم يكن ليظهر لو كان مجلس الشعب يمثل الثورة! وهي نفس الحالة المصاحبة لانتخابات الرئاسة. وسار برلمان الشباب الجديد على نفس درب البرلمان النسائي الموازي أيضا الذي جاء لمواجهة ضعف تمثيل المرأة النيابي، وظهر أيضا برلمان شباب الاسكندرية «الموازي»، وفي الطريق البرلمان القبطي الموازي. فمنذ عدة أشهر بشرنا بعض السادة أقباط المهجر بفكرة البرلمان القبطي الذي تم تشكيله من مجموعة من أعضاء المنظمات القبطية في المهجر. علينا أن نتجاوز مرحلة الانتقام السياسي الراهنة ونركز على جني ثمار التجربة الديمقراطية ونعالج سلبيات الممارسة بفكر جماعي يصب في مصلحة الوطن وليس في جيوب المنتفعين، فلا تنسينا نشوة الرئاسة حالة الغزل الصريح التي بدت واضحة في كافة برامج المرشحين الذين خرجوا من السباق، فجميعهم عمل على دغدغة مشاعر الفقراء الذين يصل عددهم لحوالي 40 مليون نسمة أي حوالي 50٪ من تعداد الشعب المصري، وذلك عن طريق الشعارات البراقة علي طريقة «مرشح الفقراء - نصير الغلابة» بل ينص معظمهم في برامجهم الانتخابية علي محاربة الفقر وتحقيق الرفاهية للشعب المصري، حتي إن أحدهم وهو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وعد بأن تصبح مصر واحدة من أغني دول العالم خلال 10 سنوات، وجميعهم اهتم بالمشروعات الكبري مثل تنمية سيناء وممر التنمية، لكن دون تحديد لكيفية تمويل هذه المشروعات. في النهاية لن يكون لمصر سوى رئيس واحد سيعمل على تنفيذ برنامجه، ولكن المصلحة العامة تقتضي الأخذ ايضا بما جاء في برامج المرشحين المنافسين فعمرو موسي أعلن في برنامجه عن تبنيه سياسة الاقتصاد الحر القائم علي العدالة الاجتماعية، علي أن تكون الكيانات الاقتصادية الكبري والمرتبطة بالثروات الأساسية للبلاد في يد الشعب، ويعتمد برنامجه علي تحقيق التنمية الشاملة علي إقامة مشروعات تنموية كبري مثل مشروع ممر التنمية. كما أن برنامج الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح استهدف تحويل الاقتصاد المصري من اقتصاد ريعي إلي اقتصاد منتج وتوجيه الاستثمارات الجديدة، والقضاء علي مشكلات البطالة بتشجيع الاستثمارات الجديدة وفقا لخطة واضحة، واستخدام السياسة النقدية والضريبية بشكل أفضل. وهناك برنامج حمدين صباحي الذي ركز علي سبع صناعات أساسية في مصر هي: الغزل والنسيج، الأسمدة، الأدوية، الحديد، الأسمنت، الصناعات الهندسية وصناعة السينما. أما حازم أبوإسماعيل فبرنامجه اعتمد علي حق الأفراد في تملك الأراضي والعقارات ووسائل الإنتاج بما لا يضر بمصلحة الآخرين، وألا يكون هناك احتكار، في المقابل تبني الدكتور محمد سليم العوا في برنامجه سياسة فتح أبواب العمل الحر بغير قيود، وتشجيع المشروعات الصغيرة وإلغاء الروتين الحكومي عند إقامة هذه المشروعات لتوفير فرص عمل للشباب. ولدينا أبوالعز الحريري الذي أعلن مرارا أنه مرشح الفقراء وشدد على سن القوانين لمنع نهب الأموال، وإجراء إصلاحات اجتماعية، وتطبيق الحد الأدني للأجور، وتسديد ديون صغار الفلاحين، مع قصر الدعم علي المواطنين وعدم منحه للشركات الأجنبية، والشركات كثيفة الاستخدام للطاقة، أما اللواء حسام خيرالله فيعمل برنامجه تشجيع القطاع الخاص من خلال اتباع سياسات وإجراءات شفافة لضمان إسهام فعال في المشاكل الاقتصادية التي يعانيها الاقتصاد المصري. صحيح أن جميع المرشحين سواء المنتمون للاتجاه الإسلامي، أو المنتمون للعسكري أو المدنيون الذين لا ينتمون لأي من التيارين السابقين اختلفوا في أشياء كثيرة، إلا إنهم اتفقوا في برامجهم جميعا في عدم تقديم برنامج إيجابي مقنع واقعي يحل مشكلة الفقر والبطالة، وصحيح أن برامجهم عكست ثقافاتهم وخلفياتهم الفكرية والعقائدية ولكنهم للأسف تساووا جميعا في تهميش قضية الفقر، ووضع حلول فعلية لها. وأتصور أن العلاج يجب ألا يتجاهل الدين الداخلى الذى وصل لتريليون جنيه مصرى وبلغت فوائده التى تسددها الخزانة العامة 120 مليار سنويا تقتطع من الميزانية العامة للدولة ومشكلة خطيرة يجب أن تكون هناك خطط واضحة وعملية للقضاء عليها. نعم هي قضية شعب وأزمة أمة، وطوق النجاة سيكون في وحدتنا وتضافرنا وليس في تصفية الحسابات وتبادل الاتهامات بين الرئيس المنتخب والرئيس «الموازي».