حالة من الغزل الصريح نراها واضحة في كافة برامج المرشحين للرئاسة، فكلهم يهدف إلي جذب أكبر عدد ممكن من أصوات المصريين لتكون له الغلبة في الانتخابات، ومن ثم بدأ كل منهم في دغدغة مشاعر الفقراء الذين يصل عددهم لحوالي 40 مليون نسمة أي حوالي 50٪ من تعداد الشعب المصري، وذلك عن طريق الشعارات البراقة علي طريقة «مرشح الفقراء- نصير الغلابة» بل ينص معظمهم في برامجهم الانتخابية علي محاربة الفقر وتحقيق الرفاهية للشعب المصري، حتي ان أحدهم وهو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وعد بأن تصبح مصر واحدة من أغني دول العالم خلال 10 سنوات، وجميعهم اهتم بالمشروعات الكبري مثل تنمية سيناء وممر التنمية، لكن دون تحديد لكيفية تمويل هذه المشروعات. بقراءة بسيطة في برامج مرشحي الرئاسة المعلنة حتي الآن، تتكشف لنا رغبتهم جميعا في التقرب لفقراء الشعب المصري، الذين يمثلون الأغلبية وشريحة تصويتية كبيرة يسعي الجميع لضمان أصواتها، خاصة أن هؤلاء كانوا سببا من قبل في وصول الإسلاميين لمجلس الشعب، بعدما نجح هؤلاء في كسب تأييدهم عن طريق توزيع السلع الأساسية، ومن هنا سعي جميع المرشحين علي اختلاف انتماءاتهم السياسية، سواء كانوا إسلاميين أو يساريين أو ليبراليين أو حتي «فلول» إلي اجتذاب هذه الكتلة التصويتية، من خلال شعاراتهم وبرامجهم الانتخابية.. ففي حين وضع الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل عبارة «سنحيا كراما» علي حملته الانتخابية، اعتمد الإخوان المسلمين علي شعار حزبهم الأساسي وهو «نحمل الخير لمصر»، ورغم أن مرشحي الجماعة خيرت الشاطر الذي تحوم حوله شبهات عدم المشاركة في الانتخابات، والدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة لم يتحدثا عن أي برنامج انتخابي حتي الآن، إلا انه برنامج المرشح- أيا كان- لن يخرج كثيرا عن برنامج جماعة الإخوان المسلمين، الذي يسعي إلي القضاء علي الفقر، واستعادة الأموال المنهوبة. ومن مرشحي الإخوان إلي المرشح المستقل عمرو موسي الذي أعلن في برنامجه عن تبنيه سياسة الاقتصاد الحر القائم علي العدالة الاجتماعية، علي أن تكون الكيانات الاقتصادية الكبري والمرتبطة بالثروات الأساسية للبلاد في يد الشعب، ويعتمد برنامجه علي تحقيق التنمية الشاملة علي إقامة مشروعات تنموية كبري مثل مشروع ممر التنمية، أما قضية البطالة فيري موسي ضرورة صرف بدل بطالة بقيمة 50٪ من الحد الأدني للأجور لحل المشكلة علي المدي القصير، أما علي المدي البعيد فيعتمد برنامجه علي دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالإضافة للمشروعات الكبري. أما الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح فيري في برنامجه ضرورة تحويل الاقتصاد المصري من اقتصاد ريعي إلي اقتصاد منتج يعتمد علي صناعات بعينها يخلق فيها ميزة تنافسية، مع مشاركة الدولة والقطاع الخاص في التخطيط وتوجيه الاستثمارات الجديدة، والقضاء علي مشكلات البطالة بتشجيع الاستثمارات الجديدة وفقا لخطة واضحة، واستخدام السياسة النقدية والضريبية بشكل أفضل. أما برنامج المرشح المستقل حمدين صباحي يسعي إلي القضاء علي الفقر والبطالة من خلال برنامج اقتصادي يهدف إلي ترتيب أولويات الموازنة العامة للدولة، بحيث يتصدر الانفاق علي التعليم والصحة والبحث العلمي تلك الأولويات، والاهتمام بالمشروعات الكبري مثل تعمير سيناء، وتنمية الصعيد، وتطوير الريف، مع التركيز علي سبع صناعات أساسية في مصر هي: الغزل والنسيج، الأسمدة، الأدوية، الحديد، الاسمنت، الصناعات الهندسية وصناعة السينما. أما المرشح حازم أبوإسماعيل- الذي لم يتم استبعاده بشكل رسمي حتي الآن- فبرنامجه يعتمد علي تبني نظام اقتصادي إسلامي، يعتمد علي انه من حق الأفراد تملك الأراضي والعقارات ووسائل الإنتاج بما لا يضر بمصلحة الآخرين، وألا يكون هناك احتكار، علي أن تظل المرافق المهمة لحياة الناس في ملكية الدولة أو تحت إشرافها المباشر. بينما يري الدكتور محمد سليم العوا في برنامجه ضرورة تبني سياسة فتح أبواب العمل الحر بغير قيود، وتشجيع المشروعات الصغيرة وإلغاء الروتين الحكومي عند إقامة هذه المشروعات لتوفير فرص عمل للشباب. كذلك يري أن التنمية الاقتصادية يمكن أن تتحقق من خلال إقامة مشروعات جديدة مثل الطاقة المتجددة. أما المرشح اليساري أبوالعز الحريري الذي أعلن مرارا انه مرشح الفقراء فرغم انه لم يعلن عن برنامجه بشكل رسمي حتي الآن، إلا أنه صرح مرارا بأنه سيعمل جاهدا علي تخفيف الأعباء عن كاهل المصريين، وسيسعي للقضاء علي الفقر وذلك من خلال تحريك أسعار السلع والمنتجات لتباع بالتكلفة الحقيقية وبهامش ربح عادي، مما يؤدي إلي تخفيض الأسعار للنصف، بحيث يحدث ارتفاع في الدخل الحقيقي للمواطن الفقر، وسن القوانين لمنع نهب الأموال، وإجراء إصلاحات اجتماعية، وتطبيق الحد الأدني للأجور، وتسديد ديون صغار الفلاحين، مع قصر الدعم علي المواطنين وعدم منحه للشركات الأجنبية، والشركات كثيفة الاستخدام للطاقة. أما مرشحو الفلول التابعون للنظام السابق فلم يكن الفقر والفقراء علي رأس أولوياتهم، وهو ما يتضح من برنامج الفريق أحمد شفيق الذي يبني برنامجه اتباع سياسة الاقتصاد الحر، مما يساعد علي جذب المستثمرين- وإن كان البرنامج قد ذكر- ان هذا سيسهم في تشغيل الشباب وزيادة الدخل والناتج القومي، ويهدف البرنامج إلي تحويل مصر إلي وجهة للمستثمرين لاستغلال كل شيء في مصر سواء بيئتها أو أرضها أو حتي صحرائها، بالإضافة لاستغلال قناة السويس لتكون سوقا حرة، مع الاهتمام بالصعيد المصري، وإعادة أهالي النوبة المجرمين إلي أراضيهم، والاهتمام بتنمية سيناء. ويري اللواء حسام خيرالله في برنامجه تشجيع القطاع الخاص من خلال اتباع سياسات وإجراءات شفافة لضمان إسهام فعال في المشاكل الاقتصادية التي يعانيها الاقتصاد المصري، علي أن يكون للدولة دور حقيقي في تمويل ورعاية القطاعات الاقتصادية ذات التأثير المباشر علي حياة المواطنين. وحتي الآن لم يكشف اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية قبل الثورة عن برنامجه ورغم انه حرص في أول تصريح له علي أن يقول: أنا فقير مثل باقي المصريين، إلا أن واقع الحال يؤكد أنه سيسير علي نهج سابقيه من رجال النظام السابق، الذين اهتموا بالاستثمارات وأهملوا وضع حلول حقيقية لمشكلات المجتمع المصري. اللافت للنظر أن معظم برامج المرشحين اشتملت علي عبارات واحدة وفضفاضة دون وجود حلول فعلية لمشاكل المواطنين، وهو ما كشفه الدكتور حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الأزهر في دراسته حول الحوافز الاقتصادية الواردة في برامج المرشحين، حيث اشتملت جميعها علي تحقيق العدالة الاجتماعية، والاهتمام بالطبقة الفقيرة ورفع الحد الأدني للأجور، ما يكفل حياة كريمة للمواطنين وتطبيق نظام أسعار الضرائب بالشرائح وتخفيض الضريبة علي الدخول الصغيرة، والاهتمام بالبطالة وتوفير فرص عمل، وتوفير المساكن الشعبية لمن يقطنون العشوائيات والقبور، ورفع مستوي معيشة الطبقات الفقيرة، ضبط أسعار الضروريات واتساع مظلة التأمين الصحي، واستعادة الأموال المنهوبة، وأكدت الدراسة أن جميع المرشحين علي اختلاف توجهاتهم اهتموا بهذه الحوافز إلا أنهم لم يوضحوا كيفية تنفيذها علي أرض الواقع، خاصة في ظل العجز الشديد الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة، وانخفاض الاحتياطي النقدي، وفي ظل مشكلة الديون الداخلية والخارجية التي يعاني منها الاقتصاد.. وهو أيضا ما كشفه الدكتور محمد كمال القاضي أستاذ الدعاية السياسية بجامعة حلوان، مؤكدا أن جميع المرشحين سواء المنتمون للاتجاه الإسلامي، أو المنتمون للعسكري أو المدنيون الذين لا ينتمون لأي من التيارين السابقين اختلفوا في أشياء كثيرة، إلا أنهم اتفقوا في برامجهم جميعا في عدم تقديم برنامج إيجابي مقنع واقعي يحل مشكلة الفقر والبطالة، وأضاف أن برامجهم عكست ثقافاتهم وخلفياتهم الفكرية والعقائدية ولكنهم للأسف تساووا جميعا في تهميش قضية الفقر، ووضع حلول فعلية لها، وجاءت برامجهم فيما يخص هذه القضية إما إنشائية أو خيالية أو لا تستند إلي خبرة اقتصادية، وأشار إلي أنه قرأ كافة البرامج، إلا انه لم يجد برنامجا واحدا يعتمد علي الأسس المتعارف عليها في هذا المجال, وهي الخبرة الاقتصادية، والبرنامج الناتج عن الدراسة الاقتصادية الواعية، ومسايرة البرنامج للواقع المصري والعالمي، وبالتالي فجميع المرشحين لم يعطوا هذه القضية حقها رغم أنها يجب أن تكون علي رأس أولويات برامج المرشحين، لأنها واحدة من أكبر القضايا التي تواجه المجتمع المصري. وأشار إلي أن استخدام البعض للشعارات التي تعطي انطباعات للفقراء بأنه سيعمل علي حل مشكلاتهم، لن تجدي لأن الشعارات لا تحل المشكلات، وإنما كان يجب أن تتضمن برامجهم حلولا أكثر فاعلية لهذه المشكلة.