تشهد صفحات جريدة الوفد، منذ صدرت عام 1984، أنني كنت من أوائل من تصدوا لجريمة سرقة الحكومة لأموال التأمينات الاجتماعية وكنت أركز كلامي علي أن هذه الاموال هي الرصيد الذي دفعه كل العاملين بالدولة، من قطاع حكومي وقطاع عام وخاص .. وكنت أقول وفي هذه السنوات البعيدة، إنها ليست ملكاً للحكومة.. حتي ولو دفعت فيها حصة رب العمل.. لان هذه الحصة كانت عبارة عن مكافأة نهاية الخدمة.. وهي رصيد يملكه اليتامي والارامل وكبار السن.. ودائما ما كنت أقول - وصفحات الوفد شاهدة - بضرورة استغلالها وتشغيلها بهدف تعظيمها وتنميتها.. لصالح أصحابها الفعليين ولصالح كل المواطنين، نقصد في مشروعات استثمارية صناعية تجارية زراعية لنواجه بصافي عائدها ظروف تطور الاجور.. والاسعار.. وكشفت - ومنذ سنوات - تحايل الحكومة لوضع يدها علي هذه الأموال وكانت بداية ذلك إجبار صناديق هذه المعاشات علي شراء أذون وسندات الخزانة لدعم مالية الحكومة، لأنني كنت أري أن الفوائد التي تدفعها هذه الأذون وتلك السندات قليلة لا تكفي لمواجهة عامل التضخم الذي يضرب الاقتصاد المصري.. وكنت أري أن الافضل هو استثمارها في مشروعات سريعة العائد.. كثيفة العمالة ومشروعات دائمة تضيف ما نطلق عليه صفة القيمة المضافة إلي الاقتصاد الوطني.. ومضي مخطط الحكومة ولم يعط أي اعتبار لأموال اليتامي والارامل.. واخذت تتوسع في الاقتراض من هذه الصناديق بفائدة متدنية للغاية إلي أن كشفت الحكومة عن وجهها القبيح وقررت الاستيلاء علي هذه الأموال.. وتم تحويل أرصدتها من بنك الاستثمار إلي حسابات وزارة المالية مباشرة.. وكانت تلك هي الجريمة الكبري.. حتي وان كان هدفها انقاذ شرف الحكومة من ان تعلن افلاسها.. وان هذه الاموال تساهم في تقليص عجز الموازنة العامة، ليظهر الحساب الختامي وكأن اقتصاد مصر.. عال العال!! وكله بالقانون، في عصر كان ترزية القوانين ينفذون كل شيء وفقاً لما تريده الحكومة.. بل كان منهم من يزيد علي ما تطلبه الحكومة.. وأول امس تحدثت السيدة ميرفت التلاوي وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية السابقة للزميلة »الاهرام« وكشف كيف تمت عملية استيلاء الحكومة علي كل هذه الاموال.. وكيف تصدت لهذه الجريمة.. حتي دفعت الثمن وتمت عملية إقالتها من الحكومة لانها قالت لا للاثنين اللذين وضعا يد الحكومة علي هذه الاموال وهما الدكتور عاطف عبيد والدكتور يوسف بطرس غالي.. وللحقيقة فأن هذه الجريمة بدأت في عهد حكومة الدكتور الجنزوري وتمت في عهد الدكتور عبيد.. وكان مهندس العملية كلها هو الدكتور يوسف غالي.. وهكذا استولت الحكومة - لكي تنقذ نفسها من اعلان افلاسها - علي حوالي 435 مليار جنيه يعني 435 الف مليون جنيه هي كل حصيلة التأمينات منذ عرفت مصر هذا النظام، والمؤلم أن مجلسي الشعب والشوري بكل نوابهما وافقوا علي هذه الجريمة.. وحتي الاتحاد العام لعمال مصر وافق، وان اعترض فقط علي مجرد صياغة بعض الكلمات.. وضاعت أموال - بل ومدخرات الحكومة - 8 ملايين موظف من اصحاب المعاشات، ضاعت في اكبر سرقة في تاريخ الشعب قام بها د. يوسف بطرس غالي - الهارب الان خارج مصر - وهي تمثل كل معاشات موظفي الحكومة، وكل معاشات العاملين بالقطاع الخاص.. وكله تم بالقانون.. وذلك في عملية اشبه ما تكون بالتأميم.. وللعلم، فانه لو تمت محاكمة المتهمين الاساسيين وهما د. عبيد ود. غالي فسوف تتم تبرئتهما.. لأنهما كانا من البراعة ان تم »تستسيف« كل شيء بالقانون!! ويا أيتها القوانين الظالمة كم من الجرائم الخطيرة تتم تحت سمائك.. وباسمك.. اننا ونحن الان في ثورة حقيقية نملك حق المطالبة بفصل وزارة التأمينات عن وزارة المالية.. وان تعود هذه الاموال إلي بنك الاستثمار، الذي يحفظها، مع منع الاقتراب منها الا بالاستثمار الحقيقي لها بما يعود علي الوطن بالخير كله.. ولا يجب أن تمضي تلك الجريمة دون عقاب.. لذلك اسألوا الوزيرة التي أقالوها لانها قالت لهم لا وهي السيدة ميرفت التلاوي واسألوا كل من تولي مسئولية الوزارة بعدها.. ثم - وبعد الحساب - يتم انشاء مجلس لادارة هذه الاموال كما يجب أن يكون لممثلي اصحاب هذه الاموال النصيب الاكبر في هذا المجلس من الادارة.. مع من يملك خبرة ادارة هذه الاموال.. ولا يكفي ان تتعهد الحكومة باعادة هذه الاموال ولو علي اقساط متتالية، لتعود إلي الصندوق الآمن.. بل لابد من تحصين هذه الأموال لمنع تأميمها.. مرة اخري.