«سلامتك في سرية بياناتك».. إطلاق حملة «شفرة» لتوعية المجتمع بخطورة الجرائم الإلكترونية    اسعار اللحوم اليوم الخمبس 16-5-2024 في الدقهلية    الحكومة الإيطالية تبيع كمية من أسهم شركة إيني بقيمة 1.5 مليار دولار    قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    رئيس وزراء اليابان يدين محاولة اغتيال نظيره السلوفاكي    اليوم.. الرئيس السيسي يشارك في القمة العربية بالبحرين ويلتقي عددا من القادة العرب    عاجل.. قصف مدفعي وغارات جوية في محيط معبر رفح    بوتين: العلاقة بين الصين وروسيا عامل استقرار في العالم    نجم المنتخب: أتمنى تتويج الأهلي والزمالك ببطولتي دوري الأبطال والكونفدرالية    الأهلي يُبلغ مروان عطية بقرار عاجل قبل مباراة الترجي التونسي بدوري الأبطال    حالة الطقس اليوم الخميس 16-5-2024 في محافظة قنا    طلاب الصف الثاني الثانوي بالدقهلية يؤدوا امتحان الرياضيات البحتة    طلاب الصف الثاني الثانوي في القاهرة يؤدون امتحان "الجبر والتفاضل"    طلاب الشهادة الإعدادية بالقاهرة يؤدون امتحان اللغة العربية داخل 1223 لجنة    بعد عرض الحلقة 7 و8.. مسلسل "البيت بيتي 2" يتصدر تريند "جوجل"    توقعات الأبراج وحظك اليوم 16 مايو 2024: تحذيرات ل«الأسد» ومكاسب مالية ل«الحمل»    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    تخفيض 25% من مقابل التصالح بمخالفات البناء حال السداد الفوري.. تفاصيل    إبراهيم عيسى: "في أي لحظة انفلات أو تسامح حكومي البلاعات السلفية هتطلع تاني"    تشكيل برشلونة المتوقع أمام ألميريا في الدوري الإسباني    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الخميس 16-5-2024 بالمصنعية    شقيقة ضحية «أوبر» تكشف القصة الكاملة ل حادث الاعتداء وترد على محامي المتهم (فيديو)    ترامب عن بايدن بعد تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل: متخلف عقليا    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    تراجع الوفيات بسبب جرعات المخدرات الزائدة لأول مرة في الولايات المتحدة منذ الجائحة    "في الخلاط" حضري أحلى جاتو    طريقة طهي الكبدة بطريقة صحيحة: الفن في التحضير    رضا عبد العال: «حسام حسن كان عاوز يفوز بكأس عاصمة مصر عشان يستبعد محمد صلاح»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟ أمين الفتوى بجيب    الانخفاض يسيطر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 16 مايو بالمصانع والأسواق    قدم الآن.. خطوات التقديم في مسابقة وزارة التربية والتعليم لتعيين 18 ألف معلم (رابط مباشر)    فوائد تعلم القراءة السريعة    وزير النقل يكشف موعد افتتاح محطة قطارات الصعيد الجديدة- فيديو    بوتين يصل إلى الصين في "زيارة دولة" تمتد ليومين    الرئيس السيسى يصل البحرين ويلتقى الملك حمد بن عيسى ويعقد لقاءات غدًا    تين هاج: لا نفكر في نهائي كأس الاتحاد ضد مانشستر سيتي    4 سيارات لإخماد النيران.. حريق هائل يلتهم عدة محال داخل عقار في الدقهلية    ماذا قال نجل الوزير السابق هشام عرفات في نعي والده؟    بعد 40 يوما من دفنها، شقيقان وراء مقتل والدتهما بالدقهلية، والسر الزواج العرفي    رئيس الترجي يستقبل بعثة الأهلي في مطار قرطاج    طلعت فهمي: حكام العرب يحاولون تكرار نكبة فلسطين و"الطوفان" حطم أحلامهم    طريقة عمل الدجاج المشوي بالفرن "زي المطاعم"    منها البتر والفشل الكلوي، 4 مضاعفات خطرة بسبب إهمال علاج مرض السكر    كم متبقي على عيد الأضحى 2024؟    أسما إبراهيم تعلن حصولها على الإقامة الذهبية من دولة الإمارات    الدوري الفرنسي.. فوز صعب لباريس سان جيرمان.. وسقوط مارسيليا    «فوزي» يناشد أطباء الإسكندرية: عند الاستدعاء للنيابة يجب أن تكون بحضور محامي النقابة    «الخامس عشر».. يوفنتوس يحرز لقب كأس إيطاليا على حساب أتالانتا (فيديو)    قصور الثقافة تطلق عددا من الأنشطة الصيفية لأطفال الغربية    ماجدة خير الله : منى زكي وضعت نفسها في تحدي لتقديم شخصية أم كلثوم ومش هتنجح (فيديو)    وزير النقل يشرح تفاصيل تعويض الأهالي بعد نزع ملكيتهم في مسار القطار الكهربائي    رئيس تعليم الكبار يشارك لقاء "كونفينتيا 7 إطار مراكش" بجامعة المنصورة    هولندا تختار الأقصر لفعاليات احتفالات عيد ملكها    كامل الوزير يعلن موعد تشغيل القطار الكهربائي السريع    وزير التعليم العالي ينعى الدكتور هشام عرفات    حسن شاكوش يقترب من المليون بمهرجان "عن جيلو"    سعر الزيت والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الخميس 16 مايو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الإرهاب.. إشكاليات وتحديات
نشر في الوفد يوم 02 - 05 - 2018


كتب: محمود على
فى حواره مع الشيخ عليش.. سأله الشيخ: بلغنى أنك رجحت مذهب المعتزلة على مذهب الأشعرية! فأجابه.. «إذا كنت تركت تقليد الأشعرى، فلماذا أقلد المعتزلى؟ إذن اترك تقليد الجميع وأخذ بالدليل»... هكذا أجاب الإمام الشيخ محمد عبده.. ثم عاد ليقول فى ذات السياق.. «ثم إن الناس تحدث لهم باختلاف الزمان، أمور ووقائع لم ينص عليها فى هذه الكتب، فهل نوقف سير العالم لأجل كتبهم؟! هذا لا يستطاع»..
بهذه الرؤية الثاقبة وضع الإمام منذ ما يزيد على قرن أسس وأسباب وقواعد تجديد الخطاب الدينى، وبين ضروراته لإحياء الدين الصحيح وإيقاظ المسلمين من غفوتهم وجهلهم وتخلفهم.
ومنذ أن تصاعدت موجة الإرهاب المتسربل بالدين، وما صحبه من تنامى ظاهرة الإسلاموفوبيا، ومحاولة ربط الإسلام بالإرهاب والتطرف، ارتفعت الأصوات الداعية إلى سرعة تجديد الخطاب الدينى وتنقية الإسلام مما علق به من شوائب وممارسات لا تتفق ومقاصد الشريعة السمحة
وفى هذا السياق جاءت رسالة الباحث إيهاب خيرى عبد المبدى، تحت عنوان «تجديد الخطاب الدينى فى القنوات الفضائية المصرية وعلاقته بالوعى الدينى لدى المراهقين- دراسة تحليلية وميدانية»، والتى نال بها درجة دكتوراه الفلسفة فى الإعلام وثقافة الأطفال، من معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس، وضمت لجنة المناقشة كل من الدكتور اعتماد خلف معبد أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس رئيسًا ومشرفًا، والدكتور جمال النجار أستاذ الصحافة بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر الشريف مشرفًا، والدكتور محمود حسن إسماعيل أستاذ الإعلام بكلية الدراسات العليا للطفولة مناقشًا داخليًا، والدكتور محمود الصاوى أستاذ الثقافة الإسلامية ووكيل كلية الدعوة الإسلامية للدراسات العليا جامعة الأزهر الشريف مناقشًا خارجيًا.
وتضمنت الرسالة مجموعة من المحاور المهمة المرتبطة بقضية تجديد الخطاب الدينى، ودور البرامج الدينية بالفضائيات المصرية فى تجديده وعلاقته بالوعى الدينى لدى المراهقين، ساعية إلى بناء رؤية واقعية حول نشر الوعى الدينى من خلال تجديد الخطاب الدينى بالفضائيات المصرية بين الشباب باعتبارها وسيلة يمكن للعلماء والمختصين والمهتمين بالفكر الإسلامى استخدامها فى التوعية الدينية لدى الشباب، خاصة فى ظل خطورة الدور الذى تمارسه وسائل الإعلام فى تشكيل الجدل حول الخطاب الدينى، وندرة الدراسات الأكاديمية الإعلامية الحديثة التى تناولت هذه القضية
واليوم تعرض «الوفد» عبر «مرصد مكافحة الإرهاب» لبعض المحاور الرئيسية التى تضمنتها الرسالة وتهم القارئ فى المقام الأول، فى ظل جهود المرصد الرامية إلى مواجهة ظاهرة الغلو والتطرف، وتقديم رؤية مستنيرة لمفهوم الدعوة، وبيان قواعد اليسر والتيسير التى حفلت بها الشريعة الإسلامية.
التحديث قضية كل عصر.. و«العطار» و«الأفغانى» و«عبده» فتحوا الآفاق لاستخدام العقل فى فهم النصوص
يرى الدكتور «إيهاب خيرى»، أن تجديد الخطاب الدينى أو تحديثه مع الحفاظ على الثوابت الإسلامية، وأخذ المتغيرات الاجتماعى والاقتصادية والسياسية والبيئية المستحدثة فى الاعتبار، قضية بالغة الأهمية فى فكر المواجهة للرد على ما يثار ضد الإسلام والمسلمين من مزاعم، كما إنها إحدى التحديات الرئيسية التى تواجه المجتمع العربى والإسلامى منذ أن بدأت تبرز تحولات وتغيرات جوهرية بالنظام الإقليمى والعالمى، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والتى شكلت نقطة تحول تاريخية فى العلاقة بين الإسلام والغرب، ما ترتب عليه بروز العديد من الدعوات الداخلية والخارجية لإعادة النظر فى الخطاب الدينى الإسلامى، وخلق حالة من الجدل الذى ما زال مستمرًا بين ما هو مؤيد للدعوة إلى إعادة النظر فى الخطاب الإسلامى، أو رافضا لها باعتبارها أفكارًا غربية تسعى إلى المساس بالإسلام كدين.
مضيفًا أن الفضائيات العربية فرضت خلال السنوات الأخيرة نفسها كأحد العناصر الأساسية فى إنتاج أو إعادة إنتاج الخطاب الدينى الإسلامى، وتسابقت فيما بينها على تقديم العديد من البرامج الدينية والتى تحمل أنماطًا مختلفة للخطاب الدينى الإسلامى، وساهمت أيضًا فى إيجاد حراك إعلامي سياسي وديني حول الخطاب الدينى الإسلامى.
ويشير «خيرى» إلى أن التاريخ الإسلامى لم يتوقف عن الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى عصرًا بعد عصر، وإن كان بمسميات مختلفة، كالإحياء والإصلاح واليقظة والتطوير إلى غير ذلك من المسميات، وكان من أشهر المجددين فى الفكر والخطاب الإسلامى الخليفة عمر بن الخطاب عبد العزيز الذى جدد سنة الخلفاء الراشدين، وأئمة الفقه الأربعة أبوحنيفة ومالك والشافعى والإمام أحمد بن حنبل.
ثم كانت حركة الإحياء والإصلاح التى قام بها أبوحامد الغزالى فى كتابه «إحياء علوم الدين»، فى القرن الخامس الهجرى، وكان يقصد به تجديد الخطاب الدينى.
ويؤكد الباحث أن أول من استخدم مصطلح «التجديد الدينى» بدلاً من «الإصلاح الدينى» فى مرحلة النهضة الإسلامية المعاصرة هو الفيلسوف المسلم الدكتور محمد إقبال، حينما أصدر كتابه باللغة الإنجليزية تحت عنوان «إعادة بناء الفكر الدينى فى الإسلام على أساس من النقل والتراث العقلى»، حيث جمع بين النص الإسلامى والاستفادة بنتائج الفكر الحديث، ثم جاءت مدرسة الإحياء والتجديد واليقظة الإسلامية الذى كان من أبرز أعلامها الشيخ حسن العطار، وجمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده، وقد نقلت هذه المدرسة الخطاب الدينى نقلة نوعية وكيفية عن صورته التى كان عليها إبان حقبة التراجع الحضارى، وأصبح الخطاب الدينى الإسلامى لا يقف عند ظواهر النصوص، وإنما فتحت آفاق لاستخدام العقل فى فهم النصوص الدينية، وضرورة فهم الدين على أنه دين للحياة بكل أبعادها، فلا يجوز عزل الدين عن الحياة، واعتماد النزعة التجديدية عند التشخيص السليم لأوضاع العالم الإسلامى والتعرف على مواطن العلة بهدف تقديم العلاج الصحيح والخروج بالأمة الإسلامية من أزمتها الحضارية حتى تشارك فى صنع التقدم الحضارى للبشرية جمعاء.
ثم تجددت الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى فى العصر الحاضر، وارتبطت بتشويه صورة الإسلام والمسلمين فى وسائل الإعلام الغربية، وما نتج عن تلك الحملات الإعلامية المغرضة من تشويه الصورة الذهنية المتكونة عن الإسلام والمسلمين فى الذهنية الغربية، حيث وجدت تلك الدول الإسلامية فى تجديد الخطاب الدينى الوسيلة المثلى للرد على تلك الحملات المشوهة للإسلام وإيصال حقيقة الدين الإسلامى السمحة إلى المجتمعات الغربية، خاصة فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمبر فى أمريكا، وزيادة حدة حملات التشويه لصورة الإسلام والمسلمين فى الغرب.
ويضيف الباحث بأن دعوة التجديد قوبلت بالرفض من قبل بعض التيارات الإسلامية، بسبب الارتياب والشكوك فى نوايا المطالبين بالتجديد فى الخطاب الإسلامى، خاصة من الذين قصدوا منه قطع صلته بروح الإسلام وجوهره، والعبث بأصول الإسلام، والتشكيك فى قدسيته، وتهميش دور الدين فى المجتمع، وإزاحته عن مسيرة العلم فى الحياة.
واللافت كما يرى الباحث أن الملاحظ فى سياق ورود لفظ «خطاب» فى القرآن، أنه جاء مقرونًا بالحكمة، والعزة وشد البأس، وبهدف الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة، والموعظة الحسنة والجدال بالتى هى أحسن.
ويقصد بالخطاب الدينى كما يشير الباحث، ذلك الخطاب الذى يعتمد على مرجعية دينية إسلامية فى مخاطبته وأحكامه وبياناته، وهو ما يطرحه العلماء والدعاة والمنتمون إلى المؤسسات الإسلامية فى بيان الإسلام والشريعة سواء كان ذلك من خلال الخطب والمحاضرات أو الكتب وغير ذلك، وهو الدعوة إلى الله تعالى، وإلى الإيمان بالرسل والاقتداء بهم، واقتفاء نهجهم فى إقامة الدين الحق، وإتباع أوامر الخالق واجتناب نواهيه، وتربية الخلق وتنظيم حياة المجتمعات، وتوطيد التعامل الإيجابى مع مقتضيات الأحوال المتغيرة التى تطرأ على الحياة الاجتماعى فى مستوياتها المختلفة.
وينوه «خيرى»، إلى تعريفات أخرى هامة للخطاب الدينى باعتباره «ذلك الخطاب الموجه من مؤسسات دينية إسلامية بهدف تعزيز ودعم الوازع الدينى لجمهور المتلقين للخطاب، ومشاركة القيم والمعلومات الدينية معهم» أو أنه «خطاب بشرى يتعلق بفهم المتخصصين فى الشأن الإسلامى أو المنتسبين إليه أو المحسوبين عليه للنص الدينى (قرآنًا كان أم سنة) ويسعون من خلاله إفهام الجماهير أن ذلك هو مراد النص إزاء قضية ما أو إشكالية ما، قديمة كانت أو حديثة»، بل ويتسع فضاء التعريف وفق رؤية الدكتور «أحمد كمال أبوالمجد» ليشمل خطاب الدعاة والوعاظ والخطباء والمفتين والباحثين، حين يقدم إلى جمهور الناس على أنه الوصف السليم والفهم الصحيح للإسلام فى عقيدته ونظامه الأخلاقى وآدابه وشريعته.
والأهم كما يرى الباحث، أنه يوجد العديد من التصنيفات للخطاب الدينى هى تختلف باختلاف المرجعيات الفكرية والثقافية والاجتماعية وحتى المذهبية بالنسبة لهؤلاء المهتمين بهذه التصنيفات، فعلى الرغم من النظر إلى الإسلام كوحدة واحدة إلا أن ذلك لا يعنى وجود خطاب دينى إسلامى واحد بل أنه يوجد مجموعات متنوعة من الخطابات المختلفة، تختلف باختلاف جهد العلماء لفهم العالم من حولهم وكيفية تفسيرها للنصوص الدينية، حيث يتأرجح الخطاب الدينى ما بين الاعتدال والقوة والتطرف.
ومن هنا يرى «خيرى»، أهمية التفرقة بين الخطاب السياسى الدينى، وهو ما يكون دافعه سياسى أكثر من كونه دينيا، وهذا النوع هو الذى يوصف استخدام البعض للدين كغطاء لدوافع وأهداف سياسية فى المقام الأول، سواء أكان مستخدم الدين أو المتخفى وراءه حكومات أو أفراد أو جماعات، وبين الخطاب الدينى السياسى، وهو خطاب دينى فى الأساس ولكنه يتفاعل مع المسائل السياسية وهذا التوصيف هو أقرب المسميات لفكرة التكامل بين الدين والسياسة ومفهوم الإسلام كدين ودولة.
التجديد ضرورة شرعية للتأكيد على صلاحية الشريعة وقدرتها لاستيعاب المتغيرات ومختلف الآراء
يرى «خيرى» أن تجديد الخطاب الدينى ليس المقصود به تغيير معالم الدين، وليست الدعوة إليه موجهة إلى الإسلام الذى هو دين الله تعالى، إنما هى دعوة إلى أصحاب العقول خاصة الدعاة الذين يدعون إلى الدين، لمراجعة أنفسهم فى مدى فهمهم لكتاب الله تعالى واستمساكهم بشرع الله وترتيب الأولويات مما يجب عليه فعله وما يجب أن يبدأ به، وهذه المراجعة إنما تعنى إعادة ترتيب عقل الداعية الذى بدوره يجدد للأمة دينها ويبعث فيها روح الإخلاص لله والعمل لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتجديد موجه إلى فكر المسلمين وسلوكهم لأمر الدين وليس إلى الدين نفسه، فالمسلمون بحاجة إلى التجديد فى كل ميدان، ومن رحمة الله تعالى أن يبعث مجددا على رأس كل مائة سنة.
ويضيف «خيرى» أن تجديد الخطاب الدينى لا يعنى تغيير أدلة الشريعة أو العبث بأحكامها، لكنه يعنى
إنزال الحكم المناسب على الفعل المستجد، فهو ضرورة شرعية لا غنى عنها لأعمال ما اختصت به الشريعة من عموم وخلود، وصلاحية لحكم التصرفات المستجدة فى حياة الناس، والنوازل الحادثة وليست عملا ترفيهيا أو شيئا ثانويا، وبدونه سوف ينعزل فقه الشريعة عن واقع الحياة، وهو يمثل الترجمة العملية ليسر الشريعة وعمومها وصلاحيتها لحكم تصرفات الناس فى كل زمان ومكان، وبدونه يصبح الإسلام محنطا فى فترة زمنية وعاجزا عن مسايرة الواقع,، ولهذا فإنه يمثل ضرورة شرعية واجبة، وليس اختيارا إنسانيا أو توجيها أجنبيا، وبدونه سوف يُظلم الإسلام ظلما بينا ونقدم عنه صورة مختلفة تشبع أحقاد أعدائه، وتستثير سخرية خصومه وتحول بينه وبين واقع الحياة، ولهذا كان أمرا متعينا بل وواجبا شرعيا.
ويعرف الباحث التجديد الدينى بأنه إزالة ما شاب وسائله من تعطيل بسبب جمود بعض المنتمين إليه والقائمين به، وعدم مسايرتهم لغة العصر، مما زاد اتساع الفجوة بين العقيدة والسلوك لدى المخاطبين، وأحال الدين إلى كهنوت يختص به فئة دون آخرين، بهدف التطوير فى الوسائل والأساليب، وبما يحقق عودا حميدا إلى الجذور الأولى للدين الحنيف، وينفى عنه البدع وانتحال المبطلين، وغلو المنحرفين وتحريف الجاهلين.
ويراد به معالجة العلماء للقضايا المختلفة واجتهاداتهم على المستوى الفقهى أو الكلامى أو الصوفى فى الإطار الإسلامى، وعلى هذا الفهم يترتب أن هذا النتاج البشرى غير معصوم وبالتالى يدخل فى إطار النقد والمراجعة، وأن قبوله ورده يكون على أساس موافقته للكتاب والسنة وإجماع السلف، وأن غاية هذا النقد هو تنقية الدين من بعض الأفكار الخاطئة والترسبات التاريخية التى علقت به، وليست من الإسلام كما هو حال المجددين فى تاريخ الأمة الإسلامية.
وقد أشار الشيخ الشعراوى رحمه الله، إلى هذا المفهوم وهو بصدد توضيح منهجه فقال: «لا أريد أن أكون أسطوانة مكررة لمن سبقنى.. أريد أن آتى بجديد يناسب جدة عصور الإسلام، فالسابقون معذورون فى أن يقولوا ما ناسب عصرهم، فإذا أنا حاولت أن أكرر ما قالوه فى عصورهم أبقيت عصرى بلا عطاء وخالفت منهج القرآن الذى جعله الله يكشف فيه كل عصره عن سر، ويبقى أسرارا للعصور التالية حتى لا يأتى عصر من العصور يتوقف فيه عطاء القرآن».
الهدف من تجديد الخطاب الدينى كما يراه «خيرى»، التأكيد على صلاحية الشريعة الإسلامية وتميزها بالثبات والمرونة وإصلاحها لأحوال الناس فى كل زمان ومكان، وسعتها لاستيعاب التغيرات، وقبولها لمختلف الآراء الاجتهادية التى تستند إلى أدلة شرعية معتبرة، واعتبار الاختلاف الفقهى تنوعا يلبى حاجات البشر، ويشكل عامل إثراء وخصوبة دون تضييق أو تحوير، وإبراز الصورة المشرقة للصحابة الكرام باعتبارهم الجيل الذى طبق الإسلام عمليا برعاية المصطفى صلى الله عليه وسلم واتبع الهدى النبوى فى الدعوة والإرشاد، وإبراز خصائص ومواهب أئمة المذاهب الإسلامية والمجتهدين المعتبرين فى الأمة والإفادة من تراثهم، ونبذ اتجاهات التكفير لأهل القبلة، وإنكار التبديع والتفسيق بسبب المخالفة فى الرأى وعدم التعصب فى القضايا الدعوية والفكرية وغيرها، والعمل على إيجاد الاجتهاد الجماعى ودفع مسيرته بما يوائم بين فقه الشرع ومعرفة الواقع، ويزاوج بين رعاية النصوص الجزئية، وأعمال المقاصد عند النظر فى القضايا المستجدة الكبرى.
بالإضافة إلى إبراز صور سماحة الشريعة الإسلامية والتى تتأسس على مبدأ وحدة الأصل الإنسانى، وكرامة النفس البشرية، والتعرف والبر والقسط، ونفى الإكراه فى كل أمر وبخاصة فى المعتقد، وتوضيح مرتكزات الحضارة الإسلامية، وإبراز أثرها فى حياة الناس، والتأكيد على مبدأ التفاعل الحضارى دون ذوبان، والخصوصية دون انكفاء، والتماس الحكمة من أى وعاء خرجت، والتركيز على تزكية النفس لكونها أساس لصلاح الأمة وإصلاحها وتربيتها، وبيان النظرة الشرعية فى نبذ الغلو والتطرف من جهة، والتسيب والتحلل من جهة أخرى وعدم استغلال الدين لأغراض سياسية أو شخصية، والعمل على تصحيح النظرة الخاطئة إلى الإسلام المتمثل باتهامه بالإرهاب وقتل المدنيين، وترويع الآمنين، والاعتداء على النساء والأطفال، وضرورة التفريق بين ذلك كله والجهاد الذى شرعه الله.، وبيان أن وضع المرأة فى الإسلام كما أنزله الله وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الوضع المثالى للمرأة وأن امتهان أنوثتها واستغلالها ليس من الإسلام ولا الإنسانية فى شئ، وإرساء قواعد البحث وأصول التفكير، وفى ذلك تأكيد على احترام الدين والعقل.
التيسير وبث الأمل ورفض التكفير وصراع الحضارات.. مواصفات خطاب التجديد
وحول سمات وخصائص الخطاب الدينى المطلوب، يشير الباحث إلى تأثر الخطاب الدينى الإسلامى بمجموعة الظروف السياسية والفكرية والثقافية السائدة فى العالم الإسلامى، لذلك نجد الخطاب الدينى الإسلامى يتأرجح بين القوة والضعف، والاعتدال والتطرف، والدقة وعدم الدقة.
ويشدد «خيرى» على أنه لا يفترض أن تنال هذه الظروف من خصائص الخطاب الدينى الصحيح، الذى ينبغى أن يكون خطابًا ميسرًا لا معسرًا، خطاب يبشر لا ينفر، وخطاب تعارف لا تقاتل، فقد خلق الناس مختلفين والتعددية إرادة الله فى خلقه، وهذا التعدد يجب أن يكون موضع ثراء لا صراع، ويقول تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».
كما يجب أن يكون خطاب الأمل وبث الأمل والرجاء والتقدم فى نفوس الناس قال تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
وأن يكون ضد التكفير بغير دليل قوى من الشرع فهو خطاب ضد التكفير والتفسيق والتبديع، فمن شهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فهو مسلم وإن زنا وإن قتل بنص الحديث.
وضد فكرة صراع الحضارات، فالحضارات والثقافات فى الفكر الإسلامى تتلاقى وتتفاعل وتتحاور لخير جميع الناس فالرسول عليه الصلاة والسلام أخذ فكرة حفر الخندق من سلمان الفارسى، وهى تكنولوجيا كان يستخدمها الفرس عباد النار من المجوس، كذلك عمر بن الخطاب طبق فكرة الدواوين أخذها من بلاد وحضارات غير إسلامية، وان يؤكد بوضوح على فكرة السلام والأمن بين كل الناس مسلمين أو غير مسلمين، فالحرب ليست أصلاً فى الإسلام فالأصل فى العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، السلام والتعاون وليست الحرب، والحرب فى الإسلام شرعت للدفاع عن المجتمع أو عن حقوق المستضعفين المظلومين، وعلة القتال فى الإسلام الاعتداء والمقاتلة لقوله تعالى (وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
وان يؤكد هذا الخطاب فكرة الدولة المدنية وحماية المدنيين، وأن كل الأنفس والأموال والعقول والأعراض والدين والكرامة مصانة لكل الناس مسلمين وغير مسلمين محفوظة ومعصومة ما لم يكن هناك اعتداء أو خروج عن المواثيق وقيم ومبادئ الإسلام، عندما قال تعالي(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِى الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)
وأن الفتوى تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، ومن ثقافة إلى ثقافة، ومن شخص إلى شخص فإذا كان كبار العلماء أفتوا فى زمانهم، فإن من حق علماء كل عصر أن يفتوا فى زمنهم بمستجداته الحضارية ومشكلاته وعلاقاته الجديدة.
وينتهى الباحث إلى أن على الخطاب الدينى أن يوضح للجمهور أن هناك مصالح مغيرة مستقرة وهى ثوابت وهى قليلة، وهناك مصالح مرسلة وهى التى تتناسب مع كل عصر، وتتغير بتغير الزمان والمكان والثقافات فى المجتمعات، هذه الأخيرة تحتاج إلى اجتهادات علماء المجتمع الفقهية المعاصرة، وأن الإسلام دين الحوار والتسامح والتفاهم والسلام، يوضح لنا كيف يحاور الخالق سبحانه وتعالى الأنبياء وبنى إسرائيل ومع المؤمنين ومع الكفار، بل تحاور مع الشيطان... وجميع الأنبياء تحاوروا مع أقوامهم من الكفار.
التشدد والجمود والقصور فى فهم جوهر الدين أهم سلبيات الخطاب المعاصر
تناول الباحث الدكتور «محمد خيرى» فى رسالته أهم سلبيات الخطاب الدينى المعاصر، مشيرًا إلى أن الدين هو المكون الأول لثقافة الأمة، إلا أن الخطاب الدينى المعاصر يعانى بعض النقص والسلبيات بسبب الفهم الخاطئ لأحكام الدين وبسبب دخول التيارات الدينية معترك الحياة السياسية، ومن أبرز السلبيات التى رصدها، الجمود فى الفكر الدينى بسبب غلبة الشكلية والطقوس والنزعة الاستعراضية فى الخطاب والممارسة الدينية اليومية، وشيوع نمط من البلاغة الخطابية الجوفاء لدى بعض علماء الدين، وتمدد الحركة السلفية وخطابها وممارستها الدينية الاستعراضية وتركيزها على بعض الأبعاد الشكلية فى الممارسات الدينية والسلوكية اليومية، وسيطرة العقل النقلى الاجترارى على العقل الاجتهادى لدى غالب رجال الدين الرسميين واللارسميين.
كما أشار «خيرى» إلى تراجع تأثير دور المؤسسة الدينية الرسمية- الأزهر- فى الحياة الاجتماعية، وميل بعض رجالها للغلو والسلفية
أو نزوع بعضهم نحو جماعة الإخوان المسلمين، مع بروز دور الإعلام التلفازى ولاسيما القنوات الفضائية وبعض تأثيراته السلبية على إنتاج بعض الخطابات والأفكار الدينية، بالإضافة إلى القصور فى فهم جوهر الدين، فيرى الباحث أن الخطاب الدينى كثيرًا ما يشغل نفسه بالشكليات والأمور الهامشية وينعكس ذلك بطبيعة الحال على سلوكيات الناس، ومن ذلك على سبيل المثال الاهتمام المفرط بالحديث عن اللحية وعن السواك وعن تقصير الثوب وغير ذلك من أمور لا صلة لها بجوهر الدين، لكن ما ينبغى الاهتمام به فى الخطاب الدينى هو التركيز على جوهر الدين بوصفه عقيدة وشريعة وأخلاقًا وحضارة، والاهتمام بالقيم الإسلامية الدافعة لتقدم المجتمع وعلى رأسها العلم والعمل والإخلاص فى العمل وإتقانه والنظام والنظافة وحماية المال العام والمحافظة على الوقت.
وعرض «خيرى» كذلك إلى عجز الخطاب الدينى عن الخروج إلى المحيط العالمى، فالواقع يقول إن الخطاب الدينى لا يزال مقصورًا على أفراده سواء كان وعظًا أو إرشادًا أو إجابة عن أسئلة واستفسارات الجمهور، كما أن الكثير من المؤسسات الصحفية الإعلامية التى ترفع شعار الإعلام الإسلامى، خطابها فى معظمه لا يزال داخليًا، لم تستطع أن تصل به إلى مرحلة الخطاب العام العالمى، وصحفها أشبه بنشرات داخلية تحاكى وتحاور نفسها، ولم تدرك مهمتها فى تكوين رأى عام ضاغط ومؤثر ومؤمن بأهدافها ورسالتها، عجزت عن إيجاد قواسم مشتركة ومد جسور مع الغير.
بالإضافة كما يقول «خيرى» عدم توافق الخطاب الدينى مع روح العصر، وفى هذا السياق يتفق العديد من الباحثين على أن غالبية المهتمين بالهم الإسلامى يعيشون خارج العصر ويهتمون بقضايا قديمة، ولكى يعيش المسلمون داخل العصر يجب أن ينشغلوا أولاً بقضاياه، كما أنه وفى كثير من الأحيان يكون الخطاب الدينى منفصلاً عن واقع الناس والحياة، وبذلك يكون الخطاب الدينى فى واد والناس فى واد آخر، وهنا نجد التركيز على أمور الآخرة وإغفال أعمال الدنيا بالعلم والعمل، والإسلام ليس للآخرة فقط فالقرآن يقول (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
والأخطر من وجهة نظر الباحث هو افتقاد الخطاب الدينى للوحدة الموضوعية وميله إلى الاتجاهات المذهبية، فالعالم الإسلامى يفتقد وحدة الخطاب المؤسس لثقافة إسلامية قادرة على توجيه الأمة توجيهًا سديدًا وقادرًا أيضًا على مواجهة إشكالية العجز فى مواجهة الإسلام للانتقادات التى صورته أنه دين للعبادة فقط، فالنظرة الأولى للخطاب الدينى ترى أن ثمة تعددية وتباينًا وتنوعًا فى وجهات النظر، التى ربما ترجع فى جزء منها إلى المنطلقات الفكرية التى تغلف هذا الخطاب الذى ينطلق من مدارس واتجاهات مختلفة اكتسبها صاحبها من خلال دراسته الجامعية أو اطلاعه الشخصى، ومن أهم أسباب تلك الظاهرة صعوبة اتفاق أصحاب هذا الخطاب على صيغة موحدة متجانسة تجمع كل مفرداته فى نسق متكامل، إلى جانب عدم رغبة أو قدرة أصحاب مفردات الخطاب الإسلامى على حجب خلافاتهم الفكرية أو الشخصية على الساحة الفكرية العامة، فانعكاس الخلافات المذهبية والفكرية والثقافية والصراعات السياسية المحلية والإقليمية والدولية على الخطاب الإسلامى فى مجمله، قد جعلته خطابًا مشتتًا متعارضًا متعدد الرؤى مفتقدًا للترابط والانسجام.
ويقول «خيرى» إن من الأمور الشائعة أيضًا فى الخطاب الدينى الميل إلى التشديد على الناس فى أمور دينهم، وظاهرة التشدد والغلو فى الدين مرفوضة، ويؤكد القرآن الكريم فى آيات كثيرة أن الإسلام دين يقوم على التيسير لا التعسير ومن ذلك قوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، بالإضافة إلى التركيز على الترهيب أو الوعيد، فيميل كثير من الدعاة إلى التركيز على أسلوب الترهيب والوعيد، وينصب حديثهم فى غالب الأحيان على ما ينتظر العباد يوم القيامة من عذاب مقيم فى نار جهنم، وما ينتظرهم قبل ذلك من عذاب متواصل فى القبر، ونادرًا ما يكون هناك حديث عن الجنة ونعيمها والثواب الجميل والأجر العظيم على ما يقدمه الإنسان فى حياته من عمل صالح لخير الناس، والمفروض أن يركز الدعاة على الترغيب والتبشير وغرس الأمل فى النفوس والاطمئنان فى القلوب، فالله رحيم بعباده وقد فتح باب الأمل على مصراعيه لكل الناس فى قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِى الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أنفسهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
ويضيف «خيرى» أن من السلبيات أيضًا، الغفلة عن مقاصد الشريعة والوقوف عند ظاهر النصوص وحروفها، والغفلة عن ترتيب الأولويات أو مراتب الواجبات الدينية، والغفلة عن دور العقل وأهمية العلم فى بناء التصور الإسلامى، وديمومة الحديث عن الماضى، والذهول عن الحاضر، والخوف من المستقبل، والخلل فى صياغة علاقة المسلمين بغيرهم، بالوقوع فى أخطاء تتمثل فى إقامة سور نفسى واجتماعى يحجز بين المسلمين وغيرهم، وفيما بين المسلمين أنفسهم، ما يحول دون تواصلهم مع الآخر وتواصلهم مع أنفسهم، وتأثر الخطاب الدينى الإسلامى بحالة التخلف التى يعيشها العالم الإسلامى، لدرجة أنه فى أحيان كثيرة يفقد المصداقية والفاعلية والتأثير، فيصبح نتيجة لذلك خطابًا سلبياً، ولا يعدو كونه لغوًا وكلامًا فى الهواء.
بينما يؤكد بعض آخر أن أهم سلبيات الخطاب الدينى المعاصر تتمثل فى القصور فى فهم جوهر الدين، وعدم توافق الخطاب الدينى مع روح العصر، والإدانة المستمرة للحضارة الغربية، والانفصال عن واقع الناس والحياة، وتجاهل أثر الزمان والمكان والأحوال فى الفتوى، والتركيز على بعض الشكليات، والنظرة المتدنية للمرأة.
إعادة قراءة نص القرآن فى ضوء الواقع لاستنباط الأحكام الشرعية
يضع «خيرى» أسسًا يجب أن يعتمد عليها الخطاب الإسلامى وأن يراعيها، وهى القرآن الكريم باعتباره المصدر الأول من مصادر التشريع، فالقرآن دستور هذه الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو كتاب الهداية، ويقول تعالى (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِى لِلَّتِى هِى أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)
بالإضافة إلى الاعتماد على السنة النبوية التى تعتبر المصدر الثانى من مصادر التشريع وهى شارحة للقرآن الكريم، ويقول تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
ويشدد «خيرى»، على أن الخطاب الدينى ينبغى أيضًا أن يعتمد على الفقه، لذا يجب ألا يكون همه ذكر الماضى فقط، وإنما يجب أن يوظف الماضى فى خدمة الحاضر والمستقبل ويواكب الأحداث التى نعيشها، ويبين الأحكام الشرعية فى كل منها مؤكدًا أن الخطاب الدينى يجب أن يعتمد على فهم عقلية وثقافة ونفسية المخاطبين، قال على «رضى الله عنه» (حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا مالًا يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله)، بالإضافة إلى الاجتهاد، والذى يعتبر من أهم المصادر التى بنى عليها الخطاب الدينى، وذلك لأنه يواجه قضايا جديدة معاصرة تحتاج إلى رأى الشرع وهذا الاجتهاد يجب أن يعتمد على ما سبق من الأسس الشرعية.
ويضع «خيرى» ضوابط واضحة وصريحة للخطاب الدينى الجيد، فيرى أن يكون القائم بالخطاب مقبولاً من جمهور المستمعين، وأن يكون متخصصًا قادرًا على الحوار والرد على الأسئلة وعلى تبسيط الأفكار، وأن يكون قادرًا على مخاطبة جمهور غير متجانس فيهم العالم والأمى، وأن يراعى طبيعة الجمهور المتلقى للخطاب.
وأن يجمع القائم بالخطاب بين فقه الشرع وفقه الواقع، حيث يجب أن يكون على دراية تامة بواقع المجتمع بإيجابياته وسلبياته وضوابطه، وأن يكون على دراية بمشكلات جمهور المخاطبين، من حيث جذورها وأسبابها وعواملها، وأساليب الشرع فى مواجهتها فلا قيمة للداعية إذا لم يكون قادرًا على تلبية حاجات الجمهور سواء من المعرفة والرد على الأسئلة، ومواجهة مشكلاتهم بأساليب واقعية قابلة للتنفيذ، ويجب أن يكون على تواصل مع أهل الخير ورجال الأعمال، حتى يوصل إليهم مشكلات الناس، وييسر لهم التواصل مع المحتاجين وحل مشكلاتهم.
وأن يكون القائم بالخطاب الدينى مطلعًا على آراء ونتائج مجامع الفقه الشرعى لمعرفة موقف الشرع من المستجدات الحضارية والاقتصادية والطبية وكافة القضايا والموضوعات المتجددة والمتغيرة، وأن يوضح الأحكام الشرعية لهذه المتغيرات الجديدة للجمهور، وأن يكون قادرًا على أن يكون مفيدًا للجمهور يقدم لهم حلولًا واقعية ويمكن تطبيقها.
ويلفت «خيرى» النظر إلى أنه يجب على القائم بالخطاب الدينى أن يكون أيضًا على وعى بجوانب من العلوم الاجتماعى مثل علم النفس والاجتماع والإنسان والاقتصاد، لأنه يمارس الخطاب فى مجتمع له خصائص ثقافية وعادات وتقاليد وأعراف وقيم وعلاقات متنوعة ومتشعبة، ولا بد أن يفهم جيدًا الواقع النفسى والاقتصادى والسلوكى والاجتماعى للمتلقين.
كما يشير «خيرى» إلى الخطاب الأصولى المعرفى الذى يلتزم بالنصوص القرآنية والسنة النبوية وينطلق من أصوله الثابتة، لذا يرى انه لا بد من إعادة قراءة نص القرآن مرة أخرى، فى ضوء الواقع والمتغيرات ويستفاد من هذا الخطاب فى كيفية استنباط الأحكام الشرعية وفقًا لمتغيرات العصر والقضايا التى لم يرد فيها نص، وان على المؤسسات الدينية الرسمية مثل الأزهر الشريف، ومنظمة المؤتمر الإسلامى، ورابطة العلماء فى أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا، أن توحد خطابها حتى يقوم بدوره الحقيقى فى شرح وبيان الإسلام الصافى النقى كما أنزل على الرسول الكريم، وأيضًا لا بد من تكون لجنة من كبار علماء المسلمين للتصدى والرد بطريقة علمية على الشبهات التى تثار حول الإسلام والمسلمين فى العالم كله وبمختلف اللغات.
ويرى «خيرى» أن هناك عوامل تسهم فى جعل الخطاب الدينى فاعلاً بدرجة كبيرة، ويجمل هذه العوامل فى انتقاء واختيار العناصر المؤهلة فى مجال الدعوة والإعلام الإسلامى، وانشغال الخطاب الدينى بتقويم السلوك العملى فى حياة المسلمين، ومراعاة الخطاب الدينى لطبيعة وتفكير ولغة المستقبل من الجمهور، والإعداد اللغوى والثقافى للقائم بتقديم الخطاب الدينى، واستعانة الخطاب الدينى بالتقنيات الحديثة، وإنتاج خطاب دينى يعى المستجدات العلمية والتكنولوجية التى تعد نتاجا مباشرا للعولمة.
وفى هذا الإطار يدعو إلى تبنى توجهات جديدة من شأنها أن تسهم فى تفعيل الخطاب الدينى، منها إعادة تأهيل الدعاة بما يواكب المتغيرات العصرية فى العالم ويجعلهم فاعلين فى الدفاع عن الإسلام، واستمرارية تدريب الدعاة بالطرق المستحدثة فى مجال التدريب التى تواكب مستجدات العصر، والاهتمام بالخطاب الدينى الموجه إلى الآخر وفق طبيعة هذه المجتمعات، وتوحيد الفتاوى الشرعية المقدمة من خلال الخطاب الدينى، وضرورة تبنى خطاب دينى أكثر تسامحًا، وتنمية الحس العام لدى الدعاة للوعى بالأحداث الجارية والقضايا المستحدثة لمعالجتها دينيا فى خدمة الدعوة والمجتمع.
فتح باب الاجتهاد وتطوير البرامج الدينية وإنشاء قنوات متخصصة أهم التوصيات
انتهت الرسالة التى أعدها الباحث «محمد خيرى»، إلى مجموعة من التوصيات والمقترحات المتعلقة بتجديد الخطاب الدينى ليتواكب مع العصر، أهمها فتح باب الاجتهاد مع وضع الضوابط الكفيلة بانجاز اجتهاد سليم لا يتناقض مع ثوابت الإسلام، وتقييم البرامج الدينية عن طريق التغذية الراجعة لمعرفة رأى الجمهور والتماس نقاط القوة والضعف فى البرامج المقدمة، واهتمام البرامج بالشباب وقضاياهم والعمل على توعيتهم بالمفاهيم والقيم الإسلامية فى شتى مجالات الحياة.
بالإضافة إلى طرح القضايا الدعوية والفكرية فى إطار حضارى إسلامى يهدف إلى تعميق وتأصيل الرؤية الإسلامية لقضايا التغير والتجديد، والتخطيط السليم للبرامج الدينية، وان يقوم بإعدادها وتقديها متخصصون فى العلوم الدينية، وتأهيل الكوادر المتخصصة بالبرامج الدينية تأهيل يساعدهم على التخطيط السليم لمثل هذه البرامج، بحيث لا تقتصر هذه البرامج على تناول موضوعات عقائدية أو تعبدية فقط، بل يشمل العقائدية والتعبدية والمعاملات والحدود والآداب والأخلاق الفكرية والثقافية.
كما طالب الباحث بإنشاء قنوات تليفزيونية دينية متخصصة يتم إذاعة برامجها بعده لغات أجنبية أخرى، وربط البرامج الدينية بقضايا الحياة واختيار العلماء الذين يحظون بثقة الجمهور وقبولهم ومناقشة القضايا المعاصرة.
ودعا إلى دراسة تجديد الخطاب الدينى فى وسائل الإعلام وعلاقته بالتوجهات والوعى الدينى للمراهقين، ودراسة الخطاب الدينى فى القنوات الفضائية الإسلامية، وتأثيره على المعرفة والمواقف والوعى الدينى للمراهقين، ودراسة دوره فى زيادة الدافعية الإيمانية لدى الشباب الجامعى المصرى.
كما أكدت الرسالة أهمية إجراء دراسة حالة حول تجديد الخطاب الدينى على قناة الأزهر الفضائية المصرية وأثرها على التوجهات الدينية للمراهقين، وكذلك على القنوات الفضائية المصرية والتأثير على المفاهيم الدينية للمراهقين، ودراسة العلاقة بين الخطاب الدينى بالفضائيات والتوجهات الدينية وأساليب التوافق مع الأفكار المغلوطة بين المراهقين والشباب.
وشدد «خيرى» على أهمية زيادة البرامج الدينية فى القنوات الفضائية المصرية والتى تسعى إلى تجديد الخطاب الدينى، وان يرتبط محتوى البرامج الدينية بالواقع المعاصر، الذى تعيش فيه المجتمعات الآن، ليلبى احتياجات الجمهور ورغباتهم الدينية، وأن يكون لأئمة المساجد دور أساسى فى تجديد الخطاب الدينى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.