الدعوة التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، أثناء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إلي «ثورة دينية» علي النصوص والمفاهيم الخاطئة التي ترسخت في أذهان الأمة الإسلامية، بعد انتقاده لأفكار تم تقديسها لمئات السنين قال إنها تسببت في معاداة العالم بأسره للإسلام والمسلمين، ومطالبته بضرورة تجديد الخطاب الديني ليتناغم مع العصر، طرحت الكثير من التساؤلات حول قدرة المؤسسات الدينية علي تجديد الخطاب الديني بشكل حقيقي، وآليات وضوابط هذا التجديد بعد سنوات من شيوع التفسيرات الخاطئة والتصرفات الشاذة التي تمارسها الجماعات المتشددة باسم الدين. علماء الأزهر يؤكدون أن التجديد يحتاج دعاة مخلصين، قادرين علي التواصل مع الجماهير، ولكن الأهم من ذلك أن يكون هؤلاء الدعاة قدوة للناس، بالأفعال وليس بالأقوال. وحدد العلماء ملامح تجديد الخطاب الديني في تناول القضايا المعاصرة وبيان الأحكام الشرعية في هذه القضايا، بالتركيز علي مكارم الأخلاق، والبعد عن الآراء الشاذة، والتأكيد علي توافق مصلحة الوطن مع الدين، فأينما تكون المصلحة فثم شرع الله وهذا يتطلب بيان الأحكام الشرعية بالفهم الصحيح لمقاصد الدين، والتصدي للفكر المنحرف. ملامح التجديد ويري الدكتور رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء، أن تجديد الخطاب الديني يكون في عدة جوانب، الأول : عناية الدعاة وعلماء الدين بالقضايا التي يريد الناس بيان الأحكام الشرعية فيها، فيتم تناول هذه القضايا من خلال الفهم الصحيح، وبالأسس التي يبني عليها التشريع الإسلامي، ومن هذه الأسس التيسير علي الناس، فالتشريع الإسلامي كله، أحد أسسه رفع الحرج والمشقة عن الناس في التكليف، وهذا الأساس بينته نصوص القرآن الكريم وأحاديث الرسول الكريم، فقال عز وجل ا وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍس وكذلك قوله تعالي :«يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ » وكما تقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: «ما خير رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ». والثاني: الاهتمام بالقضايا الجديدة في حياة الناس في الطب والاقتصاد والاجتماع وغيرها من القضايا، التي يريد الناس التعرف علي أحكامها الشرعية، كتنظيم الأسرة والتحكم في نوع الجنين والإخصاب الطبي المساعد، وعمليات التجميل والتبرع بالأعضاء، وغيرها من القضايا الجديدة، فيجب علي علماء الدين البيان المبني علي صحيح الفهم لمصادر التشريع الإسلامي من القرآن والسنة الثابتة وغيرهما من مصادر التشريع، وكل ذلك يحوطه التيسير الذي لا يبعد عن قواعد الدين ومقاصده وأصوله . التركيز علي مكارم الأخلاق أما الجانب الثالث فيتمثل في اهتمام الدعاة والأسرة ووسائل الإعلام ووزارة التربية والتعليم والثقافة، بتعميق معاني مكارم الأخلاق عند الناس، كالصدق في التعامل بينهم والدعوة إلي إتقان العمل، وأدائه علي الوجه الذي لا يكون فيه الإنسان مقصرا لو كان يؤديه لنفسه، والتعاون والتراحم، والبعد عن العنف والدعوة لتحصيل العلوم الدنيوية والتي علي أساسها يظهر تفوق الأمم والشعوب، فما تقدمت الأمم إلا بالعلم .وليلأة حرمة النفس الإنسانية والرابع يتمثل في بيان الكراهية الشديدة في الشرع الإسلامي، بل وفي كل الشرائع الإلهية لجرائم قتل النفس والاستيلاء علي أموال الناس، أو إتلافها أو الاعتداء علي الأعراض، والناحية الخامسة في تجديد الخطاب الديني تتمثل في أن يكون بيان الأحكام الشرعية باليسير من التعبير، الذي يسهل علي غالب الناس فهمه، وهو غير التعبيرات الموجودة في المؤلفات التراثية لعلماء الإسلام، التي تحتاج لعناية خاصة في فهم المراد منها، فلكل عصر أدوات التخاطب فيه المناسبة له. وأوضح الدكتور رأفت عثمان، أن المحور السادس في قضية تجديد الخطاب الديني، يتمثل في البعد عن نشر الآراء الشاذة التي نقلتها كتب التراث في بعض الأحيان، والمتسمة بالغلو في فهم النصوص والبعد عن مقاصد الشريعة، وهي علي قلتها بل وندرتها يولع البعض بالتقاطها ويجعلونها هي الأساس في بيان الأحكام، وهو ما يؤدي لوجود جيل من الشباب يري في هذه الآراء طريق السلوك السليم، مع أنها أبعد ما تكون عن هذا الطريق شرعا وعقلا. غياب الداعية القدوة من جانبه يري الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، أن تجديد الخطاب الديني ليس أمرا عاديا، وإنما قبل أن يتكلم من يمارس الخطاب الديني يجب عليه أولا أن يطبقه علي نفسه، فالعمل قبل القول، بمعني أن يتخذ المسئولون دعاة يطبقون علي أنفسهم الخطاب الديني ثم يطالبون الناس بذلك، فقبل أن يتكلم أو يكتب من يمارس الخطاب الديني، عليه أن يكون قدوة للناس، وذلك حتي يقتنع الناس بما يقول، ولابد أن يكون هذا الداعية صادق القول، وفيا في العمل، ويعمل علي استقرار وأمن الوطن، لكن المشكلة الكبري التي تواجه الخطاب الديني، تتمثل في غياب هذا الجانب، فلابد أن يكون هناك الداعية القدوة الذي يمثل نموذجا متميزا في الصدق والوفاء والإخلاص، والمسئولية هنا تقع علي عاتق جميع المسئولين عن الخطاب الديني، وضرورة أن تكون هناك كوادر قادرة علي توصيل هذه المفاهيم. ويشير إلي ضرورة مخاطبة الناس علي قدر عقولهم، وأن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن نعمم ولا نصرح بأسماء الذين نوجه إليهم النصح، كما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يفعل ذلك، فكان صلي الله عليه وسلم يقول في مثل هذه الأمور «فما بال أقوام»، كما أن التجديد لابد أن يكون في الأسلوب وفي المعالجة، لأن الرسول صلي الله عليه وسلم قال:« إن الله يبعث علي رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها»، وهذا التجديد لا يكون بتغيير الكلام، لأن الثوابت لا تتغير فالقرآن هو القرآن، والحديث هو الحديث، إنما التجديد يكون في أمور جدت وظواهر طفت علي سطح الحياة كالإرهاب والإلحاد، فهذه القضايا يجب أن نواجهها بالخطاب الديني المستنير، الذي لا عصبية فيه ولا عنصرية ولا غموض. فريضة حتمية ويؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن تجديد الخطاب الديني في هذه المرحلة الفارقة، يعد فريضة حتمية في ظل ما تتعرض لها المجتمعات الإسلامية من ممارسات وأفكار مغلوطة، تجري علي أرض الواقع، وتتمزق بها الأوطان الإسلامية من خلال فكر شيطاني آثم لا يرعي للدين حرمة، ولا يقدر قيمة النفس الإنسانية، التي منحها الله الحماية والحصانة، فحماية النفس من مقاصد الدين الإسلامي، ولا يستقيم بنيان المجتمعات بدون المحافظة علي النفس الإنسانية، وهذا يبين منظور هذا الدين الحنيف، وأنه جاء إكراما للبشر في كل زمان ومكان وقياما بمهمة عبادة الله سبحانه وتعالي، وعمارة الكون، وينبغي أن تتحدد ملامح الخطاب الديني في هذا الإطار، في أنه جاء تصحيحا لواجب عبادة الله سبحان وتعالي، وإصلاحا لنظام الكون وتكريما للإنسان، بغض النظر عن اختلاف الدين واللون والجنس واللغة. التعايش السلمي وقبول الآخر وأضاف: إن هذا الخطاب ينبغي أن يرتكز علي دعائم قبول الآخر المخالف، والتوحد علي الهدف وجمع الشمل وإعلاء المصلحة العامة، والانتماء للدين والوطن بلا تفرقة بينهما، لأن رفعة الدين لا تتم إلا من خلال وطن يكون للجميع، ومن هنا فإن هذا الخطاب ينبغي أن يتوجه نحو إزالة الالتباس والخصومة، لأن البعض يتفنن إثما وعدوانا علي إقامة قطيعة وخصومة بين الدين والوطن، وكأن علي المسلم أن يختار بين الدين أو الوطن، وكأن كلا منهما نقيض الآخر، ولابد أن يركز الخطاب الديني علي تصحيح هذه المفاهيم، لأنه من هذه المغالطات أن نجد الممارسات المأساوية التي تعيشها الأوطان الإسلامية، فالتنظيمات الإرهابية تتاجر بمفهوم الخلافة، من أجل تحقيق مغانم مادية والطمع في السلطة باسم الدين، وهناك الكثير من الشباب الذي ينخدع بهذه الأفكار المغلوطة.