قال شوقي علام مفتي الجمهورية إن قبل تجديد الخطاب الديني، لا بد من بيان الفرق بين الإصلاح والتجديد فى الخطاب الدينى؛ فالإصلاح يفترض نقصاً ما فى الواقع، وقد يصل هذا النقص إلى درجة الخلل وهذا يستلزم شيئاً من الهدم وإعادة البناء، ولذلك فإن الإصلاح يقتضى أيضاً عدم التسليم بالموروث واعتبار أن خطأً ما قد وقع عند السابقين فهماً أو تطبيقاً أو هما معاً، وهذا هو المبرر والمصوغ لعملية الهدم والشروع فى بناء جديد ينهى النقص القائم، لذا فهذا الأمر بعيد عن المقصد المرجو فى الخطاب الدينى.أما التجديد الذى نقصد فيتمثل فى عملية إضافة جديدة لا تأتى على القديم بالهدم أو البطلان بل تُضيف الجديد الذى يحتاجه العصر، وموقفها من القديم مبنى على فكرة القائم بواجب الوقت، وأن السابقين قد قاموا بواجب وقتهم بناءً على مقتضيات حياتهم وأزمانهم وأنهم حققوا نجاحات، وأن لكل عصر واجباً يختلف عن واجب العصور السابقة، ولذلك فمع احترامنا للموروث فإننا لا نقف عنده ولا نقف ضده، بل نحترمه ونضيف إليه ونعيد صياغة مناهجه بصورة تتسق مع ما أضفناه من مناهج جديدة أيضاً، وهذا مبنى على فكرة التفريق بين المسائل والفروع والمناهج. وأكد، جاءت الشريعة الإسلامية بمدح التجديد، وبيان أهميته، بل إن نصوص الشرع الشريف نفسها تؤكد ذلك المعنى، فتارة يحدثنا الشرع الشريف عن التجديد باعتباره أمراً واجب التنفيذ، ويحث عليه المسلمين، وذلك فى مقام الإيمان، فإن الإيمان نفسه يبلى ويخلق ويحتاج إلى أن يجدد فى قلوب الموحدين، وذلك فى قول النبى لأصحابه: «جددوا إيمانكم»، قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا؟ قال: «أكثروا من قول لا إله إلا الله»، فالخطاب الإسلامى هو الخطاب الذى يستند إلى مرجعية إسلامية من أصول دين الإسلام: القرآن والسنة، وما يشهد له هذان الأصلان من الأدلة الشرعية بالاعتبار. وعن خشية البعض من إطلاق مصطلح التجديد خشية الاتهام بأنه يريد تجديد الأصول المراد بها القرآن والسنة أو إساءة فهمه، قال علام إن الأمر ليس بهذه الصورة، إننا نقصد من التجديد هو الوصول إلى خطاب إسلامى صحيح من أى شائبة، خطاب مستمَد من قيم القرآن والسنة، هذا الخطاب لا بد أن تكون له مقوماته السامية وآثاره العميقة فى النفوس ومكانته الراسخة فى القلوب ومنزلته التى تهز المشاعر وتحرك العواطف نحو الخير متى كان مستمداً من القرآن الكريم وسنة النبى، أما إذا خالط الخطاب الدينى الكذب فى ألفاظه أو فى فتاواه أو فى تفسيره للنصوص الشرعية أو غيرها كانت مصائبه كبيرة وفتنته أليمة؛ لأنه يؤدى إلى اضطراب الأمور وإلى وضعها فى غير مواضعها السليمة، وإلى تحويل الحق إلى باطل، والخير إلى شر، والعدل إلى ظلم، فالتجديد يجب أن يكون قائماً على الاعتدال والتوسط، الذى هو منهج الأزهر الشريف، ويقصد بالاعتدال والتوسط أن المتحدث بالخطاب الدينى عليه أن يتجنب الإسراف فى فتح باب الأمل فى النجاح وفى النصر ولو دون عمل، كما أن عليه أن يتجنب فتح باب اليأس والقنوط حتى مع العمل، وإنما المتحدث الحكيم العاقل عليه أن يكون ملتزماً بالاعتدال والوسطية فى خطابه؛ لأن شريعة الإسلام تقوم على هذا التوسط والاعتدال فى كل أحكامها وآدابها وتشريعاتها ومعاملاتها. وتابع نأمل فى خطاب دينى يشتمل على الوصايا العشر فى قول الله تعالى: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»، فهذا الخطاب ستكون له آثاره الطيبة، وثماره الحسنة التى تجعل أبناء الأمة يصلحون ولا يفسدون، ويبنون ولا يهدمون، ويجمعون ولا يفرقون، ويتعاونون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. كما أن الخطاب الدينى الحكيم الذى نأمله هو الذى يراعى فيه المتكلم والكاتب والداعية أحوال المتلقين، فإذا كانوا فى حالة سرور ونعمة ساق لهم من الآيات والأحاديث ما يدعوهم للحفاظ عليها، وإن نزلت بهم المصائب والأحزان والمتاعب الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرهما ركز حديثه أو كتابته على العلاج الناجع والدواء السليم الذى من شأنه أن يعمل على تخفيف تلك المصائب أو إزالتها، وبما يعينهم على أمر دينهم ودنياهم. كما أوضح ضرورة، توافر مجموعة من الشروط فى المضطلعين بهذا الأمر تعينهم على توصيل رسالتهم، يأتى فى مقدمتها الإخلاص لله وابتغاء الأجر منه سبحانه وتعالى، كما أنه لا مناص من توافر العلم اللازم لذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، ملتزماً بالأسلوب الأمثل وهو الحكمة والموعظة الحسنة، والصبر والتحمل لما قد يلحقه، لأن الطريق ليست بالهينة، يواجه فيها بعضاً من المشاكل والمتاعب فالصبر الصبر، كل هذا فى إطار من الرحمة للناس تكون شعاراً له يتمثل به أثناء سيره فى هذا الدعوة إلى الله تعالى، جاعلاً من نفسه القدوة الحسنة فهى أبلغ صور التبليغ. وردا على اتهامات البعض للمؤسسات الدينية بأنها غير قادرة على تجديد الخطاب الدينى، قال إذا كانت المؤسسات الدينية التى تمتلك المنهج الصحيح والعلم الراسخ والعلماء الأثبات ليست قادرة على القيام بواجب تجديد الخطاب الدينى فمن إذاً تكون لديه القدرة على حمل راية التجديد، خاصة أن التجديد لا يقوم على نظرة أحادية أو فرد بعينه، هو يحتاج إلى رؤية جامعة، وهذه الرؤية تتوافر لدى المؤسسات الدينية، فالتجديد لا بد أن تضطلع به تلك المؤسسات لامتلاكها الطاقات البشرية والعلمية القادرة على هذا الأمر، بالإضافة إلى المنهج والعلم أيضاً.