حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفتي الجمهورية في حوار حول تجديد الخطاب الديني : لا نمتلك محاكم تفتيش

الأوضاع والتطورات السياسية في تونس محط أنظار العالم باعتبارها إحدى الدول التي مرت بها ثورات الربيع العربي.
لقراءة الوضع في تونس لن نجد أفضل من وداد بوشماوي رئيس الاتحاد التونسي للتجارة والصناعة وأحد الرباعي الذي حصل على جائزة نوبل للسلام مؤخرا وللتعرف على التطورات الأخيرة في تونس ورؤيتها للمشهد هناك كان معها هذا الحوار.
يفرق الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية بين حرية التعبير وبين التطاول، وبين النقد البناء وبين القدح في الأشخاص والمؤسسات، يضع الحد الفاصل بين التجديد والتخريب.
يؤكد في حواره ل«بوابة أخبار اليوم» أن لكل عصر واجبا وأن الفقهاء السابقين أدوا ما عليهم بنجاح طبقا لظروف عصرهم ولا يجب الوقوف عندهم أو ضدهم.
يشدد على أن الفكر يجب ألا يتحول للاستهانة بمعتقدات الناس أو المساس بالأديان..يحذر من مشكلة تجاوزت حد الأزمة إلى الكارثة مطالبا بتضافر الجهود لحلها بعد أن وصل عدد ضحاياها لثلاثة ملايين فرد وهى «أطفال الشوارع»..يضع أيدينا على مفتاح التقدم متمثلا في البحث العلمي ، مؤكدا أن أية دولة دون بحث علمي «جسد ميت»..
القانون لا يحجر على الآراء لكنه يمنع التطاول
التجديد يلتزم بالاعتدال ولا يحول الحق لباطل ولا العدل لظلم
تجديد الخطاب الديني أصبح مدخلاً لهدم الدين والتجني على الإسلام.. نريد من فضيلتكم توضيح ما تعنيه كلمة تجديد؟
في البداية لابد من بيان الفرق بين الإصلاح والتجديد في الخطاب الديني، فالإصلاح يفترض نقصًا ما في الواقع، وقد يصل هذا النقص إلى درجة الخلل وهذا يستلزم شيئًا من الهدم وإعادة البناء، ولذلك فإن الإصلاح يقتضى أيضًا عدم التسليم بالموروث واعتبار أن خطأ ما قد وقع عند السابقين فهمًا أو تطبيقًا أو هما معًا، وهذا هو المبرر والمسوغ لعملية الهدم والشروع في بناء جديد ينهى النقص القائم، لذا فهذا الأمر بعيد عن المقصد المرجو في الخطاب الديني.
أما التجديد الذي نقصده فيتمثل في عملية إضافة جديدة لا تأتي على القديم بالهدم أو البطلان بل تُضيف الجديد الذي يحتاجه العصر، وموقفها من القديم مبنى على فكرة القائم بواجب الوقت، وإن السابقين قد قاموا بواجب وقتهم بناءً على مقتضيات حياتهم وأزمانهم وأنهم حققوا نجاحات، وأن لكل عصر واجبا يختلف عن واجب العصور السابقة، ولذلك فمع احترامنا للموروث إلا أننا لا نقف عنده ولا نقف ضده، بل نحترمه ونضيف إليه ونعيد صياغة مناهجه بصورة تتسق مع ما أضفناه من مناهج جديدة أيضًا، وهذا مبنى على فكرة التفريق بين المسائل والفروع والمناهج.
ضرورة التجديد
وهل يوجد في الشريعة الإسلامية ما يؤكد ضرورة التجديد؟
نعم.. فلقد جاءت الشريعة الإسلامية بمدح التجديد، وبيان أهميته، بل إن نصوص الشرع الشريف نفسها تؤكد ذلك المعنى، فتارة يحدثنا الشرع الشريف عن التجديد باعتباره أمرًا واجب التنفيذ، ويحث عليه المسلمين، وذلك فى مقام الإيمان، فإن الإيمان نفسه يبلى ويخلق ويحتاج إلى أن يجدد في قلوب الموحدين، وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «جددوا إيمانكم»، قيل يا رسول الله: وكيف نجدد إيماننا؟ قال: «أكثروا من قول لا إله إلا الله»، فالخطاب الإسلامي هو الخطاب الذي يستند إلى مرجعية إسلامية من أصول دين الإسلام: القرآن والسنة، وما يشهد له هذان الأصلان من الأدلة الشرعية بالاعتبار.
إساءة فهم
البعض يخشى من إطلاق مصطلح التجديد خشية الاتهام بأنه يريد تجديد الأصول المراد بها القرآن والسنة أو إساءة فهمه؟
الأمر ليس بهذه الصورة، إننا نقصد من التجديد الوصول إلى خطاب إسلامي صحيح من أي شائبة، خطاب إسلامي صحيح مستمَد من قيم القرآن والسنة، هذا الخطاب لا بد أن تكون له مقوماته السامية وآثاره العميقة في النفوس ومكانته الراسخة في القلوب ومنزلته التي تهز المشاعر وتحرك العواطف نحو الخير متى كان مستمدًّا من القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا خالط الخطاب الديني الكذب في ألفاظه أو في فتاواه أو في تفسيره للنصوص الشرعية أو غيرها كانت مصائبه كبيرة وفتنته أليمة، لأنه يؤدي إلى اضطراب الأمور وإلى وضعها في غير مواضعها السليمة وإلى تحويل الحق إلى باطل والخير إلى شر والعدل إلى ظلم، فالتجديد يجب أن يكون قائمًا على الاعتدال والتوسط، الذي هو منهج الأزهر الشريف، ويقصد بالاعتدال والتوسط أن المتحدث بالخطاب الديني عليه أن يتجنب الإسراف في فتح باب الأمل في النجاح وفى النصر ولو دون عمل، كما أن عليه أن يتجنب فتح باب اليأس والقنوط حتى مع العمل، وإنما المتحدث الحكيم العاقل عليه أن يكون ملتزمًا بالاعتدال والوسطية في خطابه، لأن شريعة الإسلام تقوم على هذا التوسط والاعتدال في كل أحكامها وآدابها وتشريعاتها ومعاملاتها.
وهل هناك صورة بعينها يمكن أن نقول إنها هي التي يجب أن يكون عليها الخطاب الدينى بعد تجديده؟ أو هى الشكل المأمول لهذا الخطاب؟
نأمل فى خطاب دينى يشتمل على الوصايا العشر فى قول الله تعالى: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَ'لِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»، فهذا الخطاب ستكون له آثاره الطيبة، وثماره الحسنة التي تجعل أبناء الأمة يصلحون ولا يفسدون، ويبنون ولا يهدمون، ويجمعون ولا يفرقون، ويتعاونون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
كما أن الخطاب الديني الحكيم الذي نأمله هو الذي يراعى فيه المتكلم والكاتب والداعية أحوال المتلقين، فإذا كانوا في حالة سرور ونعمة ساق لهم من الآيات والأحاديث ما يدعوهم للحفاظ عليها، وإن نزلت بهم المصائب والأحزان والمتاعب الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرهما ركز حديثه أو كتابته على العلاج الناجع والدواء السليم الذي من شأنه أن يعمل على تخفيف تلك المصائب أو إزالتها، وبما يعينهم على أمر دينهم ودنياهم.
ضوابط التجديد
ما ضوابط التجديد وما مؤهلات الشخص الذي يستطيع أن نصفه بأنه مجدد؟
لا بد من توافر مجموعة من الشروط في المضطلعين بهذا الأمر تعينهم على توصيل رسالتهم، يأتي في مقدمتها الإخلاص لله وابتغاء الأجر منه سبحانه وتعالى، كما أنه لا مناص من توافر العلم اللازم لذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، ملتزمًا بالأسلوب الأمثل وهو الحكمة والموعظة الحسنة، والصبر والتحمل لما قد يلحقه، لأن الطريق ليست بالهينة، يواجه فيها بعضًا من المشاكل والمتاعب فالصبر الصبر، كل هذا فى إطار من الرحمة للناس تكون شعارًا له يتمثل به أثناء سيره في هذا الدعوة إلى الله تعالى، جاعلاً من نفسه القدوة الحسنة فهي أبلغ صور التبليغ.
يتهم البعض المؤسسات الدينية بأنها غير قادرة على تجديد الخطاب الديني فما ردكم؟
إذا كانت المؤسسات الدينية التى تمتلك المنهج الصحيح والعلم الراسخ والعلماء الإثبات ليست قادرة على القيام بواجب تجديد الخطاب الدينى فمن إذًا يكون لديه القدرة على حمل راية التجديد، خاصة أن التجديد لا يقوم على نظرة أحادية أو فرد بعينه، هو يحتاج إلى رؤية جامعة، وهذه الرؤية تتوافر لدى المؤسسات الدينية، فالتجديد لا بد أن تضطلع به تلك المؤسسات لامتلاكها الطاقات البشرية والعلمية القادرة على هذا الأمر بالإضافة إلى المنهج والعلم أيضًا.
عندما يدين القضاء أحدًا فيما يتعلق بشأن ديني كازدراء الدين تصوب السهام نحو الأزهر فما ضوابط حرية الفكر والتعبير؟ وكيف يمكن التعامل مع هؤلاء؟
النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى حرية التفكير ورفض أن يكون المسلم مقلدًا بل مبدعًا فقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا»، لكن يجب ألا يتحول الفكر إلى الاستهانة بمعتقدات الناس، فإذا كانت الدساتير والقوانين حفظت للإنسان حرية الفكر والإبداع فهى أيضًا ضمنت للناس احترام معتقداتهم وكذا المعاهدات والمواثيق الدولية، أما فكرة أن يستغل حق حرية التفكير في المساس بالدين بالتسفيه والازدراء أو المساس برموزه ومعتقداته فهذا أمر مرفوض ويخرج عن دائرة الحرية إلى التطاول، وبالتالى ليس من حق أحد يخرج بدعوى حرية الفكر أن ينال أو يسىء إلى الدين ورموزه ومؤسساته، فالحرية محكومة بحدود لا يجب أن تتخطاها، والفكر قبل أن يكون منهجًا قيميا فهو منهج علمي، لأن الأمور تحكمها قواعد حاكمة لا يجب تجاوزها، ومن الشطط أن يتحول الفكر الذي يبني الحضارات ويوحد الأمم ويحارب الأفكار الهدامة والمتطرفة إلى معول هدم، وأن يدعو إلى التسفيه والازدراء.
أما ازدراء الأديان فهو مجرَّم في الدساتير سواء بصورته الصريحة أو تحت مسمى جرائم الاضطهاد ونشر الكراهية، لأنه خرج عن دائرة الفكر إلى التطاول على الآخرين ومعتقداتهم، والعقوبة المترتبة عليه ليست عقوبة دينية إنما عقوبة قانونية شرَّعها الدستور والقانون الحاكم للأمة، مثلها مثل أي جريمة في القانون وعقوبتها مثل أي عقوبة في القانون، ولا يجب الخلط فى هذا الأمر، وأنا ضد المصطلحات التي تخرج تصف الأمر على أنه محاكم تفتيش أو أن الدستور والقانون يحجران على آراء الناس وأفكارهم، فهذه كلها مغالطات، ويجب الفصل بين حرية الفكر والتعبير المبنى على أسس منهجية وعلمية سليمة ولا تنال من شخص أحد أو معتقده وبين التطاول الذي يفتقد إلى أي منهج علمي سليم وينال من الأشخاص والمقدسات.
أهواء مريضة.
هناك أحاديث نبوية كثيرة يتخذها البعض مطية لمهاجمة كتب التراث وأئمة الحديث وعلماء الأمة ويطالبون بتنقية كتب الحديث منها ومن بينها: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة» و«جئتم بالذبح» فما حقيقة ذلك؟
هذه كلها أباطيل يروجها أصحاب النفوس الضعيفة والأهواء المريضة للنيل من ثوابت الدين، فحديث رسول صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة» هو حديث صحيح لكنه جاء مبينًا لوسيلة حماية الدعوة عند التعدي عليها أو التعدي على المسلمين، وليس للعدوان على الآخرين المسالمين الذين لا يتعرضون لنا بأذى، وكذلك حديث «لقد جئتم بالذبح» ليس المراد به المعنى الحقيقي للذبح وإنما المقصود به معنى مجازى هو التهديد، ودعني أقول إن القراءة الخاطئة لهذه الأحاديث من قبل المتربصين بالإسلام والمسلمين لا تختلف كثيرًا عن تلك القراءة السيئة من قبل جماعات العنف، التي جعلت من تلك الأحاديث- بقراءتهم القاصرة لها- مبررًا للعنف والقتل والإرهاب، فهؤلاء وأن اختلفت وسيلتهم إلا أنهما يعملان لتشويه صورة الإسلام، وإزالة أهم صفة تميزه وهى السماحة وقبول الآخر وكراهية العنف، لذا يجب ألا ينساق العامة وراء تلك التفسيرات المشوهة لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مصر ترسم حاليًا مستقبلها خاصة بعد اكتمال خارطة الطريق ومن وجهة نظر فضيلتكم ما أولويات العمل الوطني في الفترة القادمة؟ وهل هناك مشروع وطني يجب الالتفات حوله؟
البحث العلمي هو روح المجتمع وأي دولة بدون البحث العلمى تكون جسدًا ميتًا، فهو قضية حياة أو موت، نجاح أو فشل، بداية صحيحة أو بداية خطأ، ونحن نريد أن نصل إلى هدفنا من أقرب طريق وبأقل جهد وتكلفة، وذلك لن يكون إلا بالبحث العلمى، وبما أننا اليوم نبنى مجتمعًا جديدًا ونبدأ عهدًا جديدًا، علينا أن نُرجع مصر إلى سابق عهدها، فلا بد أن نعود روادًا كما كنا على مدار التاريخ، هذا الريادة لا بد أن تتمثل فيما نعمله اليوم من أهمية إدخال البحث العلمي والتأكيد عليه وتشجيعه وحمايته فى الدستور الجديد كجزء لا يتجزأ من رؤية المجتمع لحاضره ومستقبله، فدون هذه الرؤية نكون مقلدين لدساتير العالم ولا بد من إضافة، إننا سنكون روادًا فيه، لأن الدساتير أشارت إلى البحث العلمى على استحياء، ولكننا نريد أن يكون للبحث العلمى لمصر مكان مكين فى دستورنا الجديد، لأنه روح باقى المجالات، وهو قاطرة التنمية والطريق نحو مستقبل أفضل.
الفقر والبطالة
الفقر والبطالة وأطفال الشوارع والعشوائيات مشكلات تنخر فى جسد المجتمع.. كيف يمكن القضاء على هذه المظاهر السلبية؟
بالفعل هذه تحديات تواجه مصر وتهدد مستقبلها، وبالتالى من أجل التغلب عليها لا بد من إشاعة ثقافة الأمل والعمل من أجل تخطى المرحلة الراهنة، لأن مشكلة أطفال الشوارع هى أزمة وطن، وهى بمثابة قنبلة موقوتة وجاهزة للانفجار فى أى وقت، كما أنها مصدر لكثير من مشكلات وأزمات الوطن فى الوقت الحالى، نحن بالفعل أمام مصيبة تجاوزت حد المشكلة ودخلت فى حد ما يسمى بالكارثة وأنه ينبغى علينا أن نضع خططاً بما يتواءم مع هذه الكارثة ونبتدع من الأساليب ما نحل به المشكلة على أرض الواقع، فقد وصل عدد ضحايا هذه الظاهرة إلى ما يقرب من 3 ملايين فرد ونحن نحتاج إلى تعاون كافة مؤسسات الدولة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة من حكومة لمواطنين لمجتمع مدنى وإعلام، لا يكفى أن نجد حلاًّ لهذه المشكلة المزمنة بل لا بد أيضًا من تجفيف منابع هذه الظاهرة الخطيرة ومن بينها مشكلة التسرب من التعليم، أما مشكلة العشوائيات فقد نشأت مع الثورة الصناعية فى أوروبا، لذا لا بد من الاستفادة من تجارب الغير فى مواجهة الظاهرة، لأن المشكلة أكبر مما نتصور ويجب أن يقوم المجتمع المدنى بدور واضح لحلها بجانب الحكومة، ومشكلة البطالة أيضًا أصبحت تمثل عائقًا تنمويًّا كبيرًا وسببًا فى تهديد واستقرار الدول، كل هذه المشاكل لا بد أن تقابل بالجد والاجتهاد والعمل، والتسلح بالعلم والبحث العلمى القادر على تشخيص الداء وتقديم العلاج الناجع، وكما قلنا لا بد من إشاعة ثقافة الأمل والعمل بين الناس.
كيف يمكن نشر مبدأ الوسطية فى المجتمعات الإسلامية؟
يحدث ذلك عندما يستمع الجميع إلى المنهج الوسطى والمعتدل الذى يتصف به الإسلام، لأن الغلو والتطرف والتشدد ليست من طباع المسلم الحقيقى المتسامح المنشرح الصدر، ولا من خواص أمة الإسلام بحال من الأحوال، ومنهج الدعوة إلى الله يقوم على الرفق واللين، والتوازن والاعتدال والتوسط والتيسير ويرفض الغلظة والعنف فى التوجيه والتعبير، ومن خطورة التطرف والتشدد أنه تسبب فى تدمير بنى شامخة فى حضارات كبرى، وهو بكل أشكاله غريب عن الإسلام الذى يقوم على الاعتدال والتسامح، ولا يمكن لإنسان أنار الله قلبه أن يكون مغاليًا متطرفًا ولا متشددًا، ولكى نبتعد عن الخلافات والانشقاق لا بد من جلوس كل التيارات والقوى للحوار وبحث وتدارس القضايا التى تنهض بالأمة، حتى نستطيع توحيد الكلمة وتحقيق صالح البلاد والعباد، والوصول إلى مشترك فكرى يمكن فى إطاره إدارة الحوار البناء الذي ينهض بالبلاد والعباد حتى نتجاوز ما هو مختلف فيه، وضمان وجود السلام الاجتماعي الذي في ظله ينعم الجميع بحياة آمنة.
ثقافة الاختلاف
هل نعاني من قلة في ثقافة الاختلاف مع الآخر..وهل من شروط لنجاح الحوار مع الآخر؟
الشريعة الإسلامية أجازت للمسلم في الأمور الاجتهادية أن يتبع فيها أيًّا من المذاهب ما دامت هذه الاجتهادات صدرت من علماء وفقهاء لهم حق الاجتهاد، واختلاف الفقهاء فى المسائل غير القطعية التي يسوغ فيها الخلاف من رحمة الله بهذه الأمة، وهذا ليس جديدًا أو ابتداعًا لعصرنا، بل حدث بين الصحابة رضوان الله عليهم وبين التابعين من بعدهم ولم ينكر أحد على أحد. وعلماء الأمة على مر العصور نظروا إلى الاختلاف على أنه توسعة من الله ورحمة منه بعباده غير القادرين على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها بأنفسهم، وهذه النظرة قائمة على إدراك العلماء أن السعة في التشريع مقترنة باليسر وهما مقترنان بالرحمة، واليسر مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية. ولقد وضع العلماء مجموعة من الضوابط والشروط لكى يكون هذا الاختلاف مقبولاً، أهمها ألا يؤدى الخلاف إلى مخالفة سنة ثابتة، وألا يؤدى إلى خرق الإجماع، وأن يكون الجمع بين المذاهب والأقوال فيه ممكنًا، وألا يوقع الخلاف في خلاف آخر. كما أن الفقه الإسلامى ليس فيه كهنوتا يسمح لمن يشتغل به أن يكره الناس على رأيه، وفقهاء الأمة العظام كانوا يدركون ذلك ولم يحدث مطلقًا أن اعتبروا أنفسهم أصحاب الرأي الأوحد الصواب، فهذا هو أحمد بن حنبل يقول: «لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ويشتد عليهم» والإمام الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب»، وبناءً عليه لا يصح وصف من يختلفون معنا في الرأي أو الاجتهاد بالخطأ أو الابتداع والفسق والضلال، فوصف المخالف بذلك فيه خطورة على وحدة الأمة واتباع للأهواء التى تفرق ولا تجمع.. وبالتالي لا يجوز للمسلم الإنكار على أخيه وإحداث الفرقة بين المسلمين فى المسائل الفرعية الخلافية، لا سيما وأن هناك مَن قال بها من العلماء المعتبرين، وعلى المسلمين أن يجتمعوا على المتفق عليه ولا يفرقهم المختلف فيه.
فى ظل تعدد جهات الفتوى وما يحدث فى الفضائيات من سيل فتاوى هل اهتزت دار الافتاء؟
دار الافتاء المصرية مؤسسة راسخة انشئت عام 1895 وتولى الافتاء فيها عبر القرون خيرة العلماء ولها طريق واضح محدد فيما يتعلق بمصادرها وطرق البحث وشروطه كما انها صاحبة عقلية علمية عبر هذه الفترة وما قبلها لها جذور فى التاريخ ولها خبرة إدراك الواقع لذا فدار الافتاء المصرية لا يمكن أن تهتز لاتباعها منهجا وسطيا ولانها مؤسسة لديها قدرة على إدراك مصالح الناس فى مقاصد الشرع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.