محافظ الإسكندرية يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي (صور)    آخر تحديث لسعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري.. وصل لكام؟    «التضامن»: ضم فئات جديدة لمعاش تكافل وكرامة قبل نهاية سبتمبر المقبل    تفاصيل أعلى عائد على شهادات الادخار 2024 في مصر    البيت الأبيض: لا نريد احتلالا إسرائيليا لقطاع غزة    عاجل.. لحظة اغتيال القيادي بحماس شرحبيل السيد في قصف إسرائيلي    إحالة 12 متهما من جماعة الإخوان في تونس إلى القضاء بتهمة التآمر على أمن الدولة    رئيس مجلس الدولة: الانتخابات الحالية بداية جديدة للنادي    كرة يد.. الأهلي 26-25 الزمالك.. القمة الأولى في نهائي الدوري (فيديو)    طقس ال72 ساعة المقبلة.. «الأرصاد» تحذر من 3 ظواهر جوية    التصريح بدفن جثة تلميذ غرق بمياه النيل في سوهاج    شيرين تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: «أستاذ الكوميديا اللي علم الناس الضحك»    أشرف غريب يكتب: أحد العظماء الخمسة وإن اختلف عنهم عادل إمام.. نجم الشباك الأخير    الاستعدادات الأخيرة ل ريم سامي قبل حفل زفافها الليلة (صور)    النيابة تأمر بانتداب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق قرية «الحسامدة» في سوهاج    جداول قطارات المصيف من القاهرة للإسكندرية ومرسى مطروح - 12 صورة بمواعيد الرحلات وأرقام القطارت    وزير الاتصالات يبحث مع سفير التشيك تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي    أوكرانيا تسعى جاهدة لوقف التوغل الروسي فى عمق جبهة خاركيف الجديدة    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    بعد غلق دام عامين.. الحياة تعود من جديد لمتحف كفافيس في الإسكندرية (صور)    طيران الاحتلال يغتال القيادي بحماس في لبنان شرحبيل السيد «أبو عمرو» بقصف مركبة    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    مدير إدارة المستشفيات بالشرقية يتفقد سير العمل بمستشفى فاقوس    حسام موافي يوضح أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلاح    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    عمر الشناوي حفيد النجم الكبير كمال الشناوي في «واحد من الناس».. الأحد المقبل    عمرو يوسف يحتفل بتحقيق «شقو» 70 مليون جنيه    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    الوضع الكارثى بكليات الحقوق    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي    رئيس جهاز دمياط الجديدة يستقبل لجنة تقييم مسابقة أفضل مدينة بالهيئة للعام الحالي    «تقدر في 10 أيام».. موعد مراجعات الثانوية العامة في مطروح    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    مساندة الخطيب تمنح الثقة    أحمد السقا: يوم ما أموت هموت قدام الكاميرا    فريق قسطرة القلب ب«الإسماعيلية الطبي» يحصد المركز الأول في مؤتمر بألمانيا    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حواديت قبطية.. ليلة عيد الميلاد
نشر في الوفد يوم 06 - 01 - 2018

فى البداية لابد أن اعترف أننى حينما فكرت فى كتابة موضوع مختلف عن ليلة عيد ميلاد السيد المسيح، كان يملئنى الشعور بالزهو والاختلاف بأننى صاحبة الرصيد الأكبر من الذكريات الحميمة واللحظات الانسانية الفريدة برفقاء الحياة من المسيحيين فى الدراسة والعمل وقعدات مقاهى وسط البلد، وأننى حتى ولو كنت سأفتش بين قصاقيص الذكريات التى يمتلكها من حولى من مسلمين ومسيحيين وعلاقتهم فيما بينهم فلن تصل إلى جعبة ذكرياتى الممتلئة والقابعة طوال الوقت بجوارى أفتحها كلما مر بالوطن ريح ضبابية تريد ان تقتلع الثابت والمتجذر بينى وبينهم فاسترجع ما فيها وأرتبه بعدد سنوات عمرى الخمسين فيطمئن قلبى ان هذا الوطن مصر لن ينقسم أبدًا.
ولكننى كلما استمعت إلى من وافقوا على فتح قلوبهم لى واستجابتهم السريعة بأن يشاركوا فى هذا التحقيق ببعض من ذكرياتهم، ربما ليأكدوا لأنفسهم قبل أن يؤكدوا لى أنهم مثلى أتوا إلى حاملين حقائب الذكريات ممتلئة عن آخرها، مؤمنيين مثلى بأنها سلاحنا الحقيقى صنعناه بأعمارنا من لحم ودم ضد عدونا الارهابى الحقير الذى يريد ان يفرق بيننا.. أتوارى خجلًا وأشعر أن ماكنت اعتبره مختلف ومغاير فى حياتى، يمارسه الآخرون من حولى فى طقس عادى وهادئ كهدوء النيل ومنذ سنوات بعيدة، بطمأنينة وثقة وتفاؤل بالوطن والشريك سواء كان قبطى مسلم فى عيون القبطى المسيحى أو قبطى مسيحى فى عيون القبطى المسلم.
وأننى مجرد قصوصة ذكريات صغيرة من بين آلاف القصاقيص الجميلة التى كونت مع مئات السنيين شال ضخم بلون الخضرة مفعم برائحة الطين والنيل يتلفح به الوطن ملتمسًا الدفء كلما أشتد صقيع الارهاب ودنائته.
" الفاتحة فى المسجد الاقصى "
يملك المهندس ناجى ألفونس صادق والذى يدير أحدى الشركات الكبرى للأجهزة الطبية رافضًا ان أنشر صورته فى التحقيق وأن أكتفى باسمه وذكرياته فقط، جينات العبقرية المصرية المقطرة من التسامح والتجاوز الحضارى والانسانى لكل ماهو مختلف عن قناعاته وأفكاره معتبرًا أن الوطن مصر بأهله دون غيره من البلاد والعباد مروحة حضارية تحمل ألوان قوس قزح السبعة وهو الذى لف ودار بين أركان الدنيا الأربعة بحكم عمله.
يروى المهندس ناجى ألفونس صادق والذى ينتمى لجيل الستينيات أن طوال حياته المديدة لنصف قرن ويزيد لم يكن لديه من الاساس مشكلة دينية مع أصدقائه المسلمين قائلًا : لم أشعر يومًا أن لدى حاجزا نفسيا او معضلة دينية يجب ان أحلها مع أصدقائى وعشرة عمرى فى سنوات العمل والدراسة المسلمين، بل أذكر ان لى صديقا مسيحيا خارج نطاق الدراسة عرفته فى التسعينيات من القرن الماضى وبعد أربع سنوات من صداقتنا الطيبة طلب منى أن أكون الاشبين الخاص به فى حفل زفافه القريب، وانت تعلمين ان الاشبين فى طقوس الزفاف المسيحى يعنى الاخ أو أقرب الاصدقاء مماجعلنى أتعجب لطلبه على الرغم من صداقتنا الحلوة وسألته لماذا تختارنى بالذات فبالتأكيد لديك أصدقاء عمر صداقتك بهم أطول بكثير من علاقتنا فأجابنى ضاحكًا أنه بحث فى كل أصدقائه المقربين وأكتشف أنهم جميعًا مسلمين ولا يوجد لديه صديق عمر واحد مسيحى! فضحكنا وقمت بدور الأشبين له انقاذًا للموقف.
أما الموقف الذى لاينساه المهندس ناجى ألفونس وقال لى انه يرويه كلما رأى طيور الظلام وغربان الفرقة تحلق فوق رؤسنا من مسيحيين مصر ومسلميه قائلًا : فى التسعينيات أدت طبيعة عملى أن أسافر إلى جامعة بير زيت بمدينة القدس الشريفة، وهناك تذكرت ماقاله لى جارى عاصم الرجل المتدين والشخص الخلوق بكل ماتحمله الكلمة من معنى والصديق العزيز لسنوات من الجيرة والعشرة الطيبة بأنه يتمنى ان يقرأ فاتحة القرآن الكريم فى المسجد الاقصى.
وبالفعل اتجهت إلى المسجد الاقصى تنفيذًا للوعد الذى قطعته بينى وبين نفسى أن أحقق أمنية جارى عاصم و أن أقرأ الفاتحة داخل حرم المسجد، لاتتخيلى حجم الراحة النفسية والشعور بالطمأنينة الذى يتسلل بداخلك بمجرد أن تطأ قدمك العتبات الاولى للمسجد وهى على هيئة أعمدة مصطفة على اليمين واليسار يحوطها كردون من الحبال يفصل بين المصلين والزائرين للمسجد، فبدأت أسير داخل الكردون المحدد حتى وصلت إلى المحراب وبدأت أقرأ بصوت خفيض الفاتحة بهدوء وبطئ فلمحنى شيخ الجامع وسألنى عن جنسيتى فقلت له اننى مصرى وأقرأ الفاتحة فطلب منى الخروج من الكردون والانضمام لصفوف المصلين فقلت له مبتسمًا : اننى شاكر لدعوته كثيرًا ولكننى مسيحى واننى أقرأ الفاتحة وفاءً لجارى وحبيبى فى السكن عاصم المسلم، فصمت شيخ المسجد الاقصى وبدأ يبتعد ولكنه توقف بعد خطوتين ورجع لى وهو يحل حبل الكردون الذى يفصل بينى وبينه ويقول بابتسامة رائعة وحنو بالغ : أهلًا بك فى المسجد الاقصى وبلدك الثانى فلسطين وأخذنى فى رحلة روحية بين جنبات المسجد وعمارته ولا أنسى هذه الزيارة ماحييت فهى عنوان بارز وواضح للمحبة بيننا مسلمين ومسيحيين، نحمل جميعنا خمسة وتسعين بالمئة من جينات جدنا الفرعون الاكبر توت عنخ أمون وموسمين بقبط مصر.
يصمت المهندس ناجى ألفونس وبنبرة حازمة يقول : ولكن دعينى أقول لكى أننى أشعر بقليل من الخوف على الاجيال القادمة ومايبث فى عقولهم من أفكار الاختلاف والنزاع وفقد المشترك اللانهائى بين المصريين فى التاريخ والدين والحياة، وفى تصورى ان البداية الحقيقية هى فى التعليم وزرع لغة التسامح والتجاوز فى نفوس الصغار وأن حب الوطن مصر هو ترياق البقاء للجميع.
"كوثر وسلوى "
هذه ليست قصوصة من الذكريات بل قماشة ناعمة وساخنة تمتد أمتار من سنوات العمر والحب ومواجهة ضربات القدر الموجعة بالفقد والرحيل للأزواج والابناء والأصدقاء، فى تساوى مذهل لفعل الفرح والحزن ومقاومة الاحساس بالهزيمة والانكسار مهما كانت سرعة دوران ترس الحياة رهيبة لاترحم متجاوزة كل ما يقال عن الاختلاف والتوجس من الآخر سواء كان هذا الآخر السيدة السبعينية القبطية المسلمة كوثر عبد القادر بيومى أو القبطية المسيحية سلوى أبراهيم بخيت والتى تجاوزت الستين بسنوات عشر، زميلتان العمل منذ منتصف الخمسينيات فى شركة القاهرة للأدوية والصناعات الدوائية حينما كان لدينا مصانع وشركات يعمل بها
أبناء الطبقات المصرية الفقيرة والمتوسطة ويتقاسمون بين عنابرها المنتجة الخير لمصر والمصريين لقمة العيش والمصيف والحلم بغد أفضل وأسعد للأبناء وقبل أن يتحول الوطن فى منتصف السبعينيات لعواصف الانفتاح وثقافة الاستهلاك والنزاع المصطنع والمزيف بين تجار الدين الممجوجين بأن الجنة حكر على دين دون غيره.
تجلس أمامى السيدة القبطية المسلمة كوثر عبد القادر بيومى بوجة بشوش وقسمات تدل على جمال ذهب ولكن بقيت معالمه واضحة تشى بأن قوة الزمن لم تنال من نضارته الكثير، على الرغم من سنواتها الثمانية بعد السبعين.
أنصت اليها بعد أن روجتها كثيرًا ان تفتح لى صندوق ذكرياتها وان هذا الموضوع الصحفى الذى أقوم بكتابته هو كارت معايدة ورسالة محبة لصديقتها المسيحية سلوى أبراهيم بخيت والتى لم تعد تلتقى بها كثيرًا فى الفترة الأخيرة لاشتداد المرض على كلتاهما وصعوبة الحركة من منطقة وسط البلد حيث تسكن السيدة كوثر إلى منطقة سرايا القبة مسكن السيدة سلوى.
تقول كمن يستعيد مناطق الضوء والراحة داخل نفسها قبل أن تخبر بها الآخرين : سلوى هى أختى التى لم تلدها أمى، انها كل شىء بالنسبة لى فعلاقتنا بدأت منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضى فى شركة القاهرة للأدوية والصناعات الدوائية ولم نفترق من يومها أبدًا، فقد كنا صبايا غير متزوجات فتقاسمنا أسرار الحب والارتباط معًا وأوقات ضيق الرزق وقلة الحال، فقد كانت تعرف أحمد زوجى وانا صديقة عزت زوجها ولى الحق طوال الوقت فى أن أكون الحكم العاطفى بينهما والقادرة على فض المنازعات الصغيرة وهى بالطبع لها نفس الحق، وحينما كان زوجها عزت فى سكرات الموت مسك بيدى واوصانى بأختى سلوى وأن أقف معها فى زواج أبنهما البكر أسامة.
تصمت قليلًا ثم تضحك قائلة : كنت أريد أن أزوج سلوى لأخى الأكبر عبد اللطيف من شدة حبى لها ووجودها فى بيتنا طوال الوقت وكأنها من أهل الدار وليست ضيفة ولكن عمى أبراهيم والذى عوضنى عن حنان الاب الذى افتقدته انا وأخواتى مبكرًا رفض مازحًا أنهم صعايدة ولايجوز ان تتزوج ابنتهم سلوى من غير ابناء عمومتها.
تسرد لى بحماس ونبرات صوتها تعلو كلما ربطت الاحداث وتذكرتها : كانت سلوى تصوم معى شهر رمضان كله وتقضى معنا صباحات العيد وتفرح بدعاء أمى زمزم لها بالصحة وطول العمر، وانا أذهب معها مولد العريان بحلوان فى منطقة المعصرة ومشاهدة فيلم السيد المسيح فى سينما شبرا بالاس ليلة عيد الميلاد، وفى مدخل الصالة المريحة لشقتها هناك صورة كبيرة بمساحة مترين فى متر للسيدة العذراء وهى تحتضن وليدها السيد المسيح مشغولة بدرجات الآزرق والتركواز بخرج النجف والترتر من صنع يدى لأختى وحبيبتى سلوى، وفى الصيام الكبير تقوم سلوى بإرسال أكياس الطعمية النية البيتى والترمس والحمص واللفت لأبنائى محمد وسهام الذين تربوا مع اولادها أسامة وهانى ومريان. ولاتختلف ذكريات الأعداد للمصيف المرحة والتى تبدأ قبل موعده بأسابيع، وماذا سنأخذ معنا وماسنتركه وكيف سندبر الاشتراك للمصيف والذى يقدر بمائة وخمسة وسبعين قرشًا بخلاف خمسة وعشرين قرشًا لأشتراك الابناء.
تسكت طويلًا كأن شريط حى من البشر يمر أمام عينيها تريد ان تلتقط مابداخله بيديها وتحتفظ به داخل صدرها، ولكن فجأة أجد سحابة رقيقة من الدموع بدأت تتجمع فى عينيها المنهكتين من وطأة الزمن ومواجع الفقد للأحباب تقول هامسة : كانت سلوى معى وفى ظهرى يوم الميلاد والرحيل لمحمد ابنى عن الدنيا عريسًا فى سن الثلاثين، فكما قدمت له مصحفا وكفا يحميه من عين الحسود ودلاية وعروسة صغيرة من ذهب وهو وليد، كانت هى من بجوارى استند لذراعها قبل أن أسقط من الحزن والألم والضياع النفسى وأنا أودعه بين يدى الرحمن فى مثواه الأخير، فى لحظتها كنت أنا وسلوى نبكى على الابن الذى راح مننا، لذلك وأنا فى شيخوختى وقلة حيلتى مع الحركة أدعو فى الفجر وأنا أصلى : يارب يومى يجىء قبل يومك ياسلوى وما أتكويش بنار فقدك أبدًا، فهى مازالت صبية وأصغر منى بست سنوات.
شيرين كريم شحاتة هى صديقة أختى أمانى والتى تكبرنى بعامين، هما معًا طوال الوقت فزهرتا عمرهما مريم ومارييز يدرسان معًا فى مدرسة الفرنسيسكان للراهبات، وحينما ينتظران انتهاء يومهما الدراسى يكون قطع الوقت فى المقهى المقابل للمدرسة تتخلله ضحكات صافية عن مشقة الحياة وتربية الأولاد ويوميات الزوج الذى غالبًا ما يكون الحديث عنه بأنه مقصر ويفتقد الكثير من الرومانسية.
رحبت شيرين بفكرة الموضوع حينما عرضته عليها وبدأت بحماس الحديث عن الحى الذى عاشت طوال عمرها فيه حتى بعد ان تزوجت وهو حى شبرا المعروف بتنوع ساكنيه وثقافتهم وديانتهم فهو مجمع أديان بامتياز قائلة : من لم يعش فى شبرا فهو لم يعش فى مصر أم الدنيا، فهو يستعد من الان لليلة عيد الميلاد وبابا نويل يقف مبتسمًا بعشرات الأنوار أمام البيوت والمحلات بطول حى شبرا وعرضه، ففرحة الحى من مسلمين ومسيحين بالاعياد سواء كانت عيد الميلاد عندنا كمسيحيين أو العيد الصغير وليالى رمضان والعيد الكبير للمسلمين لاتوجد فى مكان آخر غير شبرا.
تستكمل شيرين قائلة : والدتى كانت موظفة وحينما ولدتنى واجهت بعد الشهور الثلاثة من ولادتنى مشكلة المكان الذى ستتركنى فيه وانا مازلت وليدة وتنزل إلى العمل مرة أخرى، هنا تظهر ماما ثريا جارتنا المسلمة التى تطلب من والدتى بأمومة وحزم ان تتركنى فى رعايتها ساعات العمل فهى وحيدة مع ابنتها هويدا، وأنها ستكون سعيدة برعايتها لى، وبالفعل وافقت أمى بثقة ومحبة ان تترك طفلتها كل هذه الساعات وهى مطمئنة عند جارتها ثريا، ولقد عشت فى بيت ماما ثريا أجمل سنوات طفولتى وكنت أناديها ماما وأهرول إلى باب شقتها لاشتكى لها زعلى من والدتى ولم اكتشفت أن ماما ثريا مسلمة ونحن مسيحيين الا بعد سنوات طويلة من العشرة وسهر الليالى مع هويدا ابنتها فى ضحك ومرح وتأمل هذا الحنان الذى يكفينى العمر كله ومنحته لى بقلبها الكبير ماما ثريا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.