بينهم أبو تريكة.. قبول طعن 121 متهمًا على إدراجهم بقوائم الإرهاب    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    الصور الأولى لأبطال فيلم "تاني تاني" قبل عرضه    رئيس بعثة صندوق النقد تشيد بالإجراءات المصرية في ملف المناخ    رئيس الوزراء: نسعى لتطوير قطاع الصناعة الفترة المقبلة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    أسعار ومواصفات أودي Q3 موديل 2024 بعد إضافة فئة جديدة    البيئة: 550 مليون يورو استثمارات تمت وجارية بمجال التوافق البيئي في الصناعة    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبوسالم    التحقيق مع وزير الزراعة الصيني للاشتباه في ارتكابه انتهاكات للانضباط الحزبي والقانوني    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    زيلينسكي: الهجوم على خاركيف قد يشكل موجة أولى من خطة روسية أوسع نطاقا    جوارديولا: مويس سيفعل كل ما في وسعه لإفساد تتويج مانشستر سيتي    تحرك عاجل من كاف قبل ساعات من مباراة الأهلي والترجي بسبب «الجزائري».. عاجل    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    الأهلي يحدد موعد عودته إلى القاهرة بعد خوض مباراة الترجي    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    القوافل التعليمية.. خطوة نحو تخفيف العبء عن الأسر المصرية    في انتظار عيد الأضحى المبارك: التحضير والاستعداد للفرحة القادمة لعام 2024    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 9 متهمين بارتكاب جرائم سرقات بالقاهرة    ضبط قائد لودر دهس طفلة في المرج    في يومها العالمي، متاحف الإسكندرية تستقبل زوارها بالورود والحلويات (صور)    ثورة غضب عربية على الاحتلال الإسرائيلي بسبب عادل إمام    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    الرعاية الصحية: نمتلك 11 معهدًا فنيًا للتمريض في محافظات المرحلة الأولى بالتأمين الشامل    بعد إصابة المخرج محمد العدل، احذر من أعراض جلطة القلب وهذه أسبابها    الكشف على 1645 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    حزب الله: استهدفنا تجمعا ‏لجنود الاحتلال في محيط ثكنة برانيت بالأسلحة الصاروخية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    ب5.5 مليار دولار.. وثيقة تكشف تكلفة إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة (تفاصيل)    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    معهد القلب: تقديم الخدمة الطبية ل 232 ألف و341 مواطنا خلال عام 2024    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء يسرى عمارة فى حوار ل«الوفد»: إرادة الجندي المصري كانت مفتاح النصر
نشر في الوفد يوم 25 - 10 - 2017


عساف ياجورى استسلم لى بعد تدمير 73 دبابة إسرائيلية
القيادة العامة أصدرت بيان شكر وتحية باسمي لأنني أسرت أكبر قيادة إسرائيلية
«السادات» كان داهية سياسية لمصر.. خدع العالم وحارب إسرائيل وانتصر
«السيسى» رجل صريح وواضح ولا يُخفي شيئاً عن الشعب
هزيمة 67 كانت صعبة وقاسية وكنا نلبس «ملكي» في الشارع حتى نهرب من نظرات المواطنين
استفدنا من الهزيمة بإعادة تسليحنا وتدريبنا على أعلى مستوى من التدريبات القتالية
الإسرائيليون كانوا يفتحون أنابيب النابالم لنشاهد المياه مشتعلة ويقولون لجنودنا «اللي هينزل القناة هنشويه زى السمك».
«شاركت في كثير من عمليات حرب الاستنزاف التي كانت درسا في كيفية التعامل مع المواقف العصيبة»، هكذا قال اللواء يسرى عمارة الذي أسر عساف ياجوري قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلي، مؤكداً أن إرادة الجندي المصري كانت مفتاح النصر، وأن حب الوطن والانتقام والثأر للهزيمة وإنكار الذات والتضحية عوامل الانتصار.. فجاء التخطيط العسكري لحرب أكتوبر على أعلى مستوى وتم التنفيذ بأفضل ما يكون.
وأشار اللواء «يسري» إلى أنه في يوم 8 أكتوبر والذي أطلق عليه الإسرائيليون «الاثنين الأسود» لكثرة الخسائر التي تكبدوها في هذا اليوم لأنهم تلقوا بلاغا من قائد الفرقة يحذرهم فيه بأن لواء مدرعا سيحاول أن يخترق صفوف الجنود المصرية، ونصبوا له كمينا فدمروا 73 دبابة في اقل من ثلث الساعة.
وقال إن القيادة العامة للقوات المسلحة أصدرت بيان شكر وتحية باسمه لأنه أسر أكبر قيادة إسرائيلية في المعركة، وقد حاول عساف ياجوري مقابلة يسري عمارة ولكنه قال إنه لا يريد مقابلته.
وأضاف أن أمريكا فتحت مخازن سلاحها لإسرائيل لتعويض خسائرها في المعركة، وقد ثبت ذلك بالاستيلاء على دبابات أمريكية اشتركت في المعركة كان عدادها عمل 114 كيلو متراً فقط.. ولهذا وصف الرئيس السادات بالداهية السياسية لمصر لأنه خدع العالم وحارب إسرائيل وانتصر، وقال انه لن يحارب أمريكا.
ماذا تقول عن حرب أكتوبر بعد 44 عاماً على هذا الانتصار؟
كل سنة ومصر وشعبها وشبابنا في القوات المسلحة من قادة وضباط وجنود بخير وسلام، ولولا نصر أكتوبر ما كانت قامت قومة للدول العربية، حيث إن مصر أرجعت كرامتها وكرامة الدول العربية، وأعادت الأرض والكرامة.
كيف تصف شعوركم قبل قرار العبور؟
هزيمة يونيه 67 كانت صعبة وقاسية، وكنا نلبس «ملكى» في الشارع حتى نهرب من نظرات الحزن والأسى في عيون الشعب المصري، ومن هنا تولد لدينا إصرار على ضرورة استرداد حقنا وكرامتنا وأرضنا من الأعداء وكنا نعاني بسبب الأسلحة القديمة التي كنا نحملها، هذا إضافة إلى انهيار الجنود والضباط الذين أتوا من حرب اليمن، ولم يكن أمامنا غير أن نقوم بالضرب وفتح النيران على الجنود الإسرائيليين ولكن لم يكن هناك أوامر بذلك، وفي ذلك الوقت كانت معارك حرب الاستنزاف على أشدها، وكانت مرهقة أكثر من حرب أكتوبر، حيث كانت إسرائيل في ذلك الوقت متفوقة عدة وعتادا، بينما اللواء الذي كنت أخدم فيه كان عائدا من حرب اليمن دون تسليح يذكر إلا من بعض الأسلحة والذخيرة التي كنا مضطرين للحفاظ عليها، فضلا عن معنوياتنا المنخفضة نتيجة احتلال أرضنا.
وكيف تم الاستفادة من هزيمة يونيه 67؟
بالطبع تمت الاستفادة من الهزيمة، فقد تمت إعادة تسليحنا وتدريبنا على أعلى مستوى من التدريبات القتالية، وأيضاً تم إلحاق المؤهلات العليا إلى الجيش، وقد استفادت منها القوات المسلحة في انتصار أكتوبر، وبسببها ارتفعت المعنويات، وجاء التخطيط على أعلى مستوى من الفكر العسكري، فتم التنفيذ على أفضل ما يكون فأبهر العالم وشهد له الأعداء قبل الأصدقاء، وكان الجندي المصري هو مفتاح النصر، وعساف ياجوري قال إن المفاجأة في حرب أكتوبر هي إرادة الجندي المصري لأنه كان يقابل الدبابات بمنتهى الجسارة الفدائية.
وكيف كان يتعامل الإسرائيليون معكم بالحرب النفسية؟ قبل حرب أكتوبر كان الإسرائيليون يقومون بتجارب وتدريبات في القناة لمنع عبور الجيش المصري وكانوا يفتحون أنابيب النابالم في القناة وكنا نشاهد المياه تشتعل وكانوا يكلمون جنودنا ويقولون لهم «اللي هينزل القناة هنشويه مثل السمك» ولكن عندما بدأت المعركة عبرنا يوم 6 أكتوبر ولم نكن نعلم أن فتحات النابالم قد أغلقت من قبل أسود الصاعقة المصرية في مساء ليلة العبور ومع ذلك لم يكن أحد من الجنود أو الأفراد يشعر بأي خوف أو تردد واستمر الجنود المصريون يقاتلون ويحررون أراضيهم، وبالطبع هذه الظروف الصعبة التي عشناها أهلتنا لخوض حرب أكتوبر وإحراز انتصار كبير على العدو الإسرائيلي رغم تفوقه في العتاد والسلاح، وحب الوطن والانتقام من العدو والثأر للهزيمة وإنكار الذات والفداء والتضحية كانت من أهم العوامل التي ساعدتنا على الانتصار.
وإلى أي مدى تمت الاستفادة من حرب الاستنزاف؟ حرب الاستنزاف تعبنا فيها أكثر من حرب أكتوبر، لأن إسرائيل كانت منتصرة واستولت على سيناء، والكتيبة التي كنت أعمل فيها كانت تتبع الفرقة الثانية، ولم يكن أمامها ساتر ترابي، بل كانت على القناة مباشرة، التي كانت أصعب مانع مائي في التاريخ والمياه كانت مرعبة، وخط بارليف كان بارتفاع 22 مترا، والدبابة الإسرائيلية كانت تقف في الشرق ومعها آر بي جيه حديث ومرمى الآربي جيه المصري 180 مترا أي لا يعبر القناة التي كان عرضها 200 متر وقبل الحرب وفروا لنا آر بي جيه 300 متر.
هل تذكر أيا من العمليات التي قمت بها خلال حرب الاستنزاف؟
اشتركت في عمليات كثيرة في الاستنزاف، ولكني أتذكر الجندي توفيق الشافعي من المنصورة خريج التربية الرياضية، وهو يوزع الحلوى على زملائه من الجنود ويطلعهم على صور احتفاله بزواجه، أمام النقطة القوية عين غصين وسرابيوم، وإسرائيل أطلقت النيران على الكتيبة واختار الله العريس، ما تسبب في حالة حزن شديد وسخط بين زملائه فقرروا الانتقام له والأخذ بالثأر، وكان من أشد المتحمسين للثأر حكمداره العريف المسيحي، «حماية تنغاسوس» من محافظة المنيا، ورصد حماية دورية إسرائيلية تعبر بمحاذاتنا بالضفة الشرقية للقناة واستهدفها بالرشاش الخفيف فأحدث بها إصابات وخسائر كان لها أثر بالغ على معنويات الكتيبة، وكانت تلك هي العملية الأولى التي تخوضها كتيبته.
وماذا كان رد فعل القيادة على هذا الاشتباك؟ فاجأنا قائد الكتيبة الرائد عبد الله عمران، بموقفه حين سألني عن سبب إطلاق النيران، فأخبرته بأننا قمنا بإطلاق النار على الدورية إثر استشهاد المجند توفيق الشافعي، لرفع الروح المعنوية للجنود، ولما سألني عن السلاح المستخدم في الاشتباك، أخبرته أنه الرشاش الخفيف، فأكد لي أنه سيحضر رشاشا ذا تقنية أعلى، يصل مداه إلى أكثر من 3 كيلو مترات، حتى نمنع الدورية من العبور.
كيف تغلبتم على حاجز الخوف بالعبور خلف خطوط العدو قبل 6 أكتوبر؟
كنا نجلس ليلاً مرعوبين حتى يأتي النهار، فأصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة قرارا بعبور ضابط يومياً إلى شرق القناة دون سلاح للمبيت ساعتين ثم العودة قبل أول ضوء، للتغلب على خوفنا الطبيعي من تحصينات العدو على الضفة الأخرى، الملازم أول رشدي إمام هو أول من عبر في الكتيبة، وبالفعل تحرك في قارب صغير مع آخر ضوء، وأعطانا إشارة الوصول، ولكنه لم يأت بعد ساعتين وقلقنا عليه ثم عاد وقال انه نام ساعتين، ولكنه رفض أن يكون عند العدو ويتركهم سالمين، فسار ناحيتهم وأصبح داخل موقعهم وحصل على تليفون فزاد ذلك من ثقة زملائه ودفعهم للعبور مرة تلو الأخرى، حتى زاد الطمع بداخلنا وقررنا أسر أحد الجنود الإسرائيليين.
وكيف تم أسر هذا الجندي؟
بالفعل يوم 29 ديسمبر 1969، تمكنت الكتيبة من أسر أول ضابط إسرائيلي من الضفة الشرقية للقناة في عملية شجاعة، حيث عبرنا بدورية بقيادة النقيب أحمد إبراهيم، وحفروا حفراً على طريق الأسفلت شرق القناة وتم إبلاغهم بأن هناك هدفا عبارة عن سيارة جيب، حيث تم أسر أول أسير إسرائيلي وكان ضابطا برتبة ملازم أول، يدعى دان افيدان شمعون، وكان ضخم البنيان وكان مصابا في فخذه وتم إسعافه، وكان شمعون يجيد العربية، سألني عن اسمي، فقلت له جمال عبد الناصر، ثم سأل الطبيب عن اسمه، فرد عليه بنفس الاسم، فتعجب متسائلا «هل جميعكم جمال عبد الناصر»، فرددت عليه، نعم من أصغر جندي إلى أكبر قائد كلنا جمال عبد الناصر، وكان يعتقد أننا سنقوم بتعذيبه أو قتله، ولكنني اصطحبته إلى الكتيبة ورافقته أثناء تلقيه علاجه، وأجبرته على الاستماع إلى الراديو المصري الذي أعلن عن أسر أحد الجنود في تمام الساعة الخامسة والنصف، وأعقبها إعلان الإذاعة الإسرائيلية عن خطف أحد الضباط الإسرائيليين خلال دورية مصرية قامت بالمرور خلف الخطوط وأسرته، واتضح فيما بعد أنه قريب جولدا مائير، وأطلق سراحه بعد انتهاء الحرب في أول عملية تبادل أسرى، ليتولى فيما بعد منصب نائب رئيس الموساد.
أين كان موقعك لحظة العبور، وكيف علمت بموعده؟ الكتيبة كانت في شرق الفردان شرق الإسماعيلية ب11 كيلو متراً، وقبل شهر من بدء حرب أكتوبر كان هناك مشروع استراتيجي تدريبي أشبه ببروفة الحرب، وكنا نتدرب بأقصى طاقتنا في شرق المحسمة، والمشروع كان بالذخيرة الفشنك، وتحولت في أكتوبر إلى ذخيرة حية وحقيقية، لأنه في العاشرة والنصف من صباح يوم العبور حضر قائد الكتيبة العقيد جلال مروان وطلب من الأفراد الإفطار على الرغم من أنهم كانوا في نهار رمضان، وأطلعني على موعد التحرك مع التنبيه على عدم إطلاع الجنود قبل الواحدة والنصف ظهرا، وكنا شمال الإسماعيلية في منطقة الفردان وانطلقت صيحتنا الله أكبر، وتم تعيين النقيب منتصر إبراهيم من الشرقية حكمدارا لدفن الموتى، وبحكم روحنا المصرية المرحة ومعنوياتنا العالية في ذلك الوقت أخذنا الموضوع بقدر كبير من الدعابة، مع أنه طلب منا أن نفطر وقام بتوزيع البلح والشاي علينا.
وكيف تمت هذه اللحظة الحاسمة والفارقة في تاريخ مصر؟ أبلغنا الجنود في تمام الساعة الواحدة والنصف عن ميعاد الحرب ولم يصدقوا، وفي اللحظة الحاسمة غطت طائراتنا سماء القناة في طلعات جوية ضربت أهدافها، ورجعت الطائرات منخفضة لدرجة أننا رأينا الطيارين يشاورون لنا بأن نعبر ونقتحم، ولم يكن يتبقى إلا أن يفتحوا كبائن الطائرات ويسلموا علينا، ونفذ كل فرد من الأفراد المهمة المكلف بها والتي سبق أن تدربنا عليها تدريبا شاملا ومكثفا، ولم تكن مهمتنا سهلة بطبيعة الحال، فقد كان خط بارليف يمثل لنا تحديا كبيرا بارتفاعه الذي يبلغ 22 مترا وبالنظر إلى بدائية بعض معداتنا وأدواتنا، حتى إن عبور القناة التي يبلغ عرضها 200 متر تم باستخدام معابر قماشية مملوءة بالهواء غير مثبتة، إلا أن بسالة الجنود ساعدت علي التغلب على كل هذه العقبات حتى نجحنا في اقتحام الخط الحصين والوصول لشرق القناة.
وما هي المهام التي كنت مكلفاً بها؟
كنت يوم 6 أكتوبر قائد سرية مضادة للدبابات، وارتديت مثل باقي الجنود جاكيت يزن 50 كيلو تقريبا به «زمزمية مياه» وكوريك للحفر ووجبة من البسكويت، وهذه السرية كانت مكونة من 10 مدافع «4 مدافع ب 10 وزن 82 كجم، و6 مدافع ب11 وزن 305 كجم، وعبرت في قارب مطاطي قائدا ل600 ضابط وجندي يمثلون قوام الكتيبة، وكان على امتداد الجبهة من السويس جنوبا إلى بورسعيد شمالا 5 فرق، تضم كل فرقة 3 ألوية مشاة ولواء مدفعية ولواء مدرعات وكتيبة إشارة، وفي تمام الساعة ال4 كنا على الضفة الشرقية، وأذكر أن المدفع ب11 كان يزن 305 كجم وحركته الجنود على الرمال ورفعته وجهزته على الساتر الترابي ال22 متراً، في شبه معجزة لأننا بعد الحرب حاولنا تكرار العملية مرة أخرى حتى أعرف كيف صعد به الجنود على الساتر وأقسم بالله إنه لم يتحرك من مكانه.
وكيف سارت عمليات القتال معكم؟
خلال الثلاثة أيام الأولى كنا نقوم بقتل من يقف أمامنا، واستولينا على مساحة من الأرض بلغت 9 كيلومترات شرق القناة، ولم يقف حجر عثرة في طريقنا سوى نقطة الفردان الحصينة التي استعصت علينا لمدة 3 أيام من المقاومة الشرسة من جانب جيش العدو، فقمنا بمحاصرتها ومنعنا عنها الإمدادات وأخضعناها لحصار كامل، حتى سقطت في أيدينا عصر يوم 8 أكتوبر، وقمنا بتركها وتركنا المكان، بعد أن تم إبلاغ قائد الكتيبة بأن إسرائيل تقوم بتجهيز قوات من ناحية الفردان بهدف إبعاد الجنود المصريين حتى يقوموا بقطع طريق (الإسماعيليةالقاهرة)، ودخول العاصمة، حيث قامت ثلاث كتائب بمحاصرة هذه الإمدادات وقمنا بتدمير الجزء الأكبر من مدرعات العدو، وكان مخصصًا لي عربة جيب كان عليها سلاح آلي كبير.
ومن هنا تم أسر القائد الإسرائيلي عساف ياجوري؟ نعم.. فقد وصلت معلومات إلينا من العميد حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية، أن لواء مدرعا قادم نحونا، وأمرنا بعمل جيب نيراني على هيئة شكل حرف U أو حدوة حصان لتدخل فيه القوات الإسرائيلية والاختفاء في حفر برميلية، وتم تنفيذ التعليمات وتركنا اللواء مدرع 190 الإسرائيلي يدخل في مرمى نيران جنودنا، إلى أن تم التقاط إشارة بالعبرية من ضابط إسرائيلي تسأله قيادته أين أنت الآن؟.. فقال: أنا أمام قناة السويس بمسافة 3 كم وخلال عشر دقائق سأكلمكم من الضفة الغربية لقناة السويس.. فسألوه: أين المصريون؟.. فقال: لا يوجد أحد منهم. وبعد انتهاء المكالمة فتحنا عليهم النيران من كل جانب من داخل الحفر البرميلية وقضينا على 73 دبابة من أصل 100 دبابة، خلال نصف ساعة وبعد انتهاء التدمير أخذنا أوامرنا من العقيد محمود جلال مروان قائد الكتيبة 631 مشاة وقال لنا تقدموا بالمركبات لنكسب أرضا في المعركة، وأثناء التحرك نحو الشرق لكسب أرض في منطقة شرق الفردان، أصيبت السيارة الجيب المخصصة لي ولحمل المدفع، فلجأت لجر المدفع عن طريق مدرعة خاصة بالنقيب فاروق سليم، ووقفت أعلاها لعدم وجود مكان لي، بل اضطررت للصعود على ظهرها في مغامرة كبيرة ومكشوفة، وفى هذه اللحظة أصيبت يدي بطلقة من أحد الجنود كان مختبئا وسط كومة من حطام أسفلتي على جانب الطريق، فألقيت ببندقيتي وقفزت نحوه وسط تحذيرات الجنود، وسرعان ما وصلت ناحيته دون أن أتأكد أنه لا يحمل سلاحا، وكان يمكن أن يقتلني، فأصيب الجندي بالذعر فضربته على رأسه بخزينة البندقية الآلية وهى مملوءة بالرصاص وقتلته، ثم شاهدت مجموعة من الجنود الإسرائيليين يختبئون خلف طريق الأسفلت ويستعدون لإطلاق الرصاص، وعلى الرغم من تورم يدي لكنني أصررت على مهاجمتهم مع زملائي، ووجد من بينهم قائد تعرف عليه من ملابسه، وبالرغم من أنه كان بإمكانهم إطلاق النار علينا من حيث لا نراهم، لكن المغامرة بالقفز نحوهم ملأتهم رعبا منا فرفعوا أيديهم صائحين: أسرى.. أسرى، وكانوا أربعة جنود وتم التعامل معهم وإجبارهم على الاستسلام وتم تجريدهم من السلاح ومعاملتهم باحترام وفقا للتعليمات المشددة بضرورة معاملة أي أسير معاملة حسنة مادام لا يقاوم، حتى تم تسليمهم مع أول ضوء يوم 9 أكتوبر، ونقلت بعد ذلك إلى المستشفى وعقب الإفاقة، سمعت حديثا دائرا عن أسر قائد إسرائيلي كبير، وفى المساء أخبرني أخي بأن نشرة صدرت من القيادة العامة بها بيان شكر وتحية صادرة باسمي كوني تمكنت من أسر أكبر قيادة إسرائيلية تمكن الجيش من أسرها وهو العقيد عساف ياجوري قائد اللواء الإسرائيلي 190 مدرعات الذي لم أكن أعرفه.
هل تقابلت مع عساف ياجوري بعد الحرب؟ لا.. لكنه كان يريد مقابلتي، والدكتور فاروق إسماعيل رئيس جامعة القاهرة، كان يريد أن يكرمني في الجامعة وطلب مقابلتي في يوم محدد وذهبت أنا ثاني يوم فسألني لماذا لم تأتِ في الموعد؟ لأنه كانت لديه زيارة من عساف ياجوري وطلب أن يراك؟.. فقلت له الحمد لله إنني لم أره لأنني لا أريد مقابلته.
ماذا عن دور أمريكا ومساعدتها لإسرائيل في تلك الحرب؟
الدور الأمريكي في مساندة إسرائيل كان واضحاً ومثبتاً في المعركة، لأننا أسرنا دبابات أمريكية سارت 114 كيلو متراً فقط واشتركت في المعركة وكانت قادمة من مطار العريش، فأمريكا فتحت مخازن السلاح لإسرائيل وساندتها وعوضتها عن خسائرها في السلاح البري والجوي والبحري.
كيف ترى الرئيس السادات الذي أصدر قرار العبور؟
الرئيس السادات داهية سياسية كبرى لمصر، لأنه استطاع أن يخدع العالم كله ويعتقد أن هذا الرجل لن يحارب، بل من عبقريته أن ضحك علينا نحن في مصر، وقد كان رحمه الله في منتهى الذكاء، لأنه أعلن أنه حارب إسرائيل وانتصر، ولكنه لن يحارب أمريكا، بعد أن حقق ما أراد وأصبحت قواتنا شرق القناة، بل لقد أصاب مناحم بيجين الاكتئاب، بعد أن حصل منه على سيناء وأعطى له ورقة.
ما الذي دار بينك وبين الرئيس السيسى؟
الرئيس عبد الفتاح السيسى قام بمصافحتي خلال مؤتمر الشباب بمدينة الإسماعيلية، قال لي: «مصر تفخر بكم وأنا سعيد أنى رأيتك».. فقلت له: «إحنا معاك لآخر المدى وجمد قلبك يا ريس، وذلك لكونك إنسانا مخلصا لمصر وعبرت بها في فترة صعبة وحالكة»، والحقيقة أن السيسى رجل صريح وواضح ولا يخفى شيئًا على الشعب ويحب البلد جدًا ويتمنى أن يصل به إلى مكانة عالية، ولذلك هو شاغل الوزراء بكثرة تحركاته وتفقده للكثير من المشروعات بنفسه وإصراره على افتتاحها واهتمامه بتقدم البلد.
ماذا تقول لشباب الجيل الحالي؟
أقول لهم ضعوا مصر في أعينكم وانتبهوا لها جيداً، لقد سلمناكم الراية والأرض محررة وليس في مصر شبر واحد محتل، ولديكم رئيس وطني ومخلص ولا يشغله شيء غير مصر، فضعوا أيديكم في يديه وساندوه وأيدوه لأننا في حرب أكتوبر كنا نعرف العدو والشعب حينها كان يساندنا ويحمي ظهرنا، أما اليوم فإنكم لا تعرفون عدوكم، ومن أين يأتي لكم الغدر والخسة والنذالة وهذه هي صفات الإرهابيين المجرمين الذين لا يعترفون بأوطان لأنهم تربوا على عدم معرفة قيمتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.