وزير الري: ضرورة تضافر الجهود لتوفير تمويلات من الجهات المانحة لدول النامية    «مدبولي»: الحكومة ستعمل مع القطاع الخاص لتذليل أى عقبة تواجه قطاع الدواء    "رجال الأعمال" تحدد أبرز تحديات قطاع الاتصالات أهمها دعم الشركات الناشئة    رئيس وزراء بولندا: محاولة المساواة بين نتنياهو وقادة حماس غير مقبولة إطلاقا    «في الجنة يا مدحت».. الزمالك يهدي كأس الكونفدرالية لروح المعد البدني (صورة)    كريستيانو رونالدو يوجه رسالة ل توني كروس.. صورة    تشكيل الأهلي المتوقع ضد الترجي في إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    تصل ل41 درجة في القاهرة..درجات الحرارة اليوم الثلاثاء 21 مايو في المحافظات    عاجل | رابط سريع كيفية الحصول على نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة القليوبية    جنايات سوهاج تقضى بإعدام متهم لقتله سيدة بمركز جرجا    برنامج Microsoft Paint يحصل على منشئ صور جديد مدعوم بالذكاء الاصطناعى    أعمال لم تعرض.. زوجة عمار الشريعي تكشف مفاجأة كبيرة (فيديو)    بهجة العيد وتلاقي التهاني: عيد الأضحى المبارك 2024 على الأبواب    مهرجان كان.. النجمة العالمية كيت بلانيت: للنازحين صوت ولديهم قصص ملهمة    مدبولي ل«ممثلي قطاع الدواء»: الحكومة تعمل جنبًا إلى جنب مع القطاع الخاص لتذليل أي عقبة    صحة الإسماعيلية توقع الكشف على 1443 حالة بالمجان في قافلة طبية بمركز القصاصين    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    برلمانية تطالب بوقف تراخيص تشغيل شركات النقل الذكي لحين التزامها بالضوابط    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    زوجة المتهم ساعدته في ارتكاب الجريمة.. تفاصيل جديدة في فاجعة مقتل عروس المنيا    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    النطق بالحكم على مدرس الفيزياء قاتل طالب الثانوية العامة بعد قليل    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جهاد الدينارى تشارك فى المحور الفكرى "مبدعات تحت القصف" بمهرجان إيزيس    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد وحدة صواريخ تابعة لحزب الله فى جنوب لبنان    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    هالاند.. رقم قياسي جديد مع السيتي    الجلسة التحضيرية الرابعة للمؤتمر العام للصحافة مع القيادات الصحفية، اليوم    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    أسعار طن الحديد فى مطروح وسيوة اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    وكيل "صحة مطروح" يوجه برفع مؤشرات الأداء والاستغلال الأمثل للتجهيزات المتاحة بالمستشفيات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الوفد» تزور فيللا طه حسين وتلتقى جيرانه
فى ذكراه الرابعة والأربعين

عميد الأدب العربى كان لا يتحدث إلا الفصحى.. «سوزان» كانت تلعب البيانو فى الخامسة من مساء كل يوم
.. وتعشق ليالى القاهرة فى الشتاء
فى ليلة الوفاة.. زوجته تخبر الجيران: «طه مفيش»
العميد كان يمتلك سيارة «128» حمراء
حفيدة الجيل الرابع له تطلق على طفلها «طه»
لص يسرق «رامتان» ويعيد المسروقات بعد علمه أنها تخص طه حسين
ارتفع جدار الثقافة العربية الحديثة وعلا شأنها، بفضل جهود عدد من القامات الفكرية، يأتى فى مقدمتها الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى، بما أنجزه لتاريخنا الثقافى فى العصر الحديث من ألق. هذا الشيخ الذى خرج من صميم التراث العربى، ليتجاوزه وينفتح على دوائر ثقافية أرحب، دون أن يذوب فيها أو يتوه، فحفظ للفكر العربى عناصره الأصيلة؛ محققاً له حضوراً عالمياً.
إنه ابن بار من أبناء هذه الأمة، رأى أن التعليم كالماء والهواء، وأن اللغة العربية يسراً لا عسراً. فمثّل نقطة تحول حاسمة بين مرحلتين مثّلتا الحضارة الإنسانية؛ التقليدية بكل سلبيات تقديسها للماضى، وانفصالها عن واقع الحركات المتسارعة التى طرأت على الحياة الفكرية فى العالم، وبين المرحلة الحديثة بكل ما ترتب عليها من بحث وشك منهجى وانفتاح على العالم الخارجى. ليظل طه حسين بؤرة ضوء فكرى، كلما تلفتنا حولنا بحثاً عن نماذج للريادة والتمرد المحمود تذكرناه.
لكل هذا ولكثير غيره، حفظت مصر طه حسين وأمثاله فى عيونها، فما زالت كتبه تنشر حتى اليوم، ويتصدر اسمه الفعاليات والمعارض والجوائز، وهو جدير بذلك كله. ولكن يبقى اقتناء الدولة لبيته فى الهرم «رامتان»، ليصبح متحفاً ومركزاً ثقافياً عالمياً، درة هذا الاحتفاء.
إذا كنت من عشاق طه حسين مثلى، سوف يدفعك شغفك به إلى أمنية تعقب الجدران التى شهدت أنفاسه فى كل مراحل حياته، بين المنيا والقاهرة، بين الأزهر والجامعة المصرية. وربما تمتد بك أمنيتك لأن تزور قاعة محاضراته فى السوربون، وغرفة قراءته فى مكتبة «سانت جينييف» بباريس، وبيته الذى أقام به فى شارع «الأوبزرفاتوار» بالحى اللاتينى.
ولما لم يكن متاحاً لنا سوى زيارة بيته فى «فيصل»!! قررت «الوفد» أن تحتفى هذا العام بذكرى العميد فى فيللته المعروفة ب«رامتان» والكائنة فى «11» شارع طه حسين فى منطقة مدكور بحى فيصل فى الجيزة.
«رامتان» هو ذلك المكان النائى الذى اختارته السيدة «سوزان بريستو» زوجة العميد، كى يخلق لها خصوصية تشبه الريف الفرنسى، بعدما اضطرتهم الظروف لترك حى «الزمالك» الذى سكنته مع زوجها فترة طويلة، فاشترى طه حسين أرض «رامتان» المقدرة بنحو 860 متراً، من الفنان يوسف وهبى الذى كان يملك شارع «حلمية الأهرام» كاملاً، والمعروف حالياً بشارع «طه حسين».
تتحدث سوزان فى كتاب «معك» الذى تسرد فيه رحلتها مع زوجها الراحل عميد الأدب العربى فتقول إن «المنزل كان حلماً قديماً لهما ولم يتحقق إلا فى عام 1956 عندما بلغ طه حسين من العمر 66 عاماً، وكانت مدرسة الفنون الجميلة القائمة بالقرب من البيت الذى نسكنه فى الزمالك تطالب بهذا البيت لتجعل منه ملحقاً لها، فقررنا بناء فيلا تضم شقة مستقلة يسكن فيها مؤنس وزوجته «ليلى»، ولما كنا نريد حديقة كبيرة، وكان هذا مستحيلاً فى الزمالك فاتجهنا نحو طريق الأهرام».
وتتابع: «وعندما أردنا تسمية هذه الدار طلبت والأولاد من طه أن يساعدنا فى البحث فى النصوص الأدبية القديمة عن اسم لها، وهكذا عثرنا على «رامتان»، ويعنى مثنى رامة، والرامة هى موضع الراحة فى البادية عندما تسير قافلة من القوافل وتستريح فى مكان ما فإنه يسمى رامة».
الشارع هادئ تماماً، ولا يمت لازدحام حى فيصل بصلة، يشعرك هدوؤه بأنه مازال يحمل بصمات العميد، حتى إن العقار المقابل ل«رامتان» طبعه صاحبه بطابع إسلامى تمثّل فى مشربيات وأرابيسك ومنمنمات، تشعرك للوهلة الأولى أنك أمام مبنى تراثى تابع لوزارة الثقافة.
قبل أن نصل لفيللا طه حسين تجولنا فى الشارع نسأل عن السكان القدامى، الذين يمكن أن يكون قد أسعدهم الحظ بلقاء خاطف مع العميد، والصدفة وحدها هى التى قادتنا إليها.
امرأة جميلة تخطت السبعين من عمرها، تخبرنى أنها خريجة مدارس الراهبات فى طهطا، وتأسف لأنها لم تكن تعرف سوى بعض من الإنجليزية، وهو ما حرمها من متعة التواصل مع السيدة سوزان بلغتها الأم. امرأة تقول على بيك الأنصارى، عندما تتحدث عن زوجها، وعن الدكتور طه حسين، لا تقول سوى «الباشا». من أى بيت فى بلد رفاعة الطهطاوى أتيت أيتها الجميلة، يا سيدتى أنت امرأة من زمن الهوانم الحقيقيات، ووددت لو أسألها؛ متى كانت آخر مرة رأيتِ فيها شارع فيصل الرئيسى!!
السيدة «أسماء على محمد» تسكن إحدى الفيلل المقابلة ل«رامتان»، تخشى الغرباء لكنها توسمت فينا خيراً، وتقول: عرفت الدكتور طه حسين ومدام سوزان عن قرب، وبعد وفاته كنت من أول من طالبوا بتغيير اسم الشارع، ليصبح شارع «طه حسين». عندما سكنت هنا فى بداية حياتى الزوجية، لم يكن فى الشارع سوى فيللا «الباشا» وتقصد الدكتور طه حسين ويوسف بيك وهبى وهى الفندق الأن، وعمى عبدالحق الرفاعى حكيمدار الجيزة وعمى على بيك عزت، وكان المكان نائياً وهادئاً تماماً، مما حتّم علينا أن نتعرف على بعضنا بعضاً كأجراء أمان.
وتتابع: لا أنسى أبداً فضل السيدة سوزان علىّ، لقد تعلمت منها ما لم يعلمنى إياه غيرها، أعطتنى مفاهيم أكثر وعياً للانضباط والنظام وتقدير الزوج، وأن احترام خصوصية البشر لا يعنى أبداً عدم الود، علمتنى أن أقدر حريتى الشخصية حتى أستطيع احترام حريات الآخرين.
وعن ذكرياتها مع السيدة سوزان، تقول: كانت تصحو مبكراً، وتقف فى الحديقة مع الجناينى وهو يقلم الحديقة وهى فى كامل أناقتها، كأنها تستعد لاستقبال ضيوف، وفى الخامسة مساءً لابد له أن تلعب «بيانو» لمدة نصف ساعة كل يوم، كانت تحب الأيام الممطرة وتصر على الخروج فيها بالسيارة مع الباشا حتى تشعر برائحة بلادها، لقد كانت فرنسية تعشق مصر.
وتكمل: لا أنسى أنها حينما توفى زوجى على بيك الأنصارى، أرسلت إلىّ تليغراف تعزية على بلدى سوهاج مكتوباً باللغة الفرنسية، وبعد عودتى إلى منزلى هنا، ارتدت فستاناً بنفسجياً وهو لون الحداد لدى الفرنسيين، وحضرت بنفسها لتقديم واجب العزاء.
السيدة أسماء ما زال الحديث معها شيقاً، وكيف لا يكون!! وهى الشاهد الوحيد على ليلة وفاة الدكتور طه حسين. وعن هذه الليلة تقول: كانت السيدة سوزان لا تفضل مكوس الخدم فى المنزل بعد الساعة الرابعة مساءً، فكان الجميع يأتى فى الصباح، ينهى عمله ثم ينصرف. لذلك فى هذه الليلة كان الزوجان وحدهما فى المنزل. فوجدت السيدة سوزان أمامى وهى التى لا يمكن أن تخرج من بيتها فى مثل هذا الوقت، وتقول لى: «طه مفيش»، وفهمت منها أنه توفاه الله، وطلبت منى أن أتصل بابنتها «أمينة» فى بيتها فى الزمالك والتى كنتُ أحتفظ برقم هاتفها عندى لأى ظروف، ثم ذهبتُ معها إلى المنزل فى انتظار أمينة وزوجها الذى تولى كل الإجراءات بعد ذلك، لتقول لى بعربية ضعيفة لقد عشت معه خمسة وخمسين عاماً.
وفى واقعة لا تنساها السيدة أسماء تقول: كان هناك برنامج تقدمه الإعلامية القديرة ليلى رستم باسم «نجمك المفضل»، وكان مقرراً أن تصور الحلقة فى بيت الباشا، وفى يوم التصوير حضر عدد كبير من فطاحل الأدب والفن والسياسة فى ذلك الوقت، وكان لزاماً على فريق العمل تحريك بعض قطع أثاث الفيللا من أماكنها، فما كان من السيدة سوزان سوى أنها اعتذرت لهم عن حضور التصوير، وذهبت إلى الكنيسة حتى ينتهوا من عملهم، مما اضطرهم إلى التوقف عن إكمال الحلقة، حتى إن زوجى استضافهم هنا فى منزلنا بعض الوقت.
وعن طقوس العميد فى منزله تقول السيدة أسماء، كان زوجى حريصاً على زيارة الدكتور طه حسين، وكان الدكتور طه حسين حريصاً على تقويم لغة زوجى العربية كلما التقى به. كان الباشا حريصاً على الجلوس فى التراس صباح كل يوم، فى بيت اتسم طوال الوقت بالهدوء، وبالتالى اتسم الشارع كله بالهدوء الذى يليق بمفكر بحجمه، وكانت تأتى إليه مترجمة اللغة الفرنسية كل يوم لتقرأ له ما يريد، وبعدها يأتى الأستاذ فريد من المجمع اللغوى ليكتب له ما يريد أيضاً.
وفى نهاية الحديث تقول السيدة أسماء: ظلت السيدة سوزان فى المنزل فترة طويلة بعد وفاة الباشا، حتى تأزمت حالتها الصحية وكنت أداوم على زيارتها بشكل مستمر، يدخل السعادة إلى قلبينا معاً، ثم ذهبتْ بعد مرضها إلى بيت ابنتها أمينة فى المعادى بعدما اشتد عليها المرض.
تركنا الجارة الجميلة لنتجه مباشرة إلى «رامتان»، ولنبدأ رحلتنا فيه، حيث طلبنا من إحدى العاملات توجيهنا إلى مكتب الدكتور محمد عبدالغنى مدير المتحف لموعد معه، فقادتنا إلى الدور العلوى حيث مكتب المدير، من خلال رواق ضيق وسلالم لا يزيد اتساعها على سبعين سم، اقتربتْ كثيراً من بعضها بعضاً، مما زاد فى أعدادها بشكل لافت. لتدفعنى غرابة السُلم لإلقاء جملة عابرة وغير مقصودة «السلم ضيق أوى كده ليه» فترد العاملة بسرعة: «المدام كانت عاملاه كده عشان تبقى حركة الدكتور سهلة عليه ويقدر يتحكم فيه»، لأنظر لها وأسألها فى استغراب: «انتى كنتى تعرفى سوزان؟»، فتجيب فى حماسة: أعرفها؛ إلا أعرفها!! المحبون يحرسون الأشياء بعيونهم، الست «أم محمد» أول عاملة يتم تعيينها فى متحف طه حسين من قبل وزارة الثقافة، فى البدايات كانت من سكان الحى وعهد لها الدكتور محمد حسن الزيات وزير جارجية مصر الأسبق وزوج أمينة طه حسين، برعاية المنزل فى غيابهم بعدما تعرضت السيدة «سوزان» لأزمة صحية، نقلت على أثرها إلى بيت ابنتها.
فتحكى «أم محمد»: أنا عرفت المدام تقصد سوزان » بعد وفاة الدكتور، وكان عم عبدالله الجناينى رحمه الله يأتى كل يوم إلى الفيللا ليهتم بالحديقة تحت إشرافها، فكانت تضع له خيطاً لتخبره بعلو الأشجار الذى تريده، لأنها كانت بتتكلم عربى مكسر، ثم يغادر فى الواحدة ظهراً، وبعده تأتى الست «فريال» والتى كانت تعمل كطباخة فى المنزل، وتغادر أيضاً فى الرابعة عصراً، أما عم «ممدوح» السائق كان يكمل عمله حتى السادسة مساءً، ربما تحتاجه المدام فى أى مشوار، لكن بعد هذا الموعد كان يحل الهدوء تماماً فى المنزل والشارع كله إكراماً لها.
وتكمل: أذكر جيداً سيارة العميد والتى كانت «128» حمراء اللون، وكانت تستقر فى الجراج الذى هدم من أجل بناء المركز الثقافى الملحق بالفيلا الآن، فكان يأتى لها السائق الأحد من كل أسبوع ليذهب معها إلى الكنيسة، كانت تحب الهدوء وتفضل الوحدة، فما كان يزورها أحد سوى ابنتها أمينة، أما مؤنس فكان يأتى قليلاً جداً، وفى أغلب الأيام التى كان يأتى فيها من فرنسا، كان يقيم فى الفندق القريب من الفيللا، وبعد وفاة المدام كان كل سكان الحى يعتبرون أنفسهم حراساً على الفيللا حتى إن الدكتور الزيات سلمنى مفتاح الباب الخلفى «اللى الزمن لا راح ولا جى عليه ده».
بينما كانت الست «أم محمد» تحكى عن حب سكان الحى لبيت طه حسين وحرصهم عليه، حضرتنى واقعة من مذكرات الدكتور محمد حسن الزيات يقول فيها: «بعد وفاة طه حسين تعرضت «رامتان» للسرقة، حيث سُرقت بعض محتويات الفيللا وقلادة النيل الذهبية، ولكن عندما نشر الخبر فى الجرائد، وعرفَ اللص أنه سرق بيت طه حسين أعاد جميع المسروقات على الفور».
فى هذه اللحظة كنا قد وصلنا إلى مكتب الدكتور محمد عبدالغنى مدير متحف طه حسين، والحاصل على درجة الدكتوراه فى أحد تخصصات التصوير، لنكتشف من بداية حديثه الفرق بين أن يتولى المكان فنان، أو أن يتولاه موظف.
فيخبرنا: لو لم يكن المسئول عن مكان مثل متحف طه حسين فناناً، فالمكان سيجبره أن يكون على الأقل متذوقاً للفن، نحن هنا نبيع ثقافة. وعن الفرق بين متحف «رامتان» والمركز الثقافى التابع له أكد أن المتحف هو البيت الذى بناه العميد وأقام فيه ما يقرب من ستة عشر عاماً، ثم ظلت به السيدة زوجته بعد وفاته. أما المركز فهو كيان مستحدث أنشاته وزارة الثقافة، لتقيم فيه الأنشطة الخاصة بالمكان؛ من مسابقات وعروض وغيره، كما يوجد به الجزء الإدارى.
هل هذا يعنى أنه لا أنشطة ثقافية فى المتحف؟
هناك بعض الأنشطة بالتعاون مع الإدارات التعليمية والمركز القومى لثقافة الطفل، بهدف عقد عدد من الندوات لمجموعة من الأطفال، تتضمن زيارة للمتحف وعرض فيلم ثقافى عن حياة عميد الأدب العربى، فى محاولة منا للوصول بهؤلاء الأطفال، لسر البطولة فى حياة طه حسين، بعدها تعقد لهم ندوة عن كتاب من مؤلفات العميد، ثم ورشة عمل يقدمون فيها عملاً فنياً. وفى عام من الأعوام قدمنا معرضاً ضم شغل الأطفال مع بعض المقتنيات الخاصة بالعميد، مثل المخاطبات والمراسلات وشهادات التقدير الخاصة به، وتليغرافات الجوائز التى حصل عليها، فأى سعادة يشعر بها الطفل عندما يجد عمله بجوار مقتنيات تخص طه حسين.
هل يقدم المتحف نشاطاً خاصاً بالأطفال فاقدى البصر؟ نفكر فى عمل ورشة نحت للأطفال بشكل عام، وسوف نولى فيه اهتماماً خاصاً بالأطفال المكفوفين، وإن كان طه حسين لا نعتد به مكفوفاً، لأنه لديه ذاكرة لونية، كونه فقد بصره فى الرابعة من عمره، فهو يعرف الألوان وشكل الكائنات.
بعدها توجهنا إلى المركز الثقافى التابع للمتحف، لنلتقى السيدة ليلى الشامى وكيلة مركز رامتان الثقافى، لنخبرها أننا جئنا إلى هنا احتفاءً بذكرى صاحب الدار، فكيف استعدوا هم لإحيائها؟ فأجابت: المركز طوال الوقت يقدم أنشطته ليس فقط فى ذكرى العميد، ومن ذلك الأنشطة الخاصة بالأطفال مثل الورشة الصيفية فى مجالات الرسم والشعر والمكتبة، ويكون ختامها معرض كبير تعرض فيه أهم الأعمال ونتاج المشتركين الشعرى، ويقدم لهم المركز شهادات التقدير، كم يقدم أنشطة خاصة بالشباب منها المسابقة الأدبية فى مجالات القصة والشعر والنقد، وتتضمن جوائزها شهادات التقدير وأيضاً جوائز مالية توزع فى نهاية أكتوبر فى ذكرى طه حسين، ويعلن عن المسابقة الجديدة. هذا غير الندوات والأمسيات الشعرية ومعارض الفن التشكيلى التى تقام تحت إدارة الشاعر الكبير على عمران مدير المركز، بالإضافة لمكتبة المركز المفتوحة للقراءة للمبصرين والمكفوفين، حيث إننا نبذل أقصى جهد لتوفير كتب «برايل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.