الثانوية العامة كابوس مزعج أرق حياة المصريين وبات هماً يحمل عواقبه أولياء الأمور قبل الطلاب.. الكارثة ممتدة ومتشعبة وأسبابها كثيرة ومتنوعة وضحاياها دائماً الطلاب وأولياء أمورهم. ومنذ انطلاق مارثون الثانوية العامة للعام الجاري والصرخات لا تنتهي والشكاوي تجاوزت الصدور الغاضبة وارتفعت لعنات بسبب الكثير من التجاوزات التي كانت بمثابة «الصدمة» التي أصابت الجميع بخيبة أمل في إصلاح التعليم في مصر. وبعيداً عن طلاب الثانوية ولجان الامتحانات وما يدور فيها.. فهناك مجهولون يموتون في اليوم ألف مرة خوفاً علي فلذات أكبادهم من صعوبة الامتحان والمصير المجهول. «الوفد» قامت بجولة علي أبواب لجان الامتحانات لترصد مأساة ومعاناة أمهات أبين إلا الانتظار منذ بداية اللجنة ونهايتها للاطمئنان علي أبنائهن.. متعلقة أبصارهن بأبواب السماء طوال الوقت ما بين قراءة القرآن والدعاء والرجاء من الله أن يكلل العام بالنجاح بعدما شهدنه من معاناة مادية ونفسية، وما يرونه من مآسٍ يتعرض لها فلذات أكبادهن. بجوار مدرسة جمال عبدالناصر بالدقي، رصدت العديد من الأمهات الكثير من المآسي والأهوال التي عاشها أولادهن في رحلة الثانوية العامة سواء خلال فترة الدراسة أو الامتحانات. من السابعة صباحاً تهرع السيدات إلي المدرسة بصحبة أبنائهن، حتى تحل ساعة الصفر، بعد دخول الطلاب أبواب المدرسة لدخول اللجان، دموع وبكاء مستمر حتي الاطمئنان علي أولادهن بعد انتهاء موعد اللجان. بين الحين والآخر، تحاول بعض السيدات القرب من أبواب المدرسة لعلهن يجدن من يطمئن قلوبهن علي سير الامتحانات، فيما تحاول الأخريات التمعن في نوافذ المدرسة لعلهن يجدن بريق أمل.. حالة ترقب وخوف شديد تعيش فيها السيدات مع كل يوم امتحان يمر على أبنائهن ومع مرور الوقت تشتد حرارة الشمس على رؤوسهن، البعض منهن يستخدم كتب الأبناء كوسيلة للحماية ووضعها على رؤوسهن، فيما تستظل الأخريات تحت الأشجار في تلك الأيام شديدة الحرارة. «ولادنا بقوا حقل تجارب ومستقبلهم بقوا على كف عفريت».. بهذه الكلمات استهلت فايزة محمود، حديثها، وقالت إن نجلتها تعيش في حالة رعب منذ اقتراب ميعاد الامتحانات، وبدأت تضاعف ساعات المذاكرة حتى 11 ساعة متواصلة، ومع أول امتحان شعرنا بخطورة ما يتردد حول تسريبات «شاومينج» وذلك لأنه يضيع حقوق الطلاب المجتهدين وأولياء أمورهم الذين يصرفون الآلاف على أبنائهم في الدروس الخصوصية. وتحاول سرد تفاصيل حياتها الأسرية في ظل وجود طالب ثانوية عامة، قائلة: «البيت عايش في سكون لا بنشغل تليفزيون ولا بنخلي أخواتها الصغار يقتربون بجوار غرفتها، علشان ده مش مستقبلها لوحدها ده مستقبلنا كلنا». تصمت السيدة لتتذكر بداية دخول نجلتها الثانوية العامة، قائلة: «والدها قالها يابنتي ده مستقبلك أنتي ومحدش هينفعك بكره وبعده، لازم تخافي عليه من نفسك ومحدش هيجبرك على حاجة». وتستكمل فايزة حديثها بغضب شديد قائلة: «مش عارفة لما يجيبوا امتحان صعب على الطلاب هيستفادوا إيه؟».. وتضيف هذا العام سيئ للغاية، فصعوبة امتحان اللغة الانجليزية جعلت الأبناء يعيشون حالة نفسية سيئة، ما أثر عليهم في تحصيل باقي المواد، ولم يتوقف الأمر على ذلك فحسب، بل أكملت الفيزياء والتاريخ الكارثة لتدمير معنويات الطلاب. وتشير إلي أنها تحاول تخفيف آلام ابنتها من مشاق الامتحانات سواء البدنية أو النفسية، وأنها تتحمل في سبيل ذلك مجهودا كبيرا في الوقت الذي تتألم فيه بشدة مما تتعرض له ابنتها فإنها تتماسك بقدر الامكان في محاولة لبث الأمل والطمأنينة في قلب ابنتها. «اللي نصرفه في التعليم الحكومي قد اللي بيصرفوه في المدارس الخاصة».. وفقاً للأم التي أشارت الي أن ابنتها تأخذ دروساً في جميع المواد، وهو ما يكبد والدها أموالاً كثيرة، فضلاً عن تعب ابنتها في المواصلات وضياع الوقت خارج المنزل. وتلتقط منها أطراف الحديث فاطمة حامد، قائلة «منذ التحاق نجلي بالثانوية العامة ونحن نعيش أجواء رعب وخوف على مستقبله في ظل ما نشاهده من ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب في الشوارع»، مضيفة: «بسأل نفسي كتير ولدي بيتعب أوي في الثانوية العامة، ومصاريف وحرقة دم وأعصاب، ويا عالم هيجيب مجموع ولأ، ولو جاب هل حاله هيبقى زي حال آلاف من الشباب العاطلين؟»، وتشير السيدة إلى أنها على تواصل دائم بصديقاتها في العمل، وأبناؤهن تخرجوا في كليات مرموقة مثل سياسة واقتصاد وإعلام وهندسة، منذ عام 2010، وحتى الآن لم يعملوا. وتقول «رباب أشرف»، إن «محمود» ابنها الوحيد في الثانوية العامة، وحلمها أن يحقق أحلامه بأن يكون طبيبًا كما هو حلم والده، الطبيب، وأردفت: «كل الظروف المناخية بنوفرها له أكل وشرب ودروس، ودعم معنوي بس الباقي على ربنا خاصة وأن ابني فعلاً بيذاكر وبيتعب». وقابلت «فيروز خلف» ابنتها علي باب اللجنة وهي في حالة شديدة من البكاء والنحيب بعد امتحان الفيزياء خوفاً عليها وبعد أن زعمت بصعوبة الامتحانات انهارت الأم تماماً وما هي إلا لحظات حتي تحول المكان كله إلي مشهد درامي ومأساوي كبير للأمهات وأبنائهن في حالة بكاء وهستيريا. ومع يوم امتحان الرياضيات عادت البسمة بعض الشيء لأولياء الأمور، فور علمهم بفرحة ابنائهن بسهولة الامتحان، فيما أعربت بعض الأمهات عن غضبهن من واقعة الغش في بعض اللجان، وقالت: «هوه الغش ده مش بيبطل أبدا يعني واحد تعبان طول السنه علشان يجيب مجموع وأهله بيصرفوا فلوس علشان واحد تاني بكل سهوله يغش، حرام ده ولا حلال يعني». أجراس التليفونات المحمولة للسيدات تعلو مع اقتراب انتهاء وقت الامتحان، ويحاول أقارب الطلاب الاطمئنان عليهم، تعلوها أصوات الأمهات دعاء لأبنائهن بالتوفيق. «الواحدة منا تبقى خايفه لسيناريو امتحان الفيزياء والتاريخ والانجليزي يحدث مره أخري».. في حالة من الخوف الشديد تستهل آمال إبراهيم، حديثها قائلة إن مع كل امتحان صعب تعيش فيه الأسر أجواء الحزن، فيما تحاول الأم تخفيف آلام نجلها. وتشير الأم إلى أنها مثل غيرها الملايين من الأمهات لايعلمن الأسلوب الجيد في التعامل مع ابنائهن الطلاب في الثانوية العامة هل على منهج الثواب والعقاب والشدة مع الأبناء لاستذكار دروسهم؟، أم اللطف والهدوء؟، وأكدت أن الحالتين لهما مميزات وعيوب. الدكتورة هبة عيسوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، قالت إن هناك عدة نصائح هامة على أولياء الأمور يجب الأخذ بها عند التعامل مع أبنائهن الطلاب، من أبرزها التقرب لهم ومصاحبتهم وإعطاؤهم الثقة في النفس بإقناعهم بأن التوفيق يرجع لله عز وجل، وأن الثانوية العامة مرحلة انتقالية وعليهم بذل ما لديهم من جهد، أما النتيجة فترجع لتوفيق الله عز وجل، مشيرة إلى أن هذه الجمل تعيد روح الثقة للطالب وتجعله يشعر بالأمان أثناء المذاكرة ويقلل من حدة التوتر. وشددت استاذة الطب النفسي على ضرورة ابتعاد أولياء الأمور عن اللجوء لطريقة التأنيب الشديد للأبناء، والبعد عن العبارات المعتاد قولها خلال المشاجرات منها «أنت فاشل»، مؤكدة أن تلك العبارة لها تأثير سلبي على المدي البعيد على نفسية الطالب حال تعرضه لها بشكل مستمر، فضلاً عن كونها سببًا في نزع الثقة من قلوبهم وتخلق الرعب بداخلهم من الامتحانات، وحال فشل الطالب قد يلجأ للانتحار كما يحدث في أيامنا هذه.