مدينة طنطا بمحافظة الغربية، إحدى المدن العريقة التى تتوسط الوجه البحرى بأكمله، واشتهرت بوجود المسجد الأحمدى «سيدى أحمد البدوى» الذى يفد إليه المسلمون من أنحاء العالم شرقاً وغرباً، بالإضافة إلى وجود المعهد الأحمدى الأزهرى إحدى قلاع العلم فى مصر، الذى تخرج فيه العظماء من علماء الأزهر الشريف، ويكفى أن مدينة طنطا خرج منها عباقرة التلاوة الذين أبهروا العالم مثل الشيخ محمود خليل الحصرى والشيخ النقشبندي وعبدالعزيز حصان وراغب غلوش ومصطفى إسماعيل، كل هؤلاء نشأوا فى رحاب تلك المدينة وإلى جوار المسجد الأحمدى وتعلموا فيه علوم القرآن، وهناك نماذج كثيرة فى مختلف الفنون، من الجيل المعاصر، ونحن أمام نموذج استطاع أن يحقق أمنية راودت الكثيرين ليس فى طنطا وحدها، بل على مستوى الوجه البحرى، حيث أقام أكاديمية لتعليم الموسيقى، بل إن الجديد أنه خصص قسماً بها لتعليم حفظة القرآن علم المقامات الموسيقية أحد شروط الالتحاق بالإذاعة، وقسماً آخر للإنشاد الدينى على يد قراء متخصصين، «الوفد» التقت أحمد عبدالجليل بر مؤسس أكاديمية ميوزك أوركيسترا هاوس ليروى لنا تجربته فى هذا الحوار.. ماذا عن فكرة الأكاديمية، وأهدافها؟ - أنا هاوٍ ومستمع جيد جداً للموسيقى وأحبها بشدة خاصة الموسيقى الشرقية المصرية، وكنت أتمنى أن يوجد فى مدينة طنطا مركز لتعليم الموسيقى، فقد كنا نفتقد ذلك كثيراً وقت أن كنت أريد تعلم الموسيقى، خاصة أننى أجيد العزف على العود والبيانو، وكنت نادراً ما أجد مكاناً للتعلم به وتلبية رغبتى والحصول على مستلزماتى الموسيقية من وتر وآلة موسيقية، ومن هنا جاءت الفكرة حتى سنحت لى الفرصة وصممت على تأسيس مركز «أكاديمية» للموسيقى فى مدينة طنطا يشمل كل ما يخص الموسيقى من آلات وكل المستلزمات من أوتار وإكسسوارات خاصة بها، بالإضافة إلى الصيانة وتعليم الموسيقى على كل الآلات الموسيقية الشرقية المعروفة مثل العود والكمان والناى والقانون إلى جانب الأوكورديون والبيانو، والفكرة فى الأساس كانت من أجل تعليم الهواة الموسيقى، ولكن تطرقت إلى تعليم طلبة التربية النوعية والتربية الموسيقية لإصقالهم فنياً، لأن المدربين المتواجدين بالمركز كلهم أكاديميون وعلى مستوى عالٍ، والحمد لله نجحت التجربة خاصة أننا لا نتقيد بسن معينة من 5 سنوات إلى أى سن، المركز مفتوح. وهل يمكن للموسيقى أن تلعب دوراً فى تهذيب النفس والسلوك لدى النشء والشباب خاصة؟ - بالتأكيد.. خاصة هذه الأيام، فقد لاحظت إقبالاً شديداً لسببين، الأول أن المركز يتواجد فى قلب المدينة، وشعرت بأن قطاعاً كبيراً من الشباب والأطفال والأهالى فى اشتياق، إلى أن يحصلوا على مكان مثل هذا، وكانت كل التعليقات من الزائرين والضيوف تؤكد ذلك، ويستعجبون من وجود مثل هذا المركز فى طنطا، وكذلك إقبال الشباب على الآلات خاصة الشرقية كلها مثل العود والكمان والقانون، والبنات لديهن شغف فى تعليم الكمان، والشباب يرغبون فى تعليم الجيتار والعود والبيانو، وهناك مقولة شهيرة لأفلاطون تقول: «تعلموا الموسيقى المصرية والفنون بعدها ستغلقون السجون». ونحن نعيش أجواء شهر رمضان، اشتهرت مدينة طنطا بأن معظم عباقرة التلاوة نشأوا فيها مثل الشيوخ «الحصرى» و«حصّان» ومصطفى إسماعيل، وراغب غلوش، ونسمع كثيراً عن ضرورة تعلم المقامات الموسيقية عند تعلم القرآن، فهل للمركز دور فى ذلك؟ - هذا من أهدافنا لخدمة القراء والمنشدين الدينيين، والحمد لله خصصنا مكاناً داخل المركز لتعليم المقامات الموسيقية، ويقوم بالإشراف عليه القارئ الطبيب هشام زيدان، أحد أبناء طنطا، وهو معتمد بالإذاعة التى تشترط تعلم المقامات الموسيقية، ويوجد قسم آخر للإنشاد الدينى، ونحن نستثمر روحانيات الشهر الكريم فى تكثيف جهودنا وبشكل سريع لأن نعلم هؤلاء القراء والمنشدين المقامات الموسيقية. وهل هناك علاقة بين الموسيقى والقرآن الكريم؟ - لا شك.. فهناك أمثلة كثيرة من المطربين القدامى والملحنين المعروفين أصلهم مشايخ مثل الشيخ سيد درويش والشيخ سلامة حجازى.. وطبعاً نحن ننشد الإضافة للقراء. قرأت مقالاً للكاتب الكبير عباس العقاد بعنوان «ضبط النغم»، فهل المقامات الموسيقية تستطيع ضبط النغم عن قارئ القرآن نفسه؟ - هذا شىء أساسى وكذلك فى مخارج الحروف والألفاظ مع ضبط الأداء أو النغم، فالقرآن معنى وليس مغنى، حتى علم التجويد قيل فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم: «من لم يتغن بالقرآن فليس منا»، والغنا هنا هو الغنة، فليس الغنا هو الغناء، ولكن إبراز المعنى للآية الكريمة، فنحن نبحث فى علم المقامات وعلم الصوت على المعنى وليس المغنى، حتى إن قراءة القرآن بلغة واحدة هى التنغيم أو التجويد أو التحسين، ومن لم يتغن بالقرآن فليس منا، إذن عندما نقرأ القرآن الكريم نجد غنة، فلولا الغنن وعلم التجويد أو التنغيم أو التحسين لم يكن القرآن بهذا الجمال. إذن هناك علاقة وثيقة بين الموسيقى والقرآن الكريم؟ - بالتأكيد.. بدليل أن المسابقات أو الاختيارات فى الإذاعة تتطلب وتشترط أن يكون القارئ أو المتقدم دارساً للمقامات الموسيقية والأداء الصوتى. من قدوتك على المستوى الفنى أو من القراء الذين تسعى لإصقال الجدد منهم بالدراسة لعلم المقامات؟ - الحقيقة أننى تأثرت على المستوى الفنى بالملحن محمد فوزى ومحمد قنديل ومحمد ثروت وكلهم من أبناء بلدتى طنطا، كما أننى عاشق لمقرئى محافظة الغربية، خاصة جيل العظماء وعلى رأسهم الشيخ محمد رفعت والشيخ خليل الحصرى ومصطفى إسماعيل وعبدالعزيز حصّان، والمنشد العظيم الشيخ النقشبندى، فهو صوت رمضان، بالإضافة إلى أننى أجاور سيدى أحمد البدوى فتأثرت بالمدرسة الأحمدية التى تعتبر مدرسة فريدة فى العالم الإسلامى كله وفى دولة التلاوة، وتأثرت بالعمالقة الذين جلسوا على تخت أو دكة سيدى أحمد البدوى. هل أنت ضد الهجوم على الموسيقى؟ - كل فن له شقان سلبى وإيجابى، والمركز هنا لا يعلم القارئ ترجيع الغناء، فنحن لا نعلم القارئ أو حفظة القرآن الكريم وفقا للنوتة الموسيقية أو أدوات الغناء، فنحن لا نطوع القرآن على الموسيقى، ولكن المطلوب تطويع الموسيقى على القرآن. كيف ترى أحوال أهل القرآن فى مصر؟ - ستظل مصر تمتلك ثروة من المقرئين المجيدين على مستوى العالم سواء فى الزمن القديم أو الجيل الحالى، فالقرآن نزل فى مكة وطبع فى أسطنبول وقرئ فى مصر، وستظل مصر زاخرة بمشاهير وعباقرة القراء. وهل مازالت الكتاتيب موجودة فى مصر فى قلب قرى مدينة طنطا أم التكنولوجيا أثرت على وجودها وأدت لاختفائها؟ - بالفعل أثرت بشكل واضح جداً، وكذلك التطور الذى حدث فى الميديا على الأجيال الجديدة، فالكتاتيب حصن العباقرة من القراء. وكيف يمكن لكم اكتشاف مواهب جديدة، وهل ترى أن القطاع الخاص من الممكن أن يلعب دوراً فى اكتشاف المواهب؟ - للأسف القطاع الخاص لا يساهم فى مثل هذه المشروعات، إلا إذا كان لا يهدف إلى الربح، لكن القطاع الخاص أغلبه هدفه استثمارى، ولذلك من النادر أن يشارك فى اكتشاف هذه المواهب، ونحن بدورنا فى الأكاديمية نحاول إبراز هذا الدور لاكتشاف المواهب الجديدة، ونعتمد فى المقام الأول على الموهبة. ما الجديد الذى تقدمه فى المركز أو الأكاديمية؟ - من ضمن أهدافنا التعليمية مساعدة الطلاب غير القادرين فقط على تأجير الآلات خاصة طلاب كليات التربية النوعية والموسيقية لأنهم يدرسون كل الآلات ومن الاستحالة أن يكون لدى الطالب كل الآلات. وهل كل الدارسين للمقامات الموسيقية من أهل القرآن فقط أم هناك فئات أخرى؟ - إلى الآن.. كل المتقدمين من أهل القرآن، والرغبة لديهم شديدة لتحسين الأداء الصوتى، لكن لا نمانع من وجود هواة من غير القراء والمبتهلين والباب مفتوح للجميع. وهل اختفى سميعة القرآن الآن؟ - مازالوا موجودين، ونراها فى الاحتفالات الكبرى للقرآن. أخيراً.. ماذا حققت وهل أرضيت طموحك؟ - أنا أرى أننى أشبعت رغبتى فى الموسيقى، لكن هناك معوقات كثيرة أمامى، لكننا نحاول تذليلها، أما الطموح فلا حدود له، والحمد لله المركز يخدم الوجه البحرى بالكامل خاصة فى وسط الدلتا لندرة وجود هذه النوعية من المعاهد الموسيقية فى الوجه البحرى لدينا.