الطبلاوي: لا صوت يعلو فوق صوت القارىء المصري د. محمد عمران: كلمة السر «الكتاتيب» ..ودراسة الموسيقى تصقل صوت القراء إنهم ملوك دولة التلاوة، فالشيخ محمد رفعت، صوت ولحن سماوي، ينقلنا من دنيانا إلى آفاق روحانية، وعندما يؤذن فقد حل رمضان حتى وإن كنا فى ربيع الأول، أما مصطفى إسماعيل، فهو شمس دولة التلاوة ونورها، ومحمود خليل الحصري، علم العالم فنون الترتيل بالقراءات، فهو يمتلك صوتاً ندياً صافياً من نبع رقراق، بينما عبدالفتاح الشعشاعي، صوت هيبة القرآن، خشوع وتدبر، وابنه إبراهيم، صوت رنان ببهجة القرآن، عندما يجود عروس القرآن، الرحمن علم القرآن. قطعاً ملوك تلك الدولة المباركة كثر ومنهم أيضاً عبدالباسط عبدالصمد، ، حيثما وجد كانت تزدحم جميع الطرقات، حتى العصافير فى أوكارها تصمت عن الحركة، وخلف من بعدهم خلف، ساروا على نهجهم، شعبان عبدالعزيز الصياد، صاحب الحنجرة الذهبية، أما أحمد الرزيقى فلديه صوت يبعث الطمأنينة الطرقات المظلمة لقلوب تسعى لصلاة الفجر، وأقدام تستحث الخطى للوقوف بين يدى رحمن الدنيا ورحيمها. دولتنا تضم أيضاً محمود على البنا، محمود الطوخي، مسعد عمران، شحات عبدالله، هاشم أبو نور، محمود الخشت، عبدالفتاح الطاروطي، صابر الغريني، وهبة الحبشي، أنور الشحات، د. أحمد نعينع، نجوم تضيء سماء التلاوة فى مصر والعالم، مصر فى تلاوة إلى يوم القيامة، وبالطبع لا يمكن إنكار حلاوة وجمال أصوات طه الفشنى وعلى محمود وكامل يوسف البهتيمى والشيخ محمود على البنا والشيخ محمود الطبلاوي، وكوكبة رائعة من القراء، فهم نجوم زاهرة، عطور متعددة، لكل شذاه ورونقه وجماله. وفى المقابل هبت رياح من الشرق، حملت -ضمن ما حملت- دولة موازية تضم أصوات قراء ما أنزل الله بها من سلطان، لا مشاعر أحاسيس، ترتيل على عجل، وكأن القطار سوف يغادر المحطة، والقارئ فيها يلهث للحاق بالعربة الأخيرة. هؤلاء، ومن خلفهم، منعوا التجويد، لدرجة التحريم، ضمن أشياء كثيرة حرموها، بل جرموها، لكنهم -بضغط من شعوبهم- يستقبلون قراء مصر بالحفاوة والترحيب، وتكتظ مساجدهم بالمصلين، للاستماع إلى أساطين دولة التلاوة المصرية. الشيخ محمود الطبلاوى -نقيب القراء المصريين- علق على ما يتردد عن تراجع دور مصر فى عالم التلاوة قائلاً: ليس صحيحا ما يقال عن تراجع دور مصر فى عالم تلاوة القرآن الكريم، فمصر كانت ولازالت وسوف تظل إلى الأبد صاحبة الصدارة على مستوى العالم، فمصر ولادة لقراء القرآن وعطاؤها فى هذا المجال لن ينقطع أبدا، وأذكر أننى فى إحدى سفرياتى للمملكة العربية السعودية قال لى الملك الراحل خالد آل سعود: إن القرآن نزل فى مكة، وطبع فى اسطنبول وقرئ فى مصر، ولا أحد يستطيع أن ينافس القراء المصريين، وما يميز القراء السعوديون فقط هو أجواء الحرم المكى أو مسجد الرسول فى المدينة، فمن يستمع للقراء السعوديين فهو يستمع لهم فقط لأنهم يقرأون فى أجواء وأماكن مقدسة ليس إلا، أما من ناحية الصوت والأداء فلا صوت يعلو على القارئ المصري، حتى لو كان يقرأ على المقابر وليس من المشاهير، واتحدى من يقول غير ذلك. الطبلاوى أكد أن مايتردد حول تراجع شعبية القارئ المصرى على مستوى العالم ليس صحيحا، فلا زال للقارئ المصرى شعبية عريضة على مستوى العالم، ففى شهر رمضان من كل عام نقوم بإرسال 006 قارئ للعالم الإسلامى دون انقطاع. وأضاف: أما بالنسبة لانتشار القنوات الفضائية القرآنية فهى لا تؤثر على التلاوة المصرية، بل على العكس فهى إضافة قوية فى مجال خدمة كتاب الله تعالي، وأعتقد أن أفضلها هى قناة «المجد» التى تذيع تسجيلات قرآنية بطرق مختلفة «التلاوة والتجويد والترتيل» على مدى الأربع والعشرين ساعة. وقد تميزت القراءة المصرية الحديثة للقرآن بطابع خاص وتفرد فى الأداء، ولذلك حظيت مصر بأعلام قراء القرآن الكريم، فالشيخ محمود الطوخى -المنشد الراحل- كان يصف أهل القرآن بأنهم أصل كل فن موسيقي، والقرآن نفسه يحفل بالموسيقى، وذلك بالمد واللين والتنوين، وكان الطوخى يتقن العزف على العود، ويرى أن التنغيم الموسيقى فى القرآن مطلوب ولكن فى حدود لا تخل بالحروف، وكان يصف التجويد بأنه حلية التلاوة وزينة القراءة، وللقرآن موسيقاه الخاصة. أيضاً كان الشيخ محمد رفعت يعرف أن من واجبات المقرئ أن يلم بالمقامات الموسيقية، حتى أنه عندما توفى خلف وراءه مجموعة اسطوانات موسيقية لموتسارت وباخ وبيتهوفن، وأرجع الباحثون حلاوة قراءته إلى أنه يطابق النغمة مع اللفظ. أما الشيخ عبدالباسط عبدالصمد فكان عازفاً جيداً للعود وملماً بالألحان والمقامات، ومصطفى إسماعيل كان يقرأ من كل المقامات فى آية واحدة، أما الشيخ محمود الحصرى فكان مشهوراً برفضه المقامات والألحان. وعن موسيقى القرآن القارئ الطبيب أحمد نعينع: إنه منذ بداية عهد الفتح الإسلامى لمصر حفظ المصريون القرآن فقرأوه على مقامات الترانيم الكنسية التى كانت موجودة منذ عهد الفراعنة، ولكن مع الاحتفاظ بأحكام التلاوة كاملة وسليمة، وتسمى تلك القراءة «التحقيق» وهى مرتبة من مراتب القراءة تؤدى بتؤدة وتأن ويسودها الترديد لتشويق وتدبر المعاني ثم تطورت بعد ذلك القراءة ودخلت فيها المقامات الموسيقية، وكما يقول موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب إن القراءة بالتلحين لا يعرف لبدايتها زمن معين، وكل جبل أضاف ما يناسب إبداعاته الصوتية، ومادمتم تقرأون القرآن فنحن نلحن، وهذا يدل على غنى القرآن بالمقامات الموسيقية ووصف الشيخ محمد رفعت لجمال صوته بأنه صوت يجيد كيفية مخاطبة الله تعالي. ونظراً لاعتماد أغلب القراء السابقين والحاليين على المقامات الموسيقية فى الأداء، قال البعض بأن الموسيقار عبدالوهاب كان يصلح مقرئاً وكذلك أم كلثوم وسيد مكاوي، وذلك لأنهم كانوا يجيدون أحكام التجويد، أيضاً قالوا بأن على الحجار ومحمد الحلو ومدحت صالح يصلحون لقراءة القرآن لقوة أصواتهم. ويقوم حالياً المطرب على الحجار بتسجيل القرآن بصوته ليصبح بذلك المطرب الوحيد الذى حصل على إجازة من الأزهر لتسجيل القرآن بصوته ويقول: سأسجله لوجه الله وليس من قبيل التجارة أو الربح، وعلى نفس الدرب يدرس المطرب إيهاب توفيق دورة لتجويد القرآن تمهيداً لتسجيله بصوته، أما المطرب مدحت صالح فقد اتجه للغناء بعدما تعلم أحكام التجويد أثناء دراسته بجامعة الأزهر التى تخرج فيها. المملكة العربية السعودية التى يقرأ فيها القرآن مرتلاً، أختارت الشيخ محمد الهلباوى المنشد الدينى لافتتاح إحدى الندوات الدينية الكبري، وطلبوا منه تجويد القرآن. ويرجع المنشد الدينى الشيخ محمد الهلباوى تدهور حال القراءة فى مصر إلى قصور فى نضارة الصوت، وعدم دراسة فن التلاوة من حيث التصوير النغمى لمعانى النصوص القرآنية، مشيراً إلى أن القرآن يشتمل على التوحيد والفرائض والمعاملات والأمر والنهي، لذلك لابد من التعامل مع معانى تلك النصوص بمقامات توافقها من الحزن والشجن والفرح والسرور، ولذلك فمن صفات القارئ الجيد تعلم المقامات الموسيقية التى تراعى عظمة وجلال القرآن الكريم. ويرجع د. محمد عمران أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون أسباب نجاح الرعيل الأول من القراء فى الأداء ووصولهم إلى العالمية إلى أن بدايات هؤلاء الشيوخ حيث «الكتاتيب» التى كانت تعقد فى المساجد والزوايا، وساعد الشيخ من يمتلك الموهبة على إجادة الأداء ويرتقى بمقومات القارئ، ويرتفع بذائعته الموسيقية بهدف جمال وحسن الصوت. وحسبما يؤكد سعد عبداللطيف -مدير التخطيط الدينى بإذاعة القرآن الكريم- حول المراحل التى يمر بها القارئ منذ تقدمه للاختبار بالإذاعة، والتى يصفها بأنها إجراءات صارمة للغاية فبعد تقدمه بطلب وتحديد موعد لاختياره، تعقد لجنة مكونة من 41 عضواً من كبار القراء المتخصصين فى أحكام التلاوة والمقامات الموسيقية، فيتم الاختبار أولاًَ فى حفظ القرآن، ثم الأحكام التجويدية، وثالثا فى المقامات الموسيقية أثناء قراءته بأحد الاستديوهات الموسيقية، بعد ذلك تقرر اللجنة نجاحه أو رسوبه.