حباه الله بصوت قوى نافذ الى القلوب قبل الآذان، مملوء بالخشوع والتجليات الربانية، ممزوج بالشجن والسرور، يأخذك الى أعلى درجات السمو والترقى فى سلم الصفاء الروحى، من خلال أدائه فن الابتهال والتواشيح، إنه الشيخ على الحسينى على المبتهل بالإذاعة والتليفزيون، الذى أكد فى حواره مع «الأهرام»، أن فن الابتهال والإنشاد والتواشيح، هو موهبة من الله عز وجل يجب أن تصقل بالدراسة الموسيقية، وأننا تراجعنا كثيرا فى هذا التخصص وسحب غيرنا البساط من تحت أقدامنا، ونحتاج الى نقابة خاصة بالمبتهلين المعتمدين إذاعيا حتى نرتقى بالمهنة ونحافظ على أصالة هذا الفن الذي يعد صناعة مصرية خالصة.. والى نص الحوار: كيف كانت النشأة؟ فى السادس من أبريل عام 1958، كان المولد بقرية جميزة بنى عمر مركز ديرب نجم محافظة الشرقية، حيث ولدت فى أسرة فقيرة الحال، ولكنها مستورة، أبى كان يعمل فى البوليس فى الخمسينيات لمدة 25 عاما وخرج من البوليس وعمل تاجرا، واخوتى هم فوزية وكمال ونجاة، وبعد ميلادى بأشهر قليلة، فقدت عينى اليمنى، وكانوا يشفقون على ويذهبون بى الى احد الكتاتيب لكى أحفظ القرآن واتكسب منه، ومع الشيخ السباعى السيد عزب أتممت على يديه نصف القرآن، ثم انتقلت الى الشيخ الحاج محمد السيد وحفظت على يديه ربع القرآن، ثم الشيخ محمود إسماعيل الشريف القارئ بالإذاعة والتليفزيون وأتممت على يديه حفظ القرآن كاملا، وانا فى سن الحادية عشرة من عمرى، ثم بدأت القراءة فى المناسبات داخل ديرب نجم ومركز السنبلاوين، وكان يدربنى على التلاوة الشيخ عبد الحى محمد عفيفى، ودرست على يديه الأحكام والتجويد، وكنت ألازمه كثيرا حتى فى منزله حتى أتعلم كيفية التلاوة الصحيحة، فالفضل كل الفضل لله اولا، ثم الى جميع مشايخى الذين علمونى القرآن حفظا وتلاوة. ومتى اكتشفت موهبتك فى التلاوة؟ البداية كانت فى قريتى، حيث كنت أقرأ فى افتتاح إحدى المناسبات السنوية، بعد ذلك انتقل صيتى الى البلدان المجاورة لى، فقرأت خارج الشرقية والدقهلية، واشتركت عضوا فى نقابة القراء المصرية، وكنت أسجل لكبار القراء فى السهرات لأتعلم منهم. وكيف كانت شهرتك محليا وعالميا؟ الانطلاقة كانت من خلال الإذاعة المصرية فى امسيات واحتفالات على الهواء مباشرة فى مختلف المناسبات، ثم بدأت الدعوات تنهال على من الدول العربية والأوروبية، مثل الاردن وسوريا، والمالديف، وسرى لانكا وتركيا والمغرب وذهبت الى ايران كثيرا، والامارات والعراق واسبانيا وليبيا ودول إسلامية كثيرة. من يختار لك الشعر والتلحين؟ أبيات الشعر من اختيارى ، والتلحين من ادائى، لان من شروط المبتهل الجيد القدرة على الحفظ والتلحين وتعلم المقامات. حدثنا عن فن الابتهال والإنشاد الدينى؟ الابتهالات والتواشيح والإنشاد، فن مصرى خالص متأصل في وجدان المصريين منذ آلاف السنين، وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بحب الله والتقرب إليه وبالصفاء الروحي والسمو بالذات، وقد كان فن المديح والابتهالات موجودا منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك فرق بين الابتهالات والإنشاد الدينى، فالابتهال هو مدح فى الذات الإلهية والتضرع لله سبحانه وتعالى، أو فى الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما الإنشاد يكون مصحوبا بآلات موسيقية، والابتهالات أو الإنشاد الدينى هى موهبة من الله تعالى تصقل بالدراسة الموسيقية، حيث انها تتطلب معرفة المقامات، كما ان الابتهال يكون دون آلات موسيقية، ويعتمد على التنوع في مخاطبة الناس من خلال مقطوعات من الشعر قصيرة، بينما يصاحب الإنشاد الآلات الموسيقية، ويكون بقصيدة شعرية كاملة. وكيف ترى حاليا الابتهال فى مصر؟ عهد المشايخ العظام مثل الشيخ طه الفشنى وإبراهيم الفران وسيد النقشبندى ومحمد عمران هؤلاء كانت لهم اصول عريقة، حافظوا على هويتهم كمصريين يقدمون الابتهال الصحيح، أما حاليا فيعد منهم قليل من هم اساتذة فى هذا التخصص مثل الشيخ عبد التواب البساتينى وعبد الرحيم دويدار وفوزى عبد الغفار ومحمد صابر، ومن الجدد محمد عبد الرءوف السوهاجى، ونحن كمبتهلين قدامى يصنعون مدارس لنا فى الخارج ويقلدوننا بكل المقامات، ولكن للأسف الشديد بعض المبتهلين الجدد حاليا لا يتعاملون مع ميكروفون الإذاعة بدقة ووعى من خلال الأبيات الشعرية والمقامات الموسيقية، وبدأت البلدان الخارجية المهتمة بفن الابتهال والتواشيح الدينية تأخذ البساط من تحت أرجلنا، لاننا تراجعنا كثيرا. برأيك ما أسباب التراجع؟ لاننا فقدنا عدة امور، منها التدقيق فى الشعر المقدم الى المستمع الذى يتناسب مع المبتهل والمستمع، كما يجب على المبتهل ان يراعى الطبقة الوسطى من التعليم، مع مراعاة المقامات الموسيقية التى يجب ان يحفظها ويؤديها المبتهل بغير نشاز، حتى تستمع الأذن الموسيقية بلهفة. وما رأيك فى مدرسة التقليد فى الابتهال؟ إذا أراد ان ينجح المبتهل فعليه ان يدرس المقامات الموسيقية دراسة علمية، فاذا درس يستطيع ان يقول شعرا جديدا لا يقوله احد غيره، وحتى يستطيع ان يقول لحنا جديدا له هو وحده، وأتمنى ألا يتم اعتماد احد الا من كان صوتا فريدا ليس فيها تقليد لآخر، وأتوسم فى لجنة الاختبار خيرا فى ذلك لأنهم أساتذتى، وهذا لا يكون تدخلا فى شئون عملهم، ولكنى أنوه فقط. هل لديكم رؤية للمحافظة على أصالة الابتهال؟ أقترح بصحبة السادة المبتهلين الكبار حاليا ان نعمل من اجل رفعة الابتهال والمحافظة على أصالته، إذ يجب علينا ان تكون لنا نقابة خاصة للمبتهلين الإذاعيين المعتمدين، او الاتفاق مع كل المبتهلين الإذاعيين على اجتماع ولو مرتين كل شهر، وقد عرضت الفكرة مرات عديدة، بحيث يكون بيننا أستاذ لغة عربية، وموسيقى وشاعر حتى نعالج اى خطأ يقع فيه المبتهل، وبذلك نحافظ على أصالة الابتهال والتواشيح المصرية، ونحدث نوعا من التواصل المهنى بين الأجيال المختلفة، ونعمل على تطوير فن الابتهال والتواشيح.