فن الابتهال من الفنون الجميلة التى ساهمت كثيرًا فى نشر الدعوة الإسلامية، فالكلمة الطيبة دائمًا تنطلق إلى الأفئدة ليستشعر بها المتلقى حلاوة النص، وقد برز فى هذا المجال العديد من عباقرة هذا الفن أمثال الشيخ النقشبندى والشيخ نصر الدين طوبار ومازال المستمعون يرتبطون بهذه الأسماء فى مجال الابتهال، لكن هناك عباقرة ظهروا حديثًا يسيرون على نفس درب هؤلاء العمالقة القدامى، ومن أمثال هؤلاء الدكتور محمد البكرى عبدالهادى وهو أول صيدلى يحترف تلاوة القرآن والابتهال الدينى، وهو ابن البيئة الصعيدية التى خرج منها عمالقة الفنون فى كل مجال، فقد نشأ فى مدينة ملوى بمحافظة المنيا بصعيد مصر، فكان لهذه البيئة بصمتها الخاصة التى أهلته لأن يكون أحد أهم المبتهلين على الساحة الآن.. وعن حياته وحبه للابتهال وقصة نجاحه دار هذا الحوار: فى البداية.. حدثنا عن المولد والنشأة؟ - وُلدت ونشأت فى مدينة ملوى بمحافظة المنيا فى صعيد مصر، ونشأت نشأة دينية على حب كتاب الله على يد والدى الشيخ عبدالهادى زكى، وكان محبًا لآل البيت وعلمنى الانشاد الدينى وحفظت القرآن بكتاب القرية فى بلدتنا، وألحقنى والدى بجمعية القرآن الكريم، وساعدنى شيخى محمد عبدالصادق زبادى كثيرًا والذى اكتشف سرعة البديهة فى صوتى وأدائى، وساعدنى أيضًا الشيخ محمد سعد والى وكان شيخ معهد ملوى الإعدادى وكان من علماء الأزهر الكبار الذى كان يمتدحنى عندما أقرأ القرآن شبيهًا بصوت عملاق التلاوة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، مما جعل أستاذ التربية الفنية يضمنى بفرقته التى أنشأها لتؤدى الابتهالات والانشاد الدينى، أيضًا نصحنى الحاج عمر حنفى صاحب أشهر المحلات للآلات الموسيقية بشارع محمد على بأن أتوجه لدراسة الموسيقى على يد الأستاذ مصطفى العيسوى، كما أننى لا أنسى المخرج الكبير عبدالرحمن الشافعى الذى اهتم بى خاصة أثناء دراستى فى كلية الصيدلة بجامعة الأزهر الشريف إلى أن تخرجت عام 1984. هل ترى أن هناك علاقة بين دراستك فى الصيدلة والابتهالات؟ - الصيدلة فن، وعلم الابتهالات فن، فقد تعلمت النشاط الفنى فى كلية الصيدلة وطرقت المسارح فى القاهرة، وكان صوتى قريبًا من الشيخ عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله، ثم جاءت الفرصة للسفر للخارج بعد انتهائى من كلية الصيدلة. من تحب أن تستمع من المشايخ؟ - الشيوخ الذين أحب سماعهم وأنا من مدرستهم الشيخ طه الفشنى رحمه الله، فهذا الرجل أبدع إبداعًا شديدًا، أيضًا الشيخ على محمود وهو الذى بدأ فى الابتهال الدينى الحديث. ماذا يجب على المبتهل مراعاته عند الابتهال؟ - لابد للمبتهل أن يتعلم اللغة أولاً، فما نسمعه الآن من ابتهالات فى إذاعة القرآن الكريم يخيب الظن، فقد درست شرح ابن عقيل وحفظت القرآن، مما مكننى من اللغة وجعلنى متينًا فى الأداء، لكن لغة المبتهلين الآن ركيكة، ثانيًا: لابد من توافر النص الجيد، ثالثًا المناسبة التى تحضرها إن كانت فى مولد النبى أو فى مناسبة الحج، أو أى مناسبة دينية أخرى، رابعًا عدم تكرار النص حتى لا يشعر المستمع بالملل. هل جمعت بين فن الابتهال وتلاوة القرآن؟ - بالطبع.. فالفرق بينهما فى شىء واحد فقط، وهو النفس، فالقرآن له أحكام تجويدية، أما الابتهال فله حرية فى الأداء، فالأحكام التجويدية فى القرآن لابد من الالتزام بها، فهناك ضوابط يجب مراعاتها، فالقرآن له تذوق خاص، أما الابتهال فهناك حرية أكثر به. وما شروط المبتهل الناجح وأدواته؟ - أولاً حسن الصوت وثانيًا: طريقة الأداء، فكل مبتهل له أداء، فهل أداء الشيخ النقشبندى مثل أداء الشيخ طه الفشنى، بالتأكيد لا.. فكل منهما له لون، فلابد للمبتهل أن يقدم للمستمع وجبة دسمة من الابتهالات ويتخير الأداء. وكيف ترد على من يهاجم فن الابتهال والإنشاد؟ - فن الابتهال موجود منذ نشأة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولذلك نرد عليه بأنه لا يقرأون ولا يعرفون الابتهالات، فقد مكثت فى مكة (20) عامًا وفى المدينة عامين، وكان محرمًا علينا الابتهالات ولكن لو علموا أن حضرة الابتهالات تهفو إليها الملائكة، لأن المبتهل يناجى رب السماء، فقد بدأت الابتهالات منذ زمن فعندما وصل الرسول إلى المدينة استقبله أهل يثرب بالأناشيد، ومنها نشيد طلع البدرُ علينا، وكلها ابتهالات، ومازال يقال حتى الآن، حتى الطرق الصوفية اليوم تقدم ابتهالات، فهل نتجاهلها. هل تأثر فن الابتهال بثورات الربيع العربى التى ضربت معظم البلدان العربية؟ - طبعًا.. بالتأكيد. فى رأيك.. ما الهدف الأساسى من الابتهال الدينى؟ - هو توصيل الحب الربانى وحب رسول الله إلى هذا المستمع من روحانية، فالروحانية التى نضيفها فى الابتهالات مثل اليوجا، فهى رياضة روحانية. كيف تسهم كمبتهل مع الدعاة فى توصيل رسالة الإسلام للغرب؟ - باللين والحكمة، فالغرب له طقوس وحتى تحترق الغرب لابد من اللين واليسر فى المعاملة، فقد قال الله سبحاته وتعالى فى كتابه العزيز مخاطبًا الرسول الكريم: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة». هل هناك أحد أفراد أسرتك اتبع طريقك فى الابتهال؟ - للأسف.. لا، فأولادى لم يطرقوا هذا المجال، فابنى الأكبر هو د. حمدى وهو أستاذ ورئيس قسم اللحوم بكلية الطب البيطرى جامعة القاهرة، وابنتى د. رنا وهى جراحة، وعمرو فى كلية التجارة جامعة عين شمس، وحسن وهو الأقرب لحب الابتهال، وأخيرًا ابنتى يمنى، لكنهم جميعًا ابتعدوا عن الابتهالات. كيف تنظر إلى مستقبل الابتهال الدينى فى مصر وكيف تستعيد مصر ريادتها فى هذا الفن؟ - مستقبل الابتهال الدينى فى مصر مشرق، ومصر رائدة دائمًا فى الابتهال الدينى، فلم يخترع الابتهال الدينى فى مصر مشرق، ومصر رائدة دائمًا فى الابتهال الدينى، فلم يخترع الابتهال الدينى إلا مصر، فقد بلغت الفنون أوجها وازدهارها فى الخمسينيات، حيث قدمت مصر نماذج كبرى فى كل الفنون، فيكفى مصر شرفًا أن ثلث آل البيت يقطنون فى مصر، وقد تجلى ربنا سبحانه وتعالى فيها على طور سيناء، فمصر دائمًا فى المقدمة فى كل شىء. هل ترى أنه من الممكن استحضار أداء المبتهلين الكبار أمثال النقشبندى ونصر الدين طوبار الآن أم أن زمن العباقرة انتهى؟ - النقشبندى ونصر الدين طوبار والشيخ على محمود والشيخ كامل يوسف البهتيمى الذى نجح فى تلاوة القرآن والابتهالات معًا، هؤلاء كانوا أصحاب مدارس ولن يعوضوا، أما الجيل الحالى فلا يرتقى لمستوى هؤلاء العمالقة. هل أنت عضو فى نقابة الإنشاد الدينى؟ - لا.. ولا أقلل من شأن نقابة الإنشاد الدينى، لكن هناك نقابة سوف تتبع نقابة القراء، واختير الشيخ على الحسينى نقيبًا للمبتهلين وفضيلة الدكتور أحمد نعينع نقيبًا للقراء فى البرلمان العربى، وسنقوم بتنقيح المبتهلين وسيتم تعليمهم الابتهال وكيفية نطق العربية بشكل صحيح. هل الابتهال الدينى يحتاج لدراسة المقامات الموسيقية أم أنه يكون بالفطرة؟ - نعم.. شرط أساسى للمبتهل أن يتدرب على المقامات الموسيقية وأن يعرفها، فبالرغم أننى أصبحت أستاذًا فى مجال الموسيقى، حيث أعزف على آلة العود وأجيد المقامات الموسيقية، إلا أننى أعتبر نفسى تلميذًا فى هذا المجال، لكننى أعتبر أنه لابد أن يتم ذلك فى ظل الموهبة، فهى الأساسى. ما الفرق بين الإنشاد والابتهال الدينى؟ - الابتهال الدينى يمكن الارتجال فيه، أما الإنشاد فمن الممكن أن تكون هناك بطانة وآلات موسيقية حول المنشد، لكن الاثنين يصبان فى منطقة واحدة. هل طريقة الابتهال تختلف من منشد لآخر؟ - طبعًا، فكل صوت له تون معين وأداء خاص. فى رأيك ما أهم المشاكل التى تواجه المبتهلين؟ - شرب المياه المثلجة وأكل الشطة.. فهما يؤثران على الأحبال الصوتية.