يأتي يوم 25 يناير القادم ليمثل الذكري الأولي لأعظم ثورة شعبية سلمية في التاريخ.. تلك الثورة التي جعلت العالم ينظر بإعجاب إلي الثوار المصريين والشعب العظيم، ولكن بعد مرور عام لم تصل الثورة إلي مداها وإلي نجاحها المحتوم في تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. لا يوجد إنجاز كبير في تاريخ أي أمة بلا ضرائب ولا نجاح بدون تعب لذلك دفع الشعب من دمائه ومن أبنائه فداء لثورته المجيدة، سقط أكثر من ألف شهيد وأكثر من 5 آلاف مصاب منذ 25 يناير وصولاً بأحداث مسرح البالون وماسبيرو وشارع محمد محمود ثم مجلس الوزراء.. في المقابل تحققت خطوات مهمة نحو تحقيق أهداف الثورة بدأت بسقوط الطاغية حسني مبارك وأركان نظامه الفاسد.. وتولي المجلس العسكري إدارة شئون البلاد لحين تسليم السلطة لرئيس منتخب في ظل دستور جديد للبلاد وبرلمان منتخب بإرادة شعبية حرة لم تتحقق عبر تاريخ الوطن منذ مصر الفرعونية.. ولكن هناك إحساساً عاماً بأن الطريق قد ضاع منا وضللنا السبيل نحو الديمقراطية.. عندما انقسمت مصر بين مؤيد للتعديلات الدستورية بنسبة 70٪ ومعارض لها.. لتبدأ معركة الانتخابات أولاً أم الدستور أولاً.. ليميل المجلس العسكري إلي اتجاه الانتخابات أولاً التي كادت تحسم معركتها خلال الأيام القادمة، لتبدأ الجلسة الأولي لمجلس الشعب الجديد في 23 يناير قبل ذكري الثورة بيومين. لماذا يغلب علينا كمصريين الإحساس بأن الثورة لم تحقق أياً من أهدافها؟.. لماذا كل هذه الحالة من الارتباك والخوف من 25 يناير الحالي؟.. ما حدث خلال عام مضي يؤكد أن صحة الوطن ليست في أحسن حال وأن أداء حكومة «شرف» لم يكن عند حسن ظن المواطنين، خاصة أنها خرجت من رحم الثورة ولكنها فشلت لأنها قصرت دورها عند حد العمل كسكرتارية للمجلس العسكري، مما أدي إلي هبوط الاقتصاد الوطني إلي أدني درجاته وفقدت البورصة نحو 191 مليار جنيه، وبالتالي تأثرت معيشة كل المصريين، فالفقراء ازدادوا فقراً، والطبقة المتوسطة ضاعت بسبب حالة الغلاء الرهيب في الأسعار وانهيار قيمة الجنيه وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي لأقل من 20 مليار دولار، وفقده 16 مليار دولار في عشرة شهور. حالة الخوف لما يمكن أن يحدث في ذكري ثورة 25 يناير القادم مؤكدة في حالة تحول الثورة من سلمية إلي استخدام العنف وتصاعد الأحداث لتقويض سلطة الدولة بهدف إسقاط الجيش بعد أن سقطت الشرطة، هناك حالة لخبطة ويأس من المستقبل فبينما كان جموع المصريين يأملون في حياة اقتصادية أفضل وأمن وأمان واستقرار.. ولكن بدأ الأمل يغيب ويتلاشي، الكل يتساءل بعد عام من الثورة أين العيش والحرية والعدالة الاجتماعية؟.. في مصر الآن حالة خانقة من الغلاء الفاحش وأسعار أعلي من مثيلتها في أي دولة في العالم، البطالة تتصاعد والشباب العاطل بعضه اتجه إلي البلطجة كوسيلة لاكتساب لقمة العيش، عصابات خطف المواطنين والسيارات في زيادة مستمرة، ضاع الأمن والأمان وشاعت الفوضي، لذلك نحن نعيش هذه الحالة من القلق والفزع من قدوم يوم 25 يناير. لقد أوشكت انتخابات مجلس الشعب علي الانتهاء واجتماع المجلس أصبح وشيكاً ليتولي عملية التشريع في البلاد مما يعني تقليص سلطات المجلس العسكري الذي يقوم بدور تشريعي من خلال إصدار مراسيم بقانون، وهذه خطوة نحو الديمقراطية ولكن هذه الخطوة لا تعجب كثيرين في الداخل والخارج الذين لا ينشدون لمصر الاستقرار، لذلك تسعي أطراف كثيرة من فلول النظام السابق وأعضاء الحزب الوطني المنحل وبعض رجال الأعمال الذين تضررت مصالحهم إلي إحداث وقيعة بين القوات المسلحة والثوار الذين اندس بينهم البلطجية لإشعال الفتنة، كما حدث في ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء.. فمن الذي يسعي إلي جر الجيش للصدام حتي تدخل البلاد في النفق المظلم الذي دخلته من قبل ليبيا واليمن وسوريا؟.. هل للجمعيات الأهلية وجمعيات حقوق الإنسان دور في إشعال الفتنة؟.. ولماذا يفتح ملفها الآن؟.. هل تلك الجمعيات ضد استقرار البلاد وتسعي لإشعال الحرائق فيها؟.. لماذا كثر الحديث عن تمويل بمليارات الجنيهات للعملية الانتخابية؟.. وأموال أخري استخدمت في تمويل الجمعيات تحت مسمي دعم الديمقراطية من خلال مراقبة الانتخابات وتدريب الأعضاء، مما أدي إلي قيام السلطات بمداهمة مقار بعض جمعيات حقوق الإنسان وفي نفس الوقت تم تجاهل جمعيات أخري، خاصة التي ترتبط بالإسلام السياسي. التحقيقات ستثبت إدانة أو براءة الجمعيات التي تم تفتيش مقارها ومدي التزامها بالقانون أو مخالفته، ولكن هل السلطات تكيل بمكيالين لماذا فتشت جمعيات وتركت أخري، ولماذا لم يقترب أحد من مبني جماعة الإخوان المسلمين في المقطم.. لماذا تركوها؟.. هل وفقت أوضاعها ورجعت تعمل وفقاً لقانون الجمعيات؟.. أم أن الجماعة جمعية عالمية وحصلت علي موافقة وزارة الخارجية للعمل داخل البلاد؟.. مع كل التقدير والاحترام لجماعة الإخوان المسلمين وكل أعضائها فهم أناس شرفاء وطنيون، وقد ظلت محظورة منذ حلها في أربعينيات القرن الماضي وحاربها كل رؤوس الأنظمة السابقة عبدالناصر والسادات ومبارك أودعوا خلال السجون وتم تعذيبهم ولفقت القضايا ضدهم.. وجاءت ثورة 25 يناير وأصبحت الفرصة مواتية لكي توفق الجماعة أوضاعها، إلا أنها لم تفعل وكأنها تريد أن تصبح دولة داخل دولة وتصبح فوق القانون، في حقيقة الأمر الجماعة ليس لها سند من القانون فلا هي جمعية تنتمي وتخضع لقانون الجمعيات، وبالتالي لا أحد يعلم ما هي الصفة التي تقوم علي أساسها، وعلي أي أساس قامت بافتتاح مقرها الجديد «علي عينك يا تاجر».. لماذا لا تصبح الجماعة جمعية أهلية تخضع لقوانين الدولة تابعة لوزارة الشئون الاجتماعية وتخضع حساباتها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.. من الذي يمنعها من توفيق أوضاعها؟.. وقد أصبحت المحظورة غير محظورة.. في زمن أصبحنا نحن المحظورين فهل تتواري الجماعة بعد ظهور حزب الحرية والعدالة وسيطرتها من خلاله علي الحياة السياسية والبرلمانية، ليخرج لنا كبار الجماعة ليقولوا لنا هل هي جماعة دعوية أم سياسية؟.. ومتي ستوفق أوضاعها وتعمل وفقاً للقانون؟.. وإلي متي تستمر في لي ذراع الدولة اعتماداً علي قدرتها علي الحشد والتجييش؟.. لابد من التحول من الحظر للعلن وتوفيق الأوضاع احتراماً للقانون. لقد سيطر الإخوان ممثلين في حزب الحرية والعدالة علي أغلبية في البرلمان وحان الوقت لأن تطرح الأفكار في العلن.. فلماذا لا تخرجون إلي الساحة وقد انتهت انتخابات مجلس الشعب، ومجلس الشوري علي الأبواب ليطمئن المواطنون معهم علي حياتهم ومستقبلهم.. بعيداً عن التخويف بالجنة والنار، لماذا لا يخرجون بدعوة للعمل وانتشال الشباب من حالة اليأس والبطالة.. ماذا تنتظرون لتضيئوا سماء الوطن بالأفكار والمقترحات والبرامج للخروج من عنق الزجاجة الذي يهدد أمن وأمان واستقرار البلاد؟.. أين أفكاركم في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والبحث العلمي؟.. ماذا تنتظرون ولماذا لا تنزلون إلي الشارع لطمأنة المواطنين بدلاً من حالة الخوف والفزع من قدوم 25 يناير خشية تحول الثورة إلي دموية؟.. ماذا تنتظرون وقد انتهت معركة مجلس الشعب لتعلنوا مواقفكم وتصديكم لكل من يخرب ويعيث في الأرض فساداً؟.. لديكم قوة تنظيمية هائلة وكان لكم موقف مشرف في موقعة الجمل حين حميتم الثورة وتصديتم لفلول الحزب الوطني.. لماذا تتقاعسون وأنتم فعلياً قادرون علي العمل؟ الثورة جاءت بحلم وهذا الحلم له تكلفة ولكن يجب من التكاتف والعودة إلي إعادة البناء.. والتوقف عن البكاء والعويل والندب علي ما ضاع حتي لا يضيع الوقت، ليأتي 25 يناير ونحن حريصون علي الثورة وعدم ضياعها واستمرار قوة الدفع.. المجلس العسكري بدوره اختصر زمن انتخابات مجلس الشوري ودعا لاجتماعه في 28 فبراير القادم، ليعطي فرصة لإعداد الدستور ثم إقراره من خلال الاستفتاء ثم إجراء انتخابات الرئاسة لتسليم السلطة في 60 يونيو القادم.. ليأمن بعضنا بعضاً وكفانا تخويناً حتي تصل البلاد إلي بر الأمان ويرجع العسكر إلي ثكناتهم، وتبدأ مصر خطواتها نحو البناء والتنمية والديمقراطية.. فهل يأتي 25 يناير بأمل جديد؟