تعرف على أسماء أحد الشعانين    ورقة المائتى جنيه تستحوذ على الحصة الأكبر من النقد المصدر    محافظ الجيزة يوجه معدات وفرق النظافة لرفع المخلفات بالبراجيل    وزير الخارجية الإسرائيلي يلمح لتأجيل اقتحام رفح حال التوصل لاتفاق بشأن الأسري    الزمالك يتأهل لنهائي كأس مصر للرجال الطائرة    لمكافحة الفساد.. ختام فعاليات ورش عمل سفراء ضد الفساد بجنوب سيناء    حملة على الأسواق والمحلات بمدينة أبوزنيمة بجنوب سيناء لضبط الأسعار    فرقة ثقافة الشيخ زايد تقدم العرض المسرحي "ابن الإيه" بالإسماعيلية    حزب "المصريين" يُكرم هيئة الإسعاف في البحر الأحمر لجهودهم الاستثنائية    مدبولى يشارك فى المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض نيابة عن الرئيس السيسى    52 مليار جنيه حجم أرصدة التمويل متناهية الصغر بنهاية يناير 2024    تعرف على أفضل 10 مطربين عرب بالقرن ال 21 .. أبرزهم الهضبة ونانسي والفلسطيني محمد عساف (صور وتفاصيل)    توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز.. مفاجأة ل«زيزو» وتحذير ل«فتوح»    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    الرضيعة الضحية .. تفاصيل جديدة في جريمة مدينة نصر    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    طارق يحيى مازحا: سيد عبد الحفيظ كان بيخبي الكور    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    ناهد السباعي: عالجنا السحر في «محارب» كما جاء في القرآن (فيديو)    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    بعد جريمة طفل شبرا الخيمة.. خبير بأمن معلومات يحذر من ال"دارك ويب"    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    مدير «تحلية مياه العريش»: المحطة ستنتج 300 ألف متر مكعب يوميا    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قطاع الأمن الاقتصادي يواصل حملات ضبط المخالفات والظواهر السلبية المؤثرة على مرافق مترو الأنفاق والسكة الحديد    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جميل مطر يكتب : العفريت يعود إلى القمقم
نشر في الوفد يوم 30 - 01 - 2017

يوم وصول القطار القادم من بكين إلى لندن كان ترامب يستعد للإعلان عن تخلي أميركا عن مبدأ وسياسات حرية التجارة. لهذه المفارقة في رأيي مغزى خطير. ففي اليوم الذي تحقق فيه هذه المرحلة من العولمة أحد أهم إنجازاتها بتدشين الصين أحدث طريق حرير، أداة النقل فيه سكة حديد توفر نصف الوقت والكلفة، كان دونالد ترامب أحدث رؤساء أميركا يفرض تعريفة جمركية على واردات بلاده. كانت الصين بهذا الإنجاز تحاول أن تمد في عمر آخر مرحلة من مراحل العولمة، وكانت أميركا باختيار ترامب تحاول أن تقصف ما تبقى لهذه المرحلة من عمر.
لن يكون عمر هذه المرحلة من مراحل العولمة، على أهميته القصوى، الشغل الشاغل للسياسيين والمفكرين في الشهور والسنوات المقبلة. قضيت وقتاً مع مجموعة من المهتمين نفكر ونناقش ونستمع، خرجت بعده وفي يدي قائمة من الموضوعات التي يمكن أن تقع تحت عنوان هذه المفارقة، وأغلبها يهدد بدرجة أو أخرى أمن العالم وسلمه واستقراره وليس فقط رخاء وسعادة شعوبه.
يصعب علينا إنكار خطورة الآثار السلبية التي خلفتها مسيرة العولمة في مراحلها كافة وخصوصاً في مرحلتها الأخيرة منذ عقد السبعينات. أيضاً لا يمكن إنكار الإيجابيات، وهي كثيرة، وفي مقدمها تلاقح الثقافات بشكل مكثف وغير مسبوق في التاريخ ودرجة عالية من تبادل الخبرات والابتكارات وإقبال واسع من البشر على التمسك بقيم الحرية وحقوق الإنسان واندماج متنوع وعميق في سوق عالمية واحدة. استفادت دول وشعوب على امتداد المرحلة ولكن ليس كل الدول وليس كل الشعوب. الصين مثلاً التي يقال عنها إنها الدولة والشعب الأكثر استفادة من العولمة الجديدة، حققت دولتها وشعبها غنىً اقتصادياً وارتفاعاً في مستوى معيشة الغالبية العظمى من السكان ومكانة إقليمية أهم وتعليماً أفضل وزيادة هائلة في مجال التجارة الدولية.
لكن الإيجابيات لم تأت صافية، فقد ارتبطت بارتفاع مستوى المعيشة وبالغنى الاقتصادي فجوة واسعة في المداخيل واستقطاب شديد في المجتمع بين أصحاب المداخيل العالية والطبقات الكادحة. كذلك ارتبط الخروج من العزلة السياسية والاندماج في السوق العالمية والانفتاح على تيارات الفكر السياسي والاقتصادي في العالم الخارجي بمظاهر تمرد واسعة ومطالب بحرية أوفر ومشاركة سياسية أوسع كان أبرزها تظاهرة ميدان تيانانمن الشهيرة وما أعقبها من حملات قمع وتقييد للحريات وحرمان الشعب من ممارسة حقوق مشروعة سربتها إلى الصين ممارساتها للعولمة.
لا تغيب عنا حقيقة أن النخبة الحاكمة في الصين لم تقنع أحداً في الغرب بأنها وإن اندمجت في السوق الرأسمالية العالمية تظل تعمل وفق نظام غير رأسمالي. واقع الأمر أن الشيء الوحيد غير الرأسمالي في النظام الاقتصادي الصيني هو اسم الحزب الشيوعي الصيني. بل إن بعض ممارسات الصين الاستثمارية والتجارية مع دول ناشئة أو فقيرة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية لا يمكن وصفها إلا بأنها من نوع يختلف قليلاً عن أساليب الاستعمار الغربي وقريبة جداً من النمط الياباني في التوسع الاستعماري عقب انتصار اليابان على روسيا في أوائل القرن العشرين. لم يكن هذا الأمر خافياً على الدول الغربية بل لعله كان تطوراً تاريخياً مرغوباً فيه، إذ كانت الصين قبل الثورة الشيوعية كنزاً مفتوحاً وغير قابل للنضوب بشعب كثيف وإمكانات استهلاك هائلة وثروات خام بلا حدود وأمراء حرب وبيروقراطية في حال اقتتال لا يتوقف. لذلك كانت حماسة أوروبا والمصالح المالية والشركات الأميركية برحلة كيسنجر وقرار نيكسون إقامة علاقات مع الصين في أواخر عهد الزعيم ماو، مثالاً بارزاً على الرغبة الدائمة لدى الغرب في عودة الصين إلى السوق الرأسمالية.
عادت الصين إلى العالم، وليس فقط إلى الغرب، بكل طاقتها الإنتاجية. انغمست في النظام الرأسمالي بكل ما تسمح به براغماتية زعمائها في الحزب الشيوعي. بانغماسها هذا وبقوة اندفاعها وضخامة طموحاتها صارت القوة الرئيسة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وراء مسيرة العولمة بل صارت رمزاً لها. تجاهلت الشكوى من سياسات الإغراق وانتقلت بهدوء من التجارة إلى بسط النفوذ وشراء القواعد البحرية وبسط الإرادة في أقاليم الجوار وتسلحت بأحدث الأسلحة والبوارج والصواريخ وحاملات الطائرات.
استمرت الصين تتقدم بسرعة وبمعدلات مرتفعة مستخدمة بساط العولمة ومستفيدة من التوسع في طرق حرير مبتكرة وفي تطوير أساليب حماية هذه الطرق. كانت مطمئنة إلى مكانتها في العولمة وثقتها فيها، وفي الوقت نفسه كانت حذرة إلى أقصى حد لتمنع سلبيات العولمة من أن تهيمن على المسيرة. لم تسمح في أي وقت بهجرات واسعة من دول الجوار أو من أي دول أخرى. لم تسمح بانتقال حر لرؤوس الأموال الصينية وفائض الثروة إلى الخارج. وضعت كل العراقيل الممكنة أمام التوسع في فتح نوافذ للاتصال مع عالم الرأي والفكر والمعلومات والشبكة العنكبوتية. قيدت حركة ونشاط الأقليتين الإيغورية المسلمة في شمال غربي الصين والتبتيه في أقصى الجنوب الغربي. بكلمات قليلة، استطاعت الصين وبنجاح كبير أن تتعامل مع العالم بحسب «فهم صيني للعولمة» تماماً كما فعلت الولايات المتحدة عندما تعاملت مع العالم بفهم أميركي للعولمة، بل إنها أرادت من العالم أن يفهم أن العولمة مسيرة أميركية، أميركا صاحبتها ومطلقتها ومهندستها.
لذلك يبدو منطقياً ومفهوماً ما فعل الرئيس دونالد ترامب. للحق لم يكن وحده الذي تنبه إلى أن العولمة كما دشنتها أميركا، وغيرها من دول الغرب، تجاوزت عمرها الافتراضي وبأن سلبياتها صارت تتفوق على إيجابياتها إلى حد جعله يرى أميركا ضحية من ضحايا العولمة. سبقه البريطانيون الذين عاد الشك في نوايا القارة الأوروبية يسيطر عليهم. فالعولمة في صيغتها الأوروبية حاولت الانتقاص من سيادة حكومة لندن، حاولت أيضاً إجبار بريطانيا على فتح حدودها لاستقبال الباحثين عن العمل من شرق ووسط أوروبا واللاجئين من خارج أوروبا. لم تتعود بريطانيا على امتداد قرون عظمتها أن تكون واحدة بين كثيرين متساوين أو غير متساوين. هكذا أرادتها العولمة أن تكون. رضيت في البداية بقيادة أميركا للعولمة لأنها كانت وربما ما زالت تعتقد أن الولايات المتحدة امتداد عضوي لها. بل إن بعض زعماء إنكلترا تخيلوا أحياناً أنهم هم الذين يوجهون واشنطن وليس العكس. لا جدال في أن هذا التخيل راود زعماء مثل تشرشل وثاتشر وبلير. رضيت بريطانيا بعولمة تقودها واشنطن لتجد نفسها في عولمة يقودها موظفون في بروكسيل. تمردت وخرجت من الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي شهد ظهور دونالد ترامب في الولايات المتحدة يدعو أميركا للتمرد على نفسها وعلى نخبة حاكمة جلبت عليها عولمة كريهة سمحت للصين أن تزدهر وتقوى ولأوروبا أن تستقر وتنتعش اعتماداً على أن واشنطن تقود وتنفق وتحمي. الكل في رأي ترامب وجماعته ينعم وأميركا تعاني.
الفترة المقبلة عصيبة بكل المعايير. أملي أن يبقي الخلاف مقتصراً على قضية الفهم المختلف لطبيعة وأسس العولمة. إلا أن الواقع يؤذن بشيء آخر، فبريطانيا المترفعة عن عضويتها في الاتحاد الأوروبي لن ترضى بأقل من أن تعاملها الدول الأوروبية كالأولى بينهم وبعدها بمسافة الباقون، وأميركا الترامبية لن ترضى بأقل من أن تساعدها الدول الحليفة والصديقة لتعود فتستحق أن تكون عظيمة وتحمل لقب الدولة العظمى أو الأعظم. وألمانيا ومعها فرنسا أو من دونها لن تتهاون في صد تيار الشعبوية ومنع الاتحاد الأوروبي من الانفراط والتسليم بهيمنة روسيا. روسيا لن تدع الفرصة تفلت، لقد وصلت إلى ما وصلت إليه في الشرق الأوسط بكلفة باهظة سمحت لها باستبعاد الولايات المتحدة من المنطقة بعد تشويه سمعتها وسلبها حلفاءها وبعد أن سدت طرقاً عدة أمام عودتها.
أما الصين فلم تنتظر. كانت تخطط للمحافظة على فترة أطول من الاستقرار الدولي تسمح لها بتطوير قدراتها وتوسيع مساحات نفوذها إلى أقصى حد ممكن استعداداً ليوم يدعوها المجتمع الدولي لتولي مسؤولياتها في مراتب القيادة والمسؤولية الدولية. فاجأها خروج بريطانيا وصعود ترامب وتنامي الحركة الشعبوية في أوروبا، ولم تكن سعيدة بإخلاء الشرق الأوسط لروسيا. هي الآن أمام موقف لا تحسد عليه لأنها مجبرة على اتخاذه قبل أوانه، وهو أن توافق فوراً على تسلّم تركة أميركا التجارية في آسيا، وبالتالي تركتها العسكرية والسياسية في حال استمر صعود ترامب وحلفائه الشعبويين في أميركا وخارجها.
نعيش نهاية العولمة كما عرفناها. إنهم يعيدون العفريت إلى القمقم.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.