مقال اليوم هو الأخير في سلسلة «هتافات الثوار لها تاريخ» التي رصدت فيها هتافات الثوار المصريين منذ المماليك والعثمانيين ثم الحملة الفرنسية والاحتلال الإنجليزي وصولا إلي ثورة 52 وانتهاء بثورة 25 يناير المجيدة. واتساءل في البداية: «ما الذي أوصل الثوار الي تغيير هتافهم الشهير في يناير وفبراير من «الجيش والشعب إيد واحدة» تعبيرا عن امتنانهم لوقفة الجيش إلي جانبهم، إلي هتافات نوفمبر وديسمبر من نفس العام «يسقط يسقط حكم العسكر»؟ ما الذي حدث في عشرة شهور؟ ان استعراض الأحداث والهتافات التي عبرت عنها كفيل بالإجابة عن هذا السؤال. فبعد شعور الثوار بالتباطؤ الواضح - علي حد تعبيرهم - في تنفيذ مطالب الثورة، خرجوا في مليونيات تضغط علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، الذي تولي زمام الأمور. وبدأت تحدث المواجهات ويسقط الشهداء والمصابون من الجانبين. في البالون وماسبيرو والتحرير «حول الصينية». وفي نوفمبر بدأت الموجة الثالثة للثورة.. وموقعة شارع محمد محمود، فانطلقت الهتافات: «ثورة ثورة حتي النصر.. ثورة في كل شوارع مصر» وازدادت السخونة فهتف الثوار: «الشعب يريد ان يحقن الدماء» ولكن بدأ التعامل معهم بكثافة بقنابل الغاز والقناصة فهتفوا بخفة دم المصريين «الشعب يريد الغاز القديم!» مشيرين إلي استخدام نوع جديد من قنابل الغاز منتهية الصلاحية وليست كسابقتها. وهتفوا «اضرب واقتل بالقناصة لسه في صدري مكان للرصاصة». وقد كتبت في أحداث نوفمبر واندلاع الموجة الثانية للثورة هذه التغريدة: الموجة الثانية للثورة .. فرزت ثوار مصر الحرة بّينت الصادق الكاذب .. مين جوه الثورة .. ومين برة في نوفمبر كملنا يناير.. رجّعنا التحرير الثاير سقّطنا بقايا نظام جاير.. كان فيه الروح وإحنا ما ندري وحياة دم الشهدا ما ضعود.. الا اما رايات الحق تسود حراس الثورة ولاد وجدود.. ولا شيء يرهبهم بالمرة ميادين التحرير في بلادنا... أرضها شربت دم ولادنا ولا تيار ولا حزب نجدنا.. والشعب لوحده حمي الثورة وجاء ديسمبر لتشتعل المواجهات التي زادها خطورة نزول الجيش إلي الميادين والشوارع وهذا خطأ مهما كان التبرير، والنتيجة المنطقية سقوط المزيد من الشهداء والمصابين عن مجلس الوزراء ومجلس الشعب واحتراق المجمع العلمي ووصل الأمر الي الاعتداء علي الفتيات ومنهن من تمت تعريتها ودهسها بالأقدام لينفجر بركان الغضب بعد بث فيديو الدهس والتعرية، فهب الثوار نساء ورجالا في مليونية جديدة يهتفون ويهتفن «ياللي ساكت ساكت ليه دي مش عرضك وإلا إيه» و«لو تسحلني وتعريني دم الشهدا حيغطيني» وأيضا: «يسقط يسقط حكم العسكر مصر بلدنا مش معسكر»! وبادر المجلس الأعلي للاعتذار فهتفت سيدات مصر «مش قابلين الاعتذار هتك العرض مش هزار» و«قالوا حرية وقالوا عدالة البسوا اسود ع الرجالة» وطبعا «يا مشير قول لعنان لسه الثورة ف الميدان».. وترد عليهم مظاهرة العباسية «يا مشير قول لعنان مصر فيها ألف ميدان»! وهكذا انقسمت مصر إلي فسطاطين وربما أكثر، حتي هتافاتها التي كانت موحدة انقسمت وانشطرت وتشظت.. فمن المسئول؟!