كلمات زميلي «صفوت دسوقي» ونحن نعزيه في مصابه الأليم.. بعدت كثيراً عن المشهد السياسي والطعون الانتخابية، وبرلمان الثورة، واحتمالية سيطرة التيار الديني علي الحكم في بلدنا.. نسيت أحداث التحرير وما بقي من أثر ثورة يناير، ذهبت إلي حيث المستقر والنهاية إلي التراب جميعاً نعود، حقاً وصدقاً، توقفت متأملة استغرقني خيالي وهبط بكل أحاسيسي للأعماق، كانوا يعدون «الرجل» لمثواه الأخير إثر حادث مروع.. تركهم الابن الذي تعدي العشرين بقليل ليختلي بأحزانه ويحاول أن يستوعب فقدان أبيه وهو الذي ما لبث أن غطي وجهه بعد أن تعرف عليه في مكان الحادث، صعد الشاب إلي غرفته وسط ذهول الجميع، يوم عصيب، صراخ وعويل يهز أركان البيع الذي فقد تواً ربه وحاميه. آهات مكتومة وأنين يتسرب خلسة من قلوب محسورة مختلط بصوت الشيخ يتلو آيات الذكر الحكيم تهدئ الجالسين وتعمق الإحساس بالإيمان وتحض علي الصبر.. اختفي الابن من المشهد تماماً، تمر الساعات عصيبة فيما انتهت أعمال «الغُسل» والتكفين ويتهيأ الناس الآن لتشييع الجنازة. العيون تبحث عن الابن ليحمل نعش أبيه إلي مثواه الأخير، كيف يختفي في مثل هذا الوقت؟.. الزوجة الشابة تصعد لتوقظ زوجها وتواسيه وتشد من أزره ليتحمل الموقف الصعب، فجأة.. صراخ ينطلق من غرفة الابن.. مات «الجدع» يا ولداه. حركته لم يتحرك نادته بأعلي صوتها لم يجب لا أحد يصدق. مات الابن، فعلاً، حزناً علي أبيه وكأنهما كانا علي موعد للقاء في قبر العائلة مساء، كأنه خاف علي أبيه من ظلمته فأبي إلا أن يرافقه ويؤنسه. آه.. لو علم الأب بهذه اللحظة منذ 22 عاماً وقف تلقف وليده ساعة ميلاده ففرح بمن اعتبره امتداداً لعمره.. والآن مات الذي خلف، ولحق به من خلفه، وها هما الاثنان محمولان إلي قبر واحد. إنها إرادة الله، والقضاء والقدر.. والساعة المكتوبة التي لا مفر منها، والحدث الذي يجري مجري الدم في الأنهار بلا نهاية، تُري ما الذي تفكر فيه الآن الزوجة والأم التي فقدت نور عينيها وظل حياتها، تجرعت مرارة الفراق «مكثفة» وراحت في نوبة «صمت» والله وحده يعلم حتي وكيف ستعود. نعم.. بعض الموت كارثة.. وكثير من قصص الفراق ذات نصل حاد يشق القلب ويفطر الروح. بقلم - نادية صبحي