كان يحلم بالجلوس أمام ميكروفون الإذاعة لينضم إلى عباقرة التلاوة.. وبالفعل تحققت أمنيته، وانطلق صوته عبر أثير الإذاعة فى النصف الثانى من حقبة السبعينات، وتوقع أهل بلدته أن القدر ساق لهم «عبدالباسط» جديداً، فإذا بهذا الصوت يلبس عباءة «المنشاوى» إلى حد التقمص، لعدة سنوات حتى استقل بشخصيته القرآنية وتفرد بصوته. حتى درس الموسيقى من أجل القرآن، فرأى أن موسيقى القرآن أفضل مما تعلم ودرس لأنها من عند الله عز وجل. ولد الشيخ أحمد الرزيقى فى 18/2/1938 بقرية «الرزيقات» قبلى بمركز أرمنت بمحافظة قنا فى صعيد مصر، وقد ألحقه والده بالمدارس الابتدائية بالقرية، لكنه رأى ذات يوم حشداً من الناس يتجمعون أمام بيت المرحوم الحاج الأمير داود التاجر المعروف بالبلدة والوحيد الذى كان يمتلك «راديو» فى القرية، فعلم أن الجميع يستمعون للشيخ عبدالباسط عبدالصمد فى تلاوته، فما كان من الصبى «الرزيقى» إلا أنه هرب من المدرسة متجهاً إلى كُتاب القرية دون أخذ رأى أحد، وعندما علم والده أقر ما فعله ووافق عليه، وعلى مدار ثلاث سنوات أتمَّ «الرزيقى» حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ محمود إبراهيم، وبعد ذلك التحق بمعهد القراءات بقرية «أصفون المطاعنة» لدراسة فن التجويد على يد الشيخ محمد سليم المنشاوى، وأقام الرزيقى بالأقصر فى القترة من (1961 – 1974) يقرأ فى القرى والمراكز المحيطة فى محافظات الصعيد، فقد كان عاشقاً لتراب الصعيد، حتى نزح إلى القاهرة لدراسة الموسيقى بقسم الدراسات الحرة بمعهد الموسيقى العربية لمدة سنتين فى منتصف الستينيات على يد المؤرخ الموسيقى محمود كامل، وحاول التقدم لاختبارات القراء بالإذاعة، لكنه اصطدم بالشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل، مراقب الشئون الدينية والثقافية بالإذاعة وقتها، واضطر للعودة إلى بلدته فى انتظار الفرصة، حتى فكر فى أن يكتب للرئيس السادات فى ديسمبر 1974 متمنياً أن يخطر الإذاعة لتبعث له بموعد اختبار كقارئ، واستجاب الرئيس لرغبته، وبالفعل تقدم للإذاعة بالفعل فى يناير 1975، واعتمدته لجنة الاختبار فى فبراير، وانطلق صوته عبر أثير الإذاعة، من البرنامج العام مباشرة ثم انضم إلى كوكبة القراء بالتليفزيون، وعين قارئاً للسورة بمسجد السيدة عائشة قبل أن ينتقل لمسجد السيدة نفيسة «رضى الله عنهما». وكان طبيعياً أن ينطلق ذلك الصوت ليجوب الآفاق فى مختلف دول العالم بصحبة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، وكان يعتز بشهادة خادم الحرمين الشريفين الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله – أثناء لقائه فى آخر عام 1976 بصحبة الشيخين عبدالباسط عبدالصمد، ومحمد الطبلاوى، حيث أشاد العاهل السعودى بأسلوب الشيخ «الرزيقى» فى التلاوة، وإجادته لمخارج الحروف، وعندما سألوا الشيخ «الرزيقى» عن إحساسه وقتها، أجاب: هذا شيء طبيعى ففى رأيى أن القرآن «صعيدى» وكان يقصد أن قراء الصعيد يجيدون حفظ القرآن، ويلتزمون بالمخارج أكثر من غيرهم. وفى أستراليا حملوا الشيخ «الرزيقى» مطالب عدة قدمها وقتها للإمام الأكبر الشيخ جاد الحق، شيخ الأزهر فقرر فضيلته إيفاد ثمانية علماء لتدريس علوم القرآن هناك. وفى لندن مكث «الرزيقى» بها فترة، فكان يدخل الإسلام أكثر من 150 فرداً فى اليوم. وفى فرنسا حضر والشيخ عبدالباسط عبدالصمد مهرجان الأيام الموسيقية العربية على مسرح «الاماندييه» وما إن بدأ فى تلاوة القرآن حتى امتلأ المسرح عن آخره وكان أغلبهم من الفرنسيين المسلمين. وخلال رحلته مع القرآن التى تخطت الأربعين عاماً اقترح عدة أمور من شأنها رفع مكانة القراء، وطالب بأن يتولى مشيخة المقارئ عالم برسوم المصاحف المختلفة مع رفع الأجور، وقد حصل فضيلته على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى من الرئيس محمد حسنى مبارك عام 1990 تقديراً لدوره فى خدمة القرآن الكريم، والعديد من الميداليات وشهادات التقدير، وهو قارئ السورة بمسجد السيدة نفيسة رضى الله عنها ووكيل نقابة القراء. أيضاً سجل المصحف الجامع لأحكام التلاوة بصوته مع أحكام التجويد على امتداد خمس سنوات (1978 – 1982) وسجله للسعودية أيضاً. ومع آخر ليلة قرآنية أحياها رحمة الله عليه فى أرمنت الوابورات بعدها إلى الأقصر ثم إلى أرمنت، حيث مسقط رأسه ورفض العودة للقاهرة، بعد شعوره بالمرض وتمنى من الله أن يتوفاه بوم الخميس ويدفن يوم الجمعة، فاستجاب الله له بعد أن صلى المغرب ومن ثم أعلن خبر وفاته، وقد أذاع التليفزيون الألمانى ذلك الخبر، كما صلوا عليه فى أمريكا صلاة الغائب، رحم الله ذلك الصوت المبدع جزاء ما قدم.