«ذات يوم كنت فى طريقى إلى المدرسة، وكان الجو باردا، فوجدت جموعا من الناس يقفون عند باب منزل أحد الوجهاء فى بلدتى، أردت أن استطلع الخبر، فسألت عن الأمر، فأخبرونى أن الشيخ عبدالباسط عبدالصمد سوف يقرأ القرآن عبر الإذاعة. وما هى إلا لحظات حتى كان صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد عبر الإذاعة، فملك قلبى وقلوب الجميع. وببراءة الطفولة قلت فى نفسى: لم لا أكون مثل الشيخ عبدالباسط؟..»، هكذا يتحدث أحمد الرزيقى، عن اللحظات الأولى التى قرر فيها أن يكون مقرئا شهيرا. يحتاج الحلم دائما إلى خطوة جريئة للوصول إليه، ولم يتأخر الطفل أحمد الرزيقى فى اتخاذها، قرر ترك المدرسة فورا، والالتحاق بالكتاب، وخلال 36 شهرا كان قد أتم حفظ القرآن الكريم، وكافأه والده بأن اشترى له «راديو» صغيرا، حينها كان الطفل لم يتم العاشرة من عمره. كان الرزيقى يحب شيخه محمود إبراهيم، الذى حفظ القرآن على يديه، وقال عنه فيما بعد: «علمنى الكياسة، وكيفية التعامل مع الناس، وكيف أفكر قبل إصدار القرار، وأن أتذوق الكلمة قبل نطقها، فإن كان طعمها مستساغا أنطقها، وإذا كانت مُرة، فسوف تكون أكثر مرارة إذا خرجت من لسانى. وعلمنى متى أتحدث، وفى أى وقت أتحدث.. لقد كان الكتّاب جامعة». بعدها التحق الرزيقى بمعهد القراءات ببلده فى أصفون، التابعة لمركز إسنا، فى الأقصر. يوميا، كان الطفل يسير نحو 15 كيلو مترا، ما بين قريته «الرزيقات» التابعة لمركز أرمنت، و«أصفون»، ذهابا وعودة. لكنه لم يكن يتعب. درس التجويد على يد الشيخ محمد سليم المنشاوى، ثم انتقل إلى الأقصر، ليعيش فيها من 1961 وحتى 1974، وفى أوائل 1975 سافر إلى القاهرة، وتقدم لمسابقة الإذاعة واجتازها بنجاح. ويحكى الرزيقى عن هذا الاختبار، فيقول: «أثناء اختبارى كقارئ، كان الشيخ الغزالى رحمه الله أحد أعضاء لجنة الاختبار، وطلب منى فضيلته أن أقرأ سورة «التغابن» تجويدا، فقلت لفضيلته: لم أعوّد نفسى على تجويدها، ولكننى أجيدها ترتيلا. فأصرّ، لكننى كنت أكثر إصرارا، فقال له زميله باللجنة، المرحوم الدكتور عبدالله ماضى: يا شيخ محمد، الرزيقى صادق، وهذه تحسب له.. فأود أن تجعله يقرأها مرتلا.. وكان الشيخ محمد الغزالى سمحا، فقال لى: رتلها يا شيخ أحمد. فرتلت سورة التغابن، وسعد الشيخ الغزالى بالأداء وشكرنى. ودارت الأيام، وجاءتنى دعوة لإحياء شهر رمضان بدولة قطر عام 1985، وشرفت بصحبة الشيخ محمد الغزالى الذى دعى لإلقاء دروس العلم. وفى ليلة من ليالى الشهر الكريم كان مقررا أن أبدأ الاحتفال بتلاوة القرآن، ويقوم فضيلة الشيخ الغزالى بالتعليق على ما أتلوه. فطلب منى أن أقرأ من سورة آل عمران: «ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة»، فقلت له: إنى سأقرأ التغابن، فابتسم ابتسامة عريضة؛ ولأنه صاحب أخلاق كريمة، قال: اقرأ آيتين من آل عمران ثم اقرأ التغابن، حتى نتحدث فى المناسبة. لم أقصد من وراء قولى هذا لفضيلة الشيخ الغزالى إلا لأذكّره فقط بما حدث بلجنة الاختبار. درس الشيخ أحمد الرزيقى الموسيقى فى معهد الموسيقى العربية، وعاش فترة فى لندن، وكان دائما ما يلازم شيخه «وبلدياته» ومثله الأعلى عبدالباسط عبدالصمد، فقد ولد عبدالباسط فى قرية المراعزة التابعة لمركز أرمنت فى الأقصر، وولد الرزيقى فى «الرزيقات»، التابعة لنفس المركز، وحضرا معا مهرجان الأيام الموسيقية العربية، على مسرح الأماندييه بباريس. عين الرزيقى قارئا لمسجد السيدة نفيسة منذ 1982. وناضل مع زملائه فى السبعينيات من أجل إنشاء نقابة قراء القرآن، وظل أمينا عاما لمجلسها حتى انتقل إلى رحاب ربه فى الثامن من ديسمبر عام 2005.