ما بين يتيم الشارع ويتيم الملجأ تفرقة عند البعض تكاد تصل إلى طريقٍ له عواقب سيئة، ولكن إذا أمعننا النظر جيدًا أدركنا أن طفل الشارع هو يتيم أيضًا ولكن بلا مأوى. ومن هنا نتساءل لماذا هو مقيمٌ فى الشارع رافضٌ الذهاب إلى أى مكان يأويه ويعمل على راحته ويوفر له إحتياجاته. تجول مراسلو "الوفد" بالشارع المصري فروى "حسام عوض" الطفل الذي لم يكمل الحادية عشر من عمره أن تجوله بشوارع القاهرة وبيعه مناديل أقرب إلى نفسه من المكوث بمكانٍ مغلقٍ فترة طويلة؛ فالشارع هو المكان الوحيد الذي يجلب له رزقه كى ينفق على نفسه ودراسته. وعندما استطلع مراسلو "الوفد" رأيه في إرساله إلى ملجأ والتكفل بكافة المصاريف اللازمة لتعليمه رفض بشدة قائلًا:"لأ أنا صحابى كانوا فى ملاجئ وهربوا منها، هى جميلة علشان بتعلم كويس بس هما بيشدوا عليهم جامد فمارضيوش يكملوا". وعن دراسته فى المدرسة؛ أقر بعشقه الشديد لها لدرجة أنه يسعى للحصول على نفقات مجموعات التقوية التى يُجبره مدرسيه على دفعها. أما بالنسبة للطفل "إسلام" ذو الخامسة عشر من عُمره فأشار إلى أنه لم يُدرك ملامح أباه جيدًا لأنه توفي منذ أن كان عمره عامين. ترك المدرسة واتجه للشارع؛ يلمع سيارات ويطوف بالشوارع ويعمل طوال يومه ليعود إلى والدته فى نهاية اليوم يُعطيها ما رزقه الله به من أموال. موقف "إسلام" من ذهابه إلى أي ملجأ سلبيٌ جدًا؛ حيث رفض بشدة هو الآخر خوفًا من سوء المعاملة التى يحكي عنها أصدقائه؛ فهو بطبعه مُحبًا للمرح والحرية والانطلاق بالرغم من سوء المعاملة التى يتعرض لها يوميًا من الناس بالشوارع. ويروي إسلام" موقف له مع سيدة كان يلمع لها سيارتها ولم تُعطى له أموالًا فشعر بالنقص والحقد الطبقى، ولم يضع كونه يتيمًا فى الحسبان ولكن عندما يرى أطفالًا تلتف أيديهم حول أيدي آبائهم، يمرحون ويلعبون يبكى بكاءً تكاد تنغمر العين له بالدموع، وحينها شعر بالحرمان وأدرك معنى كلمة "يتيم". وعن الطفل "محمد عبد الله" البالغ من العمرعشرة أعوام الذى فقد أمه فأصبح الشارع هو الملجأ والمأوى له ولم تبخل عليه الحياة بالألم فأبعدت عنه والده بسفره إلى الخارج وتلطم فى شوارع القاهرة يستغله كل من يجده. وقال "عبد الله" خلال لقائه بمراسلي الوفد "أنا بشتغل مع بتاع اللحمة وبيدينى 5 جنيه فى اليوم بس أنا هاسيبه علشان قلت له جعان وقاللى هخليك تاكل آخر اليوم لما الناس تمشي"، مُضيفًا "كنت عايش مع جدي وطردني من البيت وقالي لو جبت فلوس هخليك تعيش معايا وأنا دلوقت بنام فى الشارع فى أى مكان". وعند سؤاله عن إمكانية تقبله لفكرة الذهاب لملجأ ما وافق على الفور قائلًا "علشان أبقى محترم". ووجه رسالة إلى مصر قائلًا "بحب مصر قد البحر بس نفسي كمان أكمل تعليمي".