هنا بداية «اليتم» الحقيقى، هكذا تشير اللافتة الجديدة، بعد أن انتهت حياتهم تحت لافتة دار رعاية الأيتام، حكايات مشابهة للمصير نفسه بعيداً عن أعين الدولة، هى حكايات من بلغوا 18 عاماً، وهى السن القانونية فى دور الرعاية، وأعلن لهم مشرفو الدور عن نهاية «الخدمة»، بدون شهادة جامعية، أو مكان للإقامة، أو عمل، فى منتصف هذا الطريق توقف «عفيفى مصطفى» البالغ من العمر 23 عاماً ليسرد القصة التى لم يبدأها بحياته فى الدار، واختار أن يبدأها بحياته بعيداً عنها، انتهت مدة إقامته فى دار رعاية «أهالينا» لأيتام ومجهولى النسب، وودعه المشرفون بعبارة «يلا مع السلامة كتر خيرنا أوى لحد كده»، لم تدهشه العبارة كثيراً، فقد اعتاد الإهانة أسلوباً للمعاملة داخل الدار، وبدأ فى شق طريق صعب من العمل فى محلات الفطائر والمطاعم، ينتهى من عمله فى المحل ثم يفترش أرض المخزن ليلاً، وكأنما أعلنت خروج العاصفة بسؤاله عن حياته، سرد عفيفى القصة كاملة قائلاً: «بقالى 4 سنين برا الدار، لما وصل سنى ل18 سنة خرجونا من الدار من غير أى مساعدة، مع إن المفروض أن لينا شقق فى مشروع إسكان الأيتام، لكن ماخدناش حاجة، ادونا شوية فلوس، ورمونا فى الشارع، وكل واحد يشوف مصلحته» ويضيف عفيفى: كان نفسى أكمل تعليمى، بس فى سنة تانية قالولى انت خلاص مالكش حاجة عندنا، اشتغلت فى كل حتة، وقعدت فى الشارع، ودلوقتى بشتغل وأنام فى المحل اللى أنا شغال فيه». حقوقه فى الحصول على مكان للإقامة، أو فرصة للعمل، هى التى حاول عفيفى وغيره البحث عنها، ولكن بلا جدوى، «حاولنا نتكلم معاهم إن لينا شقق، وحاولنا نوصل صوتنا إن إحنا كده هنضيع، بس ما حدش سمعنا، كل اللى بحلم بيه مكان أعيش فيه وأبدأ حياة كويسة، وأخلف عيال ربيهم مش أرميهم فى الشارع». «عاطف أنور» حكاية أخرى لا تختلف كثيراً عن حكاية «عفيفى»، سوى فى الشقة التى تمكن من استئجارها بمبلغ شهرى، رحل عن الدار نفسها دون أى فرصة للحياة، وجد عملاً بصعوبة فى محل حلويات، يعمل به 12 ساعة متواصلة للحصول على رزق لا يكفى إيجار شقته التى يهدده المالك بالطرد منها بين لحظة وأخرى، عن ذكريات لا تترك عقله يتحدث «عاطف» قائلاً: أنا دخلت الدار بمحضر شرطة، وحتى اسمى الحكومة هى اللى اختارته، فى ابتدائى كانوا بيعاملونا كويس، بس من أول إعدادى بدأت البهدلة والضرب، ولما وصلنا ل 18 سنة قالولنا مع السلامة، المفروض إن كل دار بتعمل دفتر توفير لأى طفل، عشان لما يكبر يلاقى حاجة يتسند عليها، بس فى الواقع ده مابيحصلش». «عزيزة عمار» وكيل وزارة التضامن الاجتماعى، تحدثت ل«اليوم السابع» قائلة: الأطفال مسؤولية دور الرعاية والجمعيات ووزارة التضامن الاجتماعى منذ بداية تسليمهم للدور، وحتى سن 18 عاماً، وبعد بلوغ هذه السن لا تقع مسؤوليتهم فى نطاق أعمال أى من هذه الجهات». تكمل «عمار»: أماكن الإقامة، ومشروعات إسكان الأيتام، أو مشروعات العمل والزواج، والمبالغ المالية التى يحصلون عليها بعد بلوغ هذه السن، تعتبر مساعدات خيرية من الجمعيات والهيئات الخاصة برعاية الأيتام، ولكنها ليست بنوداً ملزمة للوزارة.