يميل من يحملون فكرا أيديولوجيا مغلقا إلى اعتبار أن فشل نظام حكم سياسي بعينه ناجم عن أيديولوجيته، ويقصرون بذلك الحكم على بعد واحد مشكوك بأهميته. فغالبا ما يحكم الدول غير الشمولية أمور كثيرة، مثل مصالح الفئات الحاكمة وضرورات الحفاظ على السلطة. وللأيديولوجية أيضا دور لا سيما في الدول الشمولية، ولكن المبالغة في حجم هذا الدور غالبا ما يكون سببها أيضا ايديولوجي. ولذلك يميل بعض المعارضين للنظام الى الاعتقاد أن الحل سوف يكون استبدال أيديولوجية بأخرى لأن تلك "الحاكمة" فشلت، وثبت فشلها. والحقيقة أنه، كما لم يفشل الإسلام في تحدّي التقدم والصراع مع الغرب، بل ما فشل هو الدولة العثمانية في نهاياتها الاستبدادية، كذلك لم تفشل الاشتراكية، بل النظم الاشتراكية الاستبدادية التي شوهت الاشتراكية وحولتها الى أيديولوجية شمولية. وما فشل في مصر هو ليس أيديولوجية النظام ( التي لا ادري ما هي بالضبط)، ولا هذا ما فشل في تونس أو سوريا. ولم تفشل العروبة، بل ما فشل هو الاستبداد. وقد فشل أولا وقبل كل شيء في تلبية حاجات الناس في العصر الحديث، وفي إدارة الدولة والاقتصاد والمجتمع... ولم ينجح في إخضاعم بالقمع إلى ما لا نهاية. ولا شك أن النقد الأيديولوجي مفيد، وكذلك ترجى فائدة من الصراع بين الأيديولوجيات المختلفة، ومن توضيح حدودها ونسبيتها التاريخية، وفشل تحويلها الى أيديولوجية حكم شمولية. النقد الأيديولوجي مفيد. ولكن مشكلة النظم العربية هي الاستبداد، والحل لمسألة الاستبداد هو الديمقراطية، بغض النظر عن أيديولوجية الحاكمين والمعارضين على أهميتها في سياقات أخرى. والديمقراطية ليست "الحل" بل هي الرد التاريخي المرجو على الاستبداد. ولا توجد أيديولوجية هي "الحل". وإذا ادعى حاملوها أنها هي "الحل" ( وليس الديمقراطية والاقتصاد الناجع، والسياسة الرشيدة، والتنمية البشرية والعدالة الاجتماعية وغيرها من السياسات المتضمنة بصيغة شعارات في بعض الايديولوجيات وغير المتضمنة في أخرى) فسوف يكتشفون عاجلا أم آجلا أنهم يخلقون مشكلة جديدة. أما من يسعى الى إقامة استبداد جديد، فسوف يكتشف أن هذا غير ممكن في عصرنا بعد أن ثار الناس على الاستبداد. ليست القضية استبدال ايديولوجية بأخرى بل إحلال الديمقراطية مكان الاستبداد، مع الحفاظ على بنية الدولة وتقويتها كدولة مؤسسات ديمقراطية سوية مع تعزيز المجتمع المدني.