تحت رعاية المكتب الإقليمي لهيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي بالقاهرة، بالتعاون مع معهد الأهرام الإقليمي للصحافة ونقابة الإعلاميين –تحت التأسيس—أقيم مؤتمر "الإعلام المسموع والمرئي في مصر... رؤى مستقبلية"، يومي 28 و29 من الشهر الجاري. يأتي المؤتمر في وقت يظل فيه موضوع تطوير وإعادة هيكلة الإعلام المصري المسموع والمرئي قضية أساسية تؤثر بشكل رئيسي على مسار الثورة المصرية، والتحول الديموقراطي الذي تمر به الجمهورية الجديدة. ناقش المؤتمرون فكرة إصلاح المشهد الإعلامي في مصر، والوصول إلى صيغة يمكن من خلالها بناء منظومة إعلامية متطورة ومحايدة تساعد في بناء دولة جديدة تتطلع إلى نظام ديمقراطي يمزج بين الحرية والمسئولية في آن واحد. تناول المؤتمر عددا من المحاور الرئيسية وهى المسارات المقترحة لإصلاح وتطوير عمل منظومة الإعلام المرئي والمسموع والعلاقة بين الإعلام والملكية والتفاعل مع السلطة في التحول الأخير بعد الثورة، ومهنية وأداء المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة. في جلسة المؤتمر الأولى قال رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للانتاج الإعلامى حسن حامد إن اتحاد الإذاعة والتليفزيون يواجه العديد من المشكلات التى تواجه عملية تطوير الإعلام المصرى والمتمثلة فى تضخم العاملين وضعف الخدمات الإذاعية المسموعة والمرئية وضعف عمليات التمويل، إضافة إلى عدم وضوح الأهداف والرؤى بالنسبة للعاملين فى إتحاد الإذاعة والتليفزيون. واقترح حامد –خلال جلسات المناقشة—إعطاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون الاستقلالية حتى يعبر عن الدور الحقيقى للإعلام .. مشيرا إلى أن هناك حالة من الانقسام بين اتحاد الإذاعة والتلفزيون والحكومة، مشددا على ضرورة وضع استراتيجيات جديدة فيما يتعلق بالعمل التنفيذى. من جهته، أكد القيادى فى حزب الحرية والعدالة وممثل الإخوان المسلمين أحمد أبو بركة ضرورة أن يتضمن الدستور الجديد الاستقلالية التامة للاعلام المصرى من خلال اتحاد الإذاعة والتليفزيون والسعى بشكل جدى إلى إصلاح تشريعى وإقرار القوانين المتعلقة بحرية الإعلام وتداول المعلومات .. موضحا أنه لم يعد مقبولا أن يدفع الشعب أموالا لمؤسسات إعلامية لاتدر أرباحا وأن نعول فقط على العائد المعنوى. التمويل والسياسيات الإعلامية كانت الورقة الأهم التي أثارت نقاشاً واسعاً في اليوم الأول للمؤتمر (الأربعاء 28 مارس 2012) هي ورقة الباحث محمد ناصر الباحث والإعلامي، والذي كانت ورقته بعنوان (الملكية والتمويل والسياسة التحريرية في الإعلام الخاص) والتي ناقش فيها إشكالية العلاقة بين الملكية والسياسة التحريرية في الإعلام الخاص وآليات الفصل بينهما، قائلا: ملكية وسائل الإعلام تمثل انعكاسًا للظروف السياسية في أي مجتمع، خاصة أن الأنظمة الديكتاتورية تسعى إلى السيطرة على وسائل الإعلام في حين تسمح الأنظمة الديمقراطية بالملكية التعددية، لافتا إلى أن هذا الأمر لم يعد مسلماً به، فالواقع الإعلامي بات أكثر تعقيداً. أكد ناصر على أن ملكية وسائل الإعلام تمثل انعكاسا بديهيا للظروف السياسية في أي مجتمع فقد انتشر ولوقت طويل تصور بأن الأنظمة الديكتاتورية أو الاستبدادية تسعى للسيطرة المباشرة على وسائل الإعلام، في حين تسمح الأنظمة الديمقراطية بالملكية التعددية. هذا الكلام واقعيا لم يعد مسلمة لا يمكن نقدها، فالواقع الإعلامي بات أكثر تعقيدا بكثير. فقد كانت الدولة في معظم الديمقراطيات الأوروبية الغربية على سبيل المثال، تحتكر البث فيها حتى وقت قريب نسبيا. وقامت بريطانيا بالسماح قانونيا بالبث الإذاعي التجاري الخاص في الخمسينيات، ولكن فرنسا وألمانيا والدنمارك لم تفعل ذلك حتى الثمانينيات. ويرى العديد من المحللين أن الشركات الكبرى التي تسيطر على وسائل الإعلام الأمريكية، لا تساعد في الواقع على التعبير عن وجهات نظر سياسية بديلة. فالتطور اللافت في الربع الأخير من القرن العشرين، هو تنوع عمل الشركات التي تملك وسائل الإعلام، في مصالح تجارية مختلفة، وامتلاك وسائط الإعلام من قبل الشركات العاملة في أنواع أخرى من النشاط الاقتصادي الغرض منه تأمين مصالحها الاقتصادية عبر امتلاكها لأداة الإعلام. الاحتكار الإعلامي في أمريكا وبدا ذلك عندما قامت شركات أمريكية مثل "جنرال الكتريك" و "ويستنغهاوس" بامتلاك مؤسسات إعلامية. وكانت نتيجة هذه التطورات ظهور مشهد إعلامي يبدو بعيدا عن النموذج المحايد، وبات لأصحاب وسائل الإعلام مصالح حزبية في العملية السياسي، فمؤسسة جنرال اليكتريك والتي تمتلك مصانع للسلاح وبنوك وصناعات تكتولوجية ومؤسسات إعلامية ساهمت تلك المؤسسة العملاقة في إحداث تحول حقيقي في السياسة التحريرية لشبكة NBC الامريكية بعد تملكها لها، ودفعتها للإبتعاد عن تناول قضايا محلية ودولية وربما، أيضا تشويه حقائق للحفاظ على مكاسب المؤسسة الاقتصادية على حساب الحياد الإعلامي. وما ذكره الباحث في شئون الإعلام د/ جيمس كارين من أن أصحاب وسائل الإعلام يتحالفون مع أحزاب بل وحكومات مهما كانت طبيعة تلك الأحزاب والحكومات، بهدف تحقيق ارباح متراكمة لشركاتهم بغض النظر عن الحياد والمهنية الإعلامية. وهذا ما انتهجته جريدة "الأوبزرفر" البريطانية في مرحلة من مراحلها حيث كان لأصحابها مصالح اقتصادية وإستثمارات في "زيمبابوي" مما دفعها لغض الطرف عن انتهاكات حقوق الأنسان في هذا البلد خوفا من أن يؤثر ذلك على مصالحهم. وقد وضعت العديد من النماذج النظرية التي تشرح الدور الذي تضطلع به شركات وسائل الإعلام في العملية السياسية. كان من أبرزها النموذج الذي وضعه كل من إدوارد س.هيرمان ونعوم تشومسكي في كتابهما . الرغبة في التصنيع: الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام، حيث فسرا هذا النموذج بميل وسائل الإعلام في الدول الغربية للتكيف والتوافق السياسي مع المؤسسات الحاكمة في الولاياتالمتحدة وتبني رؤيتها السياسية والاقتصادية الأممية والتي تتوافق مع توجهات المؤسسات الاقتصادية العابرة للقارات. كذالك فإن وسائل الإعلام الخاصة في أمريكا اللاتينية كثيرا ما تحالفت بشكل وثيق مع الديكتاتوريات العسكرية. وبدلا من العمل على تسهيل التعددية، عملت هذه المؤسسات الإعلامية على قمعها. وضع الإعلام في مصر ناصر تحدث عن أن وضع الفضائيات الخاصة في مصر لم يختلف كثيرا عن وضعها في العديد من دول العالم وبخاصة دول أمريكا اللاتينية، فقد كان ظهور الفضائيات المصرية في ديسمبر عام 2001 ( فضائية دريم ) مواكبا للعديد من التحولات السياسية داخل مصر وخارجها، فكان هذا العام هو بداية الظهور المنظم لنجم جمال مبارك ومحاولة تصويره كنموذج للانفتاح الليبرالي والترويج له كوريث محتمل للسلطة، بالإضافة إلى الهجمة الأمريكية على الدول العربية وعلى رأسها مصر واعتبار الاستبداد والديكتاتورية بها أحد الأسباب الرئيسية لحادثة 11-9، ومن ثم كانت الفضائيات الخاصة جزء من مساحيق حاول النظام السابق تجميل وجهه بها، ليظهر بعدها صحف وفضائيات خاصة، دون أن تظهر معها قوانين ومواثيق شرف مهنية تنظم عملها، أو تنظيمات نقابية للعاملين فيها. يتحدث ناصر عن أن الإعلام يأتي دائما كجزء مكمل من إمبراطوريات رأس المال ولخدمة مصالحها الاقتصادية، بالإضافة إلى توظيف تلك الفضائيات لتكون متنفسا للمواطن المصري وفي الحدود التي يسمح بها النظام، ليقم معظم أصحاب رأس المال بوضع خطوط حمراء لا يتم تجاوزها في فضائياتهم؛ وبخاصة في نقد النظام ورموزه، وكذا في نقد التوجهات السياسية والاقتصادية التي لا تتوافق مع مصالح رجال الأعمال من ملاك تلك الفضائيات والطبقة التي ينتمون إليها، ولتوثق تلك الفضائيات العلاقة بين ملاكها من رجال الأعمال وبين الأجهزة الأمنية في الدولة والتي بسطت هيمنتها على أغلب المحتوى الإعلامي في تلك الفضائيات دون أي معارضة تذكر من قبل أصحابها. في القضايا القومية والوطنية كان موقف تلك الفضائيات متوافقا تماما مع وجهة نظر النظام من ناحية، ومع وجهة نظر الدول الكبرى والمؤسسات الدولية المهيمنة على المنطقة سياسيا واقتصاديا من ناحية أخر. يضيف ناصر قائلاً :"رغم مرور ما يزيد عن عشر سنوات على ظهور الإعلام الخاص، لا توجد حتى اليوم أي مؤسسة إعلامية خاصة مستقلة يمتلكها رجال أعمال لا يمارسون أي أعمال بخلاف عملهم في اقتصاديات الإعلام، فالإعلام يأتي دائما كجزء مكمل من إمبراطوريات المال أو رأس المال ولخدمة المصالح الاقتصادية وليس لخدمة المنظومة الإعلامية ذاتها". لتحقيق أهدافهم قام أغلب رجال الإعمال بممارسة ما يمكن أن يطلق عليه "الفهلولة" في توجيه رأس مال الإعلام، وذلك بعدم اعتماد أي معايير مهنية لإعلام مختلف عن إعلام الدولة، بل اعتمدوا في تنفيذ سياساتهم على تخليق مجموعة من النجوم، في أغلبهم من أصحاب الخبرات في برامج الترفيه، والذين يرى العديد من المراقبين أن بعضهم من متواضعي المستوى المهني ليكونوا الواجهة لتلك القنوات وبخاصة في برامج التوك شوز الأكثر تأثيرا على توجيه الرأي العام. حرصا منهم على تكريس هيمنتهم على كافة الوسائط الإعلامية قام اغلب رجال الإعمال بالمشاركة في امتلاك وإدارة حقائب متنوعة في مجال الإذاعة والصحف والمجلات ونشر الكتاب والسينما والتسجيلات الصوتية، بالإضافة إلى توافقهم وتملك بعضهم لعدد محدود من شركات الإعلان التي تهيمن على الكعكة الإعلانية في الفضائيات و حتى تصبح هيمنتهم على تلك الوسائط هيمنة منظمة ومشتركة وتتراجع معها أي إمكانية للتنافس الحقيقي فيما بينهم. الإعلام الفضائي بعد الثورة يؤكد الباحث محمد ناصر عن أن المسار الإعلامي بعد الثورة لم يتغير كثيراً، حينما يتحدث عن أن واقع الإعلام الخاص في مرحلة ما بعد الثورة بات يمثل خطورة حقيقية على الثورة وعلى مستقبل الوطن بكامله، فكثيرون يرون أننا بالفعل بتنا أمام مؤامرة حقيقية من قبل القوى المناهضة للثورة والراغبين في الانقضاض عليها عبر استخدام الإعلام الخاص والقائمين عليه من إعلاميين للانقضاض على أي مكتسبات للثورة وبخاصة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والوطنية.