\r\n والوثيقة التي نشرتها 16 وكالة استخبارات أميركية هي انعطاف شأنه أن يكسر التفكير التقليدي الذي أدى الى الأخطاء الماضية. وهي مهمة شعبة المراقبة التي أنشئت في الجيش الإسرائيلي، بعد فشل التقديرات الأمنية في حرب يوم الغفران. وحيث أخفق الإسرائيليون. أفلح الأميركيون. فسيطر مدراء شعبه المراقبة على الاستخبارات. \r\n \r\n وليس ما يدعونا الى التهليل لضباط ال «سي آي إي» الشجعان، الذين تجرأوا على تناول الموضوع النووي الإيراني من غير أحكام سابقة. فهم أصابهم المرض الذي أرادوا الشفاء منه، أي تسييس الاستخبارات. وأراد المحققون اعتراض إدارة بوش، وهي تبحث عن «حصان» استخباراتي يسعها أن تربط به عربة سياستها. فالرئيس ونائبه قررا خوض الحرب. ما ينتظر هو قليل من المعلومات يسوّغ قرارهما. فجاء الرد انقلاباً على بوش، ومماشاة لخصومه في الكونغرس، وللمرشحين المعتدلين وغير المتشددين الى الرئاسة من الديموقراطيين. وكان تبني الخطوة صواباً لو كان التقدير المخالف – أي سعي إيران الى الحصول على السلاح النووي – هو ثمرة عناد بوش وتشيني الشخصي. ولكن الوقائع، الى الأسبوع الأخير، خالفت الحال هذه. فشهد ضباط ومسؤولون كبار في الاستخبارات، بينهم من يعارض العمل العسكري على إيران، أمام الكونغرس بأن إيران تتوسل بإرهابيين لقتل الأميركيين في العراق، وتدرب «حزب الله» و «حماس»، وتسعى الى الحصول على السلاح النووي. \r\n \r\n وقبل 5 أشهر، حضر الى الكونغرس في 11 تموز (يوليو) توماس فينغير، نائب رئيس الاستخبارات (الإسرائيلية)، وعرض وثيقة موسومة ب «التقديرات الأمنية الدولية»، جاء فيها أن إيران لا تزال ماضية في إنتاج السلاح النووي على رغم التعهدات الدولية والضغط. وربما يمكننا التدقيق في الكلام هذا، والقول إنه لا يخالف التقديرات الأخيرة. فإيران لا تزال تواصل السعي في بلوغ هدفها. ولكنها، لاعتبارات تكتيكية، جمدت جزءاً من خططها الى موعد آخر. وهي لم تتخل عن الخطة، ولم تتخفف مما أنجزته، على ما فعل معمر القذافي بليبيا. ويبدو أن الإيرانيين، بعدما لمسوا إعداد بوش لخوض الحرب على أفغانستان والعراق، قرروا أن انتظار رئيس جديد في البيت الأبيض وإرجاء إنتاج رؤوس حربية نووية، والانصراف الى ما يمهد الى تحقيق ذلك بعد انتهاء ولاية بوش – أي إنتاج المواد الانشطارية وتطوير الصواريخ التي تحمل الرؤوس الحربية، خير لهم من التسرع وتعريض أنفسهم للانتقام. \r\n \r\n وهذا التوجه ينتزع من بوش الذريعة المباشرة لتسديد ضربة أميركية. ولكن بوش قرر، مثل مناحيم بيغن في صدد المفاعل النووي العراقي، أن عليه معالجة الخطر بنفسه، وليس انتظار من يخلفه الذي قد يكون أقل حزماً. وقبل أن يسدد بوش ضربته الى إيران سددت الاستخبارات ضربتها الى رئيسها. واستبعد مسؤول رفيع في حلف شمال الأطلسي أن يؤدي التقرير الى تغيير السياسة الأميركية. فحلف «الناتو» لن يرجع عن الإعداد لمواجهة إيران. وليس المقصود توليه ضرب إيران. فقرار شن الحرب يحتاج الى موافقة 26 دولة. والمهمة التي يضطلع بها الحلف هي الإعداد لمساعدة الأميركيين بالصواريخ الدفاعية، في حال وقعت المواجهة مع إيران. والحق أن الخلاف الاستخباراتي يقتصر على المسألة النووية. وما عدا ذلك، فالإجماع على المسائل الأخرى، مثل مشروع الصواريخ الإيرانية، قائم وعام. \r\n \r\n وفي حزيران (يونيو) الماضي، عرض الأميركيون على الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي وثيقة تشرح مبادرتهم الى نشر صواريخ اعتراضية ببولندا وتشيكيا لمواجهة خطر الصواريخ الإيرانية التي تبلغ، اليوم، إسرائيل وتركيا، وقد تبلغ غداً غرب أوروبا، وبعد غد واشنطن ونيويورك وبوسطن. وأقنع الأميركيون الحلف بأن ضمان الأمن المشترك يقتضي دفاعاً عسكرياً بأوروبا أولاً. وأولى الأميركيون خطتهم اهتماماً حملهم على قبول الخلاف مع روسيا. وإذا كانت أوروبا تقر بخطر الصواريخ الإيرانية، فيترتب عليه الإقرار بالخطر النووي. فلا يعقل أن تطور إيران الصواريخ العابرة القارات، وترضخ لاحتمال رد، إذا اقتصرت الصواريخ هذه على رؤوس حربية عادية. \r\n \r\n والدرع الصاروخية جهاز ردع. وإذا فشل الردع، قلّص الجهاز الأضرار. فالدرع دفاعية. ويعد قادة «الناتو» العدة لما هو أشد إلحاحاً من الردع، وهو «الضربة الثالثة». وهذه تعقب الضربة الثانية المسددة الى الإيرانيين بعد الضربة الأميركية الأولى. وفي أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وضع قيد التنفيذ البند الخامس من معاهدة «الناتو» الموقعة في 1949، وينص على أن هجوماً على دولة عضو بأوروبا، أو بشمال أميركا، هو اعتداء على الدول الأعضاء كلها، وتلتزم هذه مساندة الدولة المستهدفة عسكرياً من أجل إعادة الأمن الى شمال الأطلسي. وإذا كان مصدر الخطر من خارج المنطقة، فالتحرك المشترك جائز كذلك. وهو السبب في مرابطة قوات الأطلسي بأفغانستان. ويقول مسؤول في «الناتو» إن مهاجمة إيران أهدافاً أميركية يؤدي حتماً الى تطبيق البند الخامس، ولو كان العمل العسكري الإيراني رداً على هجوم أميركي. وفي إمكان بوش التعويل على دعم الدول الأوروبية في الحلف. وتجمع قيادة حلف شمال الأطلسي على أن البت ليس من صلاحية الاستخبارات، وهو منوط بالإرادة السياسية. \r\n \r\n \r\n عن «هاآرتس» الإسرائيلية،