\r\n بحسب السيد بوش فإن المخاطر التي على أميركا مواجهتها تأتي من مجموعات إرهابية دولية ومن دول تتساهل معها وتؤويها أو تدعمها، وأيضا من هؤلاء الذين يملكون أسلحة الدمار الشامل أو الذين يتزوجونها أو يستعدون لإنتاجها. وبما أن هذه المخاطر قد تغيرت في مصدرها وطبيعتها فإن على الرد أن يتغير أيضا في صورة كاملة. \r\n \r\n في المختصر، أكد الرئيس انه يجب على الولاياتالمتحدة أن لا تقبل إطلاقا بأن يتمكن أعداؤها الجدد من أن يوجّهوا إليها أو الى حلفائها ضربة مشابهة لتلك التي حصلت في 11 أيلول/سبتمبر ولا حتى القبول باحتمال تنظيم هجمات ضد السفارات والوحدات البحرية أو الحاميات الأمريكية .فأعلن تالياً أن استراتيجيا واشنطن ستهدف من الآن وصاعدا الى منع تجسيد هذه المخاطر من خلال إطلاق \"ضربات وقائية\" ضد أعدائها المحتملين. \r\n \r\n من الخطأ الاعتقاد أن هذا الخطاب يُلقى تحت تأثير الصدمة المفهومة الناتجة من اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر الفظيعة. فقد أجرى خبراء البنتاغون في الواقع ثلاث دراسات أساسية منذ تولي السيد بوش زمام الرئاسة: واحدة حول ظروف حياة العسكريين لكن الاثنتين الآخرين أل Nuclear Posture Review (تقرير حول الأسلحة النووية قُدّم في كانون الثاني/يناير 2002 ) وال Quadrennial Defense Review (تقرير يقدم كل أربع سنوات حول السياسة الدفاعية) كان لهما بعد استراتيجي جوهري. وقد كشف خطاب الرئيس عن لمعناهما وأعلن إطلاق العمل بموجتهما. انه تحول رئيسي. حتى الآن كانت الولاياتالمتحدة تؤكد ولو أن الواقع الأكثر تعقيدا لا يثبت ذلك أنها لن تستخدم قوتها العسكرية ألا في سياق رد الاعتداء، وان مبادرة الحروب التي قد تتورط فيها تعود الى أعدائها. انتهى العمل اليوم بهذا المحظور. \r\n \r\n كان الرئيس بوش قد سبق ولمح الى ذلك في خطابه حول حال الاتحاد في مطلع السنة. وكان السيد دونا لد رامسفيلد أكثر وضوحا عندما أعلن يوم 31 كانون الثاني/يناير: "إن الدفاع عن الولاياتالمتحدة يتطلب الوقاية والدفاع الذاتي وأحيانا المبادرة في العمليات. وقد يتطلب الدفاع ضد الإرهاب وغيره من المخاطر البارزة في القرن الحادي والعشرين نقل الحرب لدى الأعداء، ففي بعض الحالات يكون الدفاع الجيد أفضل أشكال الهجوم". وقال خلال الاجتماع الوزاري لحلف شمال الأطلسي في 6 حزيران/يونيو الماضي: "إذا كان في مقدور الإرهابيين تنظيم هجمات في اي وقت وأي مكان وبمختلف الوسائل وبما انه من المستحيل جسديا الدفاع عن كل شيء طوال الوقت وضد جميع الوسائل، علينا إذا في مطلق الأحوال إعادة تحديد ما هو دفاعي... إن الدفاع الوحيد الممكن هو البحث عن الشبكات الإرهابية الدولية ومعاملتها كما يجب، كما فعلت الولاياتالمتحدة في أفغانستان". \r\n \r\n جمع مجلس الأمن هذه الملاحظات تحت عنوان عام هو \"استراتيجيا الامن القومي\" وهي تعلن صراحة التخلي عن نظريات \"الردع\" و\"الاحتواء\" السابقة وتحدد العقيدة الجديدة بعبارات من نوع \"التدخل الدفاعي\" و\"العملية الوقائية\" أو \"الاستباق". \r\n \r\n وبات السؤال مطروحا على الشكل الآتي: ضد اي أعداء يمكن الولاياتالمتحدة إطلاق \"عمل وقائي\"؟ لم يوفر المسئولون الأمريكيون جهدا لإيضاح الأمر الى مواطنيهم وقدر الإمكان الى المجموعة الدولية. فقد قيل وكتب كل شيء من اجل الإبراز صراحة أن المقصود ليس تحضير عمل من هذا القبيل ضد روسيا. ففي مواجهة هذه الأخيرة لا يزال الردع النووي من زمن الحرب الباردة هو الأداة الوحيدة المناسبة لكن بصفة نظرية وكحل أخير كونه من الواضح أن روسيا لم تعد تملك القدرة التقليدية الخطيرة فعلاً وان من مصلحتها الوطنية إضافة الى ذلك ضمان تفاهم دائم مع الولاياتالمتحدة. وخصوصا في مواجهة النشاطات المسماة \"إرهابية\" من وحي إسلامي كما برهن على ذلك الرئيس نوتين عندما هرع الى مؤازرة واشنطن بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر. \r\n \r\n كذلك لا مجال لتصور عمل احترازي ضد الصين. فبغض النظر عن إمكاناتها النووية سيتخذ النزاع مع الصين في الضرورة أبعادا تتجاوز الحدود ويبقى الردع النووي التقليدي هنا أيضا الاحتياط الأمريكي عند الحاجة. \r\n \r\n على العكس وكما يوضح وزير الخارجية قولن باول، \"يجب أن يكون العمل الوقائي حاسما ليكون مطابقا تماما لغرضه" (1). ويعطي عبر ذلك أمثلة عدة: قيام إسرائيل بتدمير المفاعل النووي العراقي اوزيراك في شهر آب/أغسطس 1981 ، التهديد بعملية واسعة ضد مجموعة من الثوار الفيليبينيين مما صرفهم عن القيام بعملية جوية ضد نظام السيدة كورازون اكينو، الرد المتوجب القيام به إذا عرف مسبقا باعتداء كراتشي الذي أوقع 11 قتيلا إمام القنصلية الأمريكية في 14 حزيران/يونيو الماضي. \r\n \r\n على ضوء هذه العقيدة الجديدة يمكن أن نفهم في صورة أفضل اختيار الرئيس بوش في خطابه عن حال الاتحاد للدول الثلاث التي تشكل \"محور الشرّ\"، اي العراق وإيران وكوريا الشمالية. وقد جاءت التصريحات الرسمية لتصنف في خانة الأعداء الدول التي تتساهل مع المنظمات الإرهابية أو تؤويها أو تساعدها، إضافة الى هؤلاء الذين يملكون أسلحة الدمار الشامل أو القادرين على تصنيعه أو التزود به، وهذا ما يدل على إرادة الولاياتالمتحدة في الدفاع عن النظام الدولي القائم كما تتصوروه وكما يناسب مصالحها. \r\n \r\n لم تتورط إيران في اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر لكنها غير مستعدة إطلاقا للرضوخ للهيمنة الأمريكية فهي تستحق تالياً عملا احترازيا. فإيران على طريق التزود أسلحة الدمار الشامل لا سيما النووية منها بحسب هؤلاء الخبراء الأمريكيين المقتنعين بأن المسئولين الإيرانيين اتخذوا هذا القرار بسبب ما يحيط بهم من دول تملك أو تخطط لامتلاك أسلحة نووية: روسيا، العراق، إسرائيل، باكستان والهند (إضافة الى ذلك يمكن إيران مساندة منظمات تصنفها واشنطن \"إرهابية\" على غرار \"حزب الله\" اللبناني). \r\n \r\n بالطبع، أقرّت كوريا الشمالية اتفاقا صريحا مع الولاياتالمتحدة في شأن حصر أبحاثها النووية في الأغراض المدنية لكنها استمرت في بيع الصواريخ المتوسطة المدى من دول يمكن أن تسلمها بدورها الى منظمات إرهابية أو أن تقع في قبضة هذه المنظمات. إن لائحة هذه الدول التي تشكل \"محور الشر\" ليست نهائية بل هي تشير الى مدى الأهداف التي يمكن أن تطاولها العقيدة الاستراتيجية الجديدة التي باتت تستوحيها السياسة الأمريكية. \r\n \r\n ولهذا المفهوم الجديد في طبيعة الحال نتائج ضخمة على عقيدة استخدام الأسلحة وخصوصا النووية منها. وهذا ما كشفه التقرير الخاص بوضع هذه الأسلحة المنشور في شهر كانون الثاني/يناير وما اكتمل من إيضاحات حول وضعه موضع التنفيذ من خلال تسريبات منظمة في آذار/مارس الماضي. لكن لا يمكن إدراك أبعاد هذا المفهوم إلا على ضوء مبدأ العمليات الوقائية. التقرير حول الأسلحة النووية يستوعب بكل بساطة القاعدة الثلاثية للردع التقليدي، اي الصواريخ المدارية والقاذفات الاستراتيجية والغواصات التي تطلق الصواريخ ضمن \"نظام هجومي نووي وغير نووي في آن واحد". انه العنصر الأول في مثلث يتضمن أيضا \"القدرة الدفاعية\" وأداتها المتجددة نظام الدفاع ضد الصواريخ والذي اجتاز خطوة جديدا مع النجاح الأخير لتجربة تدمير صاروخ بواسطة صاروخ أطلق من سفينة حربية، كما يتضمن بنية تحتية قادرة على التعامل مع التحديات التي ظهرت اثر اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر والهادفة الى تحصين الأراضي الأمريكية قدر الإمكان وتشمل في إشراف وزارة الامن الداخلي 28 إدارة و 170 ألف موظف. \r\n \r\n لكن \"نظام الضربة الوقائية\" الهادف الى اي \"عمل احترازي\" بحسب العقيدة الجديدة، يعيد النظر مباشرة في المفاهيم التقليدية لاستخدام الأسلحة النووية. لا يعني ذلك التخلي عن الردع النووي بالمعنى التقليدي مثلما تعتمده فرنسا حتى الآن، لكن المفترض هو الاحتفاظ بترسانة محدودة تواجه الفرضية القصوى والصعبة الحدوث لهجوم شامل تشنه ضد المصالح الأمريكية الحيوية دولة محددة بوضوح وقادرة على التدمير الشامل. \r\n \r\n يتطلع التقرير حول الأسلحة النووية إذا الى خفض عدد الرؤوس النووية من طرف واحد في الترسانة الاستراتيجية الأمريكية، من 3456 كما حددها اتفاق ستارت 2 و2496 التي تدور حولها مفاوضات ستارت 3 الى 2200 رأس. وقد تم الاتفاق على هذا الرقم في الاتفاق المبرم في 25 أيار/مايو 2002 بين الولاياتالمتحدةوروسيا. ويعطي التقرير هذه الترسانة صفة \"الليونة\" كتحديد مناسب ودائم للمخاطر الجديدة إضافة الى قدرتها على انقلاب وظائفها. \r\n \r\n النقطة الأخيرة جديدة تماما وتفترض إن \"الوضعية الجديدة\" للأسلحة النووية تسمح باستعادة تشكيلة الأسلحة النووية قوتها ومواصلة التجارب في غضون بضعة اشهر. وقد ارتأى التقرير سلفا إعادة تشكيل فرق الباحثين التي حلت بعد قرار العام 1992 بوقف التجارب حول الأسلحة الجديدة، كما طالب بإعادة وحدات الإنتاج الى ما كانت عليه. والتبرير هو \"الحاجة الأكيدة لإعادة إحياء شبكة إنتاج الأسلحة النووية\" مع الطلب الصريح \"بإعادة تحديد خيارات نووية متغيرة في حجمها ومداها وأهدافها تكون مكملة للأدوات غير النووية". هكذا أعلن على الملأ إدخال تشكيلة جديدة من الأسلحة النووية في ترسانة الأسلحة التقليدية والنووية، تستخدم كل منها في الحالة المناسبة. \r\n \r\n وقد أثارت التسريبات المقصودة حول هذا الموضوع الكثير من ردود الفعل كونها كانت مرفقة بالأمثلة والفرضيات. وقد تم التذكير بأن وزير الخارجية جيم ببكر سلّم نظيره العراقي طارق عزيز عشية حرب الخليج رسالة من الرئيس بوش الأب الى صدام حسين يحذره فيها بأنه في حال استخدام أسلحة كيميائية عراقية سيكون الرد نوويا ولو أن العبارة لم ترد صراحة كما قيل. في الوقت عينه كان مطروحا استخدام سلاح نووي مناسب لحالات من نوع \"هجوم عراقي ضد إسرائيل وجيرانها، هجوم كوري شمالي على كوريا الجنوبية أو مواجهة عسكرية حول تيوان" (2). \r\n \r\n من جهة أخرى، كان من المقبول سلفا الاستخدام المتناسب للسلاح النووي \"في ظروف مباشرة أو محتملة أو غير متوقعة\" تكون متورطة فيها دول مثل \"كوريا الشمالية، العراق، إيران، سوريا وليبيا" (3)، وجميعها بلدان مصنفة في القائمة نفسها ولو في أوضاع سياسية واستراتيجية مختلفة جدا كونها \"ترعى الإرهابيين أو تؤويهم\" وجميعها \"ناشة في الأبحاث حول أسلحة الدمار الشامل أو في محاولة اقتنائها". \r\n \r\n إن نظرية استخدام السلاح النووي كما يرسمها تقرير Nuclear Posture Review ليست بالجديدة في تاريخ السياسة الدفاعية الأمريكية. بل إنها أشبه بترميم نظرية سابقة وعودة الى استراتيجية \"الرد المتدرج\" التي صاغها المسئولون الأمريكيون في مطلع الستينات لكنها عودة متوافقة مع الإطار الدولي الحالي. فإزاء احتمال نشوب نزاع كان الرد المتدرج يقول باستخدام تشكيلة الأسلحة النووية المسماة تكتيكية كمساندة للأسلحة التقليدية أو تكملة لها أو بديل منها تبعا لتطور سير العمليات وسلوك الخصم. \r\n \r\n وكانت النتيجة كما هو معلوم نشر هذا النوع من الأسلحة في شرق القارة الأوروبية وفي غربها لتتحول في حال الحرب ارض المعركتين النووية والتقليدية في آن واحد. هنا يكمن الفرق الحقيقي بين زمن \"الرد المتدرج\" والإطار الاستراتيجي الراهن. فالاستخدام المحتمل للأسلحة النووية إذا اعتبر مناسبا سيكون أداة \"العمل الوقائي\" الذي تقرر الولاياتالمتحدة القيام به ضد دول أو في صورة اشمل ضد أعداء حائزين أو غير حائزين هذا النوع من السلاح أو هم في طريقهم للحصول عليه. \r\n \r\n وقد أبلغت حكومات الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بذلك منذ 6 حزيران/يونيو الماضي يوم استمع وزراء دفاعها الى العرض الذي قدمه السيد دونا لد رامسفيلد للمفهوم الأمريكي الجديد. وكان الوزراء الحاضرون قد تلقوا قبل ذلك رسالة مشتركة من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ومن نظيره الأسباني خوسيه ماريا ازنار يطلبان منهم فيها بوضوح إعادة توجيه حلف الناتو ضد \"الإرهاب الدولي وأسلحة الدمار الشامل". وهذه الأجواء ستكون المسيطرة على \"القمة\" الأطلسية المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر في براغ حيث ستحضر للمرة الأولى سبع دول من الأعضاء الجدد في الحلف. سيعرف الجميع عند ذاك ما ينتظرهم. \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n -------------------------------------------------------------------------------- \r\n