\r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n ويواجه صناع السياسة في الولاياتالمتحدة, وهم يدرسون العمل الوقائي, جملة من الالتباسات التي تعقد كثيرا حسبة قراراتهم, ففي النتيجة النهائية, تعتمد قراراتهم, والى حد ما, على كيفية قياس وزن العناصر المتنافسة: ماذا يستطيع العمل الوقائي ان يحقق? هل يمكن تخفيف مخاطر الانتقام الايراني? هل يمكن تدبر امر عواقب الانتشار الايراني? وهل يمكن ردع ايران النووية? كما ينبغي على صناع السياسة ان يدرسوا عددا اخر من العوامل السياسية والعسكرية-التقنية الاخرى, التي من المرجح لها ان تعقد حسابات العمل الاستباقي, وتؤثر في تحويل القرار الى عمل فعلي. \r\n \r\n استشارة الكونغرس \r\n \r\n بالرغم من ان دستور الولاياتالمتحدة يمنح الكونغرس سلطة اعلان الحرب, الا ان الممارسة العملية في العقود الاخيرة بينت ان الامر ترك للرئيس لان يسعى الى قرار مشترك مع الكونغرس يخوله باستعمال القوة العسكرية-بحكم كونه القائد الاعلى للقوات المسلحة-للتعامل مع اخطار كبرى على السلام والامن الدوليين. فبهذه السابقة, وضرورة السرية لضمان نجاح هجوم مفاجىء, والانقسامات العميقة داخل المؤسسة السياسية حول الحرب على العراق, وولع ادارة بوش بتوسيع حدود السلطة التنفيذية, فقد تجد الادارة نفسها, على الارجح, واقفة على قرني ورطة: اما ابلاغ مجموعة مختارة من اعضاء الكونغرس من الحزبين, بنيتها بتوجيه الضربة قبيل تنفيذها \"وبالتالي التعرض لخطر الحرمان من الدعم الجماهيري للاجراءات المترتبة على ذلك ضد ايران\", واما تشجيع الكونغرس على فتح نقاش عام حول حيثيات العمل العسكري \"الامر الذي يبعد المفاجأة, ويتيح لايران توزيع واخفاء العناصر الاساسية في برنامجها النووي, ويخاطر بفشل القرار المشترك\". ان الكيفية التي ستدار بها سياسة عمل استباقي, قد ثبت وجود تحد كبير بالنسبة للادارة. \r\n \r\n الحلفاء \r\n \r\n سيتأثر العديدون من حلفاء الولاياتالمتحدة عكسيا من الانتقام الايراني لضربة استباقية, التي يمكن ان تأخذ شكل حرب كونية على الارهاب, من بين اشياء اخرى. لهذا تتحمل الولاياتالمتحدة واجب اخطار حلفائها مقدما, للاستعداد لمواجهة \"الاسقاطات\" المجازية الناجمة من ضربة وقائية. ولان الاعتبارات الامنية العملياتية قد تستبعد الاخطار المباشر المسبق, فعلى الولاياتالمتحدة شد همة حلفائها قبل وقت كافٍ من دون التلميح بأن العمل الاستباقي وشيك او محتم-لان يتخذوا الاجراءات اللازمة لتقليص مدى تعرضهم للانتقام الايراني \"مثل حشر شبكات العملاء الايرانيين المشتبه بهم, وتخفيض طواقم العاملين في سفاراتهم في ايران, واتخاذ خطوات امنية لحماية السفارات والمراكز الثقافية القائمة في بلدان ثالثة ذات اهتمام\". \r\n \r\n التوقيت \r\n \r\n اذا قررت الولاياتالمتحدة توجيه الضربة, فهل خير البر عاجله? هناك ثلاثة عوامل على الاقل تؤثر في توقيت القيام بمثل هذه العملية, هي: جودة صورة المعلومات الاستخباراتية, ومدى نضج البنى التحتية النووية عند ايران, ووضع مواردها العلمية-التقنية البشرية. \r\n \r\n صورة المعلومات الاستخباراتية: حتى عام ,2004 حصل المجتمع الدولي على صورة مفصلة لاجزاء كبيرة-وربما كاملة-للبرنامج النووي الايراني السري سابقا, هذا مع العلم ان بعض المرافق السرية لهذا البرنامج ظلت من دون تحقق منها. ومنذ شهر شباط ,2006 منعت ايران مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية, زيارة مواقع غير تلك التي تتوافر فيها المواد المحمية, الامر الذي رفع مستوى الشك المتعلق ببرنامجها النووي. ومع ذلك, فان استخبارات جديدة قادرة على كشف انشطة جارية, او تلك التي لم تكشف النقاب عنها سابقا, في المرافق النووية السرية في ايران. لهذا من المستحيل تقدير الى اي مدى يؤثر عامل الوقت في الصورة الاستخباراتية, باستثناء المعلومات العلنية المتوافرة. \r\n \r\n البنى التحتية النووية: من المحبذ تدمير ورش العمل المشتغلة في انتاج عناصر الطرد المركزي في اقرب وقت ممكن, بسبب قدرتها على الاسهام في البرنامج السري. وفيما يتعلق بالمرافق الكبرى, ورغم اكتمال بعضها, \"مثل معمل التحويل في اصفهان\", وان غيرها في المراحل الاولى من الانشاء, \"مثل مفاعل الطرد المركزي في ناتانز, ومفاعل البحوث النووية في أراق\", فإن ضرب المرافق في مراحل البناء الاولى, الان لن يعطي نتائج كبيرة, لهذا من الافضل الانتظار حتى يقترب الانشاء من الاكتمال, هذا بالرغم من ان اجراءات حمايتها قد تتطور تماما مع مرور الوقت. \r\n \r\n الموارد العلمية-التقنية البشرية: يتركز الكثير من الكلام على العمل الوقائي على ضرب المرافق, لكن البشر هم عصب البرنامج. لهذا فإن مسألة ايجاد طريقة لتحييد كبار العلماء والمهندسين ومديري المشروع \"بتشجيعهم على الهجرة او غيره من الوسائل\" تشكل عنصرا حاسما لضربة استباقية ناجحة, الى هذا, فان عاجلا افضل من آجل, لانه مع مرور الوقت, سيكتسب هؤلاء الافراد خبرة ومعرفة تكنولوجية سيشاطرونها على الارجح مع زملاء ايرانيين-وربما زملاء اجانب-آخرين. \r\n \r\n وباختصار, قد لا تأتي اللحظة المواتية لتوجيه الضربة, لان هذه العوامل تجري وتتحرك بشكل مستقل عن بعضها, وفي بعض الحالات في تناقض زمني. كما ان عملا استباقيا ناجحا يتطلب ضربات متقطعة \"مرفوقة باجراءات اخرى\" ضد مختلف الاهداف في فترة زمنية. \r\n \r\n المعلومات عن الاهداف \r\n \r\n تعتبر المعلومات الدقيقة عن الاهداف شرطا لا غنى عنه لعمل استباقي فعال. وذلك من ناحية لان مخاطر العمل الوقائي تنطوي-وفي ضوء فشل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة باسلحة الدمار الشامل في العراق, وفي اماكن اخرى-على امكانية ان يضع صناع السياسة حاجزا عاليا امام التنفيذ. ومن ناحية ثانية, سجلت اجهزة الاستخبارات عددا من النجاحات الهامة في الكشف عن برامج نووية في كوريا الشمالية \"عام 1993\" وعلاوة على ذلك, فان الانكشافات الاخيرة عن البرنامج النووي الايراني قد انبثقت بشكل واضح من التسريبات الخارجة من البرنامج, وبالتالي, لا يجوز لاحد ان ينفي احتمال ان تتغير بسرعة الصورة الاستخباراتية الخاصة بالبرنامج النووي الايراني, بفضل تسريبات جديدة. \r\n \r\n الاسلحة اللازمة للضربة \r\n \r\n قيل الكثير عن صعوبات تدمير اهداف مدفونة وصلبة التحصين, بل زعم البعض ان ذخائر نووية مخترقة للارض \"مثل قنبلة Mod11 من قاذفة B61\" ضرورية لتدمير مرافق معينة في برنامج ايران النووي. وفي الحقيقة, فان استهداف مواقع مدفونة ومحصنة, باستعمال ذخيرة تقليدية او نووية خارقة, ينطوي على ملابسات هائلة, مثل مدى جودة المعلومات عن الاهداف, وهيئة المرفق المعني وشكله, ومدى عمقه تحت الارض, ومركبات التراكم الترابي المرصوص عليه ونوعيته الجيولوجية, وطبيعة الاجراءات التصليبية والتحصينية المتخذة لحمايته. ومع الاخذ بالاعتبار لما هو معروف عن المبدأ المعلن من ايران عن مفاعل التخصيب المركزي في ناتانز \"وهو مفاعل ضحل نسبيا, من طراز \"اقطع وغطي\"\" فمن المحتمل ان تكون الذخائر التقليدية الكبيرة الخارقة على قدر مهمة تعطيل هذا المرفق او تدميره, حتى وان لزم الامر هجمات متكررة لاختراق الطبقات الصلدة المنشأة فوقه. وعلى اية حال, فان الذخائر الخارقة ليست الطريقة الوحيدة لمعالجة هكذا مرافق. \r\n \r\n تعيير النجاح \r\n \r\n يقاس النجاح في عملية الضربة الاستباقية بمعايير التأخير الذي سيفرض على البرنامج النووي الايراني, من حيث الاساس. ولهذا السبب, يعتبر وجود خطة لكسب اكبر قدر من الوقت لصالح الضربة الاستباقية \"والذي قد لا يلبي التوقعات\" عاملا حاسما بشكل مطلق, هذا ان سارت الولاياتالمتحدة على هذا الطريق. فمثل هذه الخطة, ستركز على اجراءات عدم الانتشار التي ستقطع وتربك محاولات ايران اعادة بناء برنامجه النووي, وتسرع وتيرة تشجيع تغيير النظام هناك, او غيرهما من الاجراءات, اما الاخفاق في التخطيط للافادة الافضل من الوقت المكتسب بالضربة الاستباقية, فمن شأنه ان يكون اسقاطا على نظام الفشل في التخطيط الملائم لما بعد تغيير النظام في العراق. \r\n \r\n العمليات الاعلامية \r\n \r\n ينبغي على واشنطن محاولة منع طهران من استعمال رد الفعل القومي الذي قد ينجم عن العمل العسكري, وان تقضي على المشاعر المعادية لامريكا في ايران, وترسيخ التأييد الشعبي لنظام غير محبوب, فان وجهت الولاياتالمتحدة الضربة, فعليها ان تشرح للشعب الايراني, من خلال حملة اعلامية رفيعة المستوى, بأن هدفها منها منع الملات من الحصول على \"القنبلة\", التي سيستخدمونها لاتقاء الضغط من اجل التغيير السياسي, ولتهديد سلام المنطقة بالخطر.. الامر الذي ينطوي على عواقب وخيمة بالنسبة للشعب الايراني, وينبغي على الولاياتالمتحدة ان ترفق الضربات على المرافق النووية الايرانية بضربات على مقرات وثكنات وزارة الداخلية والحرس الثوري.. وهي مؤسسات ذات علاقة بالبرنامج النووي الايراني, والمسؤولة عن القمع والاضطهاد داخليا, والارهاب خارجيا, وهكذا, فان توجيه ضربات الى جهاز القمع في طهران, بالارتباط مع حملة اعلامية متقنة التخطيط, قد يساعد في تخفيف ردة الفعل القومية ضد الولاياتالمتحدة, وتحد من مقدرة النظام على استغلال تلك المشاعر لاغراضه الخاصة. \r\n \r\n الخاتمة \r\n \r\n على الولاياتالمتحدة ان تُبقي خيار الضربة العسكرية الوقائية على الطاولة, حتى وان كانت تسعى الى حل دبلوماسي للازمة الراهنة مع ايران. اما فيما اذا كان ممكنا ترويع طهران بالتهديد بالقيام بعمل استباقي ضدّها, ام لا, فهذا غير واضح. فبعض السياسيين الايرانيين ربما حتى يرحبون بضربة, كي يستعملوا ردة الفعل القومية لتدعيم وضعهم محليا. \r\n \r\n ومهما يكن من امر, فان احتمال توجيه عمل عسكري وقائي ربما يساعد في تصليب موقف قوى رئيسية ضعيفة في اوروبا, ويدفع روسيا والصين الى ايلاء تأييد اكبر للعقوبات, ولاجراءات اخرى اشدّ قسوة. واخيرا, فإن التهديد بضربة استباقية, وخلقه لاجواء مفعمة بالشك والالتباس, يعمل على خلق بيئة غير مواتية للاستثمار الاجنبي في ايران, الامر الذي يضيف ثمنا زائدا على الجمهورية الاسلامية جرّاء سياساتها الراهنة. \r\n \r\n وُستشفّ من جميع المظاهر, ان العمل العسكري الوقائي لا هو مستثنى ولا هو محتوم. اما قرار القيام به, فسيتأثر على الارجح بعدد من العوامل, بما فيها النتيجة التي ستتمخض عن المساعي الدبلوماسية الجارية مع ايران, وتوافر المعلومات المفصّلة والدقيقة عن الهدف, وتأثير الحرب على العراق على مدى تحمل الرئيس جورج بوش للمخاطرة, واحتمال تجنب الرئيس لشرك \"الشلل بالتحليل\" عن طريق اسناد القرار الى مبدأ بسيط, هو ان الواجب الملّح لدى سياسة الولاياتالمتحدة, في عالم ما بعد 11 أيلول, يتمثل في ابقاء اخطر الاسلحة بعيدة عن أيدي اخطر الانظمة. وعلى اية حال, فان فشلت الدبلوماسية, فان من الخيارين التاليين المتبقيين في سياسة واشنطن ... (أ) العمل الاستباقي, او (ب) الردع والاحتواء, سينطوي على عواقب وخيمة على الارجح, بالنسبة للحرب على الارهاب, والشرق الاوسط, وعلى دور الولاياتالمتحدة في العالم. \r\n \r\n \r\n مدير برنامج الدراسات العسكرية والامنية في معهد واشنطن. \r\n \r\n معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى \r\n