لكن ردود الفعل المفصلة بحيث تلائم كل الظروف لن يكتب لها النجاح في التعامل مع هذه القضية. وينبغي علينا أن نتخلى عن فكرة وجود حركة إسلامية عالمية شاملة، لقد نشأ الإسلام السياسي بكافة أشكاله وألوانه كبديل أساسي للأنظمة القومية العربية العلمانية التي تبخرت شرعيتها، التي كانت تستند إلى النضال من أجل التحرير الوطني، بسبب عجزها عن التوصل إلى حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ حكم القانون، وضمان الحريات الأساسية. ففي فلسطين على سبيل المثال انتصر الإسلاميون على منظمة فتح بسبب سنوات من الحكم الرديء في ظل ظروف قاسية ناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي. \r\n تشترك الحكومات الأوروبية والأمريكية المتعاقبة في مخاوفها الرجعية بشأن \"البديل الإسلامي\" الذي قد يحل محل الحركات القومية العلمانية العربية من أمثال منظمة فتح. وعلى هذا فقد حرصت تلك الحكومات دوماً على الإبقاء على الحالة الراهنة. لكن قمع كافة الحركات العربية المعارضة من قِبَل الملوك والحكام العلمانيين الاستبداديين في المنطقة أفضى إلى نتيجة واحدة: ألا وهي أن هدف »حماية المسجد الأقصى« أصبح يشكل المظلة الوحيدة التي يستطيع أي مواطن عربي من خلالها الانخراط في العملية السياسية،والآن لم يعد في وسع أحد احتواء الإسلام السياسي، وذلك لأن الديمقراطية ليس من الممكن أن تبنى عن طريق دفع الأحزاب السرية التي تتمتع بقاعدة اجتماعية قوية، كما تأكد لنا بصورة مأساوية في الجزائر منذ خمسة عشر عاماً. إن البديل الوحيد للحكم الاستبدادي يتلخص في تنشيط حالة انتقالية تسمح للإسلاميين بالمشاركة في الحياة العامة وتشجعهم على القبول المطلق لقواعد اللعبة الديمقراطية،ولدينا بالفعل العديد من الأمثلة لأحزاب إسلامية محافظة أبدت استعداداً للانخراط في اللعبة. وليس من قبيل الصدفة أن نجد نفوذاً للإسلاميين في الهيئات التشريعية للبلدان الخاضعة لشكل ما من أشكال الإصلاح السياسي، بما في ذلك لبنان، حيث أصبح حزب الله جزءاً من حكومة اختارها الشعب في ظل انتخابات حرة، وكذلك الحال في الأردن والمغرب،وفي مصر أصبحت جماعة »الأخوان المسلمون« تشكل قوة واضحة في البرلمان على الرغم من القيود التي فرضت على مشاركة الجماعات الإسلامية في انتخابات العام الماضي. وفي العراق كشفت الانتخابات الحرة عن النفوذ الهائل للتيارات الإسلامية. وفي تركيا، قاد التحول إلى الديمقراطية حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة. ولقد أخذت حكومة هذا الحزب على عاتقها تنفيذ العديد من الإصلاحات الديمقراطية المهمة، ونجحت في الدخول في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومما لا شك فيه أن هذه الأحزاب الإسلامية لا علاقة لها بتنظيم القاعدة، حتى مع أن البعض من أشد المحافظين بين هذه الأحزاب يتبنى مواقف إيديولوجية مشابهة بعض الشيء لمواقف تنظيم القاعدة،والحقيقة أن المجازفة المترتبة على التحولات السياسية التي قد تفضي إلى فوز الأحزاب الإسلامية، تعبر عن مفارقة ديمقراطية يتعين على أوروبا والولاياتالمتحدة قبولها إذا ما كانت لديهما رغبة حقيقية في تنمية سياسات الإصلاح الشامل أو بعبارة أخرى، السياسات التي تمثل الضد المباشر لذلك النوع من فرض الديمقراطية الذي تمارسه الولاياتالمتحدة في العراق المحتل. والحقيقة أن واحدة من أسوأ عواقب التدخل في العراق تتجلى في تعزيز فكرة »صراع الحضارات« بين الغرب والإسلام، والتي تساعد بدورها في خلق المناخ الملائم للحركات الإسلامية،ولكن من الضروري أن ندرك أن حركات الإصلاح السياسي في العالم الإسلامي ظهرت إلى الوجود قبل مدة طويلة من »الحرب ضد الإرهاب« التي تتزعمها الولاياتالمتحدة، ولم يكن الإصلاحيون جالسين بلا حراك في انتظار اكتساب الاتحاد الأوروبي القوة التي تجعله قادراً على ممارسة الضغوط والدفع من أجل التغيير. ولم تنشأ هذه الحركات في الولاياتالمتحدة أو أوروبا بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهي لن تنتظر الولاياتالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي ولن تعتمد عليهما كي تتحرك. لكن نجاح المعتدلين المسلمين، على الرغم من هذا، قد يتوقف على استجابة الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة للضغوط المنادية بالإصلاح وعلى قرارهما فيما يتصل بتشجيع التغيير،لقد بات من الضروري الآن أن نبرهن على أن الديمقراطية هي السبيل الأفضل أمام الفلسطينيين إذا ما أرادوا تحقيق أهدافهم الوطنية. وهذا يعتمد إلى حد كبير على حكومة حماس الجديدة وعلى تحولها إلى قوة ديمقراطية تحترم حكم القانون، والديمقراطية، والشرعية الدولية. لكن الأمر يعتمد أيضاً على إسرائيل والمجتمع الدولي، حيث يتعين عليهما أن يبذلا كافة الجهود من أجل ضمان قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس،إن مساندة الفلسطينيين في تحولهم إلى الديمقراطية لا يعني امتناع المجتمع الدولي عن مطالبة حماس بالتخلي عن الإرهاب إلى الأبد، والتجرد من الصفة العسكرية، واحترام الدستور الفلسطيني، وقبول وجود دولة إسرائيل. لكن ذلك لا يعني أيضاً دعم العقوبات التي من شأنها أن تلحق ضرراً بالغاً بالشعب الفلسطيني بعد أن عبر عن إرادته بصورة ديمقراطية حرة. وإنه في الحقيقة لخطأ رهيب، في إطار أية جهود رامية إلى تعزيز الديمقراطية الجديدة في فلسطين، ولسوف يكون لهذا الخطأ آثار سلبية على دول أخرى تسعى إلى الإصلاح في العالم العربي، وعلى نحو مشابه، فإن قبول حق الحركات الإسلامية المناهضة للعنف في المشاركة في الحياة العامة لا يعني التخلي عن النضال السياسي والإيديولوجي في سبيل التغلب على المتطرفين في تشددهم، وفي بعض الأحيان، تفنيد التصورات الاستبدادية للمجتمع. وإن مكافحة العنصرية، وتعزيز التسامح، واحترام المشاعر الدينية للآخرين لا يعني اضطرارنا إلى التشكيك في حرية الصحافة أو قبول المطالب الإسلامية المنادية بفرض الرقابة على الصحافة، حتى إذا ما تعرضت مشاعر دينية حقيقية للإساءة، كما حدث من الرسوم الكاريكاتورية التي نشرت في الدنمارك. ويتعين علينا أن نلجأ إلى السبل السياسية لتفنيد المفاهيم الإسلامية للمجتمع والتي تتعارض مع الحقوق الفردية. \r\n إن هذا التحدي السياسي يعبر عن واحدة من مفارقات الديمقراطية، التي تسمح لكل الأفكار بالتنافس في حرية بين بعضها البعض. والإسلام السياسي يشكل مجازفة حقاً، ولكن لن يتسنى لنا أن ننجح في تقليص هذه المجازفة إلى أدنى حد ممكن إلا بتبني إستراتيجيات ذكية موضوعية تعمل على تعزيز الديمقراطية، وليس بإدانة نتائج اختيار ديمقراطي حر. \r\n