بيد أن المعاهدة تواجه اليوم أزمة انصياع وثقة مزدوجة. فقد فشلت الوفود التي حضرت الاجتماع الذي يعقد كل خمس سنوات في تقديم أي حلول للعالم لمواجهة الأخطار النووية الهائلة التي تقابلنا. وإذا كان التوصل إلى اتفاق قد يكون أكثر تحديا في مناخ الأزمة فإنه يعد في الوقت نفسه من ألزم الأمور في مثل هذه الأوقات التي نعيشها. \r\n ودعوني أوضح لكم ما أعني تحديدا: إن فشل مؤتمر المراجعة في التوصل الى أي اتفاق لن يقضي على النظام القائم على معاهدة منع الانتشار النووي ؛ ذلك أن غالبية كبيرة من الدول الأعضاء بالمعاهدة يعترفون بفوائدها الدائمة. مع ذلك فثمة شقوق في كل أساس من أسس المعاهدة - منع الانتشار ونزع التسلح والاستخدامات السلمية للتكنولوجيا النووية ، وكل منها بحاجة لإصلاح عاجل. \r\n منذ آخر مؤتمر للمراجعة عام 2000 ، أعلنت كوريا الشمالية انسحابها من المعاهدة وجاهرت بامتلاكها للأسلحة النووية ، واعترفت ليبيا بسعيها لسنوات في برنامج سري لصنع أسلحة نووية ، واكتشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية نشاط إيران غير المعلن لتخصيب اليورانيوم. \r\n إذن ، من الواضح أن نظام منع الانتشار النووي القائم على المعاهدة لم ينجح في مواكبة مسيرة التكنولوجيا والعولمة. وبينما كان الانتشار النووي ذات يوم هو الهاجس الوحيد للمعاهدة أظهر اكتشاف قيام العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان وغيره بالتجارة بشكل مكثف في التكنولوجيا النووية وعلومها مثالب نظام منع الانتشار للدول غير النووية. \r\n لم يدر بخلد واضعي نصوص المعاهدة أنه سيأتي يوم نضطر فيه للعمل بلا كلل من أجل منع الإرهابيين من الحصول على واستخدام الأسلحة النووية والمواد ذات الصلة. ورغم التقدم الذي حصل تجاه نزع التسلح إلا أنه لا يزال هناك 27 ألف سلاح نووي في العالم ، والعديد منها في حالة استعداد. \r\n وفي الوقت نفسه نجد أن الهيئات الحكومية البينية المقامة لمخاطبة تلك التحديات لا تستطيع حراكا. ففي جنيف ، عجز مؤتمر نزع التسلح عن الاتفاق على برنامج عمل لثماني سنوات ، وأصبحت لجنة نزع التسلح التابعة للأمم المتحدة مهمشة بصورة متزايدة دون أن تتوصل إلى اتفاق حقيقي منذ عام 2000. وفي مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي الذي نحن بصدده ،استنفد ثلثا الاجراءات تقريبا في الجدل حول الأجندة واللوجستيات عوضا عن المشاورات الجوهرية حول كيفية تقوية نظام منع الانتشار النووي. \r\n وفي الكلمة التي ألقيتها في الجلسة الافتتاحية كنت قد دفعت بأن النجاح سيعتمد على التوصل إلى حلول لكل الأخطار النووية التي تهدد الانسانية ، وحذرت من مغبة تعطل المؤتمر في حال ركز بعض الوفود على بعد الأخطار بدلا من مخاطبتها جميعا. \r\n بعض الدول شددت على الانتشار النووي كخطر عظيم فيما جادل البعض بأن الترسانات النووية الموجودة تعرضنا للخطر. وأصر البعض على أن انتشار تكنولوجيا دائرة الوقود النووي تمثل خطر انتشار غير مقبول ، وبالمقابل رد البعض بأنه لا يجب التنازل عن حق الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية. \r\n في نهاية المطاف ، أسفت لأن الوفود أضاعت فرصة المصادقة على مزايا كل تلك المناقشات. والنتيجة أننا عجزنا عن تعزيز الأمن إزاء الأخطار التي تواجهنا. والسؤال الآن ،كيف نستطيع التغلب على هذا الشلل؟ \r\n حين تتعثر المؤتمرات الدولية ، على الزعماء أن يتولوا زمام القيادة. في سبتمبر القادم ، سوف يجتمع أكثر من 170 رئيس دولة وحكومة في نيويورك لتبني أجندة واسعة النطاق لتعزيز التنمية والأمن وحقوق الإنسان لكل الدول وكل الشعوب. وأنا أدعوهم إلى كسر الجمود الذي يلف أكثر التحديات إلحاحا في مجال منع الانتشار النووي ونزع التسلح. أما إذا فشلوا في عمل ذلك ، فسوف تتساءل الشعوب في عالم اليوم كيف يعجزون عن إيجاد أرضية مشتركة من أجل تقليل الخطر الموجود للأسلحة النووية؟. \r\n ولكي نعيد إحياء معاهدة منع الانتشار النووي ، مطلوب التحرك على جبهات عدة. ولكي يتم تعزيز عملية التحقق وزيادة الثقة في النظام ، على الزعماء أن يتفقوا على جعل البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية المعيار الجديد للتثبت من الانصياع لالتزامات منع الانتشار النووي. \r\n ويتعين على الزعماء أن يتوصلوا إلى طرق تزاوج بين الحق في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وضرورة منع الانتشار النووي. ولن يكون النظام مستداما إذا ما طور المزيد من الدول أشد مراحل دورة الوقود حساسية ،وحصلوا على تكنولوجيا إنتاج الأسلحة النووية دون إنذار مبكر. \r\n ويمكن أن تكون الخطوة الأولى في هذا السياق تقديم حوافز للدول التي تتخلى طوعا عن تطوير منشآت دورة الوقود ، وأنا هنا أوصى وكالة الطاقة الذرية ومديرها العام محمد البرادعي بالعمل على تحقيق إجماع حول هذه المسألة الحيوية ، وأهيب بالزعماء أن ينضموا إليه في تلك المهمة. \r\n كما يتعين على هؤلاء الزعماء أن يتخطوا مرحلة الكلام في مخاطبة مسألة نزع التسلح. فالتفاوض العاجل من أجل التوصل إلى اتفاقية لوقف المواد الانشطارية لكل الدول أصبح أمرا لا غنى عنه. وينبغي لكل الدول أيضا أن تؤكد التزامها بوقف التجارب النووية وبالمسارعة في الانضمام إلى معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. ويحدوني الأمل أن الزعماء سوف يفكرون جديا فيما يمكن عمله لتقليل عدد ودور الأسلحة النووية في العالم. \r\n إن من شأن قطع التزامات جريئة في ملتقى سبتمبر أن ينفخ حياة جديدة في كل المنتديات التي تتناول مسائل نزع التسلح ومنع الانتشار النووي. ومن شأنه أن يقلل الأخطار التي نواجهها ويقلل الحوادث النووية والمتاجرة في المواد النووية واستخدام الإرهابيين لها بل واستخدامها من قبل الدول نفسها. إنها أجندة طموحة ، وقد تروع للبعض. لكن عواقب الفشل أكثر ترويعا. إن الحلول في متناول أيدينا وعلينا أن نمسك بها فلا تفلت منا. \r\n \r\n كوفي أنان \r\n الأمين العام للأمم المتحدة \r\n خدمة نيويورك تايمز - خاص بالوطن