كانت أعمال مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي، قد بدأت في نيويورك في 3 مايو بمشاركة189 دولة، في إطار جهود عالمية مكثفة تهدف إلي نزع السلاح النووي، وتعزيز مراقبة البرامج النووية في العالم. وفي مقدمة الأوراق التي تقرر عرضها علي المؤتمر ورقة " تحالف الأجندة الجديدة " والتي تضم السويد وأيرلندة والبرازيل والمكسيك ونيوزيلندة وجنوب افريقيا، وتقوم فيه مصر بدور المنسق، وصولا إلي معاهدة دولية لإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي. بالإضافة إلي ذلك، من مهام المؤتمر بحث جعل البروتوكول الاضافي الخاص بالرقابة علي البرامج النووية اجباريا، بما يسهل تحقيق الركن الثالث من معاهدة منع الانتشار النووي، وتسهيل حصول الدول غير النووية علي المعرفة، والتكنولوجيا النووية السلمية. ويأتي انعقاد مؤتمر نيويورك الذي يستمر 25 يوما بعد مرور 40 عاما علي دخول معاهدة منع الانتشار النووي حيز التنفيذ، وبعد خمسة أعوام من آخر دورة عقدت لمراجعة المعاهدة، وبعد حوالي شهر من قمتين عالميتين أخريين، الأولي القمة الروسية الأمريكية التي عقدها الرئيسان أوباما وميدفيديف لتوقيع معاهدة ستارت 2 لتقليص الترسانةالنووية في الدولتين، والثانية قمة الأمن النووي في واشنطن في 12 13 ابريل والتي ركزت علي تدابير تأمين المواد والمنشآت النووية، ومنع الجماعات الارهابية من الحصول علي التكنولوجيا النووية. كما جاء انعقاد مؤتمر نيويورك في إطار تحديات عالمية في مقدمتها تطورات البرنامج النووي لكل من إيران وكوريا الشمالية، ومطالبة دول تحالف الأجندة الجديدة، ودول عدم الانحياز للتوصل إلي معاهدة بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وفقا لقرار صدر بهذا الصدد في مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي في 1995، كما يضطلع مؤتمر نيويورك ببحث مسألة تقييد حق الانسحاب من المعاهدة، وفرض البروتوكول الإضافي لاتفاق ضمانات شاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كأحد أهم الشروط للتعاون مع الوكالة في المجال النووي. النظام الدولي من المفترض أن مؤتمر نيويورك لمراجعة معاهدة منع الانتشار النووي، الذي يعقد كل خمس سنوات، يأتي في إطار السعي لبلورة نظام دولي لمنع الانتشار النووي يرتكز علي مستويات تنظيمية مختلفة من الاتفاقيات الدولية الجماعية، والمنظمات الدولية، والقوانين والتشريعات الداخلية للدول المعنية، في إطار هدف أشمل وهو منع انتشار التكنولوجيا النووية التي تستخدم في الأغراض العسكرية. هذا النظام الدولي لمنع الانتشار النووي يرتكز أولا علي معاهدة منع الانتشار التي أبرمت في عام 1970، واعترفت فقط بوجود خمس دول نووية في العالم وهي : الولاياتالمتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، وقد انضمت للمعاهدة غالبية دول العالم، ماعدا اسرائيل والهند وباكستان، وانسحبت منها كوريا الشمالية في عام 2003. وفي بيان الدول الخمس الكبري في مجلس الأمن، اعتبرت معاهدة عدم الانتشار النووي أمرا أساسيا لحماية السلم والأمن العالميين، من خطر انتشار الأسلحة النووية، وقد خدمت المعاهدة المجتمع الدولي بشكل جيد علي مدي العقود الأربعة الماضية، واتفقت الدول الكبري علي اعتبار المعاهدة " حجر الأساس " لنظام عدم الانتشار النووي والسعي الجماعي لنزع السلاح النووي، وبدلا من ذلك، نشر الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. ودعا بيان الدول الكبري الدول التي ليست أطرافا في المعاهدة للانضمام إليها. أما المستوي الثاني لتفعيل وضبط نظام دولي لمنع الانتشار النووي فيعتمد علي دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تأسست في عام 1957 بهدف مساعدة الدول في الحصول علي تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية، وفرض التفتيش والمراقبة في هذا الصدد لضمان عدم التحول إلي إنتاج أسلحة نووية. أما الضلع الثالث لضبط وفرض عدم الانتشار النووي علي مستوي العالم فيعتمد علي توصل مجموعات من الدول إلي اتفاقيات بإنشاء مناطق جغرافية خالية من الأسلحة النووية، وهو ما تحقق في أمريكا اللاتينية، وافريقيا ووسط وجنوب شرق آسيا، ويجري محاولة التوصل إلي اتفاق حول منطقة خاليةمن الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، استجابة لقرار دولي بهذا المضمون في عام 1995. واستكمالا لأركان نظام دولي لمنع الانتشار النووي، تأتي مجموعة من الاتفاقيات الدولية المكملة منها: اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية الموقعة في 1987 وتتضمن مجموعة من المعايير الدولية الحاكمة لتجارة المواد النووية، وتبادلها بين الدول من أجل الأمان وحمايتها من الارهاب، وهناك الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الارهاب النووي، والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2005، إضافة إلي الاتفاقية الشاملة لمنع التجارب النووية، ومعاهدة وقف إنتاج المواد المشعة. هذا النظام الدولي لمنع الانتشار النووي يتأثر بالدرجة الأولي بتوجهات الدول الكبري، والحائزة بالفعل علي السلاح النووي. وفي الآونة الراهنة تقود الولاياتالمتحدة حملة دولية لهذا الهدف، مصاحبة باهتمام خاص من جانب الرئيس باراك أوباما الذي أكد علي أن التحرك الدولي لمنع انتشار الأسلحة النووية يرتكز علي ثلاثة أسس: 1- تحرك الدول النووية للتخلص من أسلحتها النووية. 2- منع الدول غير النووية من الحصول علي أسلحة نووية. 3- تمكين دول العالم من الحصول علي الطاقة النووية السلمية. مواجهات ساخنة توقعت دوائر عديدة أن تستغل إيران فرصة المؤتمر لشن هجومها المعتاد علي الولاياتالمتحدة، وهو ما حدث بالفعل حيث اتهم الرئيس محمود أحمدي نجاد الولاياتالمتحدة والدول الغربية بازدواجية المعايير في قضية الانتشار النووي، وفي التعامل مع إيران علي وجه الخصوص، كانت وفود الدول الكبري، بريطانيا وفرنسا وأمريكا قد غادرت القاعة أثناء كلمة نجاد، واستمرارا للموقف الإيراني المعلن، ركز نجاد هجومه علي أمريكا وإسرائيل، فالأولي تهدد باستخدام القوة ضد ايران، بما في ذلك السلاح النووي، والثانية تمتلك أسلحة نووية، وتهدد الشرق الأوسط برمته. وفي ضوء لغة تصعيدية واضحة، طالبت أمريكا إيران بالتخلي عن برنامجها لتصنيع أسلحة نووية، وفي بيان دول مجلس الأمن، أكدت الدول الكبري أن البرنامج النووي الإيراني مازال مصدرا لقلق شديد، وطالبت إيران بضرورة الالتزام بقرارات الأممالمتحدة ومجلس الأمن ومتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص برنامجها النووي. أما المواجهة الثانية التي اقترنت بأعمال مؤتمر نيويورك تمثلت في مطالبة "تحالف الأجندة الجديدة " بأن يتم التركيز علي انضمام اسرائيل والهند وباكستان إلي معاهدة منع الانتشار النووي، وإلغاء كوريا الشمالية انسحابها من المعاهدة، وأن تتعهد الدول الحائزة علي الأسلحة النووية تعهدا لا لبس فيه بالإزالة الكاملة لترساناتها النووية. كان تحالف الأجندة الجديدة قد تأسس بدعوة مصرية في عام 2008، بهدف مناهضة الانتشار النووي في العالم، وتفعيل مواد المعاهدة، وجعلها ملزمة للدول الأطراف، في كل الأوقات. وبما ان المنطقة العربية، ودول عدم الانحياز يهمها بالدرجة الأولي التوصل إلي توافق دولي بخصوص انشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، فقد اتهمت هذه المجموعة الدولتين العظميين أمريكا وروسيا بمحاولة الالتفاف حول القضية الرئيسية، مؤكدة أن مؤتمر نيويورك معني أساسا بقضية الحد من الانتشار النووي، لهذا يتعين إرجاء باقي القضايا التي تتعلل بها الدول الكبري لما يناسبها من محافل دولية اخري، وهي قضايا حظر التجارب النووية، وحظر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وبناء علي هذا، ففي بداية الحوارات الأولي، رفضت المجموعة العربية شروط الورقة الأمريكية الروسية والتي تميل إلي ضرورة تحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط قبل تأسيس منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وكذلك دعوة الدول العربية للانضمام إلي الاتفاقيات الدولية الأخري، والامتناع عن تخصيب اليورانيوم مقابل الاكتفاء بمناشدة إسرائيل الانضمام إلي معاهدة منع الانتشار النووي. وفي الوقت الذي تركز فيه الولاياتالمتحدة علي حشد الاجماع الدولي ضد البرنامج النووي الإيراني، فإنها تغض الطرف، أو حتي تسعي لتحويل الانتباه الدولي عن الترسانة النووية الإسرائيلية، وفي غضون ذلك، جاء في كلمة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن بلادها تؤيد إخلاء عدة مناطق من الأسلحة النووية، ولكن لم يحن الوقت بعد لإخلاء منطقة الشرق الوسط منها، الأمر الذي أثار تساؤلات عن حقيقة موقف الولاياتالمتحدة من المبدأ الأساسي لتخليص العالم من الأسلحة النووية. ولاشك أن صدور بيان من الدول الكبري بتأييد إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية جاء ثمرة لجهود دولية مكثفة، قامت بها مصر، والمجموعة العربية، ودول عدم الانحياز، مما يمثل نصرا دبلوماسيا، ستكون له تداعيات إيجابية مستقبلا. فقد أكد البيان التزام الدول الكبري بالتنفيذ الكامل بقرار عام 1995 بشأن حظر الانتشار النووي في الشرق الأوسط، ودعم كل الجهود الرامية للوصول إلي هذا الهدف. وكانت مصادر اسرائيلية قد أعربت عن قلقها من احتمال تغير السياسة الأمريكية تجاه سياسات التسلح النووي في الشرق الأوسط، وذلك نتيجة الاتصالات المصرية الأمريكية، خاصة وأن مسئولين أمريكيين أعربوا عن قلقهم من السياسات الاسرائيلية، مؤكدين أن الولاياتالمتحدة لاتستطيع أن تستمر إلي الأبد في تغطية السياسة النووية لإسرائيل. ثم نقلت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية علي لسان مسئول اسرائيلي أن تل أبيب تؤيد جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي، ولكن شريطة ان يأتي ذلك في ذروة التوصل إلي اتفاقيات سلام بين جميع دول المنطقة. كذلك أكدت مصادر أخري أن هناك احتمالات منها التوصل إلي حل وسط يقضي بتعيين مسئول خاص من الأممالمتحدة يعمل علي عقد مؤتمر اقليمي حول التسلح النووي في الشرق الأوسط، ووضع خطة لنزع هذه الأسلحة. وتثير القضية عموما جدلا واسعا حاليا في اسرائيل، ويعلق البروفيسور عوزي ايبين عالم الذرة الذي كان في مركز قيادي في ديمونة بأن اسرائيل أخطأت في رفضها المصادقة علي معاهدة منع الانتشار النووي، فبدلا من المصادقة عليها منذ عشر سنوات، وبالتالي فرض الاعتراف بإسرائيل كدولة نووية فإنها تجد نفسها الآن في عزلة ربما يتضاعف ثمنها السياسي والاقتصادي، وقد تضطر اسرائيل إلي التصديق علي المعاهدة رغم أنفها في نهاية المطاف. ويضيف العالم الاسرائيلي أن الهند وباكستان سلكتا في البداية الطريق نفسه، ولكنهما اكتشفتا الخطأ، وكشفتا عن قدراتهما النووية، وتعملان حاليا كدولتين نوويتين، ولم تتضررا، بل تتعاونان مع دول نووية أخري. المبادرة الأمريكية في إطار توجه امريكي لترسيخ فكرة التخلص من الأسلحة النووية في العالم أعلنت الولاياتالمتحدة مبادرة عالمية في هذا الصدد، تتمثل في عدة نقاط منها: 1- المبادرة بالشفافية في الإعلان عن حجم الترسانة النووية الأمريكية، والتي تمتلك حاليا 5113 رأسا نوويا، وعددا من الرءوس النووية القديمة التي يجب تدميرها، وهو ما يعني أن الترسانة النووية الأمريكية تقلصت بنحو 84% عما كانت عليه في 1967. 2- انشاء صندوق بقيمة 100 مليون دولار لدعم نشاط الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتطوير عملها في مجال الطاقة النووية السلمية، وتساهم أمريكا بخمسين مليون دولار في الصندوق. 3.. سعي الإدارة الأمريكية لتمرير اتفاقيات إنشاء مناطق منزوعة السلاح النووي في افريقيا وجنوب المحيط الهادي، داخل مجلس الشيوخ الأمريكي. 4.. تأييد أمريكي لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، في ضوء إحراز التقدم في عملية السلام. آليات المجتمع الدولي بالرغم من المساعي الحثيثة التي يبذلها المجتمع الدولي، لترسيخ فكرة التخلص من الأسلحة النووية، إلا أن محللين دوليين يحذرون من احتمال فشل مؤتمر نيويورك لمراجعة معاهدة منع الانتشار النووي، إذا ما تصاعدت فيه المجادلات، وذلك كما حدث في مؤتمر 2005، حيث أدت خلافات الدول ومجادلاتها إلي عدم امكانية توصله إلي بيان ختامي. وفي غضون ذلك، تسعي مصادر مؤتمر نيويورك، وأيضا الدوائر الأمريكية إلي عرض أفكار ومقترحات بخصوص الآليات التي يحتاجها المجتمع الدولي من أجل تحقيق الهدف الأشمل بالتوصل إلي عالم خال من الأسلحة النووية. من هذه الآليات : 1- العمل علي توفير الموارد والسلطة اللازمة لتعزيز نظام التفتيش الدولي. - إعداد نظام خاص للعقوبات التي تترتب علي البلدان التي يتم ضبطها منتهكة للقواعد المحددة أو تحاول الخروج عن المعاهدة. 3- توسيع المجال أمام الدول للحصول علي الطاقة النووية السلمية، لاسيما البلدان النامية. 4- يضاف إلي ذلك ما طالبت به "اللجنة الدولية لمنع الانتشار النووي ونزع السلاح" بإصدار بيان يمثل الإجماع الدولي للعمل علي نزع الأسلحة النووية، ووضع تدابير فعالة لتعزيز إجراءات الضمانات والتحقق من تنفيذ معاهدة منع الانتشار النووي.