بعد انطلاق موجات الربيع العربي برزت الحاجة إلى استلهام التجارب الديموقراطية للشعوب، وكانت أقرب تلك الشعوب دولة تركيا التي صعد فيها حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام 2002، وقد أدى هذا الصعود إلى إطلاق سلسلة من التحولات لم تقتصر آثارها على الداخل التركي وإنما كانت لها انعكاسات خارج حدود الدولة. وحظيت تجربة الحزب باهتمام بالغ من قبل المراقبين والمتخصصين، كما نالت نصيباً وافراً من الاهتمام الإعلامي ليس على صعيد الحياة السياسية التركية فحسب، بل على المستوى الإقليمي والدولي على حد سواء. وعلى هامش مؤتمر منتدى المفكرين المسلمين بالقاهرة التقت صحيفة "التغيير" مع الأستاذ علي حسين باكير الباحث في منظمة البحوث الاستراتيجية الدولية - أنقرة، الذي قال إن الحزب التركي قدم تجربة تستحق الدراسة في المزج بين القيم الدينية والحياة الاجتماعية، مع تمييز واضح في الأجندة الدينية الصريحة عن البرنامج السياسي، دون فصل القيم الإسلامية المتأصلة من ممارسات أو سلوك الفاعلين في البرنامج أو ما يمكن أن نسمّيه روح البرنامج. وإلى تفاصيل الحوار الذي أجراه مراسل صحيفة "التغيير" بداية نرحب بكم في مصر ما بعد الثورة ونستهل بالسؤال عن جذور حزب العدالة والتنمية. أحيكم على اختيار الموضوع والذي كان عنوان كلمتي للمؤتمر، وأقول إن حزب العدالة والتنمية يعد وليدا لمراجعة نقدية لتجربة رائد الاسلام السياسي في تركيا أو كما يسمى "ابو الاسلام السياسي" في تركيا المهندس نجم الدين أربكان. وتضمنت هذه القراءة النقدية مراجعة لطبيعة الفكري والنظري والعملي والتمييز بين الديني والسياسي في العمل السياسي والممكن وغير الممكن وحدود وحجم المناورة وكيفية توظيف السياسي بما يخدم المنتج النهائي. ماذا عن منهج الحزب في التغيير وأهم نجاحاته؟ مع نجاح مسيرة الحزب منذ العام 2002 وحتى اليوم، أصبح الجميع يتحدّث عن التجربة التركيّة التي استطاعت ان تحقق عددا من المنجزات المهمة للشعب التركي وللدولة ككل خلال فترة وجيزة جدا، اذ تمكن حزب االعدالة والتنمية عبرها، من: - توسيع رقعة الحدود المرسومة له من قبل نخب الدولة وبين المقاومة البيروقراطية العسكرية والمدنية ضد أهدافه. - زيادة مساحة الحريات العامة وتعزيز مستوى الديمقراطية. - إطلاق برنامج الانفتاح السياسي والديمقراطي على الأكراد. - استطاع الحزب إدخال العديد من التعديلات الدستورية مستعينا بذريعة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهي الورقة الأهم لدى حزب العدالة والتنمية بعد الورقة الاقتصادية. ويستطيع المتابع لتجربة حزب العدالة والتنمية أن يصل إلى استنتاج واضح يفيد بأنّه ما كان لهذا الحزب تحقيق كل الانجازات التي وصل اليها، ووضع رؤيته موضوع التنفيذ عبر سياسة ارتجالية أو خطّة آنية، بل عبر إستراتيجية مميزة في التغيير كان لها أثرها في إحداث النقلة النوعية في الواقع السياسي التركي، وما نتج عن هذه النقلة من انعكاسات في الداخل أو الخارج التركي. ما هي أهم الأدوات التي اعتمدها الحزب في هذه التجربة؟ يمكن حصر هذه الأليات في ثلاث آليات رئيسية هي: أولا- قراءة الوضع قراءة صحيحة (كما هو) شخّص قادة حزب العدالة والتنمية الوضع التركي عند استلام الحكم تشخيصا سليما وواقعيا كما هو موجود وليس كما يريدون أن يروه، أي بنظرة موضوعيّة مجرّدة غير أيديدلوجية أو دينية أو عاطفية أو...الخ. وتوصلوا عبر هذه القراءة إلى عدّة نقاط ممكن اختزالها بما يلي: - الجيش هو اللاعب الأساسي والرئيسي في البلاد وحامي العلمانية المتطرفة المعادية للدين، وليس من الممكن مواجهته. - الأحزاب القومية المتشددة والعلمانية مستترة خلف الجيش ومتربصة بأي لاعب يحمل صفة أو نزعة ذات طابع إسلامي. - لا يوجد أي حزب حائز على أغلبية شعبية وبالتالي لا يوجد أي غالب في البرلمان وبالتالي لا تغيير في الحياة السياسية، وهناك دائرة مفرغة. - الاقتصاد متدهور في البلاد والناس تتجه إلى الفقر وهناك المزيد من الفساد وسوء الإدارة والبيروقراطية والهدر. - هناك تدهور في الحريات العامة والحقوق المدنية للشعب تحت حجة حماية علمانية الدولة. - هناك عدم استقرار اجتماعي يتعلق بمسائل متعددة أهمها المسألة الكردية. ثانيا - الاستفادة من التجارب السابقة وهضمها (الدروس والعبر) أيقن قادة الحزب أنّ أسلوب أستاذهم أرباكان والذي تجلى في الخبرة الأربكانية في الممارسة السياسية للأحزاب ذات الطابع الإسلامي في تركيا طوال نحو 30 عاما من خلال أحزاب "السلامة الوطني" و"الرفاه" و"الفضيلة" و"السعادة" وحتى اليوم، لا توصل إلى المكان المبتغى ولا تحقق الأهداف المرجوة على الرغم من نبل الهدف الذي يسعى اليه وعلى الرغم من الايجابيات العديدة التي اكتنفتها والفتوحات التي حققتها، بدليل أنّ هذه التجربة كان يتم الانقلاب عليها أو إجبارها على التراجع في العديد من المراحل. ولذلك فقد استفاد قادة حزب العدالة والتنمية من هذه التجربة وعملوا على هضمها وتعلم الدروس والعبر، لعل أهمها: - الظروف غير مواتية نهائيا لأي تجربة إسلامية على غرار التجارب السابقة، والتي سيكون مصيرها الفشل حتما، بل وسترتد سلبا على جمهور الإسلاميين والمتدينين عموماً. - إدخال الدين في السياسة ولو حتى من باب الاعتدال في الحالة التركية سيؤدي إلى طريق مسدود. - اعتماد النموذج القائم على الاقتصاد الإسلامي لا يساعد في الأوضاع الحالية. - اعتماد خطاب واتجاه معين ديني أو قومي أو اثني سيؤدي إلى مكاسب محدودة على الصعيد الشعبي، ولن يشكل رافعة أساسية للدولة والمجتمع. - تكرار نفس التجارب السابقة بنفس طرق التفكير وباعتماد نفس الأساليب والادوات سيؤدي الى سلسلة من حلقات الفشل والتراجع، وبالتالي سيتم الدخول في حلقة مفرغة. ثالثا- بلورة رؤية للعمل البرنامج الحزبي بما يخدم مصلحة العامة تجهّز حزب العدالة والتنمية للنزول إلى الواقع على الأرض عبر تبني مطالب اجتماعية لتدبير الشأن العام تتعلق ُاولا وأخيرا بالمواطن والوطن (الاقتصادي، التعليم، الحريات، الصحة، الطب....الخ)، وذلك للبرهنة فيما بعد على كفاءة الحزب في تطبيق ما يدعيه من أفكار وبدائل، بدلا من الاكتفاء بالتنظير والشعارات واعتماد نفس الطرق والوسائل والخطاب القديم. وقد وضع الحزب اهدافاً قابلة للتحقيق وليس خياليّة أو مبالغ فيها على اعتبار أنّ وضع مثل هذه الأهداف عن علم يعني قيام الحزب بانهاء مصداقيّته في المجتمع بنفسه لأنّه لن يكون قادرا على تحقيها، كما انّ وضعها عن غير علمي يعني كارثة أكبر. وقد ساهم نجاح الحزب الباهر في داخل تركيا وتجاوزه المصاعب والعقبات التي كانت الأحزاب التركية ذات التوجه الإسلامي تفشل في تخطّيها سابقا، في بروزه وتسليط الضوء على فكره ونهجه في العالم العربي أيضا. إذ رأت العديد من الأوساط الإسلامية العربية في تجربته خلاصا من المشاكل التي تواجه الحركة الإسلامية والأحزاب الإسلامية في العالم العربي لما أظهره الحزب من قدرة على التأقلم مع الظروف وبراجماتية عالية ونزاهة موصوفة وشعبية عارمة تثبت قدرة الإسلاميين على النجاح أيضا في الحكم. هل يمكن استنساخ تجربة العدالة والتنمية في بيئة عربية؟ لا شك أنّ محددات البيئة العربية تختلف عن مثيلتها التركية، فهي لها خصوصيتها غير المشتركة أيضا بين أقطارها وهو ما يصعب التشخيص الجمعي الكلّي ويدفع إلى الجنوح نحو تشخيص كل حالة لوحدها بشكل فردي. وعلى أي حال، يعدّ توصيف محددات البيئة العربية أمرا في غاية الأهمية كمدخل لفهم الكيفية التي يتعامل معها الطيف الإسلامي العربي مع التجربة التركية، وللكيفية التي يمكننا أن نستفيد منها فيما يتعلق بهذا التجربة. إذ شهدت المنطقة العربية بعد استقلال البلدان العربية مراحل عديدة بدأت بالانقلابات العسكرية و بروز الفكر القومي في أنظمة حكم مستبدة، وانتشار المد الإسلامي واليساري، اللذين مثّلا المعارضة في العديد من الدول العربية. وكان من مظاهر تلك التغييرات التي شهدتها المنطقة العربية في تلك المرحلة، انحسار كبير للديمقراطية واستمرار العمل بقوانين الطوارئ، و إلغاء الدساتير أو تعليق الكثير من موادها. وقد صاحب ذلك هزائم عسكرية أمام العدو الصهيوني وتدهور كبير في الأوضاع الاقتصادية وتراجع في البناء المدني للدولة العربية الحديثة و أيضا تنامي حالات انتهاك حقوق الإنسان والتضييق على الحريات. وكان من نتيجة هذا الخليط من المعطيات أن أصبحت السلطة في معظم الدول العربية بفعل عامل القوة و ليس بفعل الشرعية السياسية. ومن المفيد في هذا الإطار تسجيل عدد من الملاحظات فيما يتعلق بمحددات البيئة العربية عموما، ومنها: 1- ظروف الدول العربية السياسية والاقتصادية والثقافية مختلفة ومتفاوتة. فلدينا دول غنية وأخرى ميسورة وأخرى فقيرة. ولدينا شعوب دخل الفرد فيها مرتفع وأخرى متوسط وأخرى منخفض. وهناك دول تتمتع بمستويات عالية من الأمّية والجهل ودول بمستويات أقل. 2- النظام السياسي المتّبع في الدول العربية مختلف سواء في الشكل أو في المضمون، وان كان السائد بشكل عام نوعان أحدهما يسمح بقدر ما، بشكل أو بآخر بالتعددية والحرية (ولو شكليا)، وآخر حديدي لا يسمح بأي شكل من أشكال التعددية والحرية. 3- الثقافة السياسية والمشاركة السياسية متفاوتة في الدول العربية نتيجة طبيعة الأنظمة السياسية القائمة التي تحد من هذه المشاركة أو تمنعها من جهة، ونتيجة أيضا رفض العديد من الشرائح الدينية شكل ومضمون آلية المشاركة الحالية. 4- الإنسان العربي في المجمل وبشكل عام إنسان حدّي بطبيعته لا مكان للخيارات المتوسطة لديه، يحب الحسم والاختيار الصريح بين الأبيض والأسود ولا يحبذ المساحات الرمادية ليتحرك ضمنها، فهو إنسان مبدئي بالعموم، طبعا وكلها صفات تقلّل من مرونة المواقف وهو ما ينطبق على الناحية الاجتماعية كما على الناحية السياسية والدينية لديه وهو ما يختلف عمّا هو موجود لدى البيئة التركية. وهي جميعا معطيات يجب أخذها بعين الاعتبار عند دراسة تجربة حزب العدالة والتنمية التركي في البيئة العربية. ومن هذا المنطلق يصبح الحديث الصحيح هو عن عملية استفادة من التجربة التركيّة وعن كيفية الاستفادة منها وكيفية تسخيرها لخدمة الوضع في الدول العربية، وليس عن عملية استنساخ. وتصبح هذه المقاربة أكثر واقعية إذا ما عرفنا (وعلى عكس ما يعتقد كثيرون) انّه يوجد مشتركات بين الوضع التركي الذي أفرز صعود حزب العدالة والتركي وتجربته الناجحة، ووضع الدول العربية السابق على الثورات العربية أو الحالي وان بدرجات مختلفة. كما يوجد مشتركات بين المشاكل والصعوبات التي واجهتها الحركة الإسلامية في تركيا وأيضا الحركة الإسلامية العربية في البلدان العربية. ما هي أوجه الشبة والتلاقي بين الحالة التركية والوضع العربي الراهن؟ الوضع في العالم العربي في هذه المرحلة مختلف عن الحالة التركية التي تميزت بصراع حاد بين العلمانية والإسلام فيما يتعلق بالنظام السياسي. إذ إنّ الأنظمة العربية لا تطالب بحماية العلمانية، لكنها أيضا تتخوف من التيارات الإسلامية، إذ لم يستطع أي تيار كسر حلقة التخوف هذه أو تحقيق خروقات في الواقع السياسي إلا ضمن الأطر الموجودة وبحدود ضيقة جدا. ومكمن الحالة المشتركة هنا هو العداء بين النظام القائم بطبيعته وبين حركات الإسلام السياسي والتخوف الموجود منها. وإستخدمت الأنظمة العربية أيضا أدوات متعددة في حماية موقعها ونظامها. فكما كان النظام العلماني لتركيا يتحصن بقدرات الجيش وسلطاته المطلقة في إفشال أي تجربة إسلامية، فان الأنظمة العربية إستعانت أيضا بأجهزة الدولة ونظامها الأمني وقبضتها الحديدية، لقمع الحالة الإسلامية ومحاصرتها. الحكّام العرب بدورهم مارسوا قدرا هائلا من النفوذ على السلطة القضائية والسلطة التشريعية، وهو شكل شبيه للسلطة التي كان يمارسها النظام التركي ككل بالاعتماد على المؤسسات القضائية والمحكمة العليا والسلطات القضائية. ولم تنجح الأحزاب والحركات الليبرالية واليسارية في العالم العربي في حشد التأييد الشعبي لها، وحتى الحركات الإسلامية التي كانت تعدّ أقوى قِوى المعارضة العربية وأكثرها تنظيما وشعبية، أخذت تنحسِر إما بسبب عدم وضوح رُؤيتها أو ضعف قدرتها على التنظيم أو الانقسام في صفوفها أو ضعف إمكانياتها وقُدرتها على الاتصال بالجماهير، وهذا الوضع شبيه إلى حد ما بالازدواجية التي كانت موجودة في تركيا في المرحلة السابقة على ظهور حزب العدالة والتنمية. وكان هناك جمود في الفكر والآليات وطريقة مواجهة التحديات وتغيير الواقع لدى الإسلاميين العرب (هناك مؤشرات على حصول بعض التحولات الايجابية حاليا)، إذ لم يستطيعوا يطوروا نموذجا قادرا على كسر الحلقة المفرغة للوضع، وهو أمر مشابه لما مرت فيه الحركة الإسلامية في تركيا قبل أن يولد حزب العدالة والتنمية التركي. وتجدر الإشارة إلى أن هناك في العالم العربي شعور شعبي بالإحباط وعدم القدرة على التغيير، وهو شعور أيضا كان موجودا في تركيا في المرحلة الانتقالية التي سبقت ظهور حزب العدالة والتنمية. وهل ثمة معوقات تحول دون استلهام التجربة التركية ؟ في الحقيقة توجد عناصر تحد من استلهام التجربة التركية وأخرى تعزز منها فعلى سبيل المثال: 1- موقف الإسلاميين العرب الحركيين بجميع أطيافهم موقف ملتبس من الديمقراطية (نتحدث عن الديمقراطية هنا كآلية لتداول السلطة يمكن استخدامها وإذابتها في إطارنا وبيئتنا بما يتناسب مع ثقافتنا وديننا وليس كنظام إيديولوجي ليبيرالي أو رأسمالي)، وان بنسب متفاوتة ويتوزع بين الرفض الكلي المطلق (بما يؤدي إلى صدام مسلح أو عنف سياسي كبديل)، والقبول التكتيكي المشروط (بما يؤدي إلى ديمقراطية لمرة واحدة أو إلى مشاركة من دون فعالية). 2- لا يوجد تمييز لدى الإسلاميين العرب بين الدعوي والسياسي خاصة أولئك الذين يشاركون الآن في بلدانهم. ونحن نتحدث هنا عن تمييز وليس عن فصل حتى، فهناك خلط واضح بين الدعوي والسياسي بما يؤدي إلى جمود وتقييد المواقف السياسية بالأطر الدينية ليست العامة وإنما الضيقة، مما يخلق عدم انسجام بين الواقع الحالي حيث الدولة غير الدينية (منذ اختفاء دولة الخلافة) وبين متطلبات العمل السياسي. 3- الإسلاميون العرب يركزون على الشعارات وعلى البعد العاطفي لدى العامة، أكثر منه على التعامل مع الواقع والبناء الاجتماعي، لذلك فهم لا يستثمرون في البنى التحتية من حيث تثقيف الناس دينيا أو سياسيا أو اجتماعيا، وإنما يلجؤون إلى استغلال نقمة الناس على الأوضاع من خلال التجييش والاعتماد على الحس العاطفي في مواجهة أنظمة الحكم أو غيرها (الآخر) ممن يستهدفونه في خطابهم. كما تفتقد الحركات الإسلامية بشكل عام إلى الرؤية الإستراتيجية والنفس الطويل والمتأني في تحقيق الأهداف. 4- هناك عدم ثقة بالمجتمع وخوف زائد عن اللزوم لدى الكثير من الإسلاميين العرب بشكل عام من أن المجتمع سينفلت حال إتاحة المجال أمامه لمزيد من المتنفس والحرية (سواء الدينية أو السياسية أو الاجتماعية)، وهو أمر غير صحيح. فالمجتمعات العربية متدينة بالفطرة ومحافظة، فإذا كان البعض يريد العمل من الناحية الدعوية على البنى الاجتماعية، يمكن اللجوء إلى حركات اجتماعية على غرار "فتح الله غولن" يكون تركيزها فقط على هذه الجوانب دون السياسي المحض. 5- افتراض الحركات الإسلامية والأحزاب الإسلامية العربية أنّه "لان المجتمع العربي مجتمع مسلم، فهذا يعني أنّه في غالبيته مؤيد لنا"، افتراض خاطئ يؤدي إلى الفشل حتى قبل انطلاق التحدي، على اعتبار أنّ هذه الحركات والأحزاب لم ترتق إلى المستوى الوطني بطرحها ولم تعمل على كسب المؤيدين ببرامج وخطاب جامع وإنما افترضت أنّها ستحصل على هذا الإجماع مجانا من خلال يافطة "الهوية الإسلامية" أو من خلال يافطة "نقمة الآخر على الأنظمة". إذن ما هي العوامل التي ترجح امكانية تأثّر الاسلاميين العرب بنظرائهم الأتراك؟ تتلخص هذه العوامل باختصار في نقطتين رئيسيتين هما: 1- الثورات العربية: انفجار الثورات العربية جاء كنتيجة طبيعية لفشل الأنظمة السياسية وسياساتها الداخلية ونهجها العام، ناهيك عن فشل كل أشكال المعارضات السابقة بمختلف ألوانها في تقديم أي طرح عملي وموضوعي يخرج المجتمعات من الازمة التي أدخلتها اليها هذه الأنظمة، مترافقا مع تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وهو ما انعكس انفجارا ادى الى ما نحن عليه اليوم. ومع الاطاحة ببعض هذه الأنظمة اليوم، هناك فرصة للاسلاميين كما لغيرهم للمشاركة في الحكم، وأقرب هذه التجارب وأكثرها حضورا في النقاشات العامة والخاصة هي التجربة التركية مقارمة بالتجارب الأخرى الموجودة والنماذج المتنوعة من أنظمة الحكم. 2- كون النموذج مقبول من كافة الشرائح: انّ التجربة التركية تناسب مختلف الشرائح وليست حكرا على أحد. فهي تجربة متقدمة ديمقراطيا، تقوم على احترام حقوق الانسان والحريات العامة والخاصة، وهي تجربة رائدة اقتصاديا تقوم على الاكتفاء والتصنيع والتصدير وهي تقدم الوجه الحضاري المعتدل للاسلام. واذا ما نظرنا الى كل هذه القيم والحقوق سنرى انها مطلب يسعى الشعب بمختلف انتماءاته وألوانه للحصول عليها. والانسان العربي اليوم انتفض في الأساس من اجل تحقيق مثل هذه المفاهيم.